ملخص
العنصرية المتفشية في كرة القدم، كما في حالة جيسيكا كارتر، تكشف عن فشل منصات التواصل في حماية اللاعبين، ويكمن الحل في تحمل شركات التكنولوجيا مسؤوليتها، وتصميم فضاءات رقمية تحترم الكرامة الإنسانية وتواجه خطاب الكراهية بصرامة.
عندما وطأت جيسيكا كارتر، مدافعة "منتخب إنجلترا للسيدات"، أرض ملعب بطولة "يورو للسيدات" 2025 برفقة زميلاتها، لم تكن تخوض مباراة حاسمة فحسب، بل كانت تحمل على كتفيها آمال جيل بأكمله، ولكن فرحة الاحتفال المفترضة سرعان ما تحولت إلى وابل من إساءات عنصرية انهالت عليها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
الأسبوع الماضي، أعلنت كارتر انسحابها من مواقع التواصل الاجتماعي بعدما طاولتها تعليقات مسيئة وصادمة من مستخدمين أبقوا هويتهم الحقيقية طي الكتمان. وقبل صافرة البداية في مباراة يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي أمام المنتخب الإيطالي، اصطفت لاعبات منتخب "لبؤات إنجلترا" كتفاً إلى كتف في مشهد رمزي عبر عن وحدة لا تقبل الانقسام، ورسالة صريحة تؤكد رفضهن العنصرية وعدم التسامح معها، ومن المتوقع أن تتكرر هذه البادرة في نهائي الأحد (الـ27 من يوليو/تموز) المرتقب ضد إسبانيا.
في الحقيقة، لم تكن العنصرية ضد لاعبي ولاعبات كرة القدم يوماً حادثة عابرة ولا استثناء نادراً، بل تكراراً لفصل في سجل طويل بدأ مع دخول اللاعبين من ذوي البشرة السوداء ملاعب الأندية البريطانية، لذا بات التصدي لهذا الواقع مسؤولية جماعية ملحة.
ولكن منصات التواصل الاجتماعي، حيث تنتشر هذه الصورة من الكراهية، تسهم في تمكين الأخيرة وتعزيزها، وتقع على عاتق قادتها مسؤولية خاصة في هذا الشأن. كلنا نعرف أن أنظمتهم مصممة لزيادة مدة التصفح واستمرارها، وإعطاء الأولوية لردود الفعل الغاضبة، وذلك بغية عرض عدد أكبر من الإعلانات وتحقيق أرباح أكثر، وذلك كله على حساب صحتنا النفسية. لذا عندما تتصدر المشهد منشورات تثير الغضب والانقسام، تصبح الإساءة جزءاً لا يتجزأ من طريقة عمل هذه المنصات. ولا ينبغي على أحد أن يتحمل هذا النوع من الإساءة والتعنيف، لمجرد أنه يؤدي عمله [سواء لاعب كرة قدم أو أي شخص آخر].
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في يدنا أن نعيد توجيه وسائل التواصل الاجتماعي نحو أداء أفضل، ففي عام 2022 أسست شخصياً منصة "وي آر 8" WeAre8 [تعني حرفياً "نحن ثمانية"]، شبكة اجتماعية مصممة لتعزيز الصحة النفسية الإيجابية على نطاق واسع. منذ اللحظة الأولى، حرصنا على بناء منصة تقوم على قيم الاحترام والانتماء والمساءلة. كذلك زودناها بدرع مدعوم بالذكاء الاصطناعي، يتعرف إلى المحتوى المسيء والتعليقات الضارة ويصدها قبل أن تتسلل إلى صفحات المستخدمين.
اتخذنا خيارات تصميم مدروسة لحماية مجتمعنا: لا منشورات من مستخدمين مجهولي الهوية، ولا خوارزميات تفاقم الكراهية، ولا تساهل مع أية صورة من صور التمييز، وتؤكد النتائج نجاعة هذا النهج. إنه دليل عملي على أن بناء فضاء رقمي أكثر أماناً واحتراماً ليس احتمالاً نظرياً فحسب، بل واقع متحقق فعلاً، وهذه التجربة بحد ذاتها مصدر إلهام. الإيجابية والخوارزميات الشفافة غير الموجهة لتضخيم المحتوى المثير للجدل والانقسام، توفران تجربة ترفيهية ثرية وفاعلة، ولكن كل ما في الأمر أننا لم نخض هذا النوع من التجربة بصورة جماعية حتى الآن.
اللافت أن الجوانب الإيجابية كافة التي ينطوي عليها التواصل الاجتماعي الحقيقي تصبح أقوى وأشد تأثيراً، جل ما نحتاج إليه هو الاتحاد معاً واختيار البديل الأفضل. لا شيء يبعث برسالة قوية إلى المسيئين أكثر من مغادرة الساحة، كما شهدنا في انتقال المستخدمين من منصة قطب المال والتكنولوجيا إيلون ماسك "إكس"X [تويتر سابقاً] إلى "بلوسكاي" Bluesky [التي تقدم تجربة مغايرة، تعتمد على الشفافية والتحكم الأكبر للمستخدم في المحتوى الذي يراه].
ومعلوم أن الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم يملك تاريخاً طويلاً ومشرفاً في دعم لاعبيه وقيادة رياح التغيير في كرة القدم عموماً، ولكن في عالم تعجز فيه الحكومات والمحكمة العليا الأميركية عن إجبار "ميتا" ومؤسسها مارك زوكربيرغ مثلاً على اتباع نهج مغاير، لست متأكدة من قدرة الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم على تحقيق ذلك أيضاً، فـ"ميتا" لا تبالي بالتغيير أصلاً. أقوى وسيلة في رأيي، عدم الاكتفاء بالشكوى والانتقاد فحسب، بل أن يقرر المستخدمون وبصورة جماعية الانسحاب والتوقف عن استخدام هذه المنصات.
تقوم كرة القدم على الوحدة والشغف والفخر، ولكن لا يمكننا المطالبة بهذه القيم ما لم ندرك الأهمية التي تكتسيها أفعالنا في هذا المجال. عندما نواجه إساءة، ماذا نختار؟ أن نتصفح التعليقات كمتفرجين صامتين، أم أن نغادر هذه المساحة في خطوة دعم للشخص الذي يتعرض للإساءة؟
ليس من المفترض أن تتحلى جيس كارتر بالمرونة أمام العنصرية، بل ينبغي أن تكون محمية منها من الأساس.
الحقيقة أننا لسنا مضطرين إلى القبول بوسائل التواصل الاجتماعي في صورتها الحالية، وأنتم تملكون القدرة على أن تكونوا جزءاً من حركة صنعت فارقاً في تاريخ المنصات الاجتماعية، ولجمت العنصرية السائدة على جدرانها.
لذا، إلى كل مشجع كرة قدم، وإلى كل لاعب، وإلى كل مؤسسة تعشق هذه اللعبة: اتخذوا موقفاً حازماً وقولوا كفى، توقفوا عن دعم الأنظمة التي تغذي الإساءة وتجني الأرباح منها. كونوا سنداً للاعبيكم، ليس في الملعب والمدرجات فحسب، بل أينما ظهروا، وأينما كانت إنجازاتهم محل احتفاء.
لا يجب أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي ميداناً للصراع، ففي وسعها، بل وعليها، أن تكون موطناً للجميع. الخيار في أيديكم.
زوي كالار المؤسسة والرئيسة التنفيذية لمنصة التواصل الاجتماعي "وي آر 8" WeAre8.
© The Independent