ملخص
أثارت صور ولقطات فيديو حديثة للقيادي بحزب المؤتمر الوطني المنحل في السودان نافع علي نافع أحد المتهمين في انقلاب 1989 جدلا في مواقع التواصل ومنذ شهر الحرب الأول ظل كل من الجيش و"الدعم السريع" يتبادلان الاتهامات حول المسؤولية عن إطلاق سراح السجناء من رموز نظام عمر البشير وأعوانه.
أثارت صور ولقطات فيديو حديثة للقيادي بحزب المؤتمر الوطني المنحل في السودان نافع علي نافع أحد المتهمين في انقلاب عمر البشير 1989، جرى تداولها على نطاق واسع الثلاثاء 30 يوليو (تموز) الماضي بمواقع التواصل الاجتماعي، جدلاً كثيفاً في الأوساط الاجتماعية والسياسية والقانونية.
وأشعل ظهور الرجل بوصفه أحد المتهمين الذين غادروا السجن بعد اندلاع الحرب الحالية، من جديد الاستفهامات حول مكان وجود هؤلاء المعتقلين وتحركهم الطبيعي من دون أي حراسة أو مظاهر أمنية.
اتهامات وتكهنات
ومنذ شهر الحرب الأول ظل كل من الجيش و"الدعم السريع" يتبادلان الاتهامات حول المسؤولية عن إطلاق سراح السجناء، بمن فيهم المتهمون بانقلاب الـ30 من يونيو (حزيران) 1989. وكانت آخر صور جرى تداولها للقيادي المذكور تشير إلى وجوده بمنطقة النافعاب في ولاية نهر النيل شمال السودان حيث عائلته الأم ومسقط رأسه.
وفيما تكهنت بعض المواقع بأن يكون مقطع الفيديو والصورة تم تصويرهما في صالة انتظار بمركز طبي غير معروف، أشارت حسابات أخرى بثت المقطع إلى أنه يوثق وصول نافع إلى أحد المطارات خارج السودان.
وذكر الناشط السياسي هشام عباس، الذي بث مقطع الفيديو على حسابه بمنصة "إكس" أن الكثيرين من قيادات النظام السابق تم تهريبهم إلى خارج البلاد باستثناء المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية كونهم سيشكلون عبئاً ثقيلاً على الدول التي ستستضيفهم.
وأوضح عباس أن الهروب المتكرر لرموز نظام البشير من الإسلاميين يشير إلى تيقنهم من فشل مخططهم بمنح الحرب الراهنة المشروعية بالاختباء وراء الجيش لحشد الناس خلف الجيش لتحقيق طموحاتهم في العودة إلى السلطة.
ولفت إلى أن توالي هروب قيادات "الحركة الإسلامية" إلى الخارج جاء بعد تيقنهم بأن الجيش سيذهب إلى التفاوض من جديد لإنهاء الحرب، ما يؤكد أن لحظة الحقيقة في حرب السودان قد اقتربت، محذراً من نشاط انقلابي متوقع للكيانات العسكرية التي شكلوها للقتال مع الجيش في مرحلة سابقة.
وفي مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، أعلنت السعودية والولايات المتحدة ومنظمة (إيغاد)، كمسهلين لمفاوضات جدة الثانية، التزام كل من الجيش وقوات "الدعم السريع" باتخاذ خطوات لتسهيل المساعدات الإنسانية وتنفيذ إجراءات لبناء الثقة، شملت موافقة الجيش على طلب "الدعم السريع" بإعادة اعتقال قيادات النظام السابق من حزب المؤتمر الوطني المحظور، الذين فروا من سجن كوبر بوصفهم مطلوبين للعدالة ومحرضين ومؤججين للحرب.
إقرار رسمي
وقبل أسبوع أقر مدير سجون السودان ياسر عمر أبو زيد وهو يتحدث في منبر الشرطة الإعلامي الدوري ببورتسودان، بأن إطلاق سراح رموز النظام البائد من سجن كوبر عقب الحرب تم بقرار من نائب رئيس القضاء وبعد استكتابهم لتعهدات شخصية علنية بتسليم أنفسهم متى طلب منهم.
وأكد أبو زيد أن إدارة سجن كوبر بالخرطوم بحري كانت أمام خيارين بخصوص وضع 18 من رموز النظام السابق، إما إطلاق سراح أو تركهم يموتون في السجن بسبب استهداف قوات "الدعم السريع" التي وصلت إلى مرحلة كسر أبواب السجن، بجانب تساقط الشظايا داخل السجن وصعوبة توفير المأكل والمشرب للنزلاء والعلاج للمصابين.
وكشف وزير الداخلية خليل باشا سايرين الأسبوع الماضي بأن إطلاق سراح قيادات النظام السابق تم على أساس أن يتواجدوا في مناطق آمنة، مبيناً أن الرئيس السابق عمر البشير مع بعض السياسيين موجودون في مستشفى السلاح الطبي بأم درمان.
الدفاع ينفي
ورداً على تصريحات سايرين، نفى محمد الحسن الأمين عضو هيئة الدفاع عن المتهمين البشير ومجموعة أعضاء النظام السابق، وجود المتهمين في مستشفى السلاح الطبي بأم درمان.
وقال الأمين في بيان إن المعتقلين تم نقلهم إلى معتقل بمنطقة وادي سيدنا العسكرية وما زالوا هناك، وذلك عقب احتدام المعارك بالمنطقة بعد التحام قوات وادي سيدنا مع قوات سلاح المهندسين.
وانتقد البيان بقاء المعتقلين في منطقة وادي سيدنا العسكرية من دون أي رعاية طبية، مشدداً على مطالبة هيئة الدفاع بنقل المعتقلين إلى موقع آخر يتوافر فيه العلاج المناسب، محملاً القيادة السياسية ورئيس القضاء مسؤولية ما يحدث لهم بالنظر إلى أوضاعهم الصحية الحرجة.
وجدد الأمين المطالبة بنقل المعتقلين إلى مكان آمن تتوافر فيه الرعاية الصحية بناءً على التقارير الطبية لم يستجب لها، مشيراً إلى أن نقل العميد المتقاعد يوسف عبد الفتاح لإجراء جراحة بمستشفى مروي وإعادته إلى منطقة وادي سيدنا قبل التئام جرحه، ومن دون انتظار جراحة أخرى كان مقرراً إجراؤها له.
التزام بالتسليم
وفي تصريح لـ "اندبندنت عربية"، أكد عضو هيئة الدفاع، أن المعتقلين التزموا بتلبية نداء المحاكم الخاصة عند انعقادها وتسليم أنفسهم بعد استتباب الأمن، فهم جميعاً متهمون في انتظار المحاكمة والمتهم برئ إلى أن تثبت إدانته.
واعتبر عضو هيئة الدفاع عن البشير التهم الموجّهة لموكليه هي من خصومهم السياسيين ولا علاقة لها بتحقيق العدالة، لذلك من الطبيعي أن يذهبوا للعلاج أو حتى لبعض شأنهم في دول صديقة، متسائلاً، "أستغرب لماذا لا يسأل الناس عن تنسيقية "تقدم" حاضنة ميليشيات الجنجويد، وهي تجوب دول الجوار علناً وهم أيضاً مطلوبون للعدالة بتهمة التحريض ودعم الميليشيات المسلحة وقتلت ونهبت واغتصبت وفعلت التفاعيل بالشعب السوداني"، في إشارة إلى قوات "الدعم السريع".
كتائب وتواطؤ
في المقابل، يرى المحامي المعز حضرة، عضو هيئة الاتهام في قضية انقلاب يونيو 1989، في حديث لـ"اندبندنت عربية" أن ثمة تواطؤاً واضحاً واتهاماً صريحاً للسلطات الحالية بإطلاق سراح المتهمين من رموز النظام السابق، على رغم أن القانون يمنع الإفراج عنهم. وأضاف، "نحن كهيئة اتهام أصدرنا بياناً في بدايات أيام الحرب قبل أن يطلق سراحهم طالبنا فيه السلطات بالقبض عليهم حين كان الجيش لديه المقدرة والإمكانية أن ينقلهم إلى سجن آخر في أي من الولايات الأمنة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأردف، "أصدرت هيئة الاتهام بياناً آخر عطفاً على البيان الذي أصدره المتهم أحمد هارون شددت فيه على أن ما قام به المتهم يعتبر خاطئاً وأن هؤلاء المتهمين لا ينبغي الإفراج عنهم وفق القانون، لكن حزب المؤتمر الوطني المنحل والسلطات الحكومية بما فيها الجيش نفسه أصدرت أيضاً بيانات ادعت فيها قوات الدعم السريع بأنها من قامت بإطلاق سراح السجناء المتهمين".
وكشف حضرة أن المعلومات المتوافرة لديهم تشير إلى أن من أطلق سراح المتهمين من السجون هم كتائب حزب المؤتمر الوطني المنحل، أما الآن وبعد اعترافات مدير السجون الأخيرة بأن إطلاق سراح المتهمين تم بواسطة نائب رئيس القضاء، نؤكد أنه وفقاً لقانون الإجراءات الجنائية لا يملك الحق في ذلك، حيث كان متاحاً أمامه إيداعهم في مكان آخر آمن".
حماية الجيش
ويؤكد عضو هيئة الاتهام أن الموجودين الآن من المتهمين داخل السودان هم في الولايات الآمنة تحت حماية الجيش ومنهم من أتيحت له الفرصة للهروب خارج البلاد، مبيناً أن الفيديو والصورة المتداولين للمتهم نافع علي نافع تدل على وجود تواطؤ واضح من قبل حكومة الأمر الواقع التي يسيطر عليها حزب المؤتمر الوطني المنحل.
وأوضح أن تبريرات مدير عام السجون وغيره تعتبر غير مقنعة ولا تبرر إطلاق سراح المتهمين، بل تستدعي فتح بلاغات جنائية ضده ونائب رئيس القضاء الذي شوهد مراراً في اجتماعات سرية مع أحمد هارون داخل سجن كوبر، مما يؤكد وجود تواطؤ مسبق للإفراج عنهم.
وطالب حضرة برفع الحصانة عن كل من رئيس القضاء ومدير السجون وتقديمهم للمحاكمة "لمساهمتهم في هروب متهمين من العدالة، بخاصة أن من أطلق سراحهم من مؤججي الحرب الدائرة ومنهم علي عثمان طه وأحمد هارون ونافع علي نافع وآخرون".
وكان الجيش قد أكد في نهاية أبريل (نيسان) العام الماضي، أن البشير ونائبه الأول السابق بكري حسن صالح، ووزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين، والضابطين يوسف عبد الفتاح وأحمد الطيب الخنجر، يخضعون للرعاية الطبية وما زالوا في المستشفى تحت حراسة الشرطة القضائية.
سد الذرائع
وبرر الجيش في بيان إصداره تلك التوضيحات بسد الذرائع ومنع التضليل والتشويش الذي ظلت تروج له ما أسماها ببعض الأبواق الإعلامية للمتمردين.
وحتى قبل نشوب الحرب في 15 أبريل 2023، فإن كل من الرئيس المعزول البشير ونائبه الأول بكري حسن صالح، ووزير الدفاع السابق في حكومته عبد الرحيم محمد حسين، والقيادي بحكومة الإنقاذ يوسف عبد الفتاح، كانوا يقيمون بمستشفى السلاح الطبي (علياء) التابع للجيش بمدينة أم درمان بدواعي تلقي العلاج والرعاية الطبية وفق مصادر أسرية مقربة.
واتهمت وزارة الداخلية السودانية قوات "الدعم السريع" باقتحام 5 سجون وإطلاق سراح نزلاء في الفترة من 21 إلى 24 أبريل 2023. وذكرت في بيان سابق، أن تلك القوات قد أطلقت سراح جميع النزلاء بسجن كوبر بعد اقتحامه.
وضمن قيادات الحركة الإسلامية من المتهمين في انقلاب يونيو 1989، ثلاثة من المطلوبين أيضاً للمحكمة الجنائية الدولية وهم إضافة إلى البشير وزير الدفاع السابق عبد الرحيم محمد حسين، وأحمد هارون وزير الدولة بوزارة الداخلية وحاكم شمال كردفان السابق في عهد البشير نفسه. ومنذ عام 2009 تُلاحق المحكمة الجنائية الدولية المطلوبين الثلاثة في تهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية بدارفور، غير أنها فشلت في إلقاء القبض عليهم نتيجة رفض السودان التعاون مع المحكمة.
قطع الطريق
وعلى رغم الإشارات الإيجابية التي تلقتها المحكمة الجنائية الدولية في 2020 من حكومة عبدالله حمدوك بعد سقوط نظام البشير، بإمكانية تسليم المطلوبين إلى محكمة لاهاي، إلا أن انقلاب 25 أكتوبر الذي أطاح بالشراكة مع المكون المدني وحكومة حمدوك قطع الطريق على تلك الخطوة.
وأوضحت المحكمة أنها تجهل مكان المطلوبين الثلاثة الهاربين من العدالة، كما أنها لم تحصل على إجابات من السلطات السودانية حول هذا الموضوع على رغم الطلبات المتكررة التي قدمتها لها، في وقت لا تملك سلطة مباشرة للقبض على المطلوبين.
وكان البشير بعد الإطاحة به في أبريل 2019، بعد فترة حكم امتدت زهاء الثلاثين عاماً، قد مثل مع 15 من ضباط الجيش 8 من السياسيين المدنيين المنتمين للمؤتمر الوطني المنحل والحركة الإسلامية، أمام محكمة خاصة في مواجهة اتهامات تحت طائلة المادة 96 من القانون الجنائي السوداني لسنة 1983 (تقويض النظام الدستوري) والمادة (78) من نفس القانون (الاشتراك الجنائي) وهي اتهامات تصل عقوباتها إلى الإعدام.