Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تكون كرة القدم أكثر مثالية في إدانة العنصرية؟ 

شهدت العقود الأربعة الأخيرة تشريع عديد من القوانين لتجريم حوادث مأسوية ولاعبون أوقفوا مسيرتهم الكروية بسبب التمييز

درج لاعبو كرة القدم على الركوع على ركبة واحدة قبيل انطلاق المباريات تضامناً مع حملة مكافحة العنصرية (رويترز)

أصدر "المشروع الإعلامي للحفاظ على الهوية القطرية " منشوراً باسم "قطر ترحب بكم"، يتضمن سلسلة من التعليمات الموجهة للبعثات والجماهير التي ستكون حاضرة في مونديال الدوحة 2022، جاءت تحت عنوان "أظهر احترامك"، وضمت مجموعة من السلوكيات الواجب على الجمهور الزائر تجبنها.

 وبناءً عليه، حث الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) عبر رسالة رئيس الاتحاد جياني إنفانتينو، والأمين العام للاتحاد فاطمة سامورا المنتخبات المشاركة في كأس العالم في قطر، التركيز على كرة القدم وعدم السماح بجر هذه الرياضة إلى "معارك" أيديولوجية أو سياسية. 
فقد ظل "فيفا" والاتحادات الرياضية وعلى رأسها الدوري الإنجليزي الممتاز ونواديه يعملون من خلال اللوائح على معالجة العنصرية داخل الملعب وخارجه، وينادون بتعزيز المساواة والتنوع والشمول في جميع مجالات كرة القدم تحت توجيهات ورسائل صريحة "إذا رأيت تمييزاً تحداه، أبلغ عنه، قم بتغييره"، أملاً في أن تحد هذه التوجيهات من تفاقم هذه الظاهرة.  تنقلنا هذه الرسائل إلى ما يحيط ببطولات كأس العالم من قلق نتيجة ممارسة بعض التجاوزات بحق اللاعبين أو الفرق المنافسة أو جمهور المشجعين في ما بينهم. 
 
 
وهذا التوجس نتيجة لما طغى على بطولات المونديال السابقة من اعتداءات عنصرية ارتكب أغلبها مشجعون منفعلون، مما يدعو إلى المضي باتجاه تذويب هذا المظهر، وقطع الطريق على أي فرصة لبروزه، في ظل تحد حقيقي هو أن المونديال يجمع ضيوف كأس العالم لكرة القدم من مناطق شتى من مختلف الجنسيات والثقافات والمعتقدات والخلفيات الاجتماعية. ومنذ مقتل جورج فلويد في 25 مايو (أيار) 2020، درج لاعبو كرة القدم على الركوع على ركبة واحدة قبيل انطلاق المباريات، وحمل شعارات عدة للمساواة بين البشر منها "حياة السود مهمة"، و "لا للعنصرية" تضامناً مع حملة مكافحة العنصرية، التي تمثل مباريات كرة القدم أحد مسارحها.


تنميط عرقي


في اهتمامها بموضوع "التنميط العرقي في تعليقات مباراة كرة القدم"، ركزت إحدى الدراسات على التعليقات أثناء مونديال كأس العالم 2018، وأظهرت نتائج تحليلاتها أنه تم التحدث عن لاعبي كرة القدم ذوي البشرة البيضاء والسمراء بشكل مختلف داخل الاستوديوهات.
ووجدت "أن اللاعبين السمر أشيد بهم بسبب براعتهم البدنية وسماتهم الجسدية الملحوظة وأدائهم الطبيعي السلس، واللاعبين البيض بسبب ذكائهم وشخصياتهم".
 أثارت هذه الدراسة نقداً واسعاً صوبته تيارات حقوقية حول تعليقات مذيعي البرامج الرياضية، وصفتها بأنها كاشفة لما تنطوي عليه النظرة المبنية على التمييز بين اللاعبين بناءً على لون بشرتهم، سواء أكان عن قصد أم بغير قصد، فهو يسهم في تفشي العنصرية في مجتمع كرة القدم وينشرها على نطاق أوسع. إذ إن التحليل جاء بوصف اللاعبين ذوي البشرة السمراء بأنهم ماهرون بطبيعتهم للأنشطة البدنية التي تجعلهم رياضيين بالفطرة، أقوياء ويمكنهم الركض بسرعة والقفز عالياً، عوضاً عن مقدرتهم على تأدية المهمات المعرفية. وهذا يعيدنا إلى حقبة تجارة الرقيق حين كان سعر الرقيق يحدد على أساس السمات الجسدية، ومقدرة الفرد منهم على تحمل المهمات البدنية الشاقة، بأن يقوم المشتري بالتفحص والتقييم والمفاصلة مع البائع على أساسها. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


إن ترسبات هذه الصورة النمطية تتجاوز المعلقين الرياضيين إلى ترسبات مجتمعية تعود إلى أطروحات علم العرق التي ظهرت في القرن التاسع عشر خصوصاً "النظرية الداروينية الاجتماعية". 
وإذا كانت "نظرية التطور البيولوجي" على يد عالم الطبيعة الإنجليزي تشارلز داروين، قد أسست لهذه الفروق، فهناك علماء آخرون مثل عالم الأحياء الإنجليزي توماس هنري هكسلي الذي صاغ مصطلح الداروينية، والفيلسوف الإنجليزي هربرت سبنسر الذي صاغ المفاهيم التطورية بشكل عام، وعالم الأحياء التطوري الألماني أوغوست فايسمان الذي أعطى "الداروينية الجديدة" زخماً آخر. 

 

 

كل هذه النظريات كانت تصب في أن العرق الأبيض هم الأكثر تطوراً من حيث الفكر والأخلاق والشخصية، وعلى هذا النحو لم يتطلبوا براعة جسدية، وكان ذوو البشرة السمراء يعدون أقل تطوراً وأكثر عنفاً بطبيعتهم، وكسولين، ومحدودين فكرياً ويفتقرون إلى السمات الشخصية، لذلك تطورت قدراتهم البدنية أكثر من الأشخاص البيض".


سلوك المشجعين


 لا تقتصر العنصرية في كرة القدم على لون أو جنس معين، ولو كانت في الغالب ترتكز على اللون، وهي تستهدف "الغير" دائماً الذي يقف منافساً أمام "نحن"، والقضية أكبر من كرة القدم وأشد تعقيداً مما يتم التفوه به خلال المباريات أو ما يبدر من تصرفات سواء من اللاعبين أو المعلقين أو جمهور المشجعين.
وفي ما يتعلق بسلوك بعض المشجعين العنصري، فتنقسم الانتقادات إزاءه إلى تيارين، أحدهما يدين السلوك من واقع مسؤولية الشخص الاعتبارية التي تلزمه مراعاة الأخلاق والمبادئ الإنسانية عامة، وما يتعلق بحقوق الإنسان بخاصة، وأن ما يمارسه المشجعون وحشي وغارق في الفوضى ولا يمت إلى التحضر بصلة. 
أما التيار الثاني فيرى أن مشجعي كرة القدم هم ضحية  لممارسات ترتكبها المنظومة الاجتماعية الواسعة ولا تتعرض للإدانة، وعندما تظهر في مجال كرة القدم تتم شيطنتها،  كما يرون أن هذا ما صبغ مشجعي كرة القدم بالعنف والعنصرية والكراهية.
وبين التيارين ظهرت أصوات تنادي بتجاوز الفعل إلى إدانة السلوك أياً يكن محركه، ففي أكتوبر (تشرين الأول) دعت منظمة حقوقية دنماركية الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) إلى السماح للحكام برفع لافتات تدين العنصرية الدنماركية خلال مباريات مونديال قطر 2022. 
واستلم رئيس "فيفا" جياني إنفانتينو، رسالة من المنظمة المكونة من مجموعة من المدافعين الدنماركيين عن حقوق الإنسان، وحقوق المهاجرين، والمناهضين لسياسات الحكومة الدنماركية "العنصرية "التي بحسب رسالتهم تستهدف الأقليات والملونين، وحثته على "دعم المهمشين والأقليات والنساء واللاجئين والملونين، والمستضعفين المتأثرين بالقوانين العنصرية للحكومة الدنماركية". 


جدوى العقوبات


 منذ السبعينيات، شهدت هذه العقود الأربعة تشريع عديد من القوانين لتجريم حوادث عنصرية في كرة القدم، ومنها ما سنه "الاتحاد الأوروبي لكرة القدم"، أنه "بموجب قانون النظام العام لعام 1986، يمكن سجن أو تغريم أي شخص أدين بتعمد استخدام كلمات أو سلوك مسيء أو مهين أو تهديد لشخص آخر.  وتنص المادة الثالثة من قانون كرة القدم لعام 1991 على أن "الانخراط أو المشاركة في ترديد هتافات ذات طبيعة غير محتشمة أو عنصرية في مباراة لكرة القدم يعد جريمة"،  ثم عدل هذا القانون عام 1999، وأصبح لا يشترط الهتافات الجماعية وإنما ليشمل الهتاف العنصري الفردي".

 

 

ولكن يشكك المراقبون في جدوى هذه العقوبات ووصفوها بأنها غير رادعة وذات تأثير ضئيل في التفاعلات بين المشجعين خصوصاً مع تمثيل دولي واسع لكل قارات العالم في بطولات كأس العالم. 
ففي مونديال كأس العالم 2018 في روسيا الذي شاركت فيه فرق كرة القدم وممثلون من 32 دولة، تصاعد الخوف من احتمال أن تشهد الأحداث عنصرية من البلد المضيف أو المشجعين ضد الفرق المنافسة. 
وكان السبب، أنه قبل خمسة أسابيع فقط من بدء البطولة، استعمل جماهير فريق كرة القدم الوطني الروسي لغة مهينة ضد الفريق الفرنسي، ففرض "فيفا" غرامة على الفريق الروسي، وغرمت روسيا الدولة المضيفة لكأس العالم ذلك العام، لأن جمهورها أساءوا عنصرياً إلى بول بوغبا وعثمان ديمبيلي في مباراة ودية.
 وفي وقت سابق لمونديال 2018، في تصفيات المجموعات، خلال مباراة الأرجنتين وإيسلندا، اتهم لاعب كرة القدم الأرجنتيني المتقاعد دييغو مارادونا بالقيام بإيماءة عنصرية تجاه مشجعي كوريا الجنوبية وهم يلوحون له، وبحسب ما نقلته الأنباء، فإن مارادونا "لوح للجماهير ثم شرع في سحب جفنيه إلى الجانبين". ولكن مارادونا أوضح أن "أحد الأطفال من كوريا كان يرتدي قميص الأرجنتين، وعندما رأيته فرحت كثيراً وبدأت أشير أن الآسيويين يشجعوننا أيضاً". 


هتافات عنصرية


وفي سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، تعرض لاعبو إنجلترا لإساءات عنصرية في بودابست، من مشجعي الفريق المضيف بعد تسجيلهم أربعة أهداف ضد الفريق المجري،  وأطلق المشجعون هتافات القردة من مناطق مختلفة من المدرجات كانت موجهة بشكل أساسي إلى رحيم ستيرلينغ اللاعب الإنجليزي من أصل جامايكي في المنتخب الإنجليزي، وجود بيلينغهام. 
 ودعا "فيفا" للتحقيق في الهتافات الموجهة إلى اللاعبين "نرفض بشدة أي شكل من أشكال العنصرية والعنف، ولدينا موقف واضح للغاية بشأن مثل هذا السلوك في كرة القدم"، وقال الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "ندين بشدة أي سلوك تمييزي (عنصري) وسنواصل قيادة مكافحة العنصرية والتمييز في اللعبة"، وأضاف "الوقائع المزعومة حدثت في إحدى مسابقات (فيفا)، بالتالي فهي لا تخضع لاختصاص هيئاتنا التأديبية".

 

 

وفي مارس (آذار) 2022 قدم الاتحاد المصري لكرة القدم شكوى رسمية ضد منتخب السنغال، للاتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف) والاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، قال فيها إن منتخبه تعرض للعنصرية والترهيب أثناء استعداده للعب في المباراة الفاصلة في تصفيات كأس العالم لكرة القدم 2022 بين السنغال ومصر. 
وأضاف في بيان أن فريقه "تعرض للعنصرية بعد ظهور لافتات هجومية في مدرجات الاستاد موجهة للاعبين، خصوصاً محمد صلاح قائد الفريق"، مبيناً أن "الجماهير أرعبت اللاعبين بإلقاء الزجاجات والحجارة عليهم خلال جلسات الإحماء للمباراة". 


مصدر قلق


 في أغسطس (آب) 2021، أجرت شركة "يوقوف" البريطانية لأبحاث التسوق وتحليل البيانات، وقناة "سكاي سبورتس نيوز" استطلاعاً عن رأي المشجعين البريطانيين بشأن كرة القدم والعنصرية، وما يشعر به المشجعون الذين يخططون لحضور المباريات ذلك الموسم إذا شهدوا تعرض لاعبين لإساءات عنصرية. 
ووفقاً للاستطلاع الذي "أجري على عينة عشوائية من حوالى 1200 مشجع بريطاني، فإن 62 في المئة من العينة قلقون، و  32 في المئة قالوا إنهم قلقون إلى حد ما، و30 في المئة قالوا إنهم قلقون للغاية بشأن احتمال تعرض اللاعب لإساءة عنصرية في إحدى المباريات".
كما استطلعت "يوقوف" أكثر من 500 من مشجعي كرة القدم المتنوعين عرقياً، فكانت نتيجة الاستطلاع أن 73 في المئة ممن يخططون لحضور مباراة ذلك الموسم أعربوا عن قلقهم بشأن تعرضهم لإساءات عنصرية في الملعب، وقال  34 في المئة منهم إنهم قلقون للغاية، وصرح 39 في المئة منهم أنهم قلقون إلى حد ما". 
وورد أيضاً "يشعر حوالى 92 في المئة من المشجعين ذوي البشرة السمراء بالقلق من مشاهدة لاعب يتعرض لإساءات عنصرية في إحدى مباريات ذلك الموسم، بينما يقول 90 في المئة من المشجعين من خلفية هندية إنهم يخشون مشاهدة مشجع آخر يتعرض لإساءات عنصرية".


لا حصانة دائمة


 لا توجد حصانة دائمة ضد العنصرية التي تمارس ضد لاعبي كرة القدم في البطولات المحلية أو بطولات كأس العالم، حتى مع اللوائح التي وضعها الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، بفرض غرامات على الهتافات العنصرية من قبل اللاعبين أو المدربين أو المشجعين ضد الفريق المنافس. 
وتتوزع المسؤولية تجاه إدانة العنصرية في كرة القدم بين لوائح "فيفا" واتحادات كرة القدم الدولية والمحلية، ولا تستثنى وسائل التواصل الاجتماعي التي توفر مرتعاً خصباً للهجوم العنصري ضد لاعبي كرة القدم دون إدانة قوية وواضحة. وفي الواقع لم تبد الشركات المسؤولة عن منصات وسائل التواصل الاجتماعي مسؤوليتها الكاