Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل حادثة الحدود بين مصر وإسرائيل عابرة أم مخططة؟

استهدف جندي مصري عناصر إسرائيلية وتوقعات بأن تشهد الفترة المقبلة عمليات مماثلة على الجانب الحدودي المصري - الأردني

اهتمام إسرائيل بالحدود مع الشمال وقطاع غزة جاء على حساب نظيرتها الآمنة والمستقرة مع مصر والأردن (أ ف ب)

ملخص

ربط كثيرون ما حدث على الحدود المصرية - الإسرائيلية بحادثة الجندي المصري سليمان خاطر... فهل الواقعة مدبرة أم عابرة؟

ما بين الروايتين المصرية والإسرائيلية وما بينهما من رواية الإعلام الإسرائيلي ما بين السماح والحجب والنشر لما جرى على الحدود المصرية - الإسرائيلية أمس، تكمن عدة معطيات وتطورات مهمة قد تفسر ما حدث، خصوصاً أن احتمالات حدوث مثل هذه الوقائع وارد مهما كانت القدرات والإمكانات لكل طرف.

والحادثة الحدودية التي جرت أمس تزامنت مع استقبال القاهرة وفدين من حركتي "الجهاد" و"حماس"، وهو ما جعل الإعلام الإسرائيلي يربط موضوعات عامة وتطورات قد لا تكون لها ارتباطات بما جرى على الحدود.

تفسيرات أولية

في مثل هذه الأحداث الطارئة فإن الأمر ينقل على الفور إلى لجنة الاتصال المباشر بين الجانبين المصري والإسرائيلي بمقتضى لجنة الاتصال الدائمة التي جرى الاتفاق عليها منذ معاهدة السلام بين البلدين، واللجنة المعنية يكون لها حرية بحث ودراسة وتحليل ما جرى، والتعامل مع كل الملابسات المحيطة بالحادثة، ودراسة كيفية التعامل مع كل سيناريوهاتها.

وتوجد آليات متعارف عليها للتعامل مع ما يجري، وتوصيات اللجنة تجري في سياقات أمنية وسياسية تراعي ضوابط ومعايير استقرار العلاقات بين البلدين، خصوصاً أن معاهدة السلام أرست مبادئ في مراحل تنفيذها منذ إبرامها كان - ولا يزال - الطرفان حريصين عليها. وهو ما كان واضحاً في ردود الفعل الإسرائيلية "الرسمية" على ما جرى، وتأكيد استقرار السلام بين البلدين.

وخرجت تصريحات من رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو تؤكد هذا الأمر، كما أطلق قيادات هيئة الأركان ووزير الدفاع تصريحات تصب في هذا الاتجاه، وإن كانت قد خرجت انتقادات كبرى من بعض قيادات عسكرية سابقة متهمة الحكومة بالفشل في إدارة الحدود المشتركة، وترك نقاط حدودية متسعة لمجموعة غير مدربة.

وهذه الانتقادات الإسرائيلية معتادة من جانب بعض العسكريين السابقين الذين يرون أن اختراق الحدود، وعلى رغم كل الإجراءات التي يجري اتخاذها من الجانب الإسرائيلي أمر غير طبيعي في ظل ما يوجد من إجراءات على طول حدود إسرائيل.

لكن يبدو أن الاهتمام بالحدود مع الشمال والقطاع جاء على حساب الحدود الآمنة والمستقرة مع مصر والأردن، مع التوقع بأنه قد تشهد الفترة المقبلة عمليات مماثلة على الجانب الحدودي المصري - الأردني، وهو ما سيزعج إسرائيل، خصوصاً أن الحادثة جرت في ظل قيام إسرائيل بمناورات كبيرة، ولمدة أسبوعين عرفت باسم "اللكمة القاتلة".

ووقوع الحادثة تزامناً مع "اللكمة القاتلة" يكشف عما تعانيه إسرائيل من ثغرات أمنية خطرة قد تعيد النظر في الإجراءات الأمنية الحالية التي تتحدث عن أمن مطلق وإجراءات غير مسبوقة.

ولا شك أن الحادثة الحدودية مع مصر ستلفت النظر إلى ضرورة المضي قدماً في إجراءات من جانب واحد ومن داخل إسرائيل، في إطار الدعوة إلى تعزيزات أمنية وعسكرية ترتبط بالقيادة الإقليمية للمنطقة الجنوبية وللفرقة 80.

ومن المحتمل أن تدفع إسرائيل بلواء النخبة لإدارة مناطق الحدود، وهو ما يعرف بلواء جولاني الذي كان قد أدى دوراً في مراحل معينة في ضبط الحدود الملتهبة، كما ستعيد تل أبيب النظر في سلسلة الإجراءات التي جرى اتخاذها بالنسبة إلى فك وتركيب الوحدات العاملة المتخصصة للعمل في عمق التخوم المشتركة، بخاصة مع الشمال وفي اتجاهات الجنوب أيضاً.

التعاملات الإسرائيلية

ارتبط التعامل الإسرائيلي مع الحادثة بعقد سلسلة من الاجتماعات الإسرائيلية على مستوى رئيس الوزراء نتنياهو مع وزير الدفاع ورئيس الأركان وقيادات العمليات، إضافة إلى قادة التشكيلات ورؤساء أجهزة المعلومات بخاصة "شاباك" والاستخبارات العسكرية "أمان".

وتشير سلسلة الاجتماعات إلى أن ما يجري مرتبط في المقام الأول ليس بطبيعة الحادثة، إنما بالتخوف من احتمالات تكرارها، مما يعني أن الإجراءات الإسرائيلية غير ناجحة، وليس لأن الحدود مع مصر انفتحت على مصراعيها بعد عقد كامل من الاستقرار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولم تشهد الحدود المصرية - الإسرائيلية منذ توقيع معاهدة السلام أية مناوشات، أو صراعات أو تدخلات من أي نوع، باستثناء حادثة سليمان خاطر الشهيرة، وهو ما أكده مراراً مسؤولو البلدين، لكن في ظل ما حدث إسرائيلياً، فإن السؤال هل ما جرى كان مخططاً له؟ وهل الأمر يتجاوز حادثة عابرة يمكن التعامل معها بهدوء ومن خلال قنوات التعامل المشترك أم أن الأمر يحمل رسائل أخرى؟

تتجه التحقيقات من الجانب الإسرائيلي إلى رصد والتعرف إلى ما جرى، بخاصة أن المنطقة التي وقعت فيها الحادثة "منطقة نار"، وتعد بؤرة حدودية خطرة ينبغي النظر إلى خطورتها بصرف النظر عن مقتل الجنود الإسرائيليين في ظل حالة من التقصير اللافت من الجانب الإسرائيلي في المتابعة والتعامل ما بين الواقعتين الأولى والثانية، وفارق التوقيت ومدة الإنذار، وتدخل الطائرة المقاتلة والاشتباك في التعامل، واستهداف الجندي المصري.

ولا يمكن أن تكون روايات الجانب الإسرائيلي صحيحة بأن الجندي قناص، واستطاع بمهارة استهداف العناصر الإسرائيلية، وتجاوزه إلى داخل الحدود الإسرائيلية، وتركه يتحرك بسهولة قبل التعامل معه، وهو ما يؤكد أن الأمر سيرتبط بواقعة التعامل، سواء كانت من خلال متابعة وملاحقة المهربين بالفعل وفقاً لرواية مصر.

ووسط تلال من الأخبار الملونة والموجهة الخاصة بالحادثة التي تستهدف الموقف المصري المباشر، جاء اتصال وزير الدفاع المصري بنظيره الإسرائيلي في إشارة إلى اهتمام الدولة المصرية بالحادثة، مع تأكيد طبيعة علاقات القاهرة وتل أبيب.

هل هو سليمان خاطر جديد؟

إن ربط الحادثة بوقائع أخرى من نوعية أن إسرائيل ترى في الجندي المصري "سليمان خاطر" جديداً، وأنه تأثر بفكر "داعش" أو "القاعدة"، أو أنه لديه ميول واتجاهات دينية معينة خلط متعمد لجر الموقف المصري إلى مساحات من التجاذب، لتأكيد عدم صدق التفسير المصري للواقعة بكل ملابساتها.

ومن ثم فإن نتائج التحقيقات الإسرائيلية ستشير إلى وجود تقصير إسرائيلي بارز في التعامل مع الحدود ليس تجاه مصر، بل وفي اتجاه الأردن ومنطقة الشمال، وأن إسرائيل في حاجة إلى استراتيجية حقيقية وفعالة لمواجهة ما قد يجري، وأن هذا الأمر سيدفع إسرائيل إلى المضي في تعزيز الحدود مرة أخرى.

يذكر أن الكنيست طالب منذ أيام بإجراءات لحماية الحدود الإسرائيلية، وهو ما سيدفع بالحكومة إلى التعجل بتوجيه الموارد المطلوبة على رغم تمرير الموازنة أخيراً، وهو جدال دائر في إسرائيل بين الذين يسعون إلى استقطاع جزء من مخصصات التعليم والصحة لتأمين الحدود الملتهبة.

وبعد أن باتت الحدود الإسرائيلية مع جوارها الإقليمي مستهدفة فإن تل أبيب أصبحت مجبرة على الدفع بتعاملات جديدة، وفي ظل ارتفاع نبرة مراجعة السياسات الأمنية والاستراتيجية الراهنة بما في ذلك منظومة العلاقات الأمنية والاستراتيجية مع مصر والأردن.

ويطالب تيار من داخل هيئة الأركان بضرورة مراجعة القرارات الإسرائيلية الخاصة بدخول ووجود القوات المصرية على غير ما هو منصوص عليه في معاهدة السلام بين البلدين، وهو وضع يمس البروتوكول الأمني الموقع بين البلدين، وسيتعالى الجدال الإسرائيلي بأن استقرار الأوضاع الأمنية في سيناء يجب ألا يكون على حساب إسرائيل وأمنها.

ومن المتوقع أن يفتح ملف التعاون المشترك أمنياً واستراتيجياً بين مصر وإسرائيل من جانب، وإسرائيل والأردن من جانب آخر، في إشارة إلى أن المواجهات مع قطاع غزة والضفة يجب ألا تلهي إسرائيل عن التعامل مع الجبهات التي كانت مستقرة عقداً كاملاً، إذ إن الأمور أصبحت تمضي في سياقات مختلفة، وتحتاج إلى مراجعات أمنية واستراتيجية حقيقية خلال الفترة المقبلة.

الخلاصات الأخيرة

أياً كان توصيف ما جرى والتعرف إلى ملابساته أمنياً واستراتيجياً فإن الحدود المصرية - الإسرائيلية باتت من الآن فصاعداً - ووفقاً للتصور الإسرائيلي وبصرف النظر عن رد الفعل الحالي الذي سيتطور لاحقاً بحسب ما تكشف عنه التحقيقات - حدود نار تتطلب مراجعة السياسات الراهنة والمتوقعة التي تمضي في سياقات محددة ومهمة، مع الحرص على السلام مع مصر وعدم الدخول في أية مساحات من التجاذب.

ومن المحتمل أن تتوثق العلاقات أكثر في ظل تاريخية العلاقات بين القاهرة وتل أبيب، مع تأكيد اتجاه البلدين إلى ترميم ما جرى من تبعات، بخاصة أمام الجمهور الإسرائيلي الثائر، الذي يرى أن حكومته لم تعد توفر أمناً أو أماناً بدليل سقوط ثلاثة إسرائيليين قتلى، الأمر الذي سيدفع رئيس الوزراء إلى استثمار ما جرى مع احتمال توقف لبعض الطلبات المصرية والأردنية على المستوى الأمني، لحين اتضاح الرؤية إلى أين تمضي الأمور، وفي أي اتجاه لصالح توافر الأمن للجنود وللمواطن العادي.

ومن ثم فإن الأمر سيتعلق من الآن فصاعداً بمراجعة بعض المواقف والتوجهات الحالية، لما يمكن أن يخدم الحكومة التي حاولت جر المعارضة وزعيمها إلى الحادثة بضم يائير لبيد إلى اجتماعات أمنية عليا في إجراء غير معتاد لمحاولة بناء مواقف موحدة على رغم الاتهامات التي جرى توجيهها من المعارضة للحكومة ورئيسها الذي لم يتم دعوته إلى الولايات المتحدة أو مصر والأردن سراً، الأمر الذي قد يدفع إلى سياسات أخرى لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو تجاه مصر، مع التحسب لتبعات ما يمكن طرحه كأمر طبيعي في ظل التعامل مع الحادثة بكل تطوراتها الراهنة والمنتظرة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل