Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف قرأت الصحف الإسرائيلية حادثة الحدود مع مصر؟

رصدت التحقيقات الأولية أن الواقعة "مدبرة" وانتقادات لـ"الإخفاقات الأمنية" ومطالب بألا تتأثر العلاقات

ملخص

وفق التحقيقات الإسرائيلية الأولية فإن سلاح الجندي المصري كان من نوع كلاشينكوف وعثر عليه إلى جواره، كما عثر أيضاً على مصحف وسكين وستة مخازن من الرصاص يحوي المخزن الواحد 30 رصاصة، مما يدل على التخطيط الدقيق للعملية

بين التمسك بأنها "حادثة مدبرة ومعد لها جيداً"، والنبش في تفاصيل حدوثها وملابساتها والبحث في الدروس والعبر المستقاة منها، تعيش الصحف والإعلام الإسرائيلي على وقع صدمة مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين على يد مجند مصري عند حدود البلدين أمس السبت، في حادثة وصفت لديهم بـ "النادرة وغير العادية والخطرة".

ومع تباين الروايتين الرسميتين من القاهرة وتل أبيب، إذ ربطت الأولى العملية باشتباكات مع مهربين للمخدرات اخترقوا الحدود، وكان يطاردهم "عنصر أمني" مما تسبب في "تبادل لإطلاق النار" قتل على إثره، بينما تمسكت الثانية بضرورة "التحقيق في الحادثة بدقة وبشكل شامل".

وفي المقابل تعددت أسئلة الصحف الإسرائيلية اليوم الأحد التي يتعين على السلطات الإسرائيلية الإجابة عنها لفهم ملابسات الحادثة، وذلك في وقت اختار فيه الإعلام المصري "الابتعاد من التفاصيل والارتكان إلى الرواية الرسمية".

وأعلن الجيش الإسرائيلي صباح أمس السبت عثوره على جثتي جنديين إسرائيليين قتلا بالرصاص عند نقطة حراسة قرب قاعدة حاريف العسكرية على بعد 100 كيلومتر جنوب قطاع غزة وقرب الحدود مع مصر في معبر العوجة، وفق تسميته المصرية.

ولاحقاً أطلق الجيش عملية مطاردة بحثاً عن المنفذ الذي عثر عليه ظهراً في المنطقة ذاتها، قبل أن يجري تبادل لإطلاق النار قتل خلاله جندي إسرائيلي ثالث يدعى أوهاد دهان (20 سنة)، فيما أصيب جندي رابع بجروح وصفت بالطفيفة.

وأعلن الجيش الإسرائيلي أن الهجوم الأول أودى بحياة الجندية ليا بن نون (19 سنة) وأوري إسحق إيلوز (20 سنة)، وكلاهما يخدم في الوحدة المختلطة المسؤولة عن تسيير دوريات على الحدود الإسرائيلية - المصرية.

"حادثة مدبرة"

بحسب ما توصلت إليه غالبية التقارير والصحف الإسرائيلية الصادرة اليوم الأحد، فإن حادثة مقتل الجنود الإسرائيليين الثلاثة كانت "مدبرة ومعد لها جيداً"، مشيرة إلى أن الجندي المصري "خطط للهجوم مسبقاً بدافع قومي"، وفق ما توصلت إليه التحقيقات الأولية للجيش الإسرائيلي.

وإلى جانب التحقيق المشترك بين الجانبين، أعلن الجيش الإسرائيلي أمس فتح تحقيق لتوضيح كيف تمكن المهاجم من عبور الحاجز الذي يرتفع أمتاراً عدة على طول الحدود بين البلدين، وكيف لم يتم اكتشافه لساعات عدة، وما الذي كان يمكن للجيش فعله لمنع مقتل الجنود الثلاثة، في وقت لا تزال ظروف إطلاق النار غير واضحة إضافة إلى دوافع المهاجم، بينما تتمسك القاهرة بروايتها ولم تقدم أي تفاصيل حول هوية الجندي المصري أو دوافعه.

وذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" نقلاً عن متحدث الجيش الإسرائيلي دانيئل هغاري قوله إن الجنديين الذين قتلا أولاً، وهما ليا بن نون وإسحاق إيلوز، كانا بدءا معاً نوبة حراسة في الساعة التاسعة من مساء ليل الجمعة في نقطة عسكرية على الحدود المصرية، وحينما لم يرد الجنديان على الاتصالات عبر اللاسلكي صباح السبت، وصل ضابط إلى مكان الحادثة واكتشف جثتي الجنديين في منطقتين منفصلتين من الموقع، موضحاً أن الجيش الإسرائيلي "يعتقد أنهما قتلا نحو الساعة السادسة أو السابعة من صباح السبت".

 

وتابعت الصحيفة، "بعد اكتشاف الجثتين نحو التاسعة صباحاً أعلن مسؤولون عسكريون إسرائيليون وقوع اعتداء في المنطقة وقاموا بعمليات بحث، وقبل الظهر بقليل تعرفت طائرة مسيرة عسكرية على منفذ الهجوم على بعد نحو 1.5 كيلومتر من الحدود"، مضيفة "هاجم الشرطي المصري القوات التي قامت بتمشيط المنطقة وخلال الاشتباك قتل الجندي الإسرائيلي الثالث دهان وأصيب ضابط صف بجروح طفيفة، وفي المقابل قتل المسلح بعد دقائق عدة برصاص مجموعة أخرى من الجنود".

وذكرت الصحيفة الإسرائيلية أنه وفق تقديرات الجيش الأولية فإن مطلق النار المصري تسلل إلى الحدود باستخدام بوابة طوارئ، ودخل على الأرجح بمفرده عبر البوابة خلال الساعات الأولى من صباح السبت بعد محاولة تهريب مخدرات في مكان قريب، مضيفة أن الجنديين اللذين قتلا في الهجوم الأولي لم يردا بإطلاق النار.

وفي الاتجاه ذاته قالت إذاعة الجيش الإسرائيلي اليوم الأحد إن التحقيقات الأولية التي أجراها الجيش الإسرائيلي توصلت إلى أن "العملية مدبرة وخطرة ولا ترتبط بحوادث تهريب المخدرات"، موضحة أن منفذ الهجوم سار مسافة خمسة كيلومترات من موقعه داخل الحدود المصرية، ومن ثم تسلق أحد المرتفعات الصخرية ووصل إلى السياج وقطع القفل الذي تغلق به فتحة السياج بواسطة معدات قطع عسكرية، ودخل إلى الجانب الآخر من الحدود واقترب من موقع الجنود ليفتح النار عليهم.

وذكرت الإذاعة ذاتها نقلاً عما قالت إنه نتائج التحقيقات الأولية للجيش، أن "الجندي المصري يعرف المنطقة جيداً وتمكن من الوصول إلى تلك النقطة، وخطط لمسار التسلل وعرف موقع الجنود الذي يبعد نحو 150 متراً عن باب الطوارئ في السياج"، مشيرة إلى أن "إطلاق النار الأول وقع بعد السادسة صباحاً في حين كان آخر اتصال مع الجنود الإسرائيليين بعد الساعة الرابعة فجراً، وحين ‏وصلت مجموعة أخرى من الجنود يقودها ضابط لتغيير المناوبة قبل الساعة التاسعة اكتشفوا جثث القتلى، وفي ذلك الوقت كان الجندي المصري ينصب كميناً جديداً لجنود آخرين على عمق كيلو ونصف الكيلو متر داخل الحدود وخلف صخور كبيرة في المنطقة، وحين وصلت الوحدة التابعة للجنود اشتبك معهم فقتل مجنداً إسرائيلياً ثالثاً وأصاب آخر قبل مقتله"، مشيرة إلى أن "طائرة مسيرة رصدت الشرطي لاحقاً".

وأوضحت الإذاعة الإسرائيلية أن "سلاح الجندي المصري كان من نوع كلاشينكوف وعثر عليه إلى جواره، كما عثر أيضاً على مصحف وسكين وستة مخازن من الرصاص يحوي المخزن الواحد 30 رصاصة، مما يدل على التخطيط الدقيق للعملية".

إلى ذلك رجحت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أن يكون "الجندي المصري خطط لعمليته بدقة، وربما تلقى مساعدة في مستوى التخطيط، إذ سار مسافة خمسة كيلومترات من موقعه في الأراضي المصرية إلى النقطة التي دخل منها بظروف تضاريس صعبة، وهو يحمل على ظهره حقيبة بها ستة مخازن رصاص وسكاكين، ويبدو أنه خطط لمسار التسلل وموقع وجود الجنود."

هل من إخفاق إسرائيلي؟

ومن بين الانتقادات التي طاولت السلطات الأمنية الإسرائيلية إثر الحادثة اتهام كثير من المحللين الإسرائيليين للجيش بـ"الإخفاق" في تفادي وقوعها، وقدرة المجند على إحداث اختراق مكنه من قتل ثلاثة جنود إسرائيليين، مما يستدعي في النهاية إجراء "تحقيق عسكري معمق بحثاً عن مكامن الخلل".

وبينما حذر المحلل العسكري يوسي يهوشواع في صحيفة "يديعوت أحرونوت" من تكرار مثل هذه الحوادث، لا سيما أنها "ثاني عملية اقتحام خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بعد أن تمكن شخص من لبنان من اختراق الحدود الإسرائيلية لمسافة 70 كيلومتراً تقريباً في مارس (آذار) الماضي والوصول إلى مفترق مجدو، ووضع عبوة ناسفة وكاد أن يفر عائداً إلى لبنان لكنه قتل في نهاية المطاف على يد قوات الأمن"، وقال يوآف ليمور المحلل العسكري بصحيفة "إسرائيل هيوم" إن "عملية إطلاق النار على الحدود أكدت أن هذه المنطقة خادعة، إذ تبدو ظاهرياً أنها حدود هادئة لكنها في الواقع ساحة معركة معقدة تمتزج فيها تهديدات عدة في وقت واحد"، مضيفاً أن "مجرد عبور الجندي المصري للحدود خطأ فادح، إذ يوجد سياج كلف المليارات من الشيكلات لمنع المتسللين من دخول إسرائيل بارتفاع ما بين خمسة إلى سبعة أمتار تحكمه إجراءات تكنولوجية صعبة الاختراق، وإذا علم الجيش أن هناك ثغرة في السياج ولم يتم إغلاقه أو مراقبته فهذه مشكلة، أما إذا لم يعلم بها فهذه مشكلة صعبة بالقدر نفسه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفيما طالبت صحيفة "هآرتس" بـ "ضرورة الكشف عن الخلل الذي مكن شرطياً مصرياً من التسلل إلى الحدود، وكذلك من أجل إعادة النظر في المفهوم الدفاعي على طول الحدود"، كتب المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت" يوآف زيتون أن "العملية أعادت للأذهان ما يسمى فناء إسرائيل الخلفي على طول الحدود مع مصر، وذلك على رغم أنه تمت إحاطته خلال العقد الماضي بسياج جديد وهائل مع عدد من أجهزة المراقبة لوقف عمليات التهريب المعقدة والخطرة إلى أعماق النقب"، موضحاً أنه "في العامين الماضيين طورت القيادة الجنوبية للجيش والشرطة الإسرائيلية أساليبها القتالية الجديدة في الميدان، ونقل عدد من الجنود إلى القوات السرية، بما في ذلك إنشاء جهاز مشترك جديد بمساعدة جهاز الأمن العام ’شاباك‘ وعشرات الطائرات من دون طيار والمركبات الصغيرة والسريعة لمواكبة التضاريس، لكن ما يزيد من القلق كان تزود مجموعات التهريب بوسائل رؤية ليلية متطورة ورشاشات وبنادق، ولذلك فإنه يسمع إطلاق نار متقطع كل صباح تقريباً من سيناء يمر عرضياً".

وقبل ساعات من الحادثة أحبط جنود إسرائيليون محاولة تهريب مخدرات عند الحدود، وصادروا ممنوعات تقدر قيمتها بنحو 1.5 مليون شيكل (400 ألف دولار)، بحسب ما قال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي، إلا أنه أوضح في الوقت ذاته "أن لا علاقة حتى الآن بين هذه العملية والهجوم".

ماذا بعد الحادثة؟

على رغم حجم الانتقادات التي طاولت ما عُد "اختراقاً وإخفاقاً إسرائيلياً" على الحدود مع القاهرة، كان لافتاً تحسس كثير من المعلقين وحتى على المستوي الرسمي أهمية أن لا تؤثر الحادثة في إستراتيجية العلاقات الأمنية والسياسية التي تجمع بين القاهرة وتل أبيب في إطار اتفاق السلام الموقع بينهما، فعلى المستوى الرسمي ومع الإقرار بـ "خطورة العملية"، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أول تعليق له أمس على الحادثة العملية على الحدود بأنها "استثنائية ولا تمس التعاون والعلاقات مع مصر"، واليوم الأحد قال لمجلس وزرائه في تصريحات نقلها التلفزيون إن "إسرائيل بعثت برسالة واضحة إلى الحكومة المصرية ونتوقع أن يكون التحقيق المشترك شاملاً ومفصلاً"، مضيفاً "سنحدّث إجراءات وأساليب العمليات وأيضاً الإجراءات الرامية إلى الحد من عمليات التهريب إلى الحد الأدنى، ولضمان عدم تكرار مثل هذه الهجمات الإرهابية المأسوية".

وفي الاتجاه ذاته شدد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هيرزي هاليفي ووزير الدفاع يوآف غالانت على أهمية التعاون والعلاقات مع مصر، وقال هاليفي في بيان أمس إن الجيش يجري "تحقيقاً شاملاً بالتعاون مع القوات المسلحة المصرية"، أما غالانت فقد سلط الضوء على التعاون مع القاهرة عبر بيان صدر عقب محادثة هاتفية مع نظيره المصري محمد زكي، أكد خلالها "أهمية العلاقات بين البلدين".

 

وفي المقابل قال بيان للقوات المسلحة المصرية عن مهاتفة ذكي لغالانت إن محادثة الوزيرين "تطرقت إلى التنسيق المشترك لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لمنع تكرار مثل هذه الحوادث مستقبلاً".

ووفق ما نقلته إذاعة الجيش الإسرائيلي عن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق اللواء احتياط عاموس يادلين فإنه وعلى رغم "أن حدث الأمس صعب ومؤلم، لكن يجب ألا نسمح له بتخريب العلاقات مع أقوى جيراننا"، مضيفاً "لم يترب المصريون على السلام معنا، وعلينا أن نفترض أن نشاطاً مسلحاً بين الحين والآخر سيخرج ضدنا من جهة هذا الحليف".

وكانت مصر أول دولة عربية توقع معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1979، وإن كان التطبيع لم يحصل في شكل كامل على المستوى الشعبي.

وتعتبر الحدود بين البلدين هادئة عادة، لكنها شهدت محاولات متكررة لتهريب المخدرات مما أدى إلى وقوع اشتباكات بالذخيرة الحية خلال الأعوام الأخيرة بين المهربين والجنود الإسرائيليين المتمركزين على طول الحدود، وفي عام 2012 تبنت مجموعة "أنصار بيت المقدس" هجوماً على الحدود المصرية - الإسرائيلية أدى إلى مقتل جندي إسرائيلي.

المزيد من تقارير