Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محمد الفايد... وداع كلاسيكي لـ"روح طامحة"

على رغم استثماراته الهائلة في إنجلترا حرموه جنسيتها وحتى انتصار الحب بين نجله دودي والأميرة ديانا صرع في قلب باريس

جسد فصلاً درامياً من صراع الشرق والغرب حين نجحت مغامرته الكبرى من ميناء الإسكندرية المصري إلى عالم الأعمال في بريطانيا (أ ف ب)

ديانا كانت عقدته ولعنته ولعنة عائلته، تماماً مثلما كانت الشخصية المفضلة له في العائلة الإنجليزية الملكية، رجل الأعمال المصري محمد الفايد يغادر الحياة قبل يوم واحد فقط من الذكرى الـ26 لرحيل أميرة ويلز ومعها نجله عماد الفايد في حادثة السيارة الشهيرة وسط العاصمة الفرنسية باريس، عاش 94 عاماً قضى 50 منها في بريطانيا التي رفضت منحه جنسيتها، على رغم المحاولات المتعددة وضخامة استثمارات الملياردير المصري الواسعة في ربوعها.

 

 

الفايد الذي أحيا محال "هارودز" وجعلها ملء السمع والبصر وأسهم بقوة في الاقتصاد الإنجليزي لم يتمكن أبداً من أن يكتسب ثقة الحكومة البريطانية، وبعد معارك قضائية عدة حصل على السبب وهو أنه لا يتمتع بالنزاهة، وأن مصدر أمواله غير معروف، فيما كان يرى هو أن هذه مجرد حجة وأن المؤسسات الرسمية دائماً ما تنحاز ضده بعكس شعب إنجلترا الذي يحبه ويدعمه.

الملياردير العصامي

محمد عبدالمنعم الفايد، من مواليد 27 يناير (كانون الثاني) 1929، هو رجل الأعمال العصامي الذي بدأ حياته عاملاً في ميناء مدينة الإسكندرية المصرية، وكان موهوباً في تحقيق الثروات وإدارة المشروعات الناجحة، وبحسب ما ذكره في لقائه الشهير مع الإعلامي عمرو أديب عام 2006 فقد تحدث عن قدراته على صنع المجد والمال مستشهداً بدوره في بناء ميناء دبي، وفي تأسيس شركات استخراج النفط هناك، وهو اللقاء نفسه الذي أظهر الفايد فيه سخطاً هائلاً على العائلة الملكية الإنجليزية، ولم يتوقف عن وصفهم بالنازيين، وكان يكيل الاتهامات لدوق إدنبره الراحل الأمير فيليب، إذ كان يرى أنه العقل المخطط لحادثة أميرة ويلز الراحلة ديانا مع نجله محمد الفايد "دودي" أثناء عطلتهما الرومانسية في فرنسا، مشيراً إلى أن الأمير فيليب كان يكره العرب، واستشاط غيظاً حينما علم بحمل ديانا من نجله.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى رغم أن القضاء البريطاني فند تلك الاتهامات مراراً ووصفها بالهزلية والأمر نفسه بالنسبة إلى القضاء الفرنسي، فإن الرجل العنيد القوي الشخصية الذي نال قسطاً متوسطاً من التعليم، كان يصر على تلك المزاعم في كل مناسبة، وذلك منذ الواقعة التي صدمت العالم في 31 أغسطس (آب) 1997، بعد عام واحد من وقوع الطلاق الرسمي بين الأميرة الراحلة والملك تشارلز الذي كان ولياً للعهد حينها.

50 عاماً من النجاح والعداوة

محمد الفايد الذي كرس عقدين ونصف العقد من عمره لتأكيد أن واقعة مصرع ابنه الأكبر بصحبة الأميرة ديانا مدبرة، متمنياً تحقيق العدالة وعقاب المتورطين، وهو أمر لم يحدث أبداً، حاول على مدى 30 عاماً الفوز بجواز السفر البريطاني ولم يتمكن سوى من الحصول على الإقامة فقط، حين تقدم رسمياً لأول مرة بالطلب عام 1994.

تبدو قصته وكأنها قصة رجل يحيل التراب ذهباً، كلما دخل صفقة خرج منها منتصراً وبأرباح مضاعفة وفي وقت قياسي، مستفيداً من شبكة من العلاقات تتضمن أسماء كبيرة في عالم المال والأعمال والسياسة، إذ ارتبط اسمه بصفقات عدة بينها صفقة شراء فندق "ريتز" في فرنسا نهاية السبعينيات، ثم حقق الشهرة في الأوساط الملكية حينما اشترى قصر دوق وندسور في باريس وأرسل محتوياته الفاخرة إلى الملكة إليزابيث الثانية التي تكبره بثلاثة أعوام فقط، حيث كان يرغب بشدة في إقامة روابط مع العائلة الملكية البارزة ولكنه لم ينجح أبداً، وكان عزاؤه في قصة الحب التي نشأت بين ديانا ونجله عماد الفايد، والتي انتهت بشكل مأسوي في حادثة هزت العالم، وفي منتصف الثمانينيات كان الموعد مع صفقة متاجر "هارودز"، التي باعها عام 2010 إلى شركة قطر القابضة مقابل 1.7 مليار دولار، كما باع نادي "فولهام" الإنجليزي أيضاً في صفقة ضخمة عام 2013 لمستثمر باكستاني بعد سبعة أعوام من شرائه له.

وعلى رغم الطموح المادي الذي لا يحده سقف، والعقلية التجارية الجبارة التي يتمتع بها الفايد والتي مكنته من تحقيق ثروة تقدر بملياري دولار أميركي، فإن طبيعة شخصيته كانت تجعله يصر على بعض التفاصيل التي تنبع من رغبته في عيش حياة أخرى فوق عمره، ومن أبرزها إصراره على أن تبقى صوره والتماثيل التي تجسد هيئته كما هي في محال "هارودز" حتى بعد بيعه، وهي تصميمات تظهر ملامحه كفرعون مصري عظيم، وربما هي الأفكار ذاتها التي جعلته يعلن مراراً عن رغبته في أن يتم تحنيط جثمانه بعد رحيله، ووضعه كعقرب من عقارب ساعة المتجر الشهير، وعلى ما يبدو فإن تلك الأمنية تم التخلي عنها حينما أعلن في ما بعد أنه يرفض العودة إلى بلده مصر إلا بعد موته، ولكن حتى تلك الأمنية لم تتحقق إذ تمت الصلاة على الجثمان ودفن في لندن، بحسب البيان الرسمي الذي أعلنته أسرته، ومما جاء فيه "زوجة محمد الفايد وأبناؤه وأحفاده يريدون التأكيد أن زوجها العزيز ووالدهم وجدهم محمد توفي بسلام الأربعاء 30 أغسطس، حيث أقيمت مراسم الجنازة على الطريقة الإسلامية في مسجد لندن المركزي، وقد ووري جثمانه الثرى". ولدى الفايد من زوجته هيني واثن أربعة أبناء، هم كريم وعمر وياسمين وكاميلا.

الهرب من التأميم

كان الفايد عبر من قبل عن ضيقه الشديد من فترة حكم جمال عبدالناصر في اللقاء الذي عرض مع عمرو أديب، وكان حينها في الـ77 من عمره، حينما ذكر أنه أول مصري أنشأ شركة تعتبر وكيلاً للبواخر في الإسكندرية، ولكنه فوجئ بعد 24 ساعة برجال الأمن يقتحمون المقر ويعلنون تأميمها في أعقاب ثورة يوليو (تموز) 1952 وكان عمره حينها 24 عاماً فقط، لافتاً إلى أنها كانت شركة استثمارية واعدة، وهو اللقاء نفسه الذي قال فيه إنه تخلى عن محاولات الحصول على الجنسية الإنجليزية، مستخفاً بالتعنت الذي يمارس ضده ومعتداً بجواز سفره المصري، وإن ظهر حينها أيضاً من طريقة حديثه عن الموقف أنه لا يزال يشعر بغصة وغضب.

 

 

درامياً بدا محمد الفايد على الشاشة قريباً للغاية من نظيره في الواقع، إنه ساخط وصريح وسليط اللسان في بعض الأوقات، لا يخشى قول الحقيقة من وجهة نظره في وجه الجميع مهما كانت مناصبهم ونفوذهم، لديه ثقة كبيرة في عقليته، ويتغنى دوماً بطريقته في اقتناص الفرص، كما يبدي سعادته الكبيرة حينما يتمكن من أن تصل أعماله الخيرية إلى مستحقيها لتبدل حياة التعساء وتجعلها أكثر دفئاً وتملأها بالأمل، فالنموذج الأكثر تأثيراً لشخصية محمد الفايد تضمنه الموسم الخامس من المسلسل الإنجليزي "التاج" The Crown من تأليف بيتر مورجان، والذي يحكي سيرة حياة الملكة إليزابيث الثانية، حيث عرض الموسم في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022.

الفايد كوجه درامي

نجح الفنان سليم ضو في تجسيد الشخصية بتمكن كبير يحسب له، وتلبس الدور تماماً، وكان يعبر صامتاً مثلما يظهر قدراته على التقمص متحدثاً، ذلك بخلاف ظهوره "شكلاً" كنسخة شبه مطابقة لمحمد الفايد بأسلوب ملابسه الشهير وقطع الأزياء التي يضيفها وبينها الشال الصغير الذي يلفه على رقبته، واستكشف المشاهد مع سليم ضو المزيج المتناقض لصفات الفايد، إذ تتداخل الانتهازية مع الذكاء مع النزاهة والمكر مع السخرية وخفة الظل كذلك، وأكثر ما أسهم في إبراز الشخصية بهذا المستوى هو الحوار الواقعي والمعبر الذي جاء طازجاً وقوياً ومتلائماً مع الحقبة الزمنية بطريقة دقيقة، وكان معبراً أيضاً عن الشخصية بجميع جوانبها، وهو الحوار الذي كتبه المؤلف بلال فضل، وجسد الدور في مرحلة الشباب الممثل أمير المصري، تلك الفترة التي ظهرت فيها شخصية الزوجة الأولى سميرة خاشقجي والدة عماد الفايد، وهي شقيقة رجل الأعمال السعودي عدنان خاشقجي، الذي جسد دوره أحمد غزي.

المزيد من منوعات