ملخص
طوال الأعوام الماضية شهدت القاهرة ضغوطاً غربية من أجل الإفراج عن عبدالفتاح، ولا سيما من بريطانيا التي يحمل جنسيتها، إلا أن هذه التحركات والمناشدات لم تفض حتى اللحظة إلى نتيجة، إذ تقول السلطات المصرية إنه سجين جنائي لا سياسي، رافضة ما تسميه محاولة التدخل في شؤونها الداخلية أو التأثير في سير القضاء.
في خطوة من شأنها أن ترفع عنه عدداً من القيود القانونية من دون أن يتضح ما إذا كانت تمهد للإفراج عنه بعد أعوام من السجن، قضت محكمة جنايات القاهرة أمس الإثنين بشطب اسم الناشط المصري البارز علاء عبدالفتاح من قائمة الكيانات الإرهابية، بعد أعوام من إدراج اسمه ضمنها على خلفية اتهامه من قبل السلطات بالانضمام إلى جماعة إرهابية والتحريض على ممارسة العنف.
وبينما جاءت خطوة القضاء المصري بعد نحو أسبوع ونيف على إنهاء والدته إضراباً عن الطعام للمطالبة بالإفراج عن نجلها، إلا أنها لم تنه حال الجدل حول استمرار حبس عبدالفتاح من دون الإفراج عنه، على رغم انقضاء مدة محكوميته ومدى قانونية ذلك، بعد أن جرى إيقافه عام 2019 وحكم عليه بالسجن خمسة أعوام في قضية تتعلق بمنشور على "فيسبوك" يتحدث عن عنف الشرطة.
وعلى مدى الأعوام الماضية ضغطت دول غربية ومنظمات حقوقية عدة على القاهرة من أجل الإفراج عن علاء عبدالفتاح (43 سنة)، معتبرة أنه سجن بسبب التظاهر وأن حياته باتت في خطر، لكن السلطات المصرية تتمسك بموقفها الرافض لهذا الأمر باعتباره تدخلاً في شؤونها الداخلية، مشددة على أن علاء سجين جنائي وليس سياسياً، فماذا نعرف عن الناشط المصري الذي يعد أحد أبرز رموز ثورة الـ 25 من يناير (كانون الثاني) 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس السابق حسني مبارك؟
قرار الرفع من قوائم الإرهاب
بحسب ما نقلته وسائل إعلام محلية فقد أصدرت "الدائرة الأولى -إرهاب" في محكمة بدر قرار بشطب اسم الناشط المصري علاء عبدالفتاح من قائمة الكيانات الإرهابية، مشيرة إلى أن القرار جاء استناداً إلى ما وصفته المحكمة بتحريات أفادت بعدم استمراره في أي نشاط لمصلحة جماعة "الإخوان المسلمين" الإرهابية، وذكر المحامي الحقوقي الذي تولى الدفاع عن عبدالفتاح لأعوام، خالد علي، أن القرار صدر من دون توضيحات رسمية في شأن ترتيبات الإفراج عن موكله أو استمرار احتجازه، إذ يرفع القرار قيوداً عدة، بما في ذلك تجميد الأصول ومنع السفر، لكن لم يتضح على الفور ما إذا كان سيفضي إلى الإفراج عن عبدالفتاح.
وجاء قرار المحكمة بعد أسبوع من إنهاء والدة علاء الأكاديمية ليلى سويف (69 سنة) إضراباً عن الطعام استمر 10 أشهر، بدأته في سبتمبر (أيلول) 2024 احتجاجاً على استمرار سجن ابنها بعد انتهاء محكوميته، وهو الإضراب الذي دخل فيه عبدالفتاح نفسه في مارس (آذار) الماضي بصورة جزئية تضامناً مع والدته، ولا يزال يعتمد في تغذيته على شاي الأعشاب والقهوة السوداء وأملاح معالجة الجفاف فقط.
قصة علاء عبدالفتاح
يعد علاء عبدالفتاح المولود في نوفمبر (تشرين الثاني) 1981 لأسرة من الحقوقيين، فوالده هو المحامي والحقوقي اليساري أحمد سيف الإسلام عبدالفتاح الذي اعتقل أكثر من مرة خلال عهدي الرئيسين السابقين أنور السادات وحسني مبارك، ووالدته أستاذة الرياضيات في جامعة القاهرة والناشطة السياسية في مجال المجتمع المدني ليلى سويف، وبرز اسمه للمرة الأولى بعد عام 2005، حيث كان أحد أبرز المدونين والنشطاء المصريين، وكمتخصص في مجال برمجة المعلومات فقد شارك في إدارة كثير من المنصات التي تنادي بحرية التعبير وفتح المجال العام، وعلى رغم قضائه معظم العقد الماضي خلف القضبان لكنها لم تكن المرة الأولى التي يسجن فيها، إذ اعتقل للمرة الأولى عام 2006 مع عدد من الأشخاص الذين شاركوا في احتجاجات تطالب باستقلالية القضاء وأفرج عنه بعد 45 يوماً، وهى التجربة التي لم تثنه عن مواصلة نشاطه الحقوقي والسياسي.
وفي عام 2011 مع اندلاع التظاهرات المناهضة لحكم الرئيس السابق حسني مبارك، شارك عبدالفتاح في الاحتجاجات وأصبح أحد أشهر وجوه الحركة الديمقراطية، حيث طور منصات على الإنترنت تمكن المواطنين المصريين من المشاركة في صياغة الدستور، كما فتحت منشوراته وقتها الباب أمام كثير من النقاشات حول قضايا مثل الدين والإصلاح السياسي، وبعد سقوط نظام مبارك شارك عبدالفتاح في تنظيم التظاهرات المعارضة إبان حكم المجلس العسكري للقوات المسلحة، وحبس في أعقاب ما عرف بـ "أحداث ماسبيرو" في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) 2011 بسبب تغطيته للاشتباكات بين المتظاهرين المسيحيين وقوات الأمن، إذ اتهمته النيابة العسكرية بالتحريض ضد الجيش وتكدير الأمن والسلم العامين، وحينها طالبت "المفوضية العليا لحقوق الإنسان" بالإفراج عنه، وهو ما جرى بالفعل في ديسمبر (كانون الأول) من العام ذاته.
ولم تنته مسيرة علاء عن هذه الحد، ففي عام 2013وبعد أشهر قليلة من سقوط نظام "الإخوان المسلمين" في مصر، ألقي القبض عليه مجدداً في نوفمبر من العام ذاته مع آخرين خلال مشاركته في تظاهرة أمام البرلمان ضد "قانون التظاهر ومسودة الدستور" الذي اُستفتي عليه مطلع عام 2014 ووجهت له تهمة التظاهر من دون تصريح، وحينها حكم عليه بالسجن خمسة أعوام من قبل محكمة الجنايات في هذه القضية التي عرفت فيما بعد بـ "أحداث مجلس الشورى"، وأيدت محكمة النقض المصرية الحكم عام 2017، وخلال فترة سجنه تلك توفي والده وسمحت له السلطات بالخروج استثنائياً لتشييعه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبعد الإفراج عنه في مارس عام 2019، بعد انقضاء عقوبته، اعتقل مجدداً في سبتمبر من العام ذاته وحكم عليه في ديسمبر 2021 بالسجن خمسة أعوام لاتهامه بـنشر أخبار كاذبة، وهى العقوبة التي لا يزال قابعاً على إثرها في السجن على رغم انقضاء مدتها القانونية.
وبينما تقول أسرة عبدالفتاح إنه سجين سياسي اعتقل بسبب آرائه، تشير حيثيات حكم المحكمة الصادر بحقه إلى أن عبدالفتاح الذي ألقي القبض عليه في الـ 29 من سبتمبر 2019 داخل قسم الشرطة التابع لمحل إقامته حيث كان يقضي عقوبة المتابعة فيه مدة 12 ساعة يومياً، متهم في القضية رقم (1365) لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، بالانضمام إلى جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، إذ أنشئت على خلاف أحكام القانون والغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة أعمالها، فضلاً عن نشر أخبار كاذبة تكدر السلم والأمن العام، وجرت إحالته إلى المحاكمة حيث نظرت أولى الجلسات في القضية رقم (1228) لسنة 2021 في الـ 18 من أكتوبر 2021، وهي القضية ذاتها المتهم فيها كذلك معه المحامي الحقوقي محمد الباقر والمدون محمد أكسجين، إذ صدر الحكم بالسجن خمسة أعوام على علاء عبدالفتاح، وأربعة أعوام لكل من الباقر وأكسجين.
وطوال الأعوام الماضية شهدت القاهرة ضغوطاً غربية من أجل الإفراج عن عبدالفتاح، ولا سيما من بريطانيا التي يحمل جنسيتها، وآخرها في مايو (أيار) الماضي حين اعتبرت لجنة أممية أن احتجاز عبدالفتاح تعسفي وطالبت بالإفراج الفوري عنه، إلا أن هذه التحركات والمناشدات لم تفض حتى اللحظة إلى نتيجة، إذ تقول السلطات المصرية إنه سجين جنائي لا سياسي، رافضة ما تسميه محاولة التدخل في شؤونها الداخلية أو التأثير في سير القضاء.
ومنذ عام 2022 أفرجت السلطات المصرية عن مئات المعتقلين وعفت عن عدد من المعارضين البارزين ومن بينهم محامي عبدالفتاح، لكن الإجراءات لم تشمل موكله.