ملخص
أشار سليمان بشير أحد سكان مدينة كسلا شرق السودان إلى أنه يعمل مقاولاً في مجال البناء ولساعات طويلة في اليوم، ومع موجة الحر المستمرة يتعرض لضربات الشمس مما سبب له مشكلات صحية عدة، خصوصاً ازدياد سرعة التنفس عن المعتاد والغثيان والقيء وطفحاً جلدياً أحمر اللون، وأظهرت الفحوص إصابته بوباء التهاب السحايا.
مع كل ما يكابده السودانيون من ظروف إنسانية ومعيشية صعبة في زمن الحرب تداهمهم الأوبئة القاتلة مثل وباء التهاب السحايا الذي ضاعف هول المأساة، وبخاصة في ظل انهيار القطاع الصحي إضافة إلى توقف خدمات البيئة بسبب تداعيات الصراع المسلح.
وأدى انقطاع الكهرباء لفترات طويلة في غالبية مدن البلاد، إلى جانب ارتفاع درجات الحرارة بين 46 و49 مئوية وكذلك نسبة الرطوبة التي تضاعف الإحساس بالسخونة، في تفشي التهاب السحايا وضربات الشمس، إذ سجلت مناطق عدة في السودان مئات الحالات وعشرات الوفيات.
تحذيرات وتدابير
إلى ذلك، حذرت اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء في السودان من انتشار وباء التهاب السحايا داخل عدد من ولايات البلاد. وشددت على ضرورة اتباع سبل الوقاية من الوباء بتجنب حرارة الطقس وعدم الخروج من المنازل، مطالبة السلطات الصحية أيضاً بسرعة التصدي للوباء ومنع اتساع رقعته في البلاد.
وبحسب عضو اللجنة أديبة إبراهيم، سجلت مناطق شرق السودان 184 حالة بالتهاب السحايا بينها 12 حالة وفاة، منها 56 حالة داخل الولاية الشمالية مع تسع وفيات، خلال وقت سجلت مدينة أم درمان 14 حالة وخمس وفيات، و39 إصابة بولاية الجزيرة بينها خمس وفيات.
ويشهد السودان ارتفاعاً قياسياً في درجات حرارة الطقس خلال فصل الصيف خلال الفترة من مارس (آذار) حتى نوفمبر (تشرين الثاني) كل عام.
ظهور حالات
في مدن بورتسودان وكسلا وأم درمان حدت الحرارة المرتفعة أثناء ساعات النهار بصورة واضحة من حركة الناس في الشوارع، التي شهدت قلة ملحوظة في أعداد الراجلين، وانحسرت مظاهر الزحام داخل الأسواق بصورة كبيرة.
في السياق ذاته، يقول المواطن محمد الأمين الطاهر الذي يسكن منطقة الثورات في أم درمان إن "انقطاع الكهرباء لفترات طويلة أثناء ساعات النهار والليل فاقم حدة الصيف، ولم يرحم المحتمين بمنازلهم أو مكاتبهم مما فاقم الأوضاع الصحية للمواطنين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف "طبيعة عملي في الأسواق وضعتني في مواجهة مستمرة مع درجات الحرارة مما جعلني أكثر عرضة من غيري لضربات الشمس، ونتيجة لهذا الوضع شعرت بصداع شديد وحمى إضافة إلى ضعف الأطراف، ولم أتمكن من الذهاب إلى العمل".
وأوضح الطاهر أنه توجه إلى المستشفى وأجرى فحوصاً طبية أكدت إصابته بوباء التهاب السحايا ويتلقى العلاج حالياً، مطالباً وزارة الصحة السودانية بضرورة تنظيم حملة تطعيم لمحاصرة الوباء.
مخاوف الانتشار
من جهته، أشار سليمان بشير أحد سكان مدينة كسلا شرق السودان إلى أنه يعمل مقاولاً في مجال البناء ولساعات طويلة في اليوم، ومع موجة الحر المستمرة يتعرض لضربات الشمس مما سبب له مشكلات صحية عدة، خصوصاً ازدياد سرعة التنفس عن المعتاد والغثيان والقيء وطفحاً جلدياً أحمر اللون.
ولفت إلى أن الفحوص الطبية أظهرت إصابته بوباء التهاب السحايا، وشرع على الفور في العلاج حتى يتعافى بصورة سريعة ويعود لممارسة مهنته في ظروف أفضل. ونوه بشير بأن "مخاوف السكان باتت متزايدة خصوصاً بعد اكتشاف 184 حالة مصابة بالتهاب السحايا شرق السودان، بينها 12 حالة وفاة"، مطالباً وزارة الصحة بنشر فرق للاستجابة السريعة للتعامل الفوري مع بلاغات الحالات، وإخضاعها للفحوص والتحاليل المخبرية التي يُحدد على ضوئها نوع التدخل المطلوب سواء بالعلاج أو التطعيم بالمصل الثنائي أو الرباعي.
مؤشرات وأخطار
وسط هذه الأجواء يخشى أسر طلاب المدارس والجامعات داخل المدن الآمنة من تداعيات موجة الحر المستمرة، والتعرض لضربات الشمس.
على الصعيد نفسه، وصف المتخصص في الطب العلاجي والوبائيات نادر عركي ظهور مئات الحالات في مدن ومناطق عدة بالأمر المزعج، وعدَّه مؤشراً إلى ازدياد حالات التهاب السحايا وضربات الشمس، لا سيما في ظل وجود عوامل مساعدة مثل ارتفاع درجات الحرارة وانقطاع الكهرباء.
وأوضح أن "خطر الوباء يتطلب تنفيذ حزمة تحوطات من وزارة الصحة منها زيارات التقصي للمستشفيات، فضلاً عن تنويهات للسكان بتجنب الزحام والتعرض المباشر للشمس، إضافة إلى الإسراع في توفير أمصال تطعيم السحايا"، منوهاً بأن "آخر حملات للتطعيم ضد السحائي في السودان كانت عام 2013، واكتملت مدة التطعيم 10 أعوام قبل اندلاع الحرب".
وبين عركي أن "الوضع يعد تحت السيطرة حتى الآن، على رغم المخاوف الخاصة بالنسبة إلى الأطفال وأصحاب الأعمال الشاقة، باعتبارها القطاعات الأكثر تعرضاً للخطر".
خطوات ومتابعة
على نحو متصل، أشار الاختصاصي في الطوارئ والأوبئة حمد يعقوب إلى أن "ظهور عديد الحالات يتطلب التعامل الجاد والمتابعة اللصيقة، لتحديد كيفية واتجاهات التحرك في ظل كل الاحتمالات، مع التركيز المستمر زماناً ومكاناً تحسباً لظهور الوباء في مدن ومناطق أخرى بالبلاد".
ولفت إلى أن "الخطوة الحاسمة ستكون في تحديد نوعية حالات الوباء، وهل هي من النوع الفيروسي الذي يحدث بصورة سنوية للأطفال ضمن حالات طبيعية متقطعة، أم من النوع البكتيري الذي قد يشكل في هذه الحال مدخلاً للوباء".
ودعا متخصص الوبائيات إلى ضرورة توخي الحيطة والحذر سواء من جانب المواطنين أو السلطات الصحية، مؤكداً أن "ظروف الحرب الحالية لا تسعف بحملة شاملة للتطعيم لكن يمكن تنفيذها في حدود المناطق المتأثرة، والتوسع لاحقاً بصورة تدريجية".
وأعرب يعقوب عن أمله في أن يسهم هطول الأمطار المتوقع خلال هذا الشهر في انجلاء خطر وباء السحايا، وفق ما تنبأت به خريطة الأرصاد الجوية، إذ ينتظر أن يؤدي دخول فصل الخريف إلى الانخفاض في درجات الحرارة".
انتهاء أجل التطعيم
وأكمل السودانيون منذ نحو عامين 10 أعوام من تاريخ آخر حملة تطعيم شامل ضد وباء السحايا، وهي فترة نجاعة المصل، إذ تم التطعيم آخر مرة عام 2013، الذي شهد حدوث وباء داخل عدد من المناطق.
وأشار اختصاصيون إلى أن "ظروف الحرب الحالية لا تسعف بحملة شاملة للتطعيم لأنها عملية معقدة تتحكم فيها عوامل عدة، أهمها التخطيط الدقيق فضلاً عن متطلباتها وحاجاتها، خصوصاً في ما يتعلق بسعات آلات التخزين لحفظ الأمصال لفترة قد تمتد لعام كامل، بالتالي فلا بد من خطة بديلة أو طارئة كعمل اضطراري، بوصفها الخيار المتاح في حال حدوث انتشار وبائي للمرض".