Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تداعيات عالمية مشؤومة لإلغاء قانون الحق في الإجهاض

أضراره لا تزال في بدايتها لكنها مدوية والهبات الخيرية متأصلة بالولايات المتحدة لكنها سيف ذو حدين

اعتبرت الولايات المتحدة على مر عقود طويلة رائدة في المواضيع الاجتماعية الحساسة ومنها حقوق النساء والأقليات  (رويترز)

منذ سنوات، يحث المدافعون عن صحة نساء دولة مالاوي في شرق أفريقيا على إصلاح قوانينها المتعلقة بالإجهاض. إن هذه العملية ليست متاحة في الوقت الحالي سوى للنساء اللاتي يهدد الحمل حياتهن، وفي دولة يقطنها 20 مليون نسمة، تموت 12 ألف امرأة تقريباً كل عام جراء عمليات الإجهاض غير القانونية.

تتقدم الآن مقترحات جديدة لتغيير القواعد على الرغم من الانتكاسات والمقاومة الشديدة. في المقابل، عقب إلغاء قانون "رو ضد وايد" في قارة أخرى [أميركا]، ظهر تهديد للقوانين الجديدة التي تعطي الحق في الإجهاض وتتجه نحو البرلمان. تتلقى مالاوي ما معدله 180 مليون دولار من المساعدات الأميركية سنوياً. وربما تقرر الحكومة والنواب أن تحرير القوانين المتعلقة بالإجهاض قد يهدد بإبعاد رعاتهم [الأميركيين] في المستقبل.

وفي ذلك الشأن، توضح سارة شو، مديرة حملات الدعم في منظمة "أم أس آي ريبرودكتيف تشويسز" MSI Reproductive Choices التي تتخذ من لندن مقراً لها وتقدم خدمات متخصصة بصحة النساء في كل أنحاء العالم، "إننا نتمنى وصول القانون إلى البرلمان. نحن قلقون من أن يؤثر الحكم في قانون (رو ضد وايد) على إقرار مشروع القانون، لأن الحكومة المالاوية تحصل على جزء مهم من ميزانيتها من الولايات المتحدة".

تلقى نضال استمر عشرات السنين من أجل توفير إمكانية الإجهاض الأمن للنساء الأميركيات ضربة قوية الشهر الماضي، حين ألغت المحكمة الأميركية العليا القرار التاريخي الصادر في عام 1973 الذي حمى الحق في إجراء عملية إجهاض [رو ضد وايد] بموجب الإجراءات الدستورية المعنية بالخصوصية.

واستطراداً، يشكل إقدام هيئة غير منتخبة من القضاة الذين تحركهم دوافع دينية وعقائدية على حرمان الأميركيات من حقوقهن فعلاً سيئاً بما فيه الكفاية، ويشكل انتكاسة هائلة بالنسبة إلى مجتمع أميركا الشمالية، ولكن من شأن هذه الانتكاسة أن تخلف أثراً عالمياً كذلك، إذ تقوي عزيمة المتعصبين في العالم أجمع، الذين يجهدون في سبيل حرمان النساء من إمكانية تلقي الرعاية الصحية والتحكم بأجسادهن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ذلك الصدد، ذكرت لاله إسباهاني، المديرة الشريكة في منظمة "أوبن سوسايتي" [المجتمع المفتوح] في بيان صحافي، "لن يلحق قرار الغالبية [داخل المحكمة العليا الفيدرالية الأميركية] أضراراً لا توصف بحياة النساء والعائلات داخل الولايات المتحدة وحدها، بل قد يخلف أضراراً فادحة يتردد صداها في كل أرجاء العالم، ويلغي التقدم الذي انتزع بعد جهد جهيد في دول أخرى، ويقوي عزيمة الحركات المناهضة لخيار الإجهاض".

وعلى مر العقود، غالباً ما اعتبرت الولايات المتحدة رائدة في المواضيع الاجتماعية الحساسة، ومنها حقوق النساء والأقليات. وقد حذرت الأمينة العامة لـ"منظمة العفو الدولية" أغنس كالامار من أن إلغاء قانون "رو ضد وايد" "سيشكل مثلاً سيئاً [سابقة سيئة] للغاية يمكن لحكومات أخرى ومجموعات مناهضة للحق في الإجهاض حول العالم أن تستغله في محاولتها تقليص حقوق النساء والفتيات والفئات الأخرى التي قد تتعرض للحمل".  

في السنوات الأخيرة، تراجع إلى حد كبير تأثير الولايات المتحدة وتضررت صورتها باعتبارها المجتمع القدوة بسبب تفشي حوادث إطلاق النار وسياستها المتقلبة. وفي المقابل، إن المال والاستعداد لإنفاقه هو فعلياً ما يمنح الولايات المتحدة نفوذها الضخم في قضية الإجهاض.

إذ تعتبر أميركا من أهم الجهات التي تقدم مساعدات خارجية، إضافة إلى كونها مصدر تمويل الجماعات المتطرفة التي تمتلك أجندات اجتماعية رجعية، ومن ضمنها تلك التي تسعى إلى تقييد حقوق النساء ومجتمعات الميم [المثليات والمثليون ومزدوجو الميل الجنسي ومغايرو الهوية الجنسانية] والمهاجرين.

وبالتالي، يخشى مناصرو الحق في الإجهاض ما قد يعنيه إبطال قانون "رو ضد وايد" بالنسبة إلى البلدان التي تعتمد على المساعدات الأميركية، إذ تسعى تلك الدول النامية دوماً إلى إرضاء واشنطن ولا شك في أنها تحاول التكهن في ما يخبئه مستقبل السياسة الأميركية كي تستمر في تلقي عطاياها.

وفي مالاوي، يعود قانون الإجهاض إلى 160 عاماً مضت. ويعاقب من تخضع للإجهاض بالسجن لفترة قد تصل إلى 14 سنة. وجدت دراسة أجراها "معهد غوتماخر"، مقره في الولايات المتحدة، أن أكثر من 140 ألف عملية إجهاض تحصل سراً في مالاوي كل عام، وتسفر عن وفاة 12 ألف أم. وكان من بين هؤلاء فتاة في الرابعة عشرة من عمرها لقيت مصرعها بعد تناولها دواء من الأعشاب كي تنهي حملها.

وعلى الرغم من جهود السماح بإجراء عمليات الإجهاض في الأقل في حالات الاغتصاب أو سفاح القربى، رفضت جماعات اليمين المتطرف حتى السماح بطرح موضوع القوانين الجديدة في البرلمان.

ومن المرجح أن ينشط القرار الصادر في يونيو (حزيران) في قضية "رو"، مناهضو الحق في الإجهاض من أمثال هؤلاء [جماعات اليمين المتطرف] حول العالم، ويعطيهم دفعة سياسية ومالية. وقد بدأت هذه المجموعات بالفعل بمخاطبة مؤيديها، طلباً لمزيد من المال، في محاولة هدفها جمع التبرعات باستغلال شعور الغبطة الذي نما في أوساط اليمين المتطرف بسبب إلغاء قانون "رو ضد وايد".

 

يعتبر تقديم الهبات الخيرية عادة متأصلة في الولايات المتحدة لكنها سيف ذو حدين في موضوع الحق في الإجهاض، إذ يحصل عدد من الحركات المناهضة للحق في الإجهاض حول العالم على تمويل من جماعات اليمين المتطرف والجماعات المتدينة في الولايات المتحدة، التي لديها أجندات "مناصرة للعائلة" بحسب وصفها لها، تشمل معارضة حقوق الإجهاض وحقوق مجتمعات "الميم". وتتكلم شو عن تشكيل الجماعات المناهضة للإجهاض تكتلاً يجعلها أقرب إلى حركة عابرة للحدود. وكبداية، حصلت منظمة "سيتسزن غو" CitizenGO الإسبانية المحافظة المتشددة التي تناهض الإجهاض على تمويل من الأميركيين ومن أوليغارشي روسي. وقد وسعت رقعة عملها الآن إلى دول أفريقية على غرار كينيا، حيث اتهمت بنشر أكاذيب في شأن الإجهاض ومجتمع "الميم".

وبحسب سارة شو "تتحد هذه الجماعات. تحصل على تمويلها من المصدر نفسه. وتستخدم الأساليب نفسها".

ربما لا يزال من المبكر أن نرى آثار قرار "المحكمة العليا" في العالم كله، في وقت ما زالت تداعياته حتى في الولايات المتحدة غير واضحة في ظل تحرك البيت الأبيض ومناصري الحق بالإجهاض [للحد من آثاره]. لكن استناداً إلى ما حدث مع قانون منع التمويل الأميركي إلى كل المنظمات الأهلية المساندة للحق في الإجهاض [يشار إليه أحياناً باسم "قانون مدينة مكسيكو"] في كل أنحاء العالم، فالأرجح أن يخلف ما يسمى "حكم دوبز" [تسمية أخرى لقرار المحكمة الفيدرالية العليا عدم اعتبار الحصول على الإجهاض حقاً دستورياً للأفراد، بالتالي، إلغاء قانون "رو ضد وايد"] تأثيرات كبيرة.

ما عاد واقع الحال في عام 2022 مماثلاً لما كان عليه في عام 1973. في ذلك الحين، كان الخضوع لعملية جراحية هو الحل الوحيد للإجهاض، لكن الآن، تزداد شعبية الإجهاض الطبي، الذي يعتبر آمناً وفعالاً خلال الأسابيع العشرة الأولى من الحمل. ويضاف إلى ذلك أن سرية هذا الإجراء واحتمال الوصول إليه يجعلان محاربته أصعب بالنسبة إلى معارضي الحق في الإجهاض. ومع أن الجماعات المناهضة للحق في قرار الإجهاض قد تكون ناشطة حول العالم، إلا أنه من الممكن أن يدفع إبطال قانون "رو ضد وايد" المناصرين إلى مواصلة ترسيخ حقوق الإجهاض في القوانين المحلية.

ومنذ فرض قانون منع التمويل الأميركي عالمياً عن مؤيدي الإجهاض، اعتاد مناصرو الحق في الإجهاض نوعاً ما على الطبيعة المتقلبة للسياسة الأميركية في موضوع الإجهاض، التي إما أن تفعل أو يوقف العمل بها وفقاً للرئيس الجالس في البيت الأبيض، الذي إما يكون يمينياً أو معتدلاً. واستطراداً، هنالك ما يقلق سارة شو أيضاً يتمثل في رمزية انهيار قانون "رو ضد وايد"، لا سيما أن عجز الكونغرس الأميركي عن إقرار قانون يكرس الحق في الإجهاض داخل أنحاء البلاد، بالتالي فقد يسهم تحويل الإجهاض إلى فعل غير قانوني في معظم مناطق الولايات المتحدة، في تعزيز الوصمة المحيطة بهذا الإجراء بالنسبة إلى النساء والفتيات اللاتي يثقل كاهلهن حمل لا يرغبن به.

وبحسب سارة شو، إن "ما يقلقنا هو الأثر المخيف على الأعراف السياسية والاجتماعية، هذا ما سيترك أثراً. وهنا انتكاستنا".

نشر في "اندبندنت" بتاريخ 11 يوليو 2022

© The Independent

المزيد من آراء