Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العالم "علمين" في مصر... فجوة "طبقية" فاقمها الصيف

انقطاع الكهرباء زاد من معاناة المواطنين الاقتصادية أمام مشاهد الاحتفالات الصاخبة في المدينة الساحلية

مفهوم "الكمباوند" اتسع في مصر ليشمل الشواطئ والأندية (مواقع التواصل)

ملخص

تلك الفجوة لها تأثير خطر في المستقبل ودلالاتها تظهر من خلال الأحاديث على مواقع التواصل الاجتماعي من سخرية متبادلة ما بين مصطافي الإسكندرية والساحل الشمالي.

الأسبوع الأخير من يوليو (تموز) الماضي كان التيار الكهربائي منقطعاً في بضع مناطق بحي شبرا في القاهرة، فيما كان إبراهيم منير يجلس أمام صالون حلاقة يملكه منذ سنوات آملاً في نسمة هواء صيفية تهون عليه درجات الحرارة المرتفعة، في انتظار عودة مروحة سقف صالونه للعمل بعد عودة التيار الكهربائي الذي بات له جدول معلوم، إذ يتصفح الرجل هاتفه متابعاً ضمن ما يتابع صوراً ومشاهد مباشرة من مدينة العلمين الجديدة شمال غربي مصر في محافظة مرسى مطروح.

المحافظة التي لا تغيب عنها الكهرباء، ومحافظتا جنوب سيناء والبحر الأحمر، المستثناة من خطة تخفيف الأحمال، باتت مقصداً سياحياً على المستويين الداخلي والخارجي، في إطار احتفالات مهرجان "العلمين الجديدة 2023" التي يروج لها بعبارة "العالم علمين"، وهي احتفالات بدأت في الـ13 من يوليو (تموز) الماضي وحتى الـ26 من أغسطس (آب) الجاري في 45 يوماً، فيما تقول الدولة المصرية إنه "الحدث الترفيهي الأكبر في الشرق الأوسط" بحسب الهيئة العامة للاستعلامات المصرية.

مصايف أقل سعراً

لكن إبراهيم وأسرته حين حاولوا الهرب من درجات الحرارة المرتفعة، إضافة إلى انقطاع التيار الكهربائي ومعه توقف المكيفات والمراوح لم يجدوا لأنفسهم مكاناً في العلمين، إذ إن أسعارها تفوق إمكاناتهم، وفي حين أن محافظات أخرى كانت وجهة لهم في السنوات الأخيرة، فإن ذلك لم يعد ممكناً أيضاً، "كنا نسافر أحياناً خلال الصيف إلى الإسكندرية أو حتى شرم الشيخ أو الغردقة، لكن ارتفاع الأسعار حال دون ذلك" يحكي إبراهيم.

أحد أقارب إبراهيم أخبره أن إمكانه الذهاب وأسرته المكونة من ثلاثة أطفال وزوجة إلى إحدى المجمعات السكنية المغلقة (كمباوند) في محافظة بورسعيد، في مقابل ألف جنيه (32.31 دولار) لليلة لكنها لا تشمل وجبات الطعام أو الانتقالات، لكن المجمع يضم مسبحاً وإلى جواره شاطئ خاص به، فقرر الرجل الذي أتم الـ40 سنة الذهاب إلى هناك، وأنفق خلال ثلاثة أيام أكثر من 6 آلاف جنيه (185.70 دولار) لكنه لم يشعر بأنه ذهب إلى مصيف.

"ارتفاع الأسعار خانق، تأثرت طريقة معيشتي بما في ذلك المصيف الذي قد يعده بعضهم رفاهية، لكنه ضروري لي ولأسرتي في مثل تلك الظروف"، يحكي إبراهيم لـ"اندبندنت عربية" مقارناً بين مصيفه ذلك العام وما سبقه من أعوام أخرى، وسبق أن اتخذ قراراً بالسفر هذا العام إلى الساحل الشمالي، لكن الظروف الاقتصادية حالت دون رغبته "كنا نسمع عن الساحل الطيب والشرير، لكن الآن بات هناك العلمين، وهو أمر جيد لكن ليس لي فيه حظ، لا أعتقد أنني وأسرتي سنتمكن من الذهاب إلى هناك أبداً".

ويعاني نحو ثلث المصريين الفقر بحسب إحصاءات رسمية، ففي عام 2020 قال رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إن معدل الفقر انخفض للمرة الأولى منذ 20 عاماً، ليسجل 29.7 في المئة، اعتماداً على نتائج بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك للعام المالي 2019-2020، لكن نسب التضخم وانخفاض قيمة الجنيه المصري بعد ذلك التاريخ باتت أكبر وبوتيرة أسرع بما يثقل كاهل كثير من الأسر، إذ كانت تجد في الصيف مساحة ولو يسيرة للتنزه والذهاب إلى المصايف، لكن الفجوة بين بعض الأماكن وغيرها باتت أكبر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى رغم تراشق صيفي بات عادة موسمية على مواقع التواصل الاجتماعي يتداخل فيه "البكيني والبوركيني" ومشكلات "العالم الأول والثالث" وسعر زجاجة المياه وطبيعة الإنفاق، والتصنيف على مفهوم طبقي يفصل ما بين عالمين أحدهما يستمتع بأي شاطئ وفق إمكاناته، وآخر يرغب في خصوصية بعيداً من نظرة طبقية، فإن ذلك العام الذي توج بحرارة مرتفعة تحذر منها منظمات أممية ودول مختلفة، كان أكثر حرارة في ذلك التراشق المتبادل بما ينشر من فيديوهات وصور قادمة من العلمين بالساحل الشمالي.

حفلات غنائية يقول مقدموها إنها الأفضل في تاريخهم، ومقاطع فيديو تتناول ما ينفقه بعضهم خلال وجودهم هناك، ومشاهد من شواطئ مجانية هناك، وأخرى لا يستطيع كثيرون الاقتراب منها لكلفتها المرتفعة وكلفة خدماتها، وهي مقاطع فيديو لا تصل عبر الهواتف المحمولة فحسب، إذ يجري الترويج لها بشكل واسع على فضائيات مختلفة.

تغذية الطبقية

تقول هالة منصور الأكاديمية وأستاذ علم الاجتماع إن مواقع التواصل الاجتماعي تلعب دوراً في تضخيم بعض الأحداث في إطار الترويج لأمور معينة، وقد يكون جزءاً من ذلك الأمر بغرض تسويقي يعتمد على تغذية الطبقية كالحديث عن الملابس والحركة والتنقل، وهو أمر يخدم عملية التسويق لمكان ما، بحسب حديثها لـ"اندبندنت عربية".

تشير منصور إلى أن هناك أخطاراً اجتماعية على مدى بعيد بسبب تلك الفيديوهات والفجوة التي يشعر بها المواطن، وإن اعتبرت أن بعض ما يروج له يكون مضخماً في إطار "كاريكاتيري"، لكنها من ناحية أخرى تلفت إلى أن الفوارق لها أكثر من شكل، بعضها مادي والآخر ثقافي، وغيرها وظيفي "لكن في مصر ينظر إلى الفوارق بشكل مادي فحسب، وهو ما يجعل فئات تحاول أن ترتقي اجتماعياً بالبحث عن مكاسب مالية أكبر على حساب أي شيء آخر".

فيديوهات رائجة

يقول زكريا محمد، الشاب الذي يعيش في المطرية وسط القاهرة، إنه يتابع تلك الفيديوهات من قبيل التعرف على عالم آخر لا يحلم بزيارته، ولا يملك القدرة المادية على أن يكون أحد مصطافيه، "أسعار المعيشة هناك مرتفعة، لو استطعت توفير مكان للإقامة لمدة خمسة أيام مثلاً، وهو أمر صعب، فستكون أسعار الأكلات والمشروبات والتنقل أكبر" يحكي الشاب الذي يعمل في أحد مراكز الترجمة، ويتقاضى 6 آلاف جنيه شهرياً (185.70 دولار).

متابعة زكريا لمقاطع الفيديو وبخوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي أضافت له مقاطع فيديو أخرى من المشاهد المنتشرة في العلمين والساحل الشمالي بشكل عام، كان أحد تلك المقاطع لشاب يسأل من حوله عن إنفاقهم اليومي، وتأتيه الإجابات ضمن ما تأتي إن كان الإنفاق المقصود بالدولار أو اليورو، ومشاهد لأنواع السيارات الموجودة بأحد الفنادق هناك، فيما كانت التعليقات على مشاهد مشابهة مختلفة.

يقول زكريا إن من حق الجميع أن يختاروا المكان الذي ينوون قضاء عطلتهم الصيفية فيه، كان مرتفع السعر أم منخفض القيمة، بما في ذلك الخدمات المقدمة لكل فئة، لكن الفجوة التي يشعر بها بين الأماكن التي يرتادها في الصيف وما في الساحل الشمالي تدفعه إلى اقتطاع نسبة كبيرة من راتبه وعلى مدار أشهر لخوض تلك التجربة، "أحسب نفسي من الطبقة المتوسطة، لكن مع الغلاء وانخفاض قيمة الجنيه أشعر بأنني هبطت إلى طبقة أخرى، وهذا شعور مزعج".

الطبقة المتوسطة تتأرجح

تعود هالة منصور أستاذ علم الاجتماع للحديث عن الطبقة المتوسطة، وما طاولها خلال الفترة الأخيرة من أزمات اقتصادية أثرت فيها، فحاولت إما الهبوط إلى طبقة أقل على نحو غير متسارع، أو التمسك بطبقة أعلى بما في ذلك مزيد من الكد والعمل، "بعض أفراد الطبقة المتوسطة تحاول التمسك بطبقة عليا، وإن لم تستطع فستنتقد سلوكيات الطبقة التي تعلوها بجميع تفاصيلها، بما في ذلك المصايف"، لكن ذلك الانتقاد لن يستمر في حال وصلت تلك الطبقة المتوسطة إلى الطبقات المرتفعة، وتحذر أستاذ علم الاجتماع أن ذلك الأمر سيكون له تأثير كبير "يتمثل في انهيار اجتماعي وأخلاقي كما نرى الآن".

