Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خدمات الصحة البريطانية تنقصها مئات الملايين لتحسين الرعاية

"معهد أبحاث السياسة العامة" ينبه إلى أن التسوية المالية من وزارة الخزانة لن تتفادى وقوع أزمة في مرافق "أن أتش أس" التي باتت "على أعتاب كارثة"

تعتزم الممرضات الإضراب قبل عيد الميلاد، بعد تقاعس الحكومة عن إقرار زيادة في الرواتب (رويترز)

نبه خبراء في مجال الصحة في المملكة المتحدة، إلى أن التمويل الذي تعهد به وزير الخزانة البريطاني جيريمي هانت لمرافق "خدمات الصحة الوطنية" (أن أتش أس) NHS، يقل بمئات الملايين من الجنيهات الاسترلينية عما هو مطلوب، لتحسين الرعاية في القطاع المتضرر من الأزمة الاقتصادية.

وكان هانت قد وعد في بيان الخريف الذي أدلى به قبل أيام، بضخ مبلغ إضافي بقيمة ستة مليارات و600 مليون جنيه استرليني (سبعة مليارات و854 مليون دولار أميركي) في موازنة "أن أتش أس"- وهو رقم قال إن الرئيسة التنفيذية لـ"هيئة خدمات الصحة في إنجلترا" NHS England  أماندا بريتشارد، وصفته بأنه "كاف"، لكن قادة قطاع الصحة لفتوا إلى أن هذه الأموال ستسمح للمرافق الصحية فقط بتجنب كارثة، ولن تكون كافية لتحقيق الأهداف الجديدة الموضوعة للسنوات المقبلة.

يشار إلى أن الممرضات من المقرر أن ينفذن إضراباً قبل عيد الميلاد، بعد أن فشلت الحكومة في منحهن زيادة في الرواتب أعلى من معدل التضخم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقد يتبين أن فجوة التمويل هي أوسع من ذلك، لأن الأموال الإضافية لن تغطي كلفة إعطاء الزيادات المرتبطة بالتضخم الراهن في أجور موظفي "خدمات الصحة الوطنية". وفي هذا الإطار، تتوقع "مؤسسة الصحة" Health Foundation (جمعية خيرية مستقلة تعنى بحصول الأفراد في المملكة المتحدة على أفضل رعاية صحية)، أن تبقى مرافق "أن أتش أس" في "وضع مترنح" في المستقبل المنظور.

يشار إلى أن الممرضات يعتزمن تنفيذ إضراب قبل عيد الميلاد، بعد تقاعس الحكومة عن إقرار زيادة في الرواتب أعلى من معدل التضخم القائم.

ستيفن روكس الخبير الاقتصادي لدى "مؤسسة الصحة" الخيرية، أوضح أن التسوية المالية الجديدة التي ستزيد موازنة "خدمات الصحة الوطنية" بنسبة 2.9 في المئة، تقل عن نسبة 4.2 في المئة اللازمة لخفض قوائم انتظار المرضى الذين هم في حاجة إلى الاستشفاء، وتبقي القطاع في عجز يقدر بمئات الملايين من الجنيهات عما هو مطلوب لتلبية احتياجاته.

معلوم أن القوائم الراهنة لعدد الأفراد الذين ينتظرون تلقي الرعاية المخطط لها في مرافق "أن أتش أس"، بلغت سبعة ملايين و100 ألف شخص - وهو رقم من المقرر أن يواصل الارتفاع - في حين أن عدد الذين ينتظرون في أقسام "الحوادث والطوارئ" A&E لأكثر من أربع ساعات، سجل مستوى قياسياً في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كما زادت أيضاً من جديد أوقات استجابة فرق الإسعاف في معظم أنحاء البلاد.

إلى جانب المخططات الحكومية لخفض قوائم انتظار المرضى، حددت وزارة الخزانة البريطانية أولويات جديدة لهيئة "خدمات الصحة الوطنية"، لقاء التسوية المالية المقدمة لها، تشمل خفض أوقات استجابة سيارات الإسعاف إلى نصف معدلها الراهن، وضمان جعل فترات الانتظار لمواعيد الأطباء العامين في حدود أسبوعين، وإدخال تحسينات سنوية على أوقات الانتظار في وحدات "الحوادث والطوارئ".

وكانت "هيئة خدمات الصحة الوطنية في إنجلترا" قد قدرت في وقت سابق من هذه السنة أنها ستحتاج إلى ما بين ستة وسبعة مليارات جنيه استرليني (سبعة مليارات و140 مليون دولار إلى ثمانية مليارات و330 مليون دولار) في السنة المالية 2023 - 2024، لسد الثغرات في مواردها المالية الناجمة عن التضخم وكلفة رواتب الموظفين.

وأوضح السيد روكس لـ"اندبندنت" أن تحليل "مؤسسة الصحة" أظهر أن قطاع "خدمات الصحة" سيحتاج إلى زيادة بنسبة 3.6 في المئة على موازنته، للحفاظ على معايير الرعاية، و4.2 في المئة لخفض قوائم انتظار المرضى لتلقي علاجاتهم.

وجاءت التسوية المالية الحكومية لـ"أن أتش أس" يوم الخميس الماضي، أقل مما تم تقديمه لها في عام 2019، عندما منحت زيادة سنوية بنسبة 3.4 في المئة على موازنتها.

وأضاف الخبير الاقتصادي قائلاً، "أعتقد أن هناك مقداراً هائلاً من الوطأة الجديدة التي ستفرض نفسها على المرافق الصحية. ومن المؤكد أن بعض المناطق ستشهد مزيداً من الحركة، وارتفاعاً في الطلب على خدمات الصحة، فيما تبين أن وطأة التحديات الناتجة من تكاليف معالجة المصابين بـ"كوفيد-19" ما زالت قائمة. وقد تم تحديد أهداف عالية للغاية لمرافق "أن أتش أس"، وهي أعلى مما تمكنت من تحقيقه في الماضي، ومما جرى الاتفاق عليه في خطة "خدمات الصحة الوطنية" طويلة الأجل".

وأشار أيضاً إلى أن "مسألة تحسين الأجور المالية على وجه الخصوص، تشكل ضغطاً إضافياً. لذا، إذا أخذنا جميع هذه العوامل في الاعتبار، أعتقد أن ستكون هناك حاجة إلى رياح مواتية أكثر من أي وقت، من أجل التمكن من تلبية جميع الأولويات ضمن خطة "أن أتش أس" طويلة الأمد، ومعالجة التراكم في الانتظار الاختياري (المرضى الذين يحتاجون إلى رعاية صحية لكنهم إما لم يتقدموا بعد لطلبها، أو تم إلغاء إحالاتهم بسبب تأثيرات "كوفيد")".

ورأى ستيفن روكس أنه "ربما يجب التحلي بمقدار من الواقعية في شأن ما يمكن تحقيقه من خلال التمويل الحكومي الأخير المقدم للقطاع. إنه تحد كبير للغاية يتطلب تضافر مجموعة من العناصر التي يتعين تصحيحها أولاً، إضافة إلى توفير مستويات من الكفاءة العالية، ومواجهة الضغوط لتخفيض الكلف، لكن في حال تم رفع أجور (الموظفين) بشكل كبير، فإن ذلك سيغير مسار الأمور".

مديرة "مؤسسة الصحة" أنيتا تشارلزورث اعتبرت من جهتها أن بيان الخريف لوزير الخزانة كان بمثابة "إغاثة قصيرة الأجل"، لكنها أضافت: "الحقيقة هي أن "خدمات الصحة الوطنية" ستواصل بذل أقصى الجهود للتعامل مع الوضع الراهن بأفضل ما يمكن، في ظل تفاقم التضخم والضغوط الناجمة عن تزايد عدد السكان المتقدمين في السن، وعن تدني الأجور، وتراكم قوائم انتظار المرضى، والتكاليف المستمرة المترتبة عن مواجهة "كوفيد"". ورجحت أن "تبقى مرافق "خدمات الصحة الوطنية" في وضع مترنح في المستقبل المنظور".

سيفا أنانداسيفا المحلل الرئيس في مؤسسة "كينغز فاند" King"s Fund (وهي مركز أبحاث يشارك في العمل المتعلق بالنظام الصحي في إنجلترا عبر تنظيم مؤتمرات ومناسبات أخرى)، رأى أن زيادة الموازنة ستلبي فقط نسبة من حاجات التمويل إلى قطاع "خدمات الصحة".

وأضاف أن "مبلغ ثلاثة مليارات و300 مليون جنيه استرليني (أربعة مليارات دولار) يغطي تبعات كلفة التضخم غير المدفوعة، وهذه أموال من شأنها أن تحافظ فقط على ثبات وضع القطاع ومساعدته على الاستمرار. إن جميع الأموال التي كان يتعين تحويلها إلى القطاع من الموازنة المتعلقة بأولويات الخطة طويلة الأجل، حرصاً على تحقيق تكافؤ في الموازنات الحكومية، ما زالت قيد الحفظ من الناحية النظرية، لكن المشكلة تتمثل في أن الموازنة المفرج عنها جاءت مترافقة مع جملة من التوقعات والأهداف الجديدة التي وضعتها الحكومة، ومن بينها تحسين أداء خدمات الإسعاف، وهو ما يستدعي بذل جهود فائقة، وتحسين أوقات الانتظار في أقسام "الحوادث والطوارئ" وكذلك تسريع حصول المرضى على المواعيد لدى عيادات الأطباء العامين".

وأشار إلى أن "وزارة الخزانة صرفت من جهة مزيداً من المخصصات المالية لمساعدة "خدمات الصحة الوطنية" على الاستمرار، ثم (قامت) من جهة ثانية بوضع قائمة من الأهداف الجديدة التي يتعين عليها تلبيتها، لكن الأموال كلها سبق تخصيصها للقطاع لضمان استمراريته فقط. وسيكون من الصعب على مرافق "أن أتش أس" الوفاء بهذه الالتزامات الجديدة إضافة إلى التزاماتها الراهنة، والتوفيق بين موازناتها".

تجدر الإشارة هنا إلى أن تحديد معدلات أجور موظفي "خدمات الصحة الوطنية" للسنتين الماليتين 2023 - 2024، و2024 - 2025، لن يتم قبل السنة الجديدة، علماً بأن الحكومة لم تف بوعدها رفع الأجور بنسبة أربعة إلى خمسة في المئة بشكل كامل هذه السنة. ويظهر تحليل أجرته مؤسسة "كينغز فاند" أن كل زيادة بنسبة واحد في المئة في رواتب الموظفين ستفرض ضغطاً لناحية الكلفة على "خدمات الصحة الوطنية" يتفاوت ما بين 800 مليون جنيه استرليني (952 مليار دولار) ومليار جنيه استرليني (مليار و190 مليون دولار).

في المقابل، لم يتضح بعد ما ستمنحه الحكومة البريطانية للموظفين في السنة المقبلة، غير أن وزير الصحة الجديد ستيف باركلي دعا الأربعاء الماضي إلى توخي الحذر مما قد تقدم عليه "هيئة مراجعة أجور "أن أتش أس"" NHS Pay Review Body التي من المتوقع أن تطرح بعض التوصيات في شأن زيادة أجور العاملين في القطاع الصحي، منبهاً إلى أن موازنة "خدمات الصحة الوطنية"، سبق أن وضعت حتى السنة 2025.

كريس توماس من "معهد أبحاث السياسات العامة" قال لـ"اندبندنت" إن التمويل المحدد هو أقل من الحاجات الراهنة والمتوقعة، التي تتطلبها المرافق الصحية للنهوض من أزمتها. وأضاف أنها تغطي "الأولويات الرئيسة" فقط، ويمكن أن تكون بمثابة مقايضة في شأن ما تستطيع خدمات الصحة القيام به وما لا يمكنها القيام به.

ورأى أن "ما يعنيه ذلك بالتأكيد هو أن هذه الأموال لن تكون كافية لإحداث التغييرات المطلوبة، أو إجراء الإصلاحات الضرورية، أو مضاعفة حجم أداء المرافق، والاستفادة من الابتكار، بالتالي قد يبدو من الصعب جداً تحقيق تلك الطموحات التي أتى على ذكرها مرات عدة وزير الخزانة جيريمي هانت، لجهة إحداث تغيير في قوائم الانتظار الطويلة للمرضى، وتجنب الأزمات الصحية المرتقبة لفصل الشتاء أو غيرها من الأزمات الأخرى طويلة الأمد.

وأضاف توماس: "أعتقد أننا على أعتاب كارثة (على مستوى مرافق "أن أتش أس") من شأنها أن تتفاقم بفعل الضغوط التي ستفرضها أزمة فصل الشتاء والتي باتت بمثابة سيناريو يكرر نفسه. ولا أدري في الحقيقة ما إذا كان مبلغ ثلاثة مليارات و300 مليون جنيه استرليني (ثلاثة مليارات و927 مليون دولار) كافياً لتجنيبنا كل ذلك".

ريتشارد سلوغيت مدير مركز الأبحاث الصحية "فيوتشر هيلث" Future Health والمستشار السابق لوزارة الصحة والرعاية الاجتماعية البريطانية، نبه من جانبه إلى أن مجالات كالصحة العامة والرعاية الأولية، قد لا تلقى المساعدات التي تحتاج إليها بعد بيان الخريف.

ومن بين الأهداف الرئيسة التي وضعتها وزارة الخزانة لـ"خدمات الصحة الوطنية"، تحسين أوقات الانتظار في أقسام الطوارئ على أساس سنوي، فقد شهدت المستشفيات هذه السنة مستويات قياسية شهرية جديدة لفترات الانتظار الطويلة عبر تلك الأقسام، في مختلف أنحاء إنجلترا.

ورداً على إعلان الموازنة، أعلنت "الكلية الملكية لطب الطوارئ" Royal College of Emergency Medicine عن ترحيبها بالتمويل، لكنها أشارت إلى أنه "أمام التضخم الراهن "ستجد "خدمات الصحة الوطنية" نفسها أمام قرارات صعبة، بحيث سيتعين عليها التمعن في اختياراتها في شأن ما تستطيع القيام به، وما قد تحتاج إلى خفضه أو الحد منه".

وتقضي المقترحات التي وضعتها وزارة الخزانة بتخفيض أوقات استجابة خدمات الإسعاف لمرضى الفئة الثانية - كالمشتبه في إصابتهم بسكتة دماغية - إلى 30 دقيقة في المتوسط. وفي هذا الصدد، قال مارتن فلاهيرتي المدير الإداري لـ"جمعية الرؤساء التنفيذيين لفرق الإسعاف" Ambulance Chief Executives، إنه "كي يتحقق ذلك، لا بد من معالجة جذرية لمسألة التأخير في استقبال المستشفيات للمرضى. وسيتعين على الحكومة الالتزام باستثمار في خدمات الإسعاف على مدى سنوات، يكون مبنياً على مراجعة مستقلة للطلب على هذه الخدمات والإمكانات المتوافرة".

متحدث باسم وزارة الخزانة البريطانية قال إن "الهيئة المستقلة لمراجعة أجور "أن أتش أس"" تقوم بعملها في شأن درس الزيادات المحتملة ذات الصلة، وإن استنتاجاتها ستنشر في السنة المقبلة.

© The Independent

المزيد من صحة