Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماكرون على حق – بريكست سبب أزمة الهجرة في بريطانيا

الرئيس الفرنسي لم يتردد في تحميل بريكست مسؤولية أزمة قوارب المهاجرين الصغيرة، فالمشكلة هي النتيجة العكسية للوعود التي أطلقها نايجل فاراج وأنصار بريكست

أشخاص على متن قارب صغير يستعدون لعبور القنال الإنجليزي (غيتي)

ملخص

بريكست، الذي رُوج له كحل لمشكلة الهجرة، فاقم الأزمة في بريطانيا بتحويل الهجرة غير الشرعية إلى تحدٍّ أكبر بسبب إلغاء الاتفاقيات الأوروبية، مما دفع الرئيس الفرنسي ماكرون للتأكيد على ضرورة تعامل بريطانيا بواقعية مع تبعات قرارها.

إذا كان ثمة رمز واحد يجسد ما يعتبره كثيرون النهج الاحتيالي لأنصار بريكست خلال حملة الاستفتاء على خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، فهو الحافلة السيئة السمعة التي كُتِبت عليها جملة تعد بتوفير 350 مليون جنيه استرليني (472 مليون دولار) إضافية كل أسبوع لهيئة الخدمات الصحية الوطنية [في إشارة إلى المبالغ التي كانت بريطانيا تسهم بها في الاتحاد الأوروبي والتي ستتحول تلقائياً إلى الداخل بعد خروج المملكة]

لكن ربما يجدر بمنتقدي بريكست أن يتأملوا صورة أخرى.

ففي رأي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي عبر عنه خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يوم الخميس الماضي للإعلان عن توصلهما إلى اتفاقية لتبادل المهاجرين وفق مبدأ "دخول واحد وخروج واحد"، كانت الأكذوبة الأكبر تلك التي أطلقها أنصار بريكست حين كشف نايجل فاراج عام 2016 عن ملصقه المثير للجدل الذي أظهر آلاف المهاجرين عند حدود الاتحاد الأوروبي تحت شعار "نقطة الانهيار".

رافق الملصق زعمٌ بأن المملكة المتحدة، إذا لم تخرج من الاتحاد الأوروبي، فستُجبَر على قبول جميع أولئك الذين كانوا يستعدون لاجتياح أوروبا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في انتقاد لاذع ومطول لبريكست، قال الرئيس الفرنسي– الذي رفض لقاء فاراج خلال زيارته الرسمية التي استمرت ثلاثة أيام إلى لندن– إنه يعتبر هذه الأكذوبة أكبر من كل الأكاذيب التي قيلت في هذا الصدد.

في إحراج واضح لرئيس الوزراء البريطاني الذي كان واقفاً إلى جانبه، لم يتردد ماكرون عن التعبير عن رأيه بأن الوعود بالسيطرة على الهجرة، القانونية منها وغير القانونية، وإنهاء أعداد المهاجرين الخارجة عن السيطرة، استُخدِمت بطريقة خادعة من قبل أولئك الذين أرادوا الخروج من الاتحاد الأوروبي.

قال "رُوجت أكذوبة [من قبل أنصار بريكست] لدى الشعب البريطاني مفادها بأن المشكلة كانت تكمن في أوروبا. للمرة الأولى منذ تسع سنوات، تتصرف بريطانيا بواقعية".

لكن من المفيد النظر في تفاصيل ما قاله، لجهة أن الخروج من الاتحاد الأوروبي لم يفشل فقط في حل المشكلة، بل فاقمها أيضاً.

قال ماكرون "علينا أن نوضح أن كثيرين في بلدكم– وسأقول هذا بصراحة، لأن الأمر لا ينطبق عليك يا رئيس الوزراء– قالوا إن بريكست سيساعد في مكافحة الهجرة غير الشرعية في شكل أفضل".

وأضاف "لكن، منذ بريكست، لم تعد المملكة المتحدة مرتبطة بأي اتفاقية في شأن الهجرة مع الاتحاد الأوروبي. لذلك، بالنسبة إلى من يريدون العبور [إلى بريطانيا]، لم تعد ثمة طريقة قانونية... للدخول [إليها]، ولا وسيلة لإعادتهم أدراجهم بعد عبورهم. يمثل ذلك عامل جذب لمحاولة العبور– وهو النقيض تماماً لما وعد به بريكست".

لم يكن الرئيس الفرنسي على خطأ.

في الواقع شلت مغادرة الاتحاد الأوروبي، وبالتالي الخروج من اتفاقية دبلن، قدرة بريطانيا على إعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى الدول الآمنة التي مروا بها في طريقهم إلى المملكة المتحدة.

اتفاقية دبلن كانت تسمح صراحة للدول بإعادة المهاجرين إلى أول دولة آمنة وصلوا إليها، وهو ما كان يشكل مشكلة أكبر لدول مثل إيطاليا وإسبانيا وبعض دول أوروبا الشرقية.

كان لافتاً أيضاً ما ذكره ماكرون من أن ثلث المهاجرين غير الشرعيين في منطقة شينغن المخصصة للتنقل الحر في الاتحاد الأوروبي، يستهدفون الوصول إلى بريطانيا بسبب عوامل جذب، من بينها اللغة، والمساعدات الاجتماعية، وسهولة العمل بعيداً من الأعين في الاقتصاد غير الرسمي.

حتى بما يتعلق بالهجرة القانونية، شهدت بريطانيا ارتفاعاً ضخماً في وتيرتها بعد بريكست، من مستوى كان مرتفعاً أصلاً، وذلك على رغم شعار "استعادة السيطرة" الذي رفعه المروجون للتصويت بنعم في ذلك الاستفتاء.

وأشار ستارمر بلهجة لافتة إلى أنه في الوقت الذي كان فيه هو والرئيس الفرنسي يناقشان اتفاق الإعادة "الرائد" بين البلدين، كان نايجل فاراج في قناة المانش يلتقط صوراً لقوارب مكتظة بالمهاجرين وهم يعبرون نحو بريطانيا.

واعتاد فاراج على القيام بذلك منذ عام 2020، وهو ليس توقيتاً عشوائياً، إذ كانت المملكة المتحدة قد غادرت الاتحاد الأوروبي بالفعل، وبدأت أزمة القوارب الصغيرة.

لا بد من أن زعيم حزب الإصلاح البريطاني وآخرون من اليمين سيجادلون بأن المشكلة الحقيقية تكمن في جوانب أخرى من القانون الدولي، بما في ذلك عضوية بريطانيا في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان واتفاقية الأمم المتحدة للاجئين، التي تمنح المهاجرين الحق في التقدم بطلب للبقاء في المملكة المتحدة لأسباب عائلية أو إنسانية أخرى.

هم يريدون أن يتواصل مسار بريكست ليشمل انسحاب بريطانيا من إطار الاتفاقيات الدولية هذا، الذي كانت المملكة المتحدة نفسها إحدى أبرز الدول التي صاغته في سبيل إرساء النظام الدولي.

هذه هي "الإجابات السهلة التي يقدمها الشعبويون"، كما عبّر ستارمر وماكرون الخميس الماضي، وهي إجابات من شأنها أن تترك بريطانيا أكثر عزلة، تماماً كما يحدث الآن في الولايات المتحدة تحت قيادة دونالد ترمب، حليف فاراج في البيت الأبيض.

لقد وفر الإطار القانوني صمام أمان حين كانت بريطانيا لا تزال جزءاً من الاتحاد الأوروبي، لكن الدرس المستفاد من استفتاء عام 2016 [عام استفتاء بريكست] يشير إلى أن تفكيك جزء واحد من شبكة معقدة من الاتفاقيات، يدفع الأجزاء الأخرى إلى التداعي تباعاً.

ليست مستغربة شكوى فاراج من أن اتفاقية "دخول واحد وخروج واحد" التي أبرمها ستارمر تُعَد خيانة لبريكست، وتعيد بريطانيا إلى قبضة الاتحاد الأوروبي.

لكن كما أشار الرئيس الفرنسي بوضوح وبأسى، "للمرة الأولى منذ تسع سنوات، تتصرف بريطانيا بواقعية".

سيكون من المفارقات الكبرى، بالنظر إلى طبيعة النقاش الذي ساد عام 2016، أن تتحول الهجرة، أكثر من أي عامل آخر، إلى السبب الذي يدفع بالمملكة المتحدة في نهاية المطاف إلى تفكيك تبعات بريكست، وربما– في الأجل البعيد– إلى العودة للكتلة الأوروبية.

الحكومة البريطانية تشعر بحرج بالغ يمنعها حالياً من الرد على ملاحظات ماكرون، لكن الرئيس الفرنسي سلط الضوء من جديد على احتمال قوي بأن أكبر قرار اتخذته بريطانيا في القرن الحادي والعشرين بُني على مجموعة من الأكاذيب.

© The Independent

المزيد من تحلیل