Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مزيد من الضرائب لتمويل الخدمات الصحية البريطانية خطوة منطقية

الحجة التي تزعم أن الخدمة الصحية أكبر من أن تدار وذات كلفة لا يمكن تحملها هي حجة فاسدة

ثلث المستطلعين لاقوا صعوبة في الوصول إلى خدمات هيئة الخدمات الصحية الوطنية خلال الجائحة (أتش أن أس التابعة لمستشفيات كلية لندن الجامعية)

هل هيئة الخدمات الصحية الوطنية (أتش أن أس) وحش ثقيل وبيروقراطي ومستنزف للأموال ويتعثر من دون سبب، بغض النظر عن مقدار النقود التي تضخ فيه؟

هذا سرد نجح للأسف في الحصول على بعض الأصداء في بريطانيا، وستسمعونه كثيراً من مؤسسات بحثية ومعلقين وبعض السياسيين، ومعظمهم يمينيون لكن ليس جميعهم، ومن المؤسف أن الفكرة القائلة إن هيئة الخدمات الصحية الوطنية أكبر من أن تدار وذات كلفة لا يمكن تحملها تسربت إلى بعض الوعي العام.

إلا أن الحجة على رغم ذلك حجة فاسدة، وليس أصحاب الرؤوس الفارغة الذين يروجون لها على مستوى أولئك الذين ينكرون الواقع القاسي المتمثل في تغير المناخ أو الذين يطلقون نظريات مؤامرة فارغة ضد اللقاحات، مثل كون اللقاحات المنقذة للحياة المضادة لـ "كوفيد" مؤامرة من بيل غيتس تستهدف زرع رقائق تعمل بتكنولوجيا الـ "نانو" في أذرعتنا، لكنهم يسبحون في المستنقع القذر نفسه.

الحقيقة هي أن هيئة الخدمات الصحية الوطنية تقوم بالفعل بعمل جيد يتمثل في توفير الرعاية الصحية الجماعية، وإذا كنا على استعداد لدفع المبالغ التي تحتاج إليها لكي ترقى إلى مستوى المبادئ المؤسسة لها، وينبغي لنا أن نكون كذلك، ستنتهي الجملة الهجومية المغرضة التي يطلقها منتقدوها، فهل من يحتاج إلى سيارة إسعاف مجانية؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن بين حيلهم المفضلة إبراز عدم الكفاءة والهدر المستقاة من حوادث محددة تجد طريقها إلى وسائل الإعلام، لكن الفكرة هي أنه يمكنكم دائماً العثور على خلل ما في أي مؤسسة كبيرة، وهذا يشمل حتى شركات التكنولوجيا الفائقة الكفاءة مثل شركة [بيل] غيتس "مايكروسوفت". اقرأوا عن "زون" Zune [برمجية للشركة فشلت فأوقفت].

ومع ذلك يبين التدقيق في هيئة الخدمات الصحية الوطنية أن أداءها جيد جداً، وكان ساجد جاويد البعيد كل البعد عن أن يكون يسارياً مبذراً، ذكر في خطاب ألقاه في مارس (آذار) عندما كان يعمل وزيراً للصحة، أن كلف الإدارة لا تتجاوز بنسين من كل جنيه استرليني ينفق مقارنة بخمسة بنسات في ألمانيا وستة بنسات في فرنسا. إنها لخدمة صحية كفؤة، وهكذا تتفوق الهيئة التي أنشأها [وزير الصحة العمالي السابق] ناي بيفان Nye Bevan حين تقارن بنماذج بديلة تستند إلى التأمين.

فلنعد إلى الحجة التي تصف الهيئة بأنها "حفرة لا قعر لها".

بحلول عام 2019 كان هذا البلد ينفق 9.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على الرعاية الصحية من دون تغيير تقريباً عن عام 2011، وهذا يتجاوز قليلاً المتوسط العالمي، لكنه يقل عنه في بلدان مماثلة مثل فرنسا وألمانيا.

لكن منذ تأسيس هيئة الخدمات الصحية الوطنية سجل سكان بريطانيا نمواً عددياً وهم الآن يشيخون بسرعة، وكذلك تقدمت التكنولوجيا التي مكنتنا من معالجة حالات ربما كانت تعني ذات يوم موتاً محتماً،

ولمواكبة ذلك استدعت الحاجة إلى رفع الإنفاق على الصحة، وتاريخياً، وفق صندوق الملك King’s Fund وهي مؤسسة بحثية صحية مستقلة، سجل الارتفاع حوالى أربعة في المئة بالقيمة الحقيقية ومولته عوائد النمو الاقتصادي. وحصل ذلك عن حق، فهل نريد حقاً أن نحاكي أميركا حيث يموت الناس بلا داع بسبب الافتقار إلى العلاج؟

لكن خلال العقد الذي أعقب الأزمة المالية عام 2008 سددت حكومة المحافظين إلى هيئة الخدمات الصحية الوطنية ضربة موجعة بأن ضاءلت الإنفاق للفترة الأكثر طولاً في تاريخها، فبين السنتين الماليتين 2009-2010 و2018-2019 زاد الإنفاق بمعدل لا يتجاوز 1.5 في المئة سنوياً، وأتيح أخيراً مبلغ إضافي أكبر بقليل، واتجه الإنفاق إلى زيادة أكبر لمساعدة الخدمة في التغلب على تداعيات "كوفيد". لكن ليس كافياً ليواجه تداعياته على مستوى البعيد الأجل، وكان من المفترض أن تأتي الأموال الإضافية الضرورية من ضريبة الرعاية الصحية والاجتماعية التي تخلت عنها رئيسة الوزراء ليز تراس لفترة قصيرة، وكان هذا القرار الجزء الوحيد من خطط تراس المزعزعة للاقتصاد التي فشل وزير المالية الجديد جيريمي هانت في وقف العمل به.

كان لضغط الإنفاق الذي عانته هيئة الخدمات الصحية الوطنية أثر كبير، ليس فقط على صعيد حجم قوائم الانتظار وعدد المواعيد الملغاة، وتقول مؤسسة "دايابيتس يو كيه" Diabetes UK الخيرية مثلاً، إن 36 في المئة فقط من الناس الذين يعانون النوع الأول و/أو النوع الثاني من مرض السكري في إنجلترا حصلوا على معايناتهم الرعائية الموصى بها كلها خلال السنة المالية 2020-2021.

ويحذر الناس من تهديد يمثله قيام نظام "مزدوج" منذ أقدم فترة تعود بي إليها ذاكرتي، وها هو معهد بحوث السياسات العامة في وقت سابق من هذا العام يفيد Institute for Public Policy Research بأن "التقلص البعيد الأجل في القدرة على الوصول إلى خدمات الهيئة وفي جودتها، والذي تسارع بسرعة بسبب الجائحة، بدأ يفرض على الناس ميلاً إلى اختيار الرعاية الصحية والمنتجات الصحية في القطاع الخاص".

وكلف معدو تقرير "حالة الصحة والرعاية" State of Health and Care بإجراء استطلاع بيّن أن 31 في المئة من المستجيبين لاقوا صعوبة في الوصول إلى خدمات هيئة الخدمات الصحية الوطنية خلال الجائحة، ولجأ نحو 12 في المئة إلى الرعاية الصحية في القطاع الخاص، أي ما يعادل نحو مليوني شخص.

من السهل العثور في قطاع بيع الخدمات بالتجزئة على اختصاصيين في العلاج الطبيعي يقدمون الوصول السريع إلى العلاج إلى الذين يحتاجون إليه ويوفرون أكثر من الجلسات الست العادية للقادرين على الدفع، ويعد دعم الصحة العقلية الذي يستحيل الوصول إليه من خلال هيئة الخدمات الصحية الوطنية خياراً آخر في القطاع الخاص يحظى بشعبية كبيرة.

قد تكون هذه الخدمات باهظة الثمن ما لم يكن لديكم تأمين خاص، والتأمين الخاص أصبح أيضاً أكثر شعبية، والمشكلة فيه هي أن شركات التأمين لا تهتم إلا بتغطية الأصحاء، وبالتأكيد فمن غير المستغرب أن يستنتج معهد بحوث السياسات العامة أن "كبرى" شركات التأمين هي الأكثر شيوعاً في لندن وبين المجموعات الاجتماعية الاقتصادية الأكثر ثراء، وطبعاً هي كذلك.

سيتساءل أنصار الرعاية الصحية في القطاع الخاص عن المشكلة، فهي تحرر الموارد لمصلحة الآخرين، إلا أن الموارد هذه ليست متوافرة، وذلك لأن أولئك الذين لا يملكون القدرة على الوصول إليها لا يملكون خياراً غير المعاناة في صمت.

ولا ينبغي لهذا الوضع أن يكون ضرورياً، ولن يكون ضرورياً إذا تحلى الساسة بالصدق مع الناس في شأن الكلف المترتبة على تمويل هيئة الخدمات الصحية الوطنية على النحو اللائق من خلال الضرائب، وإذا استعدوا إلى تقديم الحجة لمصلحة زيادة الإنفاق، وليس أي من الحزبين الرئيسين صريحاً مع الناخبين في هذا المجال، ولا على استعداد لتقديم الحجة لمصلحة تحسين التمويل من خلال الضرائب، والمفارقة العجيبة هي أن بوريس جونسون الذي ربما كان أكثر رئيس وزراء كذباً في التاريخ، ووزير ماليته ريشي سوناك، كانا الأكثر اقتراباً من ذلك في ضرائبهما.

لقد أثار الإعلان عن الأمر شكوكي وشعرت بأن التوقيت، مع تجاوز الاقتصاد للتو "كوفيد"، كان أقل من مثالي، لكن الفكرة كانت سليمة، وأعترف بأنه كان عليّ أن أدافع بقوة أكبر عنها.

لقد أشارت الاستطلاعات مراراً وتكراراً إلى أن الناس سيدعمون دفع مزيد من الضرائب من أجل تحسين هيئة الخدمات الصحية الوطنية. ولم لا؟ فالأمر منطقي إذ توفر الهيئة قيمة رائعة في مقابل المال ويمكننا تمويلها لتمكينها من توفير الخدمات التي يحتاجها الناس مجاناً عند الحاجة، وينبغي لنا أن نفعل.

لا ينبغي لنا أن نعطي الأمور أكبر من حجمها، ولكن أحد الأسباب الرئيسة وراء النقص في العمالة التي يشكو أصحاب العمل منها دوماً هي الزيادة الحادة في غيابات العمل المرتبطة بالأمراض، وبالتالي فثمة حجة اقتصادية قوية لتحسين صحة العاملين البريطانيين بعيداً تماماً من الحجة الأخلاقية، وهذا أمر لا يرقى إليه الشك.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء