ملخص
أدى تراكم أزمة الطاقة وسوء الإدارة وتهالك البنية التحتية والضغوط الناجمة عن العقوبات الدولية، إلى انتشار الاحتجاجات على نطاق واسع في إيران. وفي ظل هذا الوضع، حذّر عدد من المتخصصين وبعض الشخصيات المقربة من المؤسسات الحكومية والأمنية عبر شبكات التواصل الاجتماعي من أن أي شرارة صغيرة من الاحتجاجات الشعبية قد تشعل حريقاً واسعاً تصعب السيطرة عليه.
شهدت مدينة سبزوار (مدينة إيرانية تقع في محافظة خراسان رضوي شمال شرقي إيران)، مساء الثلاثاء الماضي، الـ22 من يوليو (تموز)، ثاني ليلة من الاحتجاجات الشعبية الواسعة على الانقطاعات المتكررة للمياه، حيث تجمع آلاف المواطنين أمام مبنى القائمقامية، ورددوا شعارات مناهضة لكبار مسؤولي النظام والمسؤولين المحليين.
في الوقت نفسه، عبر عدد من المحتجين في أحياء مختلفة من العاصمة طهران عن غضبهم من الانقطاعات المتكررة للماء والكهرباء، وأطلقوا من نوافذ منازلهم شعارات مثل "الموت للديكتاتور"، و"الموت للجمهورية الإسلامية"، في تعبير واضح عن سخطهم المتصاعد.
شعارات مناوئة لمسؤولي النظام
بحسب التقارير والفيديوهات التي حصلت عليها "اندبندنت فارسية"، فقد رفع المحتجون في سبزوار، خلال تجمعاتهم، شعارات مناهضة للنظام من بينها "اخجل يا ديكتاتور" و"عدونا هنا، إنهم يكذبون أنها أميركا" و"حقوقنا تنتزع فقط في الشارع" و"لا كهرباء ولا ماء... أيها القائمقام، بينما أنت نائم" و"المسؤول غير الكفؤ، استقل... استقل"، وطالب المحتجون بحل فوري لأزمة المياه والكهرباء في المدينة.
وحاولت القوات الأمنية والاستخبارية في مدينة سبزوار ومحافظة خراسان رضوي، قمع التجمع السلمي من خلال إطلاق الغاز المسيل للدموع واعتقال عشرات المحتجين، إلا أن هذا القمع لم يفلح في كبح الغضب الشعبي، بل زاد من حدة الشعارات وعمق حال السخط لدى المتظاهرين.
وتشهد إيران موجة من الأزمات المتفاقمة في مجال تأمين مصادر الطاقة الحيوية مثل الماء والكهرباء والغاز في الأشهر الأخيرة. فقد أدت عوامل عدة، من بينها انخفاض معدلات الأمطار وتهالك شبكات النقل والسياسات الخاطئة المتبعة على مدى عقود وأولوية النظام الإيراني (المرشد علي خامنئي والحكومات المتعاقبة) للاستثمار في المجالات العسكرية والنووية على حساب البنية التحتية الحيوية، إلى تفاقم هذه الأزمات.
نتيجة لذلك، تواجه كثير من المحافظات، من بينها طهران ومازندران وكيلان وأصفهان وخراسان وشيراز وكرمان والأحواز وسيستان وبلوشستان، انقطاعات متكررة في المياه، بل انعداماً تاماً لها في بعض المناطق، بالتوازي مع انقطاع واسع في التيار الكهربائي. وقد أدت هذه الانقطاعات إلى تعطيل الحياة اليومية لملايين الإيرانيين في مختلف أنحاء البلاد.
السلطات الإيرانية تلجأ إلى حلول موقتة بدلاً من إصلاحات بنيوية
وفي مواجهة هذه الأزمات، لجأت السلطات الإيرانية، مجدداً، إلى حلول موقتة بدلاً من إجراء إصلاحات بنيوية حقيقية. ووفقاً لإعلانات صادرة عن محافظات في مختلف أنحاء البلاد، فقد تقرر إغلاق المدارس والدوائر الحكومية، أو تحويلها إلى نظام العمل عن بعد في 23 محافظة، بدءاً من الأربعاء الماضي وحتى نهاية الأسبوع، تحت ذريعة "إدارة استهلاك الطاقة". وفي بعض المحافظات، مثل سمنان وأصفهان وأذربيجان الغربية، تم تقليص ساعات الدوام الرسمي، على رغم أن الأنشطة اليومية لا تزال مستمرة بطريقة اعتيادية.
يأتي هذا في وقت لا يزال فيه كثر من المواطنين يبلغون، من خلال رسائلهم وتقاريرهم، عن انقطاعات تمتد ساعات في الكهرباء والمياه خلال النهار، مما يزيد من معاناتهم في ظل الحرارة الشديدة التي تشهدها البلاد هذا الصيف، ويضاعف الضغط على السكان في مختلف المناطق.
الاحتجاجات ومخاوف النظام
يرى محللون وعدد من الشخصيات المقربة من النظام، في هذه الظروف، أن عودة الاحتجاجات الشعبية في مدن مثل سبزوار وطهران تشكل تحذيراً خطراً لكبار المسؤولين في النظام، بحيث يخشى النظام، بشكل متزايد، من أي اضطرابات داخلية، بخاصة في الأشهر الأخيرة، التي تزامنت مع التصعيد العسكري مع إسرائيل.
ويرى المراقبون أنه إذا اشتعلت الاحتجاجات، مرة أخرى، على غرار خريف 2022، فإن السيطرة عليها ستكون، هذه المرة، أصعب بالنسبة إلى النظام، نظراً إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والبيئية والسياسية، وقد تؤدي حتى إلى انهيار النظام القائم.
وتشير الاعتقالات الواسعة في مدينة سبزوار إلى أن الأجهزة الأمنية لجأت منذ البداية إلى القمع السريع لمنع امتداد الاحتجاجات إلى مدن أخرى، إلا أن شعارات المحتجين توضح أن هذه الإجراءات القمعية لم تقلل من حدة الاحتجاجات وحسب، بل زادت من حدة اللهجة ووضوحها.
وانتقد رئيس لجنة الصحة والبيئة في مجلس مدينة طهران بشدة أداء الجهات المسؤولة، وقال إن "نقص المياه، اليوم، هو نتيجة تقصير الماضي والإهمال المتكرر. لماذا قمتم بتقليل ضغط المياه بهذه الطريقة وتجبرون الناس على شراء خزانات ومضخات؟ أنتم تضعون الناس تحت ضغط نفسي يومياً، وتعطون تحذيرات مستمرة من الأزمة، هل هذا هو أسلوب الإدارة؟". وطالب بمحاكمة المديرين الذين أسهم تقصيرهم في تفاقم هذه الأزمة.
في هذا السياق، قال الرئيس السابق لمنظمة حماية البيئة عيسى كلانتري "لا يوجد في إيران أي نهر حي وطبيعي. الهبوط الأرضي ونقص المياه ما هي إلا بداية القصة. اليوم، المدن المركزية في إيران مهددة بالدمار، وإذا لم تتغير السياسات فلن يكون حتى من الممكن العودة إلى الحال السابقة"، وحذر كلانتري، بصورة صريحة، من أن الاستنزاف المفرط للمياه الجوفية أوصل إيران إلى مرحلة حرجة، وباتت فيها كل المحافظات، بنسبة 100 في المئة، تواجه تهديداً جدياً لوجودها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحذرت أيضاً النائبة عن مدينة طهران وشميرانات وري وإسلام شهر وبرديس في البرلمان زینب قيصري من تفاقم أزمة المياه في العاصمة، مشيرة إلى أن مسؤولي شركة المياه والصرف الصحي أبلغوا النواب، خلال زيارتهم الأخيرة لخمسة من سدود طهران، بأن وضع مخزون المياه "سيئ للغاية"، وإذا لم تتحسن الظروف سريعاً، فقد تواجه العاصمة خلال الأيام الـ40 المقبلة موجة عطش حادة أو حتى انقطاعاً كاملاً في المياه. وحذرت عضوة لجنة الصناعة والمناجم في البرلمان من خطر الهبوط الأرضي الناجم عن الاستنزاف المفرط للمياه الجوفية، إلى جانب الزيادة المتوقعة في عدد سكان العاصمة ليبلغ 19 مليون نسمة خلال الأعوام المقبلة. وشددت قيصري على ضرورة اعتماد سياسات فعالة لتحقيق هجرة عكسية من طهران، وإرساء إدارة مستدامة للموارد الطبيعية.
أدى تراكم هذه الوقائع، وتحديداً أزمة الطاقة وسوء الإدارة وتهالك البنية التحتية وضغط العقوبات الدولية على النظام، إلى انتشار الاحتجاجات على نطاق واسع في إيران. وفي ظل هذا الوضع، حذر عدد من المتخصصين وبعض الشخصيات المقربة من المؤسسات الحكومية والأمنية عبر شبكات التواصل الاجتماعي من أن أي شرارة صغيرة من الاحتجاجات الشعبية قد تشعل حريقاً واسعاً تصعب السيطرة عليه. ولهذا السبب، يعد القمع الشديد في مدينة سبزوار دليلاً واضحاً على الخوف العميق لدى النظام من تكرار موجة احتجاجات شاملة في البلاد.