ملخص
شهدت إيران في العقود الماضية توجهاً واضحاً نحو تخصيص الجزء الأكبر من استثماراتها الوطنية للصناعات النووية والصاروخية، بينما أهملت البنى التحتية الحيوية، بما في ذلك محطات الطاقة الحديثة، وإنشاء السدود، وإدارة استهلاك الطاقة.
هذا التوازن غير المتكافئ أسهم مباشرة في تفاقم أزمة نقص المياه والكهرباء، التي تعانيها أكثر من 20 محافظة حالياً.
مع تفاقم أزمة نقص الكهرباء والمياه في إيران، شهدت أكثر من 20 محافظة إيرانية إغلاقاً كاملاً يوم الأربعاء السادس من أغسطس (آب) الجاري، ألحق أضراراً كبيرة بالاقتصاد الإيراني، وشمل الدوائر الحكومية والبنوك والمؤسسات التعليمية، وامتد أيضاً إلى المحافظات ذات الطقس البارد مثل أردبيل وزنجان وكردستان. وأرجع مسؤولو حكومة الرئيس مسعود بزشکیان سبب هذا الإغلاق إلى ارتفاع درجات الحرارة، والنقص الحاد في الطاقة، والضرورة الملحة لتقليص الاستهلاك.
وأعلنت محافظات طهران وسمنان وقم وإيلام وأذربيجان الشرقية وأذربيجان الغربية ويزد وأصفهان وهرمزكان وجيلان وكرمان، تعطيل الدوام الرسمي يوم أمس الأربعاء.
لاحقاً، انضمت إلى القائمة محافظات أخرى، منها كلستان ومازندران ومركزي وكهكيلوية وبوير أحمد وخراسان الجنوبية وخراسان الشمالية وخراسان رضوي وجهارمحال وبختياري وألبرز وسيستان وبلوشستان وبوشهر وفارس.
ويذكر أن محافظتي أذربيجان الشرقية وأذربيجان الغربية سبقتا جميع المحافظات بإعلان تعطيل الدوام، اعتباراً من يوم الثلاثاء الماضي.
اضطراب الحياة المدنية
تزامناً مع موجة الإغلاقات، أكدت وزارة الطاقة الإيرانية أن استهلاك الكهرباء في البلاد تجاوز 77 ألف ميغاواط، في حين لا تتجاوز القدرة الإنتاجية خلال ساعات الذروة نحو 62 ألف ميغاواط فقط.
ويفاقم الوضع الانخفاض الحاد في مخزون المياه، إذ تراجعت احتياطات 15 سداً من السدود الرئيسة في إيران بنسبة 50 في المئة مقارنة بالعام الماضي، مما زاد الضغط على شبكة الطاقة الكهرومائية.
وتفيد التقارير الميدانية بأن الانقطاعات الطويلة للتيار الكهربائي تسببت في اضطراب واسع للحياة اليومية لملايين الإيرانيين، ففي مساء الثلاثاء الخامس من أغسطس (آب) الجاري تجمع مواطنون في مدينة سلمان شهر بمحافظة مازندران أمام مبنى شركة الكهرباء، مطالبين بحل فوري لأزمة الانقطاعات.
وفي الليلة السابقة، شهدت مدينة فريدون كنار في المحافظة ذاتها احتجاجاً مماثلاً أمام إدارة توزيع الكهرباء، احتجاجاً على الانقطاعات المتكررة والطويلة للتيار الكهربائي.
وأكدت وكالة "تسنيم" التابعة لـ"الحرس الثوري"، صباح يوم أمس الأربعاء، أن مدة انقطاع الكهرباء في بعض المناطق الإيرانية ستزداد من ساعتين إلى أربع ساعات يومياً. يأتي ذلك في وقت أبلغ فيه عدد من المواطنين صحيفة "اندبندنت فارسية" خلال الأسبوع الماضي، عبر مقاطع فيديو، بأن انقطاعات الكهرباء في منازلهم وصلت إلى ما بين ست إلى ثماني ساعات يومياً.
كما أفاد المواطنون بأن المياه الصالحة للشرب مقطوعة لأكثر من 12 ساعة يومياً في ما لا يقل عن 10 محافظات إيرانية، مما يزيد من معاناة السكان في ظل الأزمة المتصاعدة.
تصريحات مثيرة للسخرية
في خضم أزمة الانقطاعات، أثارت تصريحات رئيس دائرة الكهرباء في منطقة "قلعة حسن خان" بمدينة قدس قرب طهران حسن سوري جدلاً واسعاً، إذ قال سوري "نعتذر إن لم تقطع الكهرباء بعد في بعض المناطق، ونعمل على أن تقطع الكهرباء بصورة عادلة للجميع بدءاً من العام المقبل، بعد تجاوز هذه المرحلة".
وأثارت هذه التصريحات موجة من الانتقادات والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط استياء متزايد بين المواطنين بسبب استمرار الأزمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تظاهرات غاضبة
إلى جانب الاحتجاجات المتفرقة، شهدت مدينة كرج مساء الثلاثاء الماضي تظاهرات غاضبة، إذ هتف المواطنون بشعارات مناهضة للنظام مثل "الموت للديكتاتور" و"الموت لخامنئي"، احتجاجاً على الانقطاعات المتكررة للماء والكهرباء.
وتصاعدت موجة الغضب الشعبي نتيجة التأثير المباشر لهذه الانقطاعات في الحياة اليومية، وما تسببت به من خسائر مادية كبيرة للقطاعات الاقتصادية، بما في ذلك الإغلاق الكامل أو الجزئي لآلاف الوحدات الإنتاجية لأسابيع متتالية.
تضرر القطاع الصحي
كذلك تسببت الانقطاعات المتكررة في التيار الكهربائي بأضرار جسيمة للخدمات الصحية، إذ أعلن رئيس مستشفى بهشتي في أردستان حامد روحاني أن انقطاع الكهرباء أدى إلى تعطل بعض الأجهزة الطبية الحيوية، مما أعاق تقديم الخدمات للمرضى.
ويخدم المستشفى نحو 43 ألف نسمة، ويضطر إلى تحويل المرضى الذين يحتاجون إلى فحص الرنين المغناطيسي إلى مدن مجاورة. وأوضح روحاني أن "وزارة الصحة تتحمل نصف كلفة شراء الجهاز فقط، بينما يطلب تأمين النصف الآخر من خلال تبرعات الجمهور والمؤسسات الداعمة، مثل مقر مكافحة الفقر التابع للجيش".
وامتد تأثير الاختلال في شبكة الكهرباء ليطاول البنية التحتية للاتصالات، فأكد وزير الاتصالات في حكومة الرئيس بزشکیان يوم الثلاثاء الماضي أن جزءاً من انقطاعات شبكة الهاتف المحمول ناجم عن انقطاع التيار الكهربائي، مشيراً إلى أن بطاريات الدعم الاحتياطية لمحطات الاتصالات تعمل فقط لمدة نصف ساعة في حال انقطاع الكهرباء.
سنوات من الإهمال وسوء الإدارة
يؤكد الخبراء أن الأزمة الحالية نتاج سنوات طويلة من الإهمال في الاستثمار بقطاع الطاقة وسوء إدارة الموارد المائية، بينما تمر إيران الآن بالعام الخامس على التوالي من الجفاف، مما أدى إلى تراجع حاد في معدلات الأمطار، وبالتالي انخفاض كبير في قدرة إنتاج الكهرباء المائية.
إلى جانب ذلك، تعاني شبكة إنتاج وتوزيع الكهرباء في إيران من قدم البنية التحتية وعدم كفاءتها، إذ يبلغ متوسط عمر محطات التوليد الحراري أكثر من 25 عاماً، بينما تتجاوز خطوط نقل الكهرباء عمر 40 سنة، مما يجعلها غير قادرة على تلبية الطلب المرتفع خلال فصل الصيف.
وعلى مدى العقود الماضية، خصص جزء كبير من الاستثمارات الوطنية في إيران للصناعات النووية والصاروخية، بينما أهملت البنى التحتية الحيوية مثل محطات الطاقة الحديثة، والسدود العلمية، وإدارة استهلاك الطاقة.
والآن، وصلت هذه الإهمالات إلى نقطة حرجة، دفعت الحكومة والمسؤولين المعينين من المرشد علي خامنئي إلى اللجوء لتعطيل واسع النطاق في عدد من المحافظات، حفاظاً على استقرار الشبكة الكهربائية.
وفي ظل استمرار ارتفاع درجات الحرارة وتناقص مخزون السدود، وضغط غير مسبوق على شبكة الكهرباء، لا يتوقع حدوث تحسن في المدى القصير، إذ لا تؤدي انقطاعات التيار الكهربائي وندرة المياه والتعطيلات الواسعة إلى تعطيل الحياة اليومية للمواطنين فحسب، بل تشل أيضاً الاقتصاد والخدمات العامة، مما أشعل موجة من الاحتجاجات الاجتماعية.
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"