ملخص
غزة تعاني الجوع... سينتهي مخزون السلع التموينية خلال خمسة أيام وستنفد محاصيل الخضراوات بعد أسبوعين
بات التبضع والتزود بالمواد الغذائية رحلة محفوفة بالمخاطر في غزة لا سيما وأنه لم يعد هناك مكان آمن بالقطاع في ظل الغارات الإسرائيلية شبه "العشوائية".
فالحاجة الملحة لتأمين حاجيات عائلته أجبرت فارس على مغادرة منزله، فسار مسرعاً في طريقه إلى السوق الشعبية لشراء بعض المواد التموينية والغذائية والخضراوات، ومع كل خطوة كان قلبه يخفق بسرعة رهيبة خوفاً على أطفاله، ومن شدة ما يراه من دمار وركام في الطرقات.
رحلة تحت القصف
رحلة فارس التي بدأها منذ بزوغ الفجر ليست عادية، فهو يسير في شوارع غزة التي تخوض قتالاً عسكرياً مدمراً مع إسرائيل، ويتنقل تحت قنابل الطائرات الإسرائيلية، لكنه مجبر على الذهاب للسوق، فجميع المستلزمات الأساسية نفدت من بيته، ويكافح في مشواره هذا لأجل تأمين أطفاله.
إلى حد اليوم، ما زال فارس يعيش في بيته ولم يخرج منه كما حال عشرات الآلاف من سكان القطاع، كلهم يحرصون على التزام منازلهم هرباً من الغارات الإسرائيلية المدمرة التي باتت تطال أي مكان في غزة من دون رحمة، لكنه وجد نفسه مجبراً على توفير الطعام والمياه لصغاره. يقول "الحرب بدأت مباغتة بالتالي لم نجهز أنفسنا، في الوضع الطبيعي نشتري مستلزمات الطعام لنحو أسبوع، وبما أننا في اليوم الخامس من القتال فقد نفد كل ما في البيت".
أزمة الخضراوات بعد أسبوعين
وبعدما قطع نحو ثلاثة كيلومترات سيراً على الأقدام وسط الركام المتناثر في كل مكان، وتحت القصف الشديد، وصل فارس إلى السوق، وبدا المكان شاحباً وقد تغيرت ملامحه كثيراً، فبعض المحلات التجارية فتحت أبوابها لاستقبال المحتاجين لأصناف تموينية، قليل من باعة الخضراوات اصطفوا على جانبي الطريق يعرضون أصنافاً محدودة، ولا أحد يبيع اللحوم البيضاء أو مشتقات الحليب.
"شحيحة هي الخضراوات" يقول فارس، ولكنه لا يعلم كم خاطر المزارعون من أجل جلب هذه الكميات البسيطة، وفي هذا الصدد يقول مدير عام خدمات المزارعين في وزارة الزراعة وائل ثابت "يوجد أزمة حقيقية في الطعام، وسط صعوبة وصول المزارعين لأراضيهم، وتسبب ذلك في انخفاض حاد في كمية الخضراوات الواردة للأسواق".
ويضيف "أبلغنا شركاءنا في الصليب الأحمر ومنظمة الفاو أن إسرائيل رفضت التنسيق مع المزارعين لتأمين وصولهم إلى بساتينهم التي تزيد مساحتها على 206 آلاف دونم ومعظمها قريبة من الحدود. ووسط هذا التعنت، وجدوا نفسهم يخاطرون بأرواحهم ويذهبون لجمع محاصيلهم".
ويوضح ثابت أن الخضراوات التي تضخ في السوق وصلت إلى 150 طناً، وهذا رقم منخفض جداً إذ يستهلك سكان غزة من مختلف أصناف المزروعات 700 طن يومياً، لافتاً إلى أن القطاع سيشهد أزمة غذائية حادة في غضون أسبوعين.
اشترى فارس كثيراً من المواد الغذائية والتموينية وبعض الكيلوغرامات من الخضراوات، فهو أسوة بكل سكان غزة، يجهز نفسه لفترة عصيبة ومن الواضح أنها ستكون الأصعب في حياته، متمنياً في الوقت نفسه لو توقف القتال خلال ساعات.
لا منافذ تجارية
من حسن حظ فارس أنه زار السوق في هذا الوقت ووجد مواد تموينية وحصل عليها، فلو أجل رحلته لأيام، لكان من الممكن ألا يجد ما يطعم أطفاله به، إذ فرضت إسرائيل إغلاقاً مطبقاً على غزة، ومنعت بشكل نهائي إدخال المواد الغذائية والتموينية وحتى الوقود، فهي من الأساس أغلقت جميع المنافذ التي تربطها مع القطاع.
سكان غزة باتوا يتحضرون نفسياً ومعنوياً وتموينياً لمجاعة مرتقبة ستحل بهم بعد أيام، بخاصة بعدما إغلاق بوابة صلاح الدين التجارية في معبر رفح التي تعد المنفذ التجاري الثاني والأخير الذي يربط القطاع مع العالم ومن خلالها يتم تدفق معظم السلع.
الليلة الماضية، قررت الحكومة الإسرائيلية قصف أي قافلة مساعدات غذائية أو إغاثية تصل إلى غزة من طريق معبر رفح، وأبلغت السلطات المصرية بذلك، وبأنها لن تسمح لأي دولة في العالم بتقديم معونات للقطاع، وستقوم بالإغارة على القوافل قبل اقترابها من القطاع.
ولتضمن إسرائيل عدم دخول قوافل المؤن إلى غزة من طريق مصر، أو حتى لا تقع في إحراج مع دول العالم، أغارت مقاتلات الجيش على بوابة معبر رفح مرتين، وأخرجته عن الخدمة بشكل كلي. ويقول المتحدث باسم وزارة الداخلية إياد البزم، إن إدارة معبر رفح من الجانب المصري أبلغتهم بإخلاء المنفذ الحدودي بشكل فوري قبل تدميره.
المواد التموينية تنفذ بعد 5 أيام
ويقول مدير عام وزارة الاقتصاد في غزة أسامة نوفل "كنا نعول على بوابة صلاح الدين مع الجانب المصري في أن تكون منفذاً يسهل إمدادات الغذاء، لكن خروجها من الخدمة يعني استحالة إمكانية إدخال بضائع، وهذا سيسبب مجاعة".
ويضيف "سيكون لدينا أزمة غذاء خطرة جداً خلال خمسة أيام، لأن المخزون الاستراتيجي للمواد الغذائية والتموينية بدأ ينفذ"، مؤكداً أن تهافت الناس للحصول على الطعام جعل المخزون الذي من المفروض أن ينضب خلال 12 يوماً، ينتهي في أقل من أسبوع.
نقص المياه
ولا تقف أزمات غزة عند ذلك الحد، إذ يعاني السكان أيضاً من عدم توفر المياه، ولتأمين 20 ليتراً، يغادر إيهاب منزله نحو بئر قريبة من محيط سكنه، لكن يكتظ حوله مئات الأفراد ينتظرون دورهم في تعبئة بعض عبوات المياه، ويمكث الرجل نحو ثلاث ساعات حتى يتمكن من الوصول إلى صنبور المياه.
وربما، إيهاب الذي يتعب كثيراً في الحصول على الماء، يعد أفضل حالاً من حالة سابقه فارس، فهو في الأقل يتوفر له الطعام من طريق وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فالرجل نزح من منزله بعد تهديد منطقته بالتدمير الكامل إلى مدارس الإيواء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
جهود فاشلة
وفي مدارس الأمم المتحدة، فإن وكالتها "الأونروا" ترعى النازحين الذين وصولوا هاربين من الموت المحتم، وتقدم لهم وجبات طعام وتوفر لهم مياهاً وأغطية، لكن المؤسسة الدولية هي الأخرى مخزونها التمويني بدأ في النفاد، ولن تستطيع توفير المعونات الغذائية بعد أسبوعين، وفقاً لما أفصح عنه المستشار الإعلامي فيها عدنان أبو حسنة.
وتحاول السلطة الفلسطينية الضغط على إسرائيل لوقف الحرب المدمرة فوراً، وبحسب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة "التحرير" حسين الشيخ فإنهم يجرون "اتصالات لوقف شلال الدم والتدمير المذهل والتهجير القسري"، ويعملون من أجل السماح بإدخال المواد الغذائية إلى غزة.
لكن إسرائيل ترفض ذلك. ويقول المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاجري "نحن في حالة حرب ونضرب غزة بلا هوادة، وهذا هو التغيير الذي طلبته حماس، وعليها تحمل ذلك".