Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

زيارة البرهان إلى مصر... هل ثمة انفراج؟

مراقبون توقعوا أن تكون محطة أولى في طواف متصل لبعض الدول المهمة كالسعودية وعواصم أخرى

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي استقبل البرهان في أول زيارة خارجية له منذ بدء الحرب السودانية  (أ ف ب)

ملخص

يبدو أن الخيار الوحيد هو اتخاذ قرار شجاع من جانب الجيش السوداني لإنهاء الحرب.

كان واضحاً أن خروج قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان، يوم الخميس الماضي، بتلك الطريقة الموندرامية من مكانه في مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم (بعد أربعة أشهر من اندلاع الحرب) إلى بورتسودان، ثم زيارته إلى مصر أمس الثلاثاء، خروجاً ينطوي على أهمية بالغة لمسعى يتصل باتخاذ قرار في شأن هذه الحرب التي وصفها البرهان نفسه من قبل بأنها "عبثية".

وكان من الضروري كذلك أن نتصور أن ثمة تفاهمات إقليمية ودولية ساعدت على ذلك الخروج للبرهان، ما يعني أن ذلك الخروج كان لا بد أن تترتب عليه بالضرورة جولة خارجية تتعلق ببحث المصائر المحتملة لنهاية الحرب.

في هذا السياق تأتي الزيارة السريعة للبرهان إلى مصر لبحث أوضاع الحرب وعلاقات البلدين مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بمدينة العلمين، التي استغرقت ساعات، ثم العودة إلى مدينة بورتسودان مرة أخرى، لتعكس تعبيراً ربما أثار من الأسئلة أكثر من الإجابات، إذا ما توقع المراقبون أن زيارة البرهان لمصر هي محطة أولى في طواف متصل لبعض الدول المهمة كالسعودية وعواصم أخرى في المنطقة.

لكن عودة البرهان بتلك السرعة إلى مدينة بورتسودان هي عودة نميل معها إلى الظن بأن ثمة أموراً نوقشت بين البرهان والسيسي، وربما احتاجت تريثاً من مصر لأن القاهرة تدرك تماماً أن هناك دولاً ومنظمات إقليمية منخرطة في بحث سبل الحل للحرب السودانية، عبر مبادرات عديدة، كمنبر جدة، ومبادرة الـ"إيغاد"، إضافة إلى تفاهمات مؤتمر قمة دول جوار السودان الذي استضافته القاهرة في يوليو (تموز) الماضي، الأمر الذي نتوقع معه أن عودة البرهان إلى السودان قد تتصل باستدراك أو تنوير للجيش بما تم التباحث حوله بينه والسيسي، وهو ما قد يصار معه إلى إجراء بعض السياسات، خصوصاً إذا ما لاحظنا خطاب البرهان في قاعدة للقوات البحرية السودانية بمدينة بورتسودان، قبل يوم من زيارته إلى مصر، عبر فيه بوضوح عن خيار استئناف الحرب ضد "الدعم السريع" حتى آخر جندي للجيش السوداني، فيما بدت تصريحاته في المؤتمر الصحافي الذي عقده بعد اللقاء بالرئيس السيسي في العلمين عاكسةً لنبرة مختلفة كالحديث عن إنهاء الحرب وعن فترة انتقالية تنتهي بانتخابات، والملاحظ أن البرهان خلال مؤتمره الصحافي بمدينة العلمين بمصر لم يذكر قوات "الدعم السريع" بالاسم، وإنما تحدث عن جماعة متمردة بطريقة لا تخلو من قصد دبلوماسي في الحديث.

ومن خلال التقارير قبل يوم من زيارة البرهان إلى مصر، نلمح الإشارات إلى أن الزيارة تصب في خانة البحث عن مخرجات سريعة لتسوية سياسية لإمكانية إنقاذ الأوضاع في السودان.

وفي تقديرنا أن توجه مصر نحو أسرع طريق لإنهاء الحرب بالتعاون مع الجهود الإقليمية والدولية المختلفة، هو توجه تعززه دواع بدت اليوم بعد دخول الحرب شهرها الخامس، تمثل لمصر مؤشرات تنذر بالخطر على أمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية الحيوية حال استمرار الحرب لأكثر من ذلك.

أهمية الدولة المركزية

وتدرك مصر أهمية وجود دولة مركزية في السودان كعمق لأمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية، ويأتي على رأس تلك المصالح، التنسيق مع السودان في موضوع سد النهضة، والتجارة البينية، إلى جانب أن ثمة مؤشرات بأن أداء الجيش السوداني في هذه الحرب تتجه معه الأوضاع الميدانية نحو معادلة صفرية غير مأمونة العواقب ليس على أمن مصر القومي ومصالحها الاستراتيجية، بل كذلك على الوضع الجيوسياسي لمنطقة وسط وشرق وغرب أفريقيا برمته، حال انهيار الدولة المركزية للسودان.

