Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من هي الدولة "الثالثة" التي قد تستضيف مفاوضات لبنانية – إيرانية؟

ترى طهران أن هذا الشكل من الحوار يكون بين الأعداء وتؤكد انفتاحها على النقاش عبر القنوات الدبلوماسية

الرئيس عون متوسطاً وزيري الخارجية اللبناني يوسف رجي والإيراني عباس عراقجي (الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية)

ملخص

تتقدم العلاقة بين لبنان وإيران مجدداً إلى واجهة النقاش السياسي في لحظة إقليمية بالغة الدقة، بعدما بقيت لعقود محكومة بقناة واحدة تمثلت في "حزب الله"، على حساب الدولة اللبنانية ومؤسساتها. ومع التحولات الإقليمية، برز توجه لبناني لإعادة تنظيم هذه العلاقة على قاعدة سيادية واضحة، إلا أن هذه المحاولات اصطدمت بغياب تجاوب إيراني عملي، وباستمرار التناقض بين الخطاب الدبلوماسي والواقع الميداني الذي يكرس نفوذ "حزب الله".

منذ عقود وعلاقة لبنان بإيران لم تنتظم ضمن علاقة دولة بدولة، بل قامت على مسار مرتبط بـ"حزب الله"، الذي بدوره استطاع تهميش الدولة اللبنانية لمصلحة تعاظم قوته الداخلية والإقليمية. إلا أنه، ومع التحولات التي فرضتها الحرب الإسرائيلية والتبدلات الإقليمية المتسارعة، عاد النقاش حول هذه العلاقة إلى الواجهة من زاوية مختلفة.

ومع انتخاب الرئيس جوزاف عون، برزت خلال السنة الأولى من ولايته محاولات جدية لإعادة تنظيم هذه العلاقة على قاعدة مختلفة، تقوم على مبدأ واضح: علاقة دولة بدولة، لا علاقة عبر تنظيم عسكري – سياسي يتجاوز الدولة ومؤسساتها.

وبحسب مقربين من الرئيس اللبناني، فقد حاول عون بالتوازي مع حكومته، فتح مسارات مباشرة وغير مباشرة مع طهران، في محاولة لفصل الدولة اللبنانية عن أعباء الصراع الإقليمي، ولإيصال رسالة مفادها أن لبنان لم يعد قادراً على دفع أثمان إضافية نتيجة خيارات لا يملك قرارها. إلا أنهم يكشفون أن هذه المحاولات لم تفض إلى نتائج ملموسة، في ظل استمرار التناقض بين الخطاب الرسمي الإيراني من جهة، والواقع السياسي الذي يكرس التعاطي مع "حزب الله" داخل لبنان.

رفض إيراني

وترى أوساط سياسية أن هذا التعثر شكل الخلفية السياسية لقرار وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي الاعتذار عن عدم لقاء نظيره الإيراني عباس عراقجي، والإشارة صراحة إلى أن أي نقاش جدي مع إيران قد لا يكون ممكناً إلا عبر دولة ثالثة محايدة يتم التوافق عليها. تصريح رجي لم يكن تفصيلياً، بل عكس تحولاً في المقاربة اللبنانية، وانتقالاً من محاولة الحوار المباشر إلى البحث عن منصة تفاوضية ضامنة، قادرة على إدارة هذا الملف المعقد.

إلا أن تلك الأوساط غير متفائلة بنجاح هذا الطرح، لا سيما أن إيران تعتبر أن المفاوضات في "دولة ثالثة" تكون بين الأعداء، وتؤكد أنها منفتحة على أي نقاش عبر القنوات الرسمية الدبلوماسية القائمة بين البلدين، لا سيما أنه في وقت يتزاحم فيه مسؤولون كبار في إيران الحديث عن أهمية "حزب الله" في لبنان والمنطقة يبررون ذلك بأنه موقف مبدئي لدعم ما يسمونه "حركات مقاومة" لذا لا يصنفونه ضمن التدخل في شؤون دولة أخرى.

منصة تفاوض

في هذا السياق تحديداً، جاءت زيارة رئيس الجمهورية اللبنانية جوزاف عون إلى سلطنة عمان. في الظاهر، بدت الزيارة كأي محطة بروتوكولية عربية، لقاءات رسمية، عناوين دبلوماسية عامة، تأكيد على عمق العلاقات العربية، وصور تندرج في سياق إعادة وصل ما انقطع بين لبنان ومحيطه. لكن في العمق، ووفق المعطيات السياسية المتداولة، لم تكن هذه الزيارة عادية ولا تقليدية، بل شكلت محاولة مدروسة لفتح منصة تفاوض مباشرة بين الدولة اللبنانية وإيران، خارج القنوات التي حكمت العلاقة بين الطرفين طوال عقود.

 

وكان لبنان قد شهد خلال العام الماضي زيارات لمسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى. ونقلت الجهات اللبنانية الرسمية خلالها رسالة واضحة: لبنان لم يعد قادراً، لا سياسياً ولا اقتصادياً ولا أمنياً، على تحمل كلفة صراعات إقليمية لا قرار له فيها، ويرغب في علاقة مباشرة مع إيران تبنى على قواعد دبلوماسية واضحة.

غير أن هذه الرسائل، وفق المعطيات، لم تجد صداها المطلوب في طهران. فالتصريحات العلنية، وخصوصاً الصادرة عن قوى أساسية داخل السلطة، واصلت تأكيد "العلاقة العضوية" مع "حزب الله" وعلى "دعم المقاومة"، مما أضعف صدقية الخطاب الداعي إلى علاقة من دولة إلى دولة، وكرس التناقض بين ما يقال دبلوماسياً وما ينفذ ميدانياً.

في المقابل، لم يظهر "حزب الله" أي استعداد لمجاراة هذا التحول. بل جاهر، أكثر من مرة، وعلى لسان أمينه العام نعيم قاسم ومسؤوليه، بأنه يتلقى الدعم المالي والعسكري والسياسي مباشرة من إيران، وأن هذا الدعم جزء من عقيدته وخياراته الاستراتيجية. هذا الإعلان العلني، وإن لم يكن جديداً في مضمونه، شكل عملياً نسفاً لأي محاولة لبنانية للفصل بين المسار اللبناني والمسار الإيراني – الحزبي.

ومع انسداد الأفق أمام المسار المباشر، يكشف مقربون من الرئاسة اللبنانية أن أهمية سلطنة عمان تكمن في أنها بلد عربي وتمتلك سجلاً طويلاً في رعاية مفاوضات شديدة الحساسية بين إيران وأميركا، سواء تلك التي سبقت الاتفاق النووي أو التي تلت انهياره. وتعد أيضاً من الدول القليلة التي تحظى بثقة متبادلة بين طهران وواشنطن، وبين طهران وعواصم عربية وغربية. وبحسب مصادر متابعة، فإن هدف الفكرة في حال تبلورت بصورة إيجابية هو إخراج لبنان من موقع الساحة المفتوحة للصراعات، وإعادته تدريجاً إلى موقع الدولة ذات السيادة.

في هذا السياق، يفهم تصريح وزير الخارجية يوسف رجي حول اللقاء في دولة ثالثة محايدة، وتفهم زيارة الرئيس عون إلى مسقط تزامناً مع هذه الإشارات. فبالنسبة إلى دوائر قريبة من الرئاسة، لا يمكن تصويب العلاقة اللبنانية – الإيرانية إلا من خلال دولة ضامنة، في ظل غياب الثقة، وتشابك الإشكاليات السياسية والأمنية، واستمرار النظرة الإيرانية إلى لبنان كجزء من منظومة نفوذ إقليمية.

هذا التباين في النظرة ظهر بوضوح مع زيارة الوزير السابق والنائب علي حسن خليل إلى إيران، حيث تشير بعض المعطيات إلى أنه نقل للإيرانيين نية لبنان التفاوض مع إسرائيل عبر الآلية القائمة في جنوب لبنان. وأثارت تلك الخطوة امتعاضاً لدى أوساط سياسية لبنانية، رأت فيها دليلاً إضافياً على أن إيران لا تزال تتعامل مع لبنان كمساحة نفوذ لا كدولة مستقلة ذات قرار سيادي.

وعليه، وعلى رغم التصريحات الإيرانية التي توحي بعدم التدخل في الشأن اللبناني، لم تقنع هذه المواقف الجهات الرسمية اللبنانية، التي ترى أن التداخل العضوي بين "حزب الله" وطهران يجعل من الصعب تصديق وجود فصل حقيقي بين القرارين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لحظة إقليمية

في السياق رأى الكاتب السياسي أسعد بشارة أن زيارة الرئيس عون إلى مسقط لا يمكن فصلها عن لحظة إقليمية شديدة الحساسية، ولا عن سباق وقت يخوضه لبنان في ظل احتمالات تجدد المواجهة العسكرية مع إسرائيل. واعتبر أن هذا التحرك اللبناني باتجاه سلطنة عمان يندرج في إطار السعي إلى تأمين شبكة أمان عربية ودولية، والاستفادة من الدور العماني الخاص بوصفه قناة تواصل فاعلة مع طهران، وقادرة على لعب دور الوسيط في الملفات الإقليمية المعقدة.

ولفت بشارة إلى أن "الرهان اللبناني على مسقط لا ينطلق من فراغ، إذ أثبتت سلطنة عمان خلال الأعوام الماضية قدرتها على إدارة تواصل هادئ ومستمر مع إيران، من دون الانتظام في محاور الصراع القائمة، مما يمنحها هامش حركة لا يتوافر لعواصم أخرى". وأشار إلى أن "الزيارة تبدو بمثابة محاولة لبنانية أخيرة لفتح ثغرة سياسية قبل أن تفرض التطورات الميدانية إيقاعها، لا سيما في ظل رفع مستوى المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، وتزايد الضغوط الدولية الهادفة إلى منع انزلاق الجنوب اللبناني نحو حرب واسعة".

في هذا السياق، توقف بشارة عند موقف الوزير رجي، لا سيما حديثه عن احتمال عقد اجتماع مع نظيره الإيراني عباس عرقجي في دولة ثالثة. واعتبر أن "رفض زيارة طهران لا يندرج في خانة التفصيل البروتوكولي، بل يعكس موقفاً سيادياً واضحاً في ضوء مواصلة إيران انتهاك السيادة اللبنانية، سواء عبر السلاح أو من خلال التأثير في القرار السياسي". ولفت إلى أن "اقتراح اللقاء في دولة ثالثة يهدف إلى توجيه رسالة سياسية مباشرة مفادها أن لبنان يرفض أن يدار من موقع التابع وأن أي حوار مع طهران يجب أن يقوم على قاعدة الندية والاحترام المتبادل".

 

وأشار بشارة إلى أن "طهران، حتى الآن، لا تبدو متحمسة لهذا الطرح، في ظل غياب أي موافقة إيرانية رسمية على عقد اللقاء، وعدم وجود بحث مشترك استجابة لدعوة رجي، مما يكرس فجوة واضحة بين المقاربتين اللبنانية والإيرانية". وختم بالقول إن "لبنان يبقى عالقاً بين مسعى دبلوماسي متأخر لتثبيت خطوط حماية سياسية، وموقف إيراني متصلب، في سباق مفتوح بين منطق الدبلوماسية وشبح الحرب الداهم".

موقف مغاير

في المقابل، يشدد الكاتب الصحافي رامي نعيم على أن زيارة عون إلى عمان حققت أهدافها المباشرة بعيداً من أي أبعاد سياسية أو تفاوضية. ولفت إلى أن الرئيس اللبناني بحث خلال الزيارة مع القيادة العمانية سبل دعم اللبنانيين وتسهيل كل ما يحتاجون إليه لإقامة مشاريعهم، مؤكداً أن الجانب العماني أبدى استعداداً واضحاً لتقديم التسهيلات المطلوبة في هذا الإطار.

وأشار نعيم إلى أن سلطان عمان هيثم بن طارق آل سعيد أكد لعون أن اللبنانيين يعدون من أكثر المستثمرين حضوراً ونشاطاً داخل السلطنة، مما يعكس مستوى الثقة المتبادلة والدور الاقتصادي الفاعل للجالية اللبنانية هناك. وفي ما يتعلق بالعلاقات الإقليمية، أوضح أن السلطان هيثم بن طارق شدد بصورة قاطعة على عدم وجود أي علاقة بين عمان وإسرائيل، مؤكداً أن مسقط ستبقى خارج مسار السلام حتى ولو أقدم العالم العربي بأسره على ذلك.

ولفت نعيم إلى أن الزيارة لم تكن على الإطلاق مرتبطة بأي مفاوضات سياسية، بل جاءت حصراً في إطار دعم عمل اللبنانيين وتسهيل شؤونهم الاقتصادية والاستثمارية. وأشار أيضاً إلى أن الرئيس عون وجه دعوة رسمية للسلطان هيثم بن طارق لزيارة لبنان، مذكراً بأن الأخير هو خريج المدرسة اللبنانية، وكان يعتزم متابعة تخصصه الجامعي في الجامعة الأميركية في بيروت لولا أن ظروف الحرب حالت دون ذلك.

وختم نعيم بالإشارة إلى أن السلطان هيثم وعد بالعودة إلى لبنان وزيارة مدرسته التي تخرج فيها، كاشفاً في الوقت نفسه عن توقيع اتفاقات خلال الزيارة، والاتفاق على توسيع أطر التعاون بين لبنان والسلطنة في المرحلة المقبلة، بما يعزز العلاقات الثنائية ويفتح آفاقاً جديدة للشراكة بين البلدين.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير