لم يكد أهل الشمال السوري يستفيقون من أهوال الزلزال الذي ضرب مناطقهم فخلف آلاف الضحايا ومئات الآلاف من المشردين والنازحين، حتى استيقظوا على كارثة طبيعية أخرى بفيضان #نهر_العاصي، وغمره قرى وأراضي زراعية وإلحاقه أضراراً بمئات من خيام النازحين، أغرقتها مياه النهر المتدفق بشكل غير مسبوق، مسفرة عن تشريد عائلات باتت من دون مأوى، وسط مخاوف من تسونامي عارم.
وذكرت مصادر أهلية من الشمال الغربي للبلاد تضرر قرية التلول بريف إدلب، حيث استفاق أهلها على غمرهم بمياه نهر العاصي، وتسربات طاولت البيوت وشردت مئات النازحين من سكان المخيمات، ودفعتهم إلى الالتجاء إلى مخيمات بأقصى الشمال بعد غرق القرية مع الأراضي الزراعية المحيطة بها بشكل واسع مع ازدياد كميات المياه الأمر الذي يهدد بغرق مزيد من القرى.
وشهدت القرية انهياراً للساتر الترابي الذي أنشئ سابقاً لحماية أهلها من حدوث أية أضرار ناتجة من ارتفاع منسوب النهر الذي ينبع من أعالي سهل البقاع في لبنان ويجري في الأراضي السورية ويصب في البحر المتوسط، بينما تواصل المنظمات الإغاثية من نصب خيام إسعافية للعائلات المتضررة.
ويعزو المرصد السوري لحقوق الإنسان الفيضان نتيجة فتح السدود خوفاً من الهزات الأرضية الارتدادية، مما تسبب بنزوح أهالي المناطق القريبة من مجرى النهر مثل حي الجمعية في جسر الشغور وبعض المنازل في دركوش، وقرية التلول في ريف مدينة سلقين، بعد أن انكسر الساتر الترابي بموقع المدلوسة.
ووفق ما أشار بيان للمرصد ذاته "تصدع جسم سد ميدانكي في عفرين نتيجة الزلزال مما ينذر بكارثة غرق قرى بأكملها، فاندفع سكان المنطقة للنزوح بعيداً من مجرى نهر العاصي بمدينتي جسر الشغور ودركوش وقرى ريف سلقين، إذ يشكل حدوداً فاصلة بين الأراضي السورية ولواء إسكندرون".
ويرجح المتخصص الجيولوجي بشار صالح في حديثه لـ"اندبندنت عربية" سبب حدوث ذلك لتصريف جديد للمياه عبر الفالق الانزياحي، أدى لغزارة المياه المنصرفة باتجاه النبع، قائلاً إنه "شيء طبيعي وكان متوقعاً حدوثه بعد الزلزال بأن تتغير كثيراً مجاري المياه الجوفية، وتتعكر الينابيع، أو تتفجر ينابيع أخرى".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويجري النهر في الأراضي السورية بمسافة 400 كيلو متر وتستخدم مياهه بنسبة 58 في المئة ضمن الأراضي الزراعية لري حقول وبساتين بريف إدلب وسهل الغاب ويخترق مدينة حماة، وسط سوريا الشهيرة بالنواعير التي تركزت على ضفاف نهر العاصي.
في غضون ذلك لم تنفع محاولات أهالي القرى بإجراء عمليات ترميم بدائية وإسعافية لتفادي انهيار الساتر الترابي، بينما تحمل حكومة الإنقاذ في الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة وتقع القرية ضمن نفوذها، الحكومة السورية مسؤولية فيضان نهر العاصي بسبب فتحها سد الرستن في ريف حمص الشمالي، إذ يحجز خلفه قرابة 50 مليون متر مكعب من المياه، معتبرة تصرفها "غير مدروس".
من جهته أكد محافظ إدلب ثائر سلهب واقعاً صعباً في مناطق بالمحافظة خاضعة للمعارضة المسلحة بعد الزلزال الأخير، وأفاد بتصريح صحافي أنه وبعد التواصل مع إدارة الموارد المائية بالمحافظة ووفق خريطة السدود تبين عدم وجود أي سد "إنما الأمر ناجم عن انهيار ساتر ترابي وضعه المسلحون نتيجة زيادة المياه بنهر العاصي".
واستقى نهر العاصي اسمه من صعوبة استخراج الماء من دون استخدام النواعير، كما أطلق عليه ذلك لاتجاه مياهه العكسية إلى الشمال مخالفاً اتجاه أنهار المنطقة حول سوريا ولبنان وتركيا، بينما تقول الأساطير القديمة إن النهر سمي تايفوس، وهو تنين ضربته صاعقة برق فطار بعيداً واختبأ تحت الأرض ليسمى لاحقاً بالعاصي.
وشهدت المنطقة زلزالاً مدمراً قبل أيام نتج منه دمار هائل في شمال سوريا وجنوب تركيا تضررت به مدن حلب وحماة واللاذقية وطرطوس، بينما تأثرت به العاصمة السورية بدرجات أقل، ولا تزال هناك مخاوف من حدوث تسونامي مدمر من جهة البحر أو فيضانات بالأنهار، لا سيما مع ما تداول عن فتح أنقرة سد أتاتورك وتركه يتدفق بكميات كبيرة.