Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

970 تائها... قصص أطفال ضلوا الطريق في رحلة العودة لغزة

وزعت منظمات الحماية 30 ألف سوار هوية لهؤلاء ولكن على رغم ذلك انفصل نحو 970 صغيراً عن ذويهم

وزعت منظمات الحماية 30 ألف سوار هوية للأطفال دون سن الرابعة (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)

ملخص

أثناء رحلة العودة لشمال غزة ضاع الأطفال عن ذويهم، إليكم قصصاً واقعية عن صغار وأهال انفصلوا عن بعضهم.

وسط الطريق الساحلي المخصص لعودة النازحين من جنوب غزة إلى شمال القطاع، يقف طفل صغير يبكي بطريقة متواصلة، ويصرخ باستمرار "أين أبي"، يجري في أرجاء المكان ثم يسقط على الأرض متعثراً بحجر صغير.

ينظر الطفل براء في وجوه المارة، يتفقدها جيداً، ويشتبه برجل يعتمر قبعة على رأسه تخفي معظم ملامحه، يركض نحوه ويمسك بيده محاولاً إيقافه عن المسير، لكنه يكتشف أنه ليس أباه، حينها انصدم الصغير وواصل البكاء.

يبلغ براء من العمر خمس سنوات، وفي طريق العودة من المنطقة الإنسانية في جنوب القطاع سيراً على الأقدام نحو منطقة سكنهم الأصلية في شمال غزة، انفصل الطفل عن عائلته وتاه في الشارع الساحلي المخصص للعودة.

انعدام المراحيض سبب الانفصال

يجيد براء الحديث بطلاقة موهوب وجميل يروي ما حدث معه قائلاً "كنت أمسك بيد أبي وأمشي معه، وعندما تعبنا قررنا أخذ قسط من الراحة، وحينها طلبت أختي الذهاب للحمام".

في الشارع المخصص لعودة النازحين لا يوجد مراحيض نهائياً، واضطر والد براء إلى البحث عن أي مكان مخفي وبعيد نوعاً ما لأجل قضاء صغيرته حاجتها، وعلى الأرجح لحقت به بقية أفراد العائلة، إلا الطفل براء، وقتها كان يلهو لعباً في أرجاء المكان.

بعد فترة لا يعرف براء كم مدتها الزمنية، تذكر الطفل عائلته وأخذ يبحث عنهم، ولكن الأهل على الغالب كانوا يبحثون عنه في مكان آخر، وهكذا يكون الصغير انفصل عن ذويه ولم يعثر عليهم، تلقائياً انتابه الخوف وأخذ يبكي ويصرخ.

لا معلومات اتصال

يعرف براء اسم أبيه وأمه وعائلته، لكن لا يعرف أين كان يسكن في شمال غزة، إذ عندما نزح كان أصغر سناً وغير مدرك لهذه البيانات، كل ما يتذكره عنوان مخيم نزوحه في المنطقة الإنسانية، لكن هذا الإيواء فكك عندما عاد النازحون.

لا يحفظ الطفل رقم هاتف أي فرد من عائلته، حتى وإن كان يحفظ فلا تغطية للشبكات الخلوية المحلية في الطريق الساحلي، فالمكان كان قبل دخول اتفاق وقف إطلاق النار عبارة عن محور نتساريم وخاضع للسيطرة الإسرائيلية، ودمر وجرف الجيش جميع المرافق هناك.

بقي براء حائراً يركض في أرجاء الشارع الساحلي، يشاهد الأطفال وهم عائدون من النزوح مع عائلاتهم، يجلس على قارعة الطريق المدمرة لا يعرف كيف يتصرف، أو أين يمكنه طلب المساعدة، وما يفعله فقط هو الصراخ مردداً "أين بابا".

هديل دخلت في حالة هستيرية

ثمة قصص كثيرة عن أطفال ضلوا الطريق وباتوا غير مصحوبين أثناء العودة من جنوب القطاع نحو شمال غزة، وجميعهم لم يعثر على أهاليهم، ويحتاجون إلى إرشاد أو جهة فاعلة تعمل على لم شملهم من جديد.

تلطم هديل خديها، وتحني ظهرها في وضعية الركوع تصرخ بصوت عال "ضاع ابني"، تلف حول نفسها وتكرر ما تفعله، يتجمهر العائدون لشمال غزة حولها، يحاولون فهم ما يجري ومساعدتها، لكن الأم في حالة هستيرية.

تجلس هديل جاثية على ركبتيها، تتفحص وجوه الأطفال من حولها وتقول "اسمه هادي"، فبدأ الجميع يصرخ "هادي هادي" وانتشروا في أرجاء المكان، وأخذوا يكررون الاسم مراراً، لكن لا مجيب، الأم كانت تراقب عن كثب الموقف والدموع تنهمر على خديها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الحقائب السبب

تمالكت السيدة نفسها، وأخذت تبحث عن ابنها، "إبرة في كومة قش" هكذا تصف هديل الموقف، فسرب العائدين لشمال غزة كبير، نحو 20 ألفاً يسيرون في الشارع نفسه وجميعهم يحملون أمتعة بسيطة ويمسكون أطفالهم، وأي سهو أو استهتار فإن مصير انفصال الطفل عن أهله حتمي.

تقول هديل "أحمل حقائب ثقيلة في يدي اليمنى، وعندما أرهقت ذراعي، أبلغت ابني أني أرغب في تحويل حمل هذه الحقائب ليدي اليسرى، وبالفعل نفذت ذلك، وأخذ هادي يسير بجانب يدي اليمنى من دون أن أمسكه، وفجأة اختفى".

لا تعرف الأم هديل متى انفصل هادي عنها ولا أين، لا تتذكر إذا كانت قطعت مسافة طويلة أم لا، كل ما يهمها أن تجده وسط هذا العدد الضخم من النازحين العائدين لشمال غزة.

الصغيرة ياسمين تلبس سوار الهوية

في حالة أخرى من انفصال الطفلة ياسمين عن والدها، فإن الأب ياسر كل ما يفكر فيه أن صغيرته ذهبت باتجاه آخر، يعتقد أنها توجهت نحو المنطقة الخاضعة لانتشار الجيش الإسرائيلي ويخاف من هذا السيناريو، إذ توجد القوات الإسرائيلية بالقرب من الشارع الساحلي في محور نتساريم وتراقب حركة النازحين.

خائف ياسر من أن يكون الجنود عثروا عليها أو أطلقوا النار صوبها، لا يعرف كيف يفكر ولا ماذا يفعل، لكنه متأكد أنها إذا لم تتجه نحو مكان وجود القوات العسكرية فإن العثور عليها أمر ممكن وسريع.

عندما بدأ ياسر طريق عودته لشمال غزة، تسلم من فريق الأمم المتحدة سواراً، أدخل فيه بيانات الطفل كاملة، اسم الصغير واسم الأب والأم ومن أية عائلة، وثلاثة أرقام هواتف للتواصل وعنوان السكن في شمال غزة، يقول "أعتقد أن أي شخص يعثر عليها يمكنه الوصول إلينا بسهولة".

970 طفلاً ضائعون

بحسب مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية "أوتشا"، فإن نحو نصف مليون نازح عادوا لشمال غزة، وخلال هذه الرحلة القاسية انفصل عدد من الأطفال عن ذويهم وباتوا غير مصحوبين في الطريق.

يقول منسق "أوتشا" في الأراضي الفلسطينية مهند هادي "المنظمات في مجال الحماية وزعت أكثر من 30 ألف سوار هوية للأطفال دون سن الرابعة، بهدف منع حالات فقدان الأطفال وانفصالهم عن أسرهم أثناء التنقل".

ويضيف "على رغم هذه الجهود إلا أننا تلقينا تقارير عن أكثر من 970 طفلاً انفصلوا عن ذويهم أثناء رحلتهم إلى شمال غزة، الصغار الذين لا يلبسون سوار هوية نواجه صعوبة في تحديد هويتهم، وجزء منهم لا يمكنهم حتى قول أسمائهم".

وأوضح هادي أن الأطفال تظهر عليهم أعراض مثل مستويات عالية من القلق المستمر، وفقدان الشهية، ولا يستطيعون النوم، ويعانون نوبات انفعالية أو ذعر، وكل ما يريدونه هو لم شملهم مع عائلاتهم مرة أخرى.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير