Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نخشى تجلطات لقاح كورونا فهل نقلق أيضا من تخثرات حبوب منع الحمل؟

بعد تقييد استخدام لقاحي "أسترازينيكا" و"جونسون أند جونسون" خوفا من جلطات نادرة في الدم، تساءلت النساء، ماذا عن المخاطر الناجمة عن تناول حبوب منع الحمل؟ تستكشف لين إنرايت ما إذا كان يجوز عقد مقارنة بينهما

الجدال حول مخاطر موانع الحمل واللقاح أثار مجدداً مخاوف من أن الآثار الجانبية لدواء أو علاج طبي لا تحمل على محمل الجد، أو يتصدى لها بسرعة أكبر عندما تضر بالرجال (غيتي)

في سبتمبر (أيلول) الماضي، كانت كايت لورنسون، البالغة من العمر 38 عاماً، تتناول حبوب منع حمل فموية مركبة تجنباً لحالات حمل غير مقصودة، شأن ملايين النساء في بريطانيا. على مدى خمس سنوات متقطعة كانت تستخدم أقراصاً تحوي مزيجاً من الهرمونين الإستروجين والبروجسترون، وتتوقف عن تناولها عندما تريد إنجاب طفل، ثم تعود إليها مرة أخرى بعد فطام صغيرها من الرضاعة الطبيعية. لم يحدث أن تعرضت لأي آثار جانبية مزعجة نتيجة تلك الأقراص، وعندما لاحظت بروز تورم في ساقها، لم تكن لديها أدنى فكرة أنه ربما يكون مرتبطاً بوسيلة منع الحمل التي تعتمدها.

طبيبها العام أيضاً لم يشتبه بدوره في وجود علاقة بين تورم ساق مريضته وحبوب منع الحمل. توضح لورنسون قائلة، "ظهرت لدي كتلة صغيرة صلبة في الجزء الخلفي من ساقي، ولكن بسبب القيود الرامية إلى احتواء "كوفيد" في البلاد، تعذر على طبيبي آنذاك استقبالي ومعاينتي شخصياً. عوض ذلك، أرسلت إليه صورة للتورم، فطمأنني ألا أقلق". خلال الشهر التالي، اختفى التورم، لكن الأم بدأت تعاني ضيقاً في التنفس. وبحلول أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كانت تكافح من أجل أخذ أنفاسها، وعندما زارت طبيباً عاماً خارج ساعات العمل، نصحها بالحصول على رعاية طبية مستعجلة. "اشتبه الطبيب في إصابتي بجلطة دموية، وطلب مني أن أقصد قسم الحوادث والطوارئ في المستشفى"، قالت لورنسون.

في قسم الحوادث والطوارئ، خضعت لورنسون لفحوص طبية أكدت تعرضها لتجلطات في الدم، واستدعت حالتها دخول المستشفى. أمضت المريضة ثلاثة أيام في جناح العناية المركزة، حيث أخبرها أطباء أنهم يعتقدون أن التخثر الدموي، الذي نشأ بداية في ساقها قبل أن ينفصل جزء منه وينتقل إلى رئتيها، مرده إلى تناول حبوب منع الحمل. ترى لورنسون أنها محظوظة، إذ شخص الأطباء التجلطات الدموية في رئتيها قبل أن تزداد حالها تدهوراً- ولكن حتى الآن، بعد مرور ستة أشهر على إصابتها، لم تستعد المرأة صحتها تماماً. ما زالت تكابد "التهاب الجنبة" pleurisy (التهاب يطاول البطانة المحيطة بالرئتين)، ونقصاً في السعة الرئوية.

في أعقاب إطلاق برامج تطعيم كثيرة ضد فيروس "كورونا" في شتى أنحاء العالم، وبدرجات من السرعة اختلفت باختلاف البلدان، برز نقاش حول آثار جانبية محتملة يطرحها بعض اللقاحات، من بينها خطر التجلطات الدموية. وإثر نشوء مخاوف بشأنه، علقت دول أوروبية عدة استخدام لقاح "أكسفورد- أسترازينيكا" Oxford AstraZeneca احترازياً إلى حين جمع أدلة إضافية بشأن حوادث التجلط (علماً أن الدنمارك تخلت عن اللقاح تماماً). بيد أن بريطانيا لم تحذ حذو غيرها آنذاك، على اعتبار أنها واثقة من سلامة العقار. ثم في 7 أبريل (نيسان) الحالي، أعلنت حكومة المملكة المتحدة اعتزامها تقديم جرعات تحصينية بديلة للفئة العمرية من دون الثلاثين عاماً.

نظراً إلى التحرك السريع والحاسم الذي اتخذته بلدان عدة تجاه اضطرابات التخثر المرتبطة بلقاح "أكسفورد- أسترازينيكا" (ولاحقاً، "جونسون أند جونسون" في الولايات المتحدة الأميركية وجنوب أفريقيا وأوروبا) اعترى لورنسون قلق. قالت مبدية استغرابها، "يتحدث الجميع عن (تجلطات) قد يتسبب بها اللقاح، ولكن أحداً لم يتطرق إلى نساء يعانين تجلطات دموية نتيجة حبوب منع الحمل. لا تتوفر إرشادات أو معلومات كافية في هذا الشأن".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بالتأكيد، ليست لورنسون الوحيدة التي قارنت بين تجلطات اللقاح وتخثرات حبوب منع الحمل، بل لجأت نساء كثيرات إلى وسائل التواصل الاجتماعي لعقد مقارنة بينهما. وفي حديثه إلى "غود مورنينغ بريطانيا"Good Morning Britain ، قال البروفيسور آدم فين، العضو من "اللجنة المشتركة للتطعيم والتحصين (JCVI) في بريطانيا، "إن مخاطر التخثر التي ترافق تناول حبوب منع الحمل أعلى كثيراً مقارنة بنظيرتها التي شهدناها، أخيراً، بسبب تلك الحقن [في إشارة إلى لقاح "أسترازينيكا"]. ولكن هل نحن إزاء مقارنات منصفة، وهل تعود علينا بمنفعة؟

في مراقبة للأرقام، نجد أن خطر إصابة النساء بتجلطات دموية جراء وسائل منع الحمل الهرمونية المركبة (حبوب منع الحمل، أو اللصقات، أو الحلقة المهبلية) يقدر، وفق مراجعة على نطاق الاتحاد الأوروبي صدرت عام 2014، بنحو خمس إلى 12 حالة من كل 10 آلاف امرأة، مقارنة بحالتين تقريباً من كل 10 آلاف امرأة لا تستخدم وسائل منع الحمل وليست حاملاً. في الواقع، يرتبط الخطر بشكل خاص بالتدخين، والسمنة، ومعاناة سابقة من اضطرابات تخثر الدم.

ما زالت مخاطر تخثر الدم المرتبطة بلقاح "أسترازينيكا" غير واضحة، ولكن وفق تقديرات أصدرتها "هيئة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية في المملكة المتحدة" (MHRA) ثمة حالة تخثر واحدة من بين كل 250 ألف شخص (تلقوا اللقاح). وتشير تقارير إلى أنه حتى نهاية مارس (آذار) الماضي، شهدت بريطانيا وفاة 19 شخصاً جراء تجلطات دموية من بين 79 حالة تخثر دموي مصحوبة بمستويات منخفضة من الصفائح الدموية، وذلك عقب تلقي لقاح "أسترازينيكا". تذكيراً، شهدت البلاد توزيع ما يربو على 20 مليون جرعة من اللقاح المذكور (من بين ما مجموعه 30 مليون جرعة أولى من لقاحات كورونا المعتمدة في بريطانيا) في مختلف أنحاء المملكة المتحدة بحلول نهاية مارس. يبدو، في الظاهر، أن خطر مواجهة تجلطات دموية نتيجة هذا اللقاح أقل أشواطاً مقارنة بحبوب منع الحمل.

لكن بعض الخبراء يشيرون إلى أنه ما زال من السابق لأوانه البت في هذه المسألة. من بين هؤلاء سو بافورد، استشارية في أمراض الدم ورئيسة فريق خبراء أمراض الدم في المملكة المتحدة. من وجهة نظرها، يختلف أثر التجلطات المرتبطة بلقاح "أسترازينيكا" عموماً عنه في تخثرات حبوب منع الحمل. تسبب الأولى انسداداً في مواقع غير معتادة من الأوعية الدموية، غالباً تلك التي تعمل على تصريف الدم من الدماغ، وتعرف هذه الحالة باسم "خثار الجيب الوريدي المخي" (اختصاراً "سي في أس تي"). من الوارد حدوث تجلط شبيه نتيجة تناول حبوب منع الحمل- لكنه يبقى نادراً جداً.

وتشير بافورد إلى أن التجلطات المرتبطة بلقاح "أسترازينيكا" تتصرف بشكل أكثر عدوانية بسبب "نظام تخثر دم عالي الشحن (يستخدم الصفائح الدموية في عملية تنشيطها)". في النتيجة، تقول بافورد، إننا في هذه الحال لسنا أمام مقارنة نظير بنظيره: نوع تجلطات الدم النادرة المرتبطة بلقاح "أسترازينيكا" أكثر فتكاً إلى حد كبير. وتشرح قائلة: "تشكل المتلازمة الفريدة لتجلطات الدم وانخفاض الصفائح الدموية التي لوحظت بعد لقاح "أسترازينيكا" رد فعل مناعي نادر جداً. صحيح أن خطر التخثرات الدموية نتيجة حبوب منع الحمل غير مستبعد، ولكنه ليس رد فعل مناعياً عدوانياً."

وفيما تواصل هيئات طبية السعي إلى تقديم ضمانات بشأن اللقاح تجنباً لإثارة حالة هلع لا داعي لها (مثلاً الأسبوع الماضي، ذكرت مجموعة بحثية في "جامعة أكسفورد" Oxford University، غير تابعة لفريق لقاح "أكسفورد- أسترازينيكا"، أن خطر الإصابة بتجلط دموي نادر جراء الإصابة بـ"كوفيد- 19" كان نحو ثماني مرات أعلى من اللقاح)، كانت هيئات طبية أخرى أيضاً حريصة على الحد من أي تخوف محتمل مرتبط بحبوب منع الحمل.

مثلاً، أصدرت "الخدمة الاستشارية البريطانية للحمل" (بي بي أي أس) BPAS بياناً صارماً في هذا الشأن، قائلة إنه حري بنا عدم تقويض الثقة في "أكثر وسائل منع الحمل شيوعاً في المملكة المتحدة، وتفادي إحداث "ذعر" في صفوف النساء. وأعربت المؤسسة عن قلق يساورها من احتمال أن تقلع النساء عن موانع الحمل الخاصة بهن نتيجة الجدال المتعلق بتخثرات الدم، ما يفضي بدوره إلى زيادة حالات الحمل غير المقصودة في البلاد. كذلك أشارت إلى أن خطر الإصابة بتجلطات الدم يرتفع لدى المرأة أصلاً بشكل ملحوظ أثناء الحمل وبعد الولادة بفترة وجيزة، إلى نحو امرأة واحدة من كل ألف امرأة.

وفي تصريح أدلت به إلى "اندبندنت"، قالت باتريشيا لوهر، المديرة الطبية لدى "الخدمة الاستشارية البريطانية للحمل"، إنه "من المهم جداً وضع خطر التجلط باستخدام موانع الحمل الهرمونية المركبة في إطاره الصحيح (شرحه وتبيان عوامله)، وطمأنة النساء اللاتي يستخدمن تلك الأساليب بأن الخطر ضئيل جداً".

تقول لوهر، إن المخاطر المحيطة بحبوب منع الحمل موثقة بشكل جيد، وهي موضع بحث. "في متناولنا دراسات عدة حول تلك الحوادث- وذلك على خلاف بعض المجالات من الرعاية الطبية، التي لم تلق تأثيراتها السلبية على النساء دراسة وافية. لدينا التزام بإعلام الناس بهذا الخطر، [ولكن] من المهم أيضاً إدراج المخاطر في سياقها الصحيح"، وفق كلامها.

لكن كايت لورنسون، وكثيرات غيرها، يرون أنهن لم يحصلن على إحاطة كافية بالمخاطر: "كنت أكابد تجلطات دموية في رئتي طوال شهر ولم يخطر في بالي ذلك البتة". ترغب لورنسون في إخطار النساء بصورة روتينية بأعراض التخثرات الدموية، وفي أن يعرض عليهن مزيد من الأطباء العامين استخدام أنواع أخرى من موانع الحمل، من قبيل الوسائل غير الهرمونية، أو حبوب منع الحمل الصغيرة (mini-pill تحتوي على هرمون البروجستين فقط)، التي لا ترتبط بزيادة خطر حدوث التجلطات.

وفق "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" ("أن أتش أس"NHS ) في بريطانيا، تشتمل أعراض تجلطات الدم على، ألم نابض أو تشنج، وتورم، واحمرار ودفء في الساق أو الذراع"، و"ضيق مفاجئ في التنفس، وألم حاد في الصدر (قد يكون أسوأ عند التنفس) والسعال، أو سعال مصحوب بخروج دماء". في المملكة المتحدة، حري بالمرأة التي تواجه تلك الأعراض الاتصال بالرقم 111 ويمكن للمختصين إحالتها إلى طبيب أو ممرضة، إذا لزم الأمر.

الجدال حول مخاطر موانع الحمل واللقاح أشعل مجدداً مخاوف طالما كانت موجودة من أن الآثار الجانبية لدواء أو علاج طبي لا تحمل على محمل الجد، أو يتصدى لها بسرعة أكبر عندما تضر بالرجال. مثلاً، يشير كثيرون إلى مثل يستشهد به كثيراً ألا وهو وقف تجربة لتطوير حبوب منع حمل خاصة بالرجال على اعتبار أن آثارها الجانبية "غير مقبولة". كذلك سلط الجدال الضوء على حقيقة أن النساء، اللاتي يستخدمن موانع الحمل الهرمونية المركبة لأنهن على علاقة بالرجال، أو يعانين حالة صحية لم تخضع لبحث كاف من قبيل "بطانة الرحم المهاجرة" ("إندومتريوزس" endometriosis)، يعرضن أنفسهن للخطر نتيجة عدم توفر بديل للحبوب.

الدكتورة أليسون ماكغريغور، طبيبة في قسم الطوارئ في الولايات المتحدة، وخبيرة في الجنس والنوع الاجتماعي في الطب، ومؤلفة كتاب "للجنس تأثيره: كيف يهدد الطب الذكوري صحة المرأة وماذا نفعل حيال ذلك"، تتفق مع الرأي القائل، إن "النساء لسن غالباً على دراية بمخاطر وسائل منع الحمل. وتقول في هذا الصدد، "في الواقع، معظم المريضات اللاتي أعاينهن في قسم الطوارئ لا يذكرن حتى أنهن يتناولن الهرمونات لأنهن لا ينظرن إليها على أنها دواء أو علاج قائم في حد ذاته. لا أعتقد أن الأطباء يشرحون مخاطر العلاجات الهرمونية بشكل كاف قبل أن يصفوها للنساء".

ولكن، على غرار زميلتها بافورد، تحث الدكتورة ماكغريغور على توخي الحذر عند الحديث عن مخاطر تجلطات وسائل منع الحمل واللقاح كليهما، وتقول: "لن أساوي بين الأمرين في هذه المرحلة قبل التوصل إلى فهم أوسع". بغض النظر عما تظهره الأرقام في هذا الشأن، أشار عدد من الخبراء إلى أن المقارنة المباشرة لعوامل الخطر الخاصة باللقاح ونظيرتها الناتجة عن حبوب منع الحمل ليست فقط غير مفيدة، بل غير علمية أيضاً.

لكن لا يعني ذلك أن النقاش حول عوامل الخطر المرتبطة بموانع الحمل الهرمونية المركبة غير صائب أو في غير محله. لا بد من طمأنة النساء إلى أن تلك العلاجات تحمل مخاطر منخفضة نسبياً، وأن غالبية تجلطات الدم التي ربما يواجهنها ستلقى العلاج المناسب. ومع ذلك، ينبغي إعلامهن بالمخاطر والآثار الجانبية والمضاعفات المحتملة، وتشجيعهن على اتخاذ قرارهن وهن على بينة من المخاطر المحتملة، وليس وصف حبوب الحمل لهن كأنها أمر مسلم به [معطى خارج النقاش].

© The Independent

المزيد من صحة