علاء خليل، وهو أستاذ جراحة الأورام بطب الزقازيق، نشر على حسابه الشخصي بموقع "فيسبوك" تساؤلات حول العلمين الجديدة، ووجود عدد كبير من الفنانين والفنانات والمذيعات وكثرة الحفلات، في ظل وضع اقتصادي صعب "المصاريف في أعلى مستوى لها، والكاميرات تصور ما يدور هناك، يجب مراعاة مشاعر الفقراء في ظل هذا الغلاء الطاحن"، معدداً بضع مشكلات تواجهها أسر وقطاعات كانت أولى بالحديث عنها ونقلها، ثم يختتم ما كتب بأن ذلك له تداعيات اجتماعية خطرة.

فجوة قديمة تتزايد

هذه الفجوة بين الطبقات موجودة منذ سنوات لكنها صارت أكبر مع الشواطئ المغلقة، ثم الأكثر انغلاقاً بحسب تعبير أستاذ علم الاجتماع السياسي سعيد صادق الذي ذكر بالإسكندرية حين كانت وجهة لكثير من المصطافين في مصر، ثم ظهر الساحل الشمالي، ثم تطور الأخير لنوعين يصنفهما مصريون بـ"الطيب والشرير" الواقع ما بين غرب الإسكندرية مروراً بالعلمين ولما بعد مرسى مطروح.

 

يشير أستاذ علم الاجتماع السياسي إلى أن مفهوم "الكمباوند" اتسع في مصر ليشمل الشواطئ والأندية وبعض الأماكن التي كانت متنزهات لكثير من الأسر، لكن بعضهم لم تكن لديهم القدرة المادية لارتياد تلك الأماكن، "فهذا عرض ضمن أعراض كثيرة سنجدها في مجالات التعليم والسكن والأندية والمطاعم والملابس"، معتبراً أن المجتمع المصري بات منقسماً بشكل ملحوظ "لكن ستجد أسراً من الطبقة المتوسطة تحاول اللحاق بذلك التطور، ولو من خلال حجز مكان يتسع لأسرة كاملة".

ويعتبر صادق أن تلك الفجوة لها تأثير خطر في المستقبل ودلالاتها تظهر من خلال الأحاديث على مواقع التواصل الاجتماعي من سخرية متبادلة ما بين مصطافي الإسكندرية والساحل الشمالي، على سبيل المثال "والمواطنون باتوا يعتمدون على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من الإعلام، في معرفة تفاصيل الحياة من حولهم"، وبحسب أستاذ علم الاجتماع السياسي أن ذلك سيكون له تأثير في المجتمع وتفككه.

أثر اجتماعي

يتحول الأمر إلى حقد طبقي بحسب صادق، مستدلاً على الأمر بمحاولة بعض الأسر الانتقال من مناطق عشوائية إلى أخرى يعبر عنها بأنها راقية، فيضطر آخرون إلى الانتقال من مكان إلى آخر أكثر انغلاقاً في كمباوندات في القاهرة الجديدة، "لسنا في معزل عن الآخرين في ظل مواقع التواصل الاجتماعي، بعض المشاهد القادمة من الساحل الشمالي مثلاً تعتبر مستفزة لآخرين حين يتحدثون عن مشكلاتهم، التي تبدو مشكلات عالم أول في نظر بعضهم".

بحسب الهيئة العامة للاستعلامات فإن مهرجان العلمين الجديدة يهدف إلى لفت أنظار العالم للمدينة، باعتبارها وجهة سياحية عالمية وتعزيز مكانة مصر في القطاع السياحي عالمياً والترويج للفرص الاستثمارية بالمدينة، وزيادة معدل النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل، وتعزيز نشاطات فنية وثقافية وترفيهية للزوار.

وتعد المدينة إحدى مدن الجيل الرابع ويراد لها أن تغير خريطة الساحل الشمالي بأكمله، باعتبارها مدينة سكنية تستقطب المواطنين طوال العام، وليس في موسم الصيف فقط كما جرت العادة، ومن المخطط أن تستوعب أكثر من 3 ملايين نسمة في مساحتها التي تصل إلى 50 ألف فدان، بحسب موقع الهيئة العامة للاستعلامات.

لا مصيف هذا العام

يقول باسم محمد، وهو أحد سكان القاهرة، إن إنشاء مدن جديدة والعمل على أن تكون في أفضل حال وتجذب السائحين أمر جيد، لكنه في الوقت نفسه يشعر بأنه محروم من زيارة مكان مماثل وأسرته، "بطبيعة الحال هناك أماكن لا أستطيع زيارتها، لكن خلال الفترة الأخيرة باتت الأماكن أكثر والشعور بتلك الفجوة أكبر".

يعمل الشاب في عملين لمواكبة ارتفاع الأسعار ونسب التضخم التي تلتهم مرتبه، ولهذا السبب لم يجد فرصة حتى الآن للسفر إلى شاطئ للاستمتاع بالمياه في فصل الصيف، لكنه ينوي أن يعوض الأمر في العام المقبل.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات