Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ميزانية التقشف البريطانية تواجه امتحان الأزمة الاقتصادية

سلسلة مقابلات لوزير الخزانة يبرر فيها قراراته ما بين الاقتصاد والسياسة

هانت محدثاً في مجلس العموم أثناء مناقشة الموازنة، الخميس 17 نوفمبر الحالي (أ ف ب)

جاء رد فعل الأسواق على ميزانية الخريف التي أعلنها وزير الخزانة البريطاني جيريمي هانت، الخميس 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أمام البرلمان، حذراً إلى حد كبير. فعلى الرغم من ارتفاع طفيف في سعر صرف الجنيه الاسترليني، في بداية تعاملات، الجمعة (18 نوفمبر)، فإن معدل هبوطه، الخميس، كان كبيراً بما يجعل الاسترليني ضعيفاً أمام الدولار الأميركي.
وارتفع سعر صرف الاسترليني أمام الدولار الأميركي في تعاملات صباح الجمعة بنسبة 0.04 في المئة مقترباً من حاجز 1.19 دولار للجنيه، لكن الجنيه كان قد فقد أكثر من نصف نقطة مئوية، الخميس، قبل وبعد إعلان الميزانية هابطاً إلى مستوى 1.18 دولار للجنيه.
أما بورصة لندن فاتسم أداؤها، الجمعة، بالتفاؤل الحذر جداً. وأضاف مؤشر "فايننشال تايمز" للشركات المئة الكبرى، نحو 0.7 في المئة إلى قيمته في بداية تعاملات، الجمعة، بعد أن فقد نحو واحد في المئة، الخميس. ولم يتغير العائد على سندات الدين البريطاني كثيراً، ما يعني استقرار سعر تلك السندات.
واعتبرت الأسواق عموماً الميزانية التقشفية التي تضمنت زيادة الضرائب وخفض الإنفاق العام بمثابة "طريق تقليدي" لاستعادة الثقة بالاقتصاد البريطاني، التي انهارت بشكل كارثي مع ميزانية حكومة ليز تراس في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، التي تضمنت خفضاً للضرائب على الشركات من دون مصدر لتمويل ذلك سوى زيادة الاقتراض الحكومي، لكن الأسواق، ومراكز البحوث والاستشارات والسياسيين من المعارضة وحتى بعض أجنحة حزب المحافظين الحاكم، ترى أن زيادة الضرائب وخفض الإنفاق العام في وقت ركود الاقتصاد وزيادة تكلفة المعيشة بشدة على ملايين البريطانيين خصوصاً من الطبقة الوسطى العاملة، قد يدخل الاقتصاد في حالة كساد.

تبرير سياسي واقتصادي

لذا، شهد اليوم التالي لإعلان الميزانية سلسلة مقابلات صحافية من جانب مسؤولي الحكومة لتبرير ما جاء في الميزانية. وظهر وزير الخزانة جيريمي هانت، صباح الجمعة، على البرامج الرئيسة في المؤسسات الإعلامية البريطانية، مثل "بي بي سي" و"سكاي نيوز"، متحدثاً في مقابلات مطولة عما أعلنه، الخميس، في البرلمان.

واستفاد هانت من رد فعل الأسواق الهادئ على ميزانيته بعكس ما حدث من انهيار رداً على ميزانية الحكومة السابقة. فمن ميزانية تضمنت فجوة عجز بنحو 45 مليار جنيه استرليني (53.6 مليار دولار) إلى ميزانية توفر 55 مليار جنيه استرليني (65.5 مليار دولار)، اطمأنت الأسواق ولو قليلاً.
وركز وزير الخزانة في مقابلاته الصحافية على تفنيد الانتقادات للإجراءات التي أعلنتها الحكومة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان يرد على جناح في حزب المحافظين الحاكم، معارض له وللحكومة، أكثر من رده على انتقادات المعارضة، ذلك الجناح الذي يعترض على زيادة الضرائب باعتباره "إجراء يناقض مبادئ الحزب الحاكم، كما صرح وزير الأعمال السابق في حكومة تراس، جاكوب ريس– موغ الذي يتحدث حالياً باسم ذلك الجناح في الحزب.
وتساءل هانت في مقابلاته عما "ليس محافظاً في الميزانية؟". وأضاف "كيف لا يكون من سياسة المحافظين التصدي لارتفاع معدلات التضخم؟ كيف لا يكون من سياسة المحافظين الإقدام على اتخاذ قرارات صعبة تعيد الاقتصاد إلى مساره الصحيح؟ وهذا ما فعلناه".
ومن دون اعتراف صريح بأن سياسات حزب المحافظين الذي توالت حكوماته على إدارة البلاد في الـ12 عاماً الأخيرة هي المسؤولة عن وصول الوضع الاقتصادي إلى هذا السوء، قال هنت في مقابلته مع "سكاي نيوز"، الجمعة، "لكل ذلك، فهذه إجراءات محافظة تماماً كي نضمن حل مشكلات الاقتصاد وهو من أهم الأمور التي ينتظرها الناس منا كحزب".
ولم تقتصر ردود وزير الخزانة على الجانب السياسي، ومحاولة إرضاء جناح في حزبه، بل رد أيضاً على انتقادات المعارضة للميزانية في جوانبها الاقتصادية. ودافع في مقابلة مع برنامج "توداي" في إذاعة "بي بي سي" عن إبقائه لميزة "غير مقيم" لرجال الأعمال في بريطانيا الذين يسجلون أنفسهم بهذه الصفة كي لا يدفعوا الضرائب.
وكان حزب العمال المعارض، في سياق انتقاداته للميزانية التي أعلنت، الخميس، اتهم جيريمي هانت وحكومة ريشي سوناك بمحاباة رجال الأعمال. وقال حزب العمال، إن إلغاء الإعفاء الضريبي لمن يحملون صفة "غير مقيم" كان يمكن أن يوفر للخزانة العامة ثلاثة مليارات جنيه استرليني (نحو 3.5 مليار دولار).

إلا أن وزير الخزانة رد بالقول، إن ذلك غير صحيح، وإن فرض الضريبة على المستثمرين، بخاصة الأجانب منهم، سيعني تراجع الاستثمار في بريطانيا بالتالي انكماش الاقتصاد. وأضاف أن مثل هذا الإجراء لو اتخذ سيجعل كثيراً من الأعمال تنتقل من بريطانيا إلى دول أخرى أو تقلل نشاطها في بريطانيا بشدة لتخفيض ما تدفعه من ضرائب.
ورداً على اتهامات حزب الليبراليين الديمقراطيين للحكومة بأنها جاملت رجال الأعمال والمتقاعدين وضغطت أكثر على الطبقة الوسطى التي تعمل وتدفع الضرائب، قال المتحدث باسم الحكومة، الجمعة، للصحافيين، إن ذلك ليس صحيحاً.

وكان حزب "الليبراليين الديمقراطيين" أشار تحديداً إلى أن البنوك الكبرى مستفيدة من الميزانية التي أعلنها جيريمي هانت، لكن المتحدث باسم الحكومة أكد أن البنوك أيضاً ستدفع ضرائب أكثر من خفض سقف الإعفاء لشريحة الضريبة على الأرباح بمقدار النصف.

توقعات سلبية

لم ينكر وزير الخزانة البريطانية أن العامين المقبلين سيكونان في غاية الصعوبة، بخاصة في ما يتعلق بالضغوط على الأسر البريطانية مع انخفاض القيمة الحقيقية للمداخيل وزيادة أعباء تكاليف المعيشة، لكنه دافع عن ميزانيته بأنها "خطة للمستقبل" وأن الوضع كان سيصبح كارثياً أكثر لو لم يتم اتخاذ أي إجراء. كما دافع أيضاً عن الإبقاء على زيادة معاشات التقاعد ومخصصات الضمان الاجتماعي في الوقت الذي سيدفع فيه من يعملون ضرائب أكثر. وقال إن المتقاعدين لا يمكنهم العمل لزيادة دخلهم، لذا كان الإبقاء على زيادات معاشاتهم بنسب توازي التضخم.
وتقدر المؤسسات ومراكز الأبحاث المستقلة أن بعض جوانب الإنفاق في الميزانية ستكلف المالية العامة ما يقارب ضعف ما وفرته من زيادة الضرائب وخفض الإنفاق الحكومي. وبلغت بعض تلك التقديرات زيادة بما يصل إلى 90 مليار جنيه استرليني (107 مليارات دولار) في الوقت الذي وفرت فيه إجراءات التقشف سداً للعجز بنحو 55 مليار جنيه استرليني (65.5 مليار دولار).
ربما ذلك ما جعل سوق السندات الأقل تفاؤلاً في رد فعله على ميزانية الخريف، كما ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز". فبحسب مكتب إدارة الدين العام البريطاني، فإن الإجراءات التي أعلنت في الميزانية ستؤدي إلى خفض طرح سندات الدين السيادي في العام المالي الحالي إلى نحو 170 مليار جنيه استرليني (202.5 مليار دولار). صحيح أن ذلك الحجم من الاقتراض أقل مما كان مقدراً مع ميزانية حكومة ليز تراس الكارثية عند 194 مليار جنيه استرليني (231 مليار دولار) وأقل حتى من توقعات الأسواق بعد ذلك عند 185 مليار جنيه استرليني (220 مليار دولار)، إلا أن التوقعات بأن يزيد إصدار سندات الدين في السنة المالية المقبلة 2023 – 2024 عن توقعات السوق عند 300 مليار جنيه استرليني (357.5 مليار دولار).
ويتوقع مكتب مسؤولية الميزانية انكماش الناتج المحلي الإجمالي البريطاني بنسبة 1.4- في المئة العام المقبل وانخفاض قيمة الدخول بأكثر من سبع في المئة، هذا إضافة إلى تقديرات الاقتصاديين والباحثين مع استمرار مشكلة "بنك إنجلترا" (المركزي البريطاني) في مواجهة ارتفاع معدلات التضخم وأنه قد لا يمكنه رفع سعر الفائدة الأساسية إلى أكثر من 4.5 في المئة.
لذا يخلص كثير من المعلقين في بريطانيا إلى أن حكومة ريشي سوناك طرحت ميزانية تقشفية بهدف تحقيق استقرار مالي على وضع قاتم بالفعل، وأن احتمالات زيادة البطالة وارتفاع تكلفة خدمة الدين العام ستكون مشكلات مؤجلة تواجهها الحكومات التالية ربما بعد انتخابات عام 2024.