Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قضية أميركية أمام شبان بريطانيا: قطع القناة المنوية الدافقة

 أوليفر كين يتعمق في سبب لجوء الشبان إلى القص وسبب الصعوبة التي قد لا تتصورونها في إقناع الطبيب بإجراء هذه العملية

"إنها أبسط وأسهل وسيلة لمنع الحمل الدائم التي يمكن للرجال المسؤولين أن يستخدموها لكي يسهموا في علاقاتهم وفي الكوكب" (رويترز)

ملخص

 أوليفر كين يتعمق في سبب لجوء الشبان إلى القص وسبب الصعوبة التي قد لا تتصورونها في إقناع الطبيب بإجراء هذه العملية: شبان بريطانيون في العشرينيات وقطع القناة المنوية الدافقة 'شبان بلا روابط وانتهينا'

في أعقاب إبطال حكم رو ضد وايد العام الماضي، ذلك التشريع الذي كان يضمن حق الإجهاض في الولايات المتحدة، اتخذ عدد كبير من الشبان الأميركيين في الوقت نفسه خطوة جذرية. ووثقوا على وسائل التواصل الاجتماعي إجراء حميماً هو قطع القناة المنوية الدافقة بغرض إثبات بساطته وخلوه من الألم. وكان أحدهم ممارس كمال الأجسام المؤثر النباتي براين تيرنر الذي كان على قناعة منذ عمر 22 تقريباً بأنه لا يريد الإنجاب. وطبق الرجل قناعته بعمر الثلاثين، وصنع محتوى ممتازاً فعلاً في الأثناء. ويقول لي "جاء رد الفعل إيجابياً. وعبر البعض عن ذهولهم في التعليقات ونعتوني بصفات مجنونة أو قالوا 'ما عدت رجلاً- لقد قطعت خصيتيك'. لكنهم لا يضايقونني، ولدي قدرة عالية على التحمل". 

فتحت هذه الخطوة نقاشاً عالمياً في عمليات قطع القناة المنوية، لا سيما فيما يمكن للرجال أن يفعلوه كي يحملوا عبء مهمة تحديد النسل عن شريكاتهن للأبد. أراد آدم، وهو أب لولدين يبلغ من العمر 35 سنة ويتحدر من برايتون، أن يقوم بالخطوة نفسها في الوقت ذاته "انتابني شعور متزايد بالذنب حول عدم تحمل أي مسؤولية في مهمة تحديد النسل. فكل موانع الحمل مصنوعة للنساء، ما عدا الواقي الذكري، ويبدو بأن كل هذه الموانع تترك آثاراً جانبية معقدة. شعرت بأن حمل هذه المسؤولية هو التصرف السليم". لكن ماذا عن الرجال البريطانيين الأصغر سناً، الذين لا يريدون الإنجاب قطعاً والذين يعرفون حق المعرفة بأنهم يريدون أن يكونوا ما أسميه " بلا روابط وانتهينا"؟ بالنسبة إليهم، على رغم وجود عوائق أكبر وتنوع أكبر في المنطق، لديهم الرغبة نفسها باتخاذ قرارات واعية بشأن أجسادهم.    

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لم تشهد بريطانيا قبلاً أي نقاش كبير على مستوى الوطن في قطع القناة المنوية الدافقة، على غرار النقاش الذي يدور بوضوح منذ سنوات في أميركا- المكان الذي عرضت فيه بعض الولايات إجراء هذه العملية مجاناً بعد إصدار المحكمة العليا قرارها التاريخي. وتقول الدكتورة جورجيا غراينجر، المتخصصة بتأريخ عملية قطع القناة المنوية الدافقة "اعتُبر أن قطع القناة المنوية إجراء غير قانوني في هذه الأرجاء حتى ستينيات القرن الماضي تقريباً، ولم تبدأ هيئة خدمات الصحة الوطنية بالقيام به سوى في بداية السبعينيات". قبل هذه الفترة، كانت فكرة اختيار الرجال أن يعقموا أنفسهم (حسب تعبيرها) "مبهمة" لأن عديداً من الأطباء والناشطين الذين مجدوا هذه العملية وروجوا لها كانوا أيضاً من دعاة تحسين النسل. وفي الحقيقة، ترى غراينجر أن المذيع المحبوب مايكل باركينسون هو المسؤول الأكبر عن تبديد الخرافات المحيطة بالموضوع. وتقول إنه "تحدث بصراحة عن إجراء عملية قطع القناة المنوية في عام 1972 عندما كانت غير مألوفة وغير شائعة. أجرى مقابلة عن الموضوع وُضعت على غلاف العدد الأول لمجلة "كوزموبوليتان". ولا شك في أنها رفعت درجة الوعي بالموضوع وبددت بعض الأفكار المغلوطة حوله- عن أنه يؤثر في الرجولة أو حتى يتسبب بعوارض مثل ارتفاع نبرة الصوت".

لا شك في أن الإجراء أصبح أكثر شيوعاً لكنني لست متيقناً من أن مجتمعنا أكثر اطلاعاً ومعرفة بالموضوع من مجتمع سبعينيات القرن الماضي. لكن الخبر السار بالنسبة إلى الرجال هو أن الإجراء ناجح الآن أكثر من أي وقت مضى. تفيد تقارير الأطباء من مارس (آذار) هذا العام، بعد استطلاع آراء 94 ألف مريض، أن 0.2 في المئة من الرجال فقط يعانون مما يسمى "ألم كيس الصفن المزمن". وتعد نسبة فعاليته كوسيلة لمنع الحمل أكثر من 99 في المئة. لكن الخبر السيء هو أنه ما يزال محاطاً بمعلومات مغلوطة كثيرة- من الأفكار الذكورية السخيفة عن أنه يقلص مستويات التيستوستيرون أو الرغبة الجنسية (وهذا غير صحيح) وصولاً إلى الفكرة الأكثر شيوعاً التي تسمعها كثيراً: عن أنه من السهل إبطاله، كما يحصل بالنسبة إلى إزالة اللولب من الرحم لدى النساء (لكن للأسف أنه ليس سهلاً ولا تنجح كل عمليات عكس الإجراء، كما أن نسبة نجاحها تقل مع مرور الوقت وتكلفتها أعلى كذلك). 

في الحقيقة، يعد إجراء قطع القناة المنوية الدافقة عملية سريعة تتم بعد حقن المريض بمخدر موضعي، ولا يستغرق أكثر من 15 دقيقة. ومعظم هذه الإجراءات تتم اليوم "من دون الحاجة لاستخدام مشرط"، بحيث يُحدَث شق صغير جداً (بين اثنين وأربعة مم فقط) لا يتطلب غرزاً جراحية. يقطع الأنبوبان (الأَسْهَر) اللذان تتدفق عبرهما الحيوانات المنوية من الخصيتين (ومن هنا تأتي عبارة "القص" بالعامية)، ثم يربطان. بعد الجراحة، يفضل أن يرتاح الرجل ليومين، ويضع كيساً من الثلج على منطقة الخصيتين وأن يرتدي (إن أمكن) سروالاً واقياً للمنطقة الحساسة قد يكون ضيقاً بعض الشيء لتخفيف التورم. وهذا كل ما في الأمر. ويقول غريغري الذي خضع لهذا الإجرء في يناير (كانون الثاني) "أكثر سؤال يطرح علي هو "هل مازلت قادراً على القذف؟" من المضحك أن الناس يعتقدون بأنك ستعجز عن القذف مجدداً بعد قطع القناة المنوية. لكن الفرق غير ملحوظ في الحقيقة". وفي الواقع، يستمر الجسم بإنتاج المني لكنه يفرغ داخلياً ويمتصه الغشاء المحيط بالبربخ (الأنبوب الملتف الموجود في الجزء الخلفي من الخصية) بشكل عادي للغاية. يستمر الجسد بإنتاج السائل المنوي الذي يخرج أثناء القذف، لكنه لا يحمل حيوانات منوية- مع أنه يقال بأن الرجل بحاجة إلى القذف وحده مرات كثيرة قبل أن تختفي الحيوانات المنوية كلياً. ويؤكد غريغوري ذلك "سمعت إشاعات عن 'ضرورة الاستمناء 40 مرة'، لكنني التزمت بالموعد النهائي الذي وضعه الطبيب ولم تظهر أي حيوانات منوية في نتيجة الفحص الذي أجريته بعد أربعة أشهر". 

ومع ذلك، فيما تصاحب العملية بعض هوامش الافتراضات والتخمينات، لديها جانب مهم غير معروف بشكل كبير: لن تجرى عملية قطع القناة المنوية للرجال (لا سيما الشبان من بينهم) بشكل تلقائي فقط لأنهم اختاروا أن يجروها. هناك تنوع كبير في الموضوع في المملكة المتحدة تبعاً لإجراءات وموارد كل فرع بعينه لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، كما أن "الكثير يعتمد على الطبيب شخصياً للأسف" وفقاً لغراينجر. وبعض المناطق لا تجري هذه العمليات، أي إن الرجال سيضطرون في هذه الحالة أن يقصدوا العيادات الخاصة ويدفعوا مبلغاً باهظاً، هو 600 جنيه استرليني. لكن حتى استقلالية القرار مسألة مبهمة. وتقول غراينجر "يضطر كثير من الشبان الأصغر سناً لا سيما إن كانوا عازبين أو ليس لديهم أطفال، أن يلاحقوا الطبيب لكي يأخذهم على محمل الجد. غالباً ما نربط هذا النوع من الإلحاح بعلاقة النساء بالرعاية التناسلية الصحية لكنني سمعت الكثير من الرجال وهم يشاركون تجاربهم ويتكلمون عن اضطرارهم إلى زيارة أطباء عدة قبل أن يجدوا واحداً يقبل بإحالتهم لإجراء قطع القناة المنوية، لا لشيء سوى أنهم 'قد يغيرون رأيهم'". يبدو أن هذه النقطة حرجة ومصدر توتر بشكل خاص، نظراً إلى أن جميع أطباء المسالك البولية الذين تحدثنا إليهم أكدوا وجود اتجاه فعلي لدى الشبان نحو إجراء هذه العملية. ويقول الدكتور بيتر كوين الذي يجري العملية لصالح عيادة Vasectomy NI "عادة، يكون العمر الإجمالي للرجل الراغب بقطع القناة المنوية بين 35 و40 سنة. لكننا نقابل بعدد متزايد من الشبان الأصغر سناً، في العشرينيات من عمرهم، الذين يبحثون عن وسيلة منع حمل دائمة".    

لحسن الحظ، لم ألتق برجل واحد ساوره الندم على إجراء العملية أو "غير رأيه". لكن ما وجدته في المقابل هو عدد متزايد من الرجال الذين يتخذون قرارات واعية بشأن صحتهم التناسلية والإنجابية، على تنوع خلفياتهم ووجهات نظرهم وظروفهم المعيشية. بعضهم، مثل سايمون، عازبين ويخرجون في مواعيد غرامية. قطع الشاب قناته المنوية بعمر 28 حين كان في علاقة طويلة الأمد انتهت بعدها. هل يشعر بأي ندم؟  "أبداً، على الإطلاق-أريد أن أوضح هذه النقطة تماماً". ومع أنه يتحدر من عائلة كبيرة ويحب أبناء عمومته الكثيرين جداً، شعر بأنه يعرف أنه لا يرغب بالإنجاب "منذ مراهقتي".    

والآن، بلغ الثلاثين من عمره، وقد عاود المواعدة. لا يفصح الشاب عن هذا الموضوع على تطبيقات المواعدة التي يستعملها، لكنه يذكر الموضوع بسرعة، تفادياً لحصول أي ارتباك محرج. "عدم الرغبة بالإنجاب جزء كبير من هويتي وأشعر بأنني أتكلم في الموضوع طوال الوقت على أي حال، من دون الحاجة إلى الإعلان عنه". أما راي، وهو أيضاً شاب صغير في العمر وعازب قطع قناته المنوية، فيرى الموضوع على أنه "من دواعي الاستعراض" في إطار المواعدة. فإضافة إلى أن هذه النقطة تفتح مجالاً للحديث وأنها تدل على النضوج العاطفي، الأهم هو أنها "تحسم فكرة 'ربما سيغير رأيه' التي عشتها في علاقاتي الماضية. كنت شديد الوضوح في عدم رغبتي بالإنجاب قبلاً لكن لا أحد يصدقك تماماً عندما تقول له ذلك. ربما يصرفون النظر عن الفكرة للوقت الحالي ويقولون 'فلنفكر في الموضوع لاحقاً'". راي غير نادم أيضاً.

إن الموارد غير كافية لمن يعيشون على الكوكب اليوم- يبدو ضرباً من الأنانية بالنسبة إلينا أن نسهم في هذا السيناريو -- *نات وتشارلي      

أجرى الدكتور نيك ديميديوك أكثر من 50 ألف إجراء قطع القناة المنوية خلال مسيرته المهنية. واسم عيادته في أستراليا يختصر الفكرة كلياً: دكتور القص. ولذلك فإن رأيه بعد 34 سنة أو أكثر من إجراء هذه العملية التي تغير مجرى الحياة فريد للغاية كما أن نصيحته قطعية "إنها أبسط وأسهل وسيلة لمنع الحمل الدائم التي يمكن للرجال المسؤولين أن يستخدموها لكي يسهموا في علاقاتهم وفي الكوكب". وهو يرى أن أحد أهم الأسباب التي أدت إلى تزايد عدد الشبان الراغبين بقطع القناة المنوية هو "مواضيع متعلقة بتغير المناخ" فيما تتفرع من هؤلاء الشبان مجموعة كبيرة من "النباتيين المتشددين". 

ينسجم الثنائي نات وتشارلي* تماماً مع هذا الأمر، وهما زوجان، رجل وامرأة، انتقلا من المدينة إلى الريف الإنجليزي هذا العام، وأحد أسباب انتقالهما كان رغبتهما بتوفير مساحة أكبر لقططهما الثلاث الأعزاء. كان الزوجان يتحركان ضمن هامش المناصرة البيئية منذ أيام الجامعة وقد جاء قرارهما- الذي طرحه نات بداية وأيدته تشارلي بحماسة- بإجراء هذه العملية عندما كان نات في الـ29 من عمره بعد وعي كبير بحالة الطوارئ البيئية وبسببها. وتقول تشارلي "نشعر بأننا شخصان محبان وقادران على تقديم كثير من الحب لكننا شعرنا كذلك في قرارة أنفسنا بأننا لا نريد الإنجاب أبداً، لا سيما في عالمنا اليوم، بشكله الحالي". وإذ يذكر الثنائي الظواهر الجوية المتطرفة التي وقعت في أوروبا هذا الصيف باعتبارها مثالاً واحداً فقط، يقولان إنهما يخشيان فعلاً ألا يكون العالم مكاناً آمناً بما فيه الكفاية لإنجاب الأطفال، ويضيفان بأنهما يعتقدان أن "الموارد غير كافية لمن يعيشون على الكوكب اليوم- يبدو ضرباً من الأنانية بالنسبة إلينا أن نسهم في هذا السيناريو".   

لكنهما يحجمان عن تأييد الفلسفة الناشئة التي تناهض الولادات، وهي اعتقاد جدلي أول من طرحه هو الفيلسوف الجنوب أفريقي ديفيد بيناتار، الذي يعتبر كل أشكال التناسل الإنساني منافية للأخلاق، جزئياً بسبب حالة الطوارئ المناخية ولكن أيضاً بسبب حتمية المعاناة والألم في الحياة. لكن من خلال خيارهما عدم الإنجاب بسبب الهواجس البيئية، يجد الثنائي نفسيهما في أحد طرفي طيف سياسي متطرف وآخذ في التوسع. خلال الأسبوع نفسه الذي تحدثت فيه إليهما، كان الزعيم الهنغاري فيكتور أوربان يعقد النسخة الرابعة من اجتماع القمة السكاني الذي ينظمه كل سنتين، والذي هدف- بمشاركة زعيمة إيطاليا جورجيا ميلوني وقادة دينيين ومفكرين يمينيين- إلى حل ما يعد مشكلة النقص في السكان في أوروبا. لكن التشجيع على إنجاب مزيد من الأطفال عبر الدفاع عن قيم العائلة التقليدية يبدو أمراً بعيداً كل البعد من وجهات نظر نات وتشارلي وكثيرين غيرهم ممن يقبلون على قطع القناة المنوية الدافقة كوسيلة لعدم الإنجاب من حيث المبدأ. كما لو كنا لا نتعامل مع ما يكفي من الانقسامات بين نقيضين داخل المجتمع اليوم، إذ يزداد عدد الأشخاص الذين يعتقدون بضرورة إنجاب عدد أقل من الأطفال تقابلهم نسبة مشابهة من الأشخاص الذين يعتقدون أننا بحاجة إلى مزيد من الأطفال.  

 بالتالي، تبدو بريطانيا عام 2023 واقعة في مأزق بين عالمين متقابلين- بين الحرية المخصخصة في أميركا حيث العملية سهلة بالنسبة إلى شاب ليس لديه أولاد مثل براين تيرنر ("تكلمت مع طبيبة الصحة العامة وقالت 'تمام' وأحالتني لإجراء العملية فوراً") من جهة، والتحريم أو التفكير المشكك من جهة ثانية، الذي ينظر إلى الشاب ويقول له "حسناً، اذهب وفكر في الموضوع لبعض الوقت". ربما، إن أردنا أن يضطلع الشبان في مجتمعنا بدور أكثر إيجابية وفعالية، علينا أن نثق بهم وباستقلاليتهم الجسدية أولاً؟ 

*غُيرت الأسماء

© The Independent

المزيد من صحة