Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حقيقة "حجب الأسرة" عن مرضى "خدمات الصحة" البريطانية

هذا المصطلح تحقيري خصوصاً لإلقائه اللوم على عاتق ضحايا ضعفاء يقبعون داخل المستشفيات بحجة أنه لا يمكن إخراجهم منها على نحو آمن

"ملاحظة أخيرة إلى السيد سوناك، كنت قد وعدت بمعالجة مسألة قوائم انتظار المرضى في مرافق "أن أتش أس"، لكنك ببساطة لن تكون قادراً على تحقيق ذلك..." (رويترز)

هل تعلمون أن أكبر مستشفى في العاصمة البريطانية لندن هو "مستشفى سانت جورج" الذي يقع في ضاحية توتينغ؟ هذا المرفق الصحي يحتوي بحسب موقعه الإلكتروني، على ما يزيد على 1300 سرير. طبعاً هناك سبب دفع بي إلى ذكر "مستشفى سانت جورج"، فالبيانات التي أصدرتها "هيئة خدمات الصحة الوطنية في إنجلترا" (أن أتش أس إنغلاند) NHS England تفيد بأنه في نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، كان هناك ما يزيد على 13 ألف شخص "لم يعودوا يستوفون المعايير المحددة للمكوث" في المستشفيات، لكنهم على رغم ذلك، ما زالوا يشغلون أسرة فيها.

لا حاجة في الواقع إلى أن تكون أحد أولئك المراهقين الذين يتعين عليهم الالتحاق بأحد صفوف الرياضيات (وفق الخطط التعليمية الأخيرة المطروحة بغية تطوير مهاراتهم الحسابية) التي يعتزم رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك فرضها (إن أحداً لا يعرف من هو طاقم المدرسين الذي سيقوم بهذه المهمة!) كي يمكنك تقدير أن إبقاء ما يعادل 10 مستشفيات كبيرة مكتظة بأفراد يتمتعون بصحة جيدة تسمح بإرسالهم إلى منازلهم مع تقديم الدعم المناسب لهم، إنما يمثل مشكلة ضخمة ومكلفة للغاية بالنسبة إلى "خدمات الصحة الوطنية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الأمر لا يقتصر على إنجلترا وحدها، فهناك مشكلات مماثلة نشأت في كل من اسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية. وتوصف أحياناً ظاهرة الأشخاص الذين "لم يعودوا يستوفون المعايير للمكوث في المستشفى" بعبارة "حجب الأسرة" Bed Blocking. إن هذا المصطلح تحديداً هو الذي أجد صعوبة في التعامل معه بسبب ما ينطوي عليه من معان مهينة، إذ إنه يلقي باللوم في مشكلة نشأت عن نقص في الموارد، إلى جانب إخفاقات الحكومة والوكالات ذات الصلة، على كاهل ضحايا ضعفاء، تركوا يقبعون في المستشفيات بحجة أنه لا يمكن إخراجهم منها بأمان.

هؤلاء الأشخاص يحتاجون فقط إلى بعض المساعدة للعودة إلى منازلهم بأمان، وهي الأمكنة التي يفضلون كثيراً أن يكونوا فيها. على رغم تفاني العاملين الصحيين، الذي لا يقبل الجدل، فإن المرضى يعتبرون أن أجواء المستشفيات صاخبة، وغير صحية، وغير مريحة، ومثيرة للتوتر. إن أحداً لا يريد المكوث في أي منها لفترة أطول مما يلزم، لكن الحصول على هذه المساعدة قد يكون صعباً للغاية.

هنا تبدو مشكلة النقص في الموظفين - وفشل الحكومة في استقطابهم - واضحة للعيان. فوفقاً لأحد تقارير مجلس اللوردات البريطاني الشهر الماضي، كانت هناك 133446 وظيفة شاغرة في مرافق "خدمات الصحة الوطنية"، أي بمعدل 9.7 في المئة من مجموع الوظائف، هذا الرقم غالباً ما يذكر في كثير من الأحيان، لكن ما لا يتم تداوله كثيراً هو أن من بين مليون و790 ألف وظيفة رعاية اجتماعية للمسنين، هناك 165 ألف وظيفة شاغرة أيضاً، أي بمعدل 9.2 في المئة.

الواقع أن التشابه بين الرقمين مثير للدهشة. وبطبيعة الحال، يعاني كلا القطاعين أجوراً هزيلة للموظفين، وضغوطاً ضخمة (جزئياً بسبب الوظائف الشاغرة) وظروفاً رهيبة في العمل في كثير من الأحيان. إلى ذلك، يرزح كلاهما أيضاً تحت حكومة يبدو أنها تتجاهل عمداً المشكلات التي تواجهها وتتعامى عنها. قد يبدو حل أزمة الوظائف الشاغرة في وضع الرعاية الاجتماعية - الضروري لتحرير أسرة المستشفيات - أكثر تعقيداً مما هو عليه في مرافق "أن أتش أس"، حيث يمثل التوصل إلى اتفاق على تسوية مع النقابات تتعلق بمنح رواتب عادلة، البداية لحل مشكلة معقدة ما زالت تحتاج إلى مزيد من البحث والتدقيق.

يشار إلى أن توفير الرعاية الاجتماعية يتم من خلال شبكة واسعة من المشغلين، أحياناً تكون عامة، وأحياناً أخرى خاصة. وهذه الأخيرة غالباً ما تثبط العمل النقابي، لكن اتفاقاً على أجور عادلة على مستوى القطاع، من النوع الذي يطالب به "مؤتمر اتحاد العمال" Trades Union Congress (TUC)، من شأنه أن يقطع شوطاً طويلاً في اتجاه دفع الأمور نحو الحلحلة.

وفي الوقت نفسه، يمكن معالجة الظروف السيئة السائدة من خلال فرض حد أدنى من المعايير ومعدلات الأداء. إلى ذلك، قد يساعد إصدار عدد من تأشيرات العمل في التخفيف من وطأة الأزمة، لأن لدينا نقصاً واضحاً في العمالة على الصعيد الوطني. فالتذمر من قضية الهجرة لن يحل المشكلة، كما أن الحرص على ضمان سعادة الموظفين وتحسين الأجور لن يضعا حداً لها.

هذا يقودنا إلى مسألة أخرى تتمثل في الإخفاقات المشتركة بين الوكالات الحكومية، فقد كتب زميلي ألاستير جايمسون أخيراً بشكل مؤثر كيف ترك والده المصاب بالسرطان يموت وحيداً من دون أن يتنبه له أحد في المستشفى، وهو مكان "ما كان يجب أصلاً أن يكون موجوداً فيه".

لا يتعلق السبب فقط بمسألة النقص في الموارد التي تبقي بعض المرضى محتجزين في المستشفيات في وقت يفترض بهم الخروج منها. فالتمكن من الحصول على المساعدة التي تكون متاحة فيها، والخوض في تعقيدات الإجراءات اللازمة لإخراج المرضى، غالباً ما يدفعان بالمعنيين إلى التخبط في مستنقع بيروقراطي.

وكما كتب جايمسون: "يتعين علينا أيضاً تحسين طرق التعاون ما بين المستشفيات والمؤسسات التي تقدم خدمات الرعاية الصحية، لتجنب إحالة المرضى إلى أجنحة مزدحمة، ونقلهم إلى الأماكن المناسبة لحالتهم. ففي بعض الأحيان، لا يتعلق الأمر بالموارد بل بالتفكير السليم وتقديم الرعاية الأساسية".

أليست هذه هي نقطة يتعين على الحكومة مرة أخرى أن تضطلع بدور ما فيها؟ إننا ننتخب قادتنا لتحديد هذه المشكلات والتحقيق فيها ومن ثم العمل على حلها. إنهم لا يقومون بذلك، ولا يبدو أنهم حتى يحاولون. فهم بدلاً من ذلك يفضلون التناقش فيها. إن الطريقة التي يسيئون فيها استخدام الإحصاءات للادعاء بأن الأسود هو أبيض، وأن الأشياء هي أفضل مما تبدو عليه، لهو أمر مثير للسخط. وعندما يقدم السياسيون ادعاءات تتعارض مع التجارب التي يواجهها الناس، فإن ذلك من شأنه فقط أن يزيد من حال عدم الرضا عما تقوم به الحكومة.

ملاحظة أخيرة إلى السيد سوناك، فإضافة إلى فرض إلزامية دراسة الرياضيات، كنت قد وعدت في خطابك الكبير لمناسبة السنة الجديدة، بمعالجة مسألة قوائم انتظار المرضى في مرافق "أن أتش أس"، لكنك ببساطة لن تكون قادراً على تحقيق ذلك ما لم يتم فتح المستشفيات التي باتت أشبه بمصائد كركند، للسماح للأشخاص بالعودة إلى منازلهم.

إن ذلك سيتطلب صرف مزيد من المال، لكنه يستدعي أيضاً إصلاح الطريقة التي يتم بها التعامل مع تسريح المرضى وطرق التعاون والعمل بين الوكالات الحكومية. لذا، يرجى يا سيد سوناك أن تحث الخطى، وأن تقوم بتزخيم عمل وزير الصحة البائس ستيف باركلي، أو أقله اجعله يرحل. وإلا، فإن قوائم الانتظار هذه ستتراكم أكثر فأكثر، وسيكون هناك المزيد من المآسي الجائرة التي يمكن تجنبها، كتلك التي طاولت عائلة جايمسون.

© The Independent

المزيد من متابعات