لذلك كله ربما كان في طبيعة هذه الزيارة السريعة لعبدالفتاح البرهان إلى مصر، محاولة ما من طرف المصريين للتنسيق والتواصل مع أطراف إقليمية ودولية قد تساعد على بلورة مشروع مشترك لإنهاء الحرب، وهذا في تقديرنا سيعني زيارة خارجية أخرى للبرهان لبعض دول الإقليم ودول الجوار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولعل الأمر المثير في تصريحات البرهان خلال مؤتمره الصحافي في مصر، أنه فيما بدا واضحاً "ظاهرياً على الأقل" أن ثمة احتمالات غامضة لانفراج الوضع، إلا أن حديثه عن مرحلة انتقالية تنتهي بانتخابات، ونفيه نية الجيش السوداني احتكار السلطة، بدا حديثاً سابقاً لأوانه، فحتى ما تم التكهن به قبل الزيارة، من رؤية أو خطة مصرية لإنهاء الحرب في نقاط محددة لم يتم التطرق له في التصريحات التي أعقبت لقاء البرهان مع السيسي في العلمين.

يبدو أن حرص البرهان على تبني مصر وحدها خطةً لإنهاء الحرب، لم يكن وارداً في الأجندة المصرية، إذ إن مؤتمر قمة دول جوار السودان الذي استضافته القاهرة في يوليو الماضي كان واضحاً في الإحالة والبناء على منبر جدة الذي قدمته المبادرة السعودية الأميركية منذ بداية الحرب، كما كانت واضحة رغبة رؤساء دول جوار السودان في البحث عن حل مشترك يمكن التوافق عليه، مع إسناد رئاسة مصر لمجموعة العمل التي استطاعت عقد مؤتمر حول أوضاع الحرب في السودان مطلع أغسطس (آب) الجاري، على مستوى وزراء خارجية دول جوار السودان في العاصمة التشادية أنجمينا.

خيار وحيد

الأوضاع المعقدة للحرب في السودان، وطبيعة الصراع الذي خلف هذا الموت والخراب في البنية التحتية للعاصمة القومية، ومضي أكثر من أربعة أشهر دون قدرة أي طرف على هزيمة الآخر، بل والاستحالة السياسية لبقاء السودان موحداً حال انتصار أحدهما، كلها مؤشرات تنبئ بأن الخيار الوحيد هو اتخاذ قرار شجاع من جانب الجيش السوداني لإنهاء الحرب، لا سيما في ظل وجود وفد قوات "الدعم السريع" للمفاوضات في جدة حتى اليوم.

وكان واضحاً أن قوات الدعم السريع ترصد التداعيات السياسية المحتملة لخروج البرهان من مقر القيادة العامة وانعكاسات زيارته الخارجية، حيث أصدرت رؤية لحل سياسي ينهي الحرب تقوم على الحل الفيدرالي، وهي رؤية تتوافق مع كثير من بنود الاتفاق الإطاري الذي وقع عليه الجيش و"الدعم السريع" وقوى الحرية والتغيير المركزي، وقوى سياسية أخرى في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) 2022 وهو الاتفاق الذي كان في أسباب هذه الحرب محاولة لقطع الطريق على تنفيذه.

ربما سنرى في خلفية المشهد حراكاً مصرياً في الأيام المقبلة عبر اتصالات تجريها القاهرة بقوى إقليمية ودولية لاستثمار فرصة خروج البرهان وزيارته إلى مصر التي تلوح كأول فرصة حقيقية وجادة نحو طريق محتمل لإنهاء الحرب منذ اندلاعها.

 وإذا صح ذلك، فإن من المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة (حال نجاح التنسيق المصري مع المجتمع الإقليمي والدولي) زيارة خارجية محتملة لقائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".

إن التناقضات السياسية الكامنة في بنية السعي لحيازة السلطة، والصراع المحموم كما تمثل اليوم خلال هذه الحرب في أجندات القوى القديمة، عسكريةً كانت أم مدنية، وفي ظل ضعف بنيوي موروث للقوى السياسية السودانية اليوم، وآخر أكثر ضعفاً كالذي كشف عنه ضعف أداء قوى الثورة السودانية، تلك التناقضات السياسية هي بالأساس العامل الداخلي الأكثر حضوراً اليوم في تفجير ديناميات هذه الحرب، إذ ثبت أنه من المتعذر على القوى السياسية السودانية عبر توازن الضعف الذي ضربها، القيام وحدها بتدبير ترتيبات مرحلة انتقال سياسي ناجح بمعزل عن دعم المجتمع الدولي، وتجلى ذلك بوضوح في جهود البعثة السياسية الأممية المتكاملة للسودان "يونيتامس" بقيادة فولكر بيرتس الذي بدأ في ممارسة مهامه بتفويض من رئيس وزراء المرحلة الانتقالية عبدالله حمدوك.

وعلى رغم وضوح الأسباب السياسية للحرب في صراع القوى القديمة، وأهمية الخدمات التي قدمها المجتمع الدولي والإقليمي قبل الحرب، ممثلاً في جهود الرباعية الدولية والأمم المتحدة إلى جانب الاتحاد الأفريقي والـ"إيغاد" في البحث عن أفق لإنجاح انتقال سياسي يساعد السودانيين في ما عجزوا عنه، فإن الشروع في البحث عن نهاية لهذه الحرب يكمن كذلك في الجهود المشتركة والمتناغمة للمجتمع الإقليمي والدولي، ولعل هذا ما ستسعى إليه مصر في المرحلة المقبلة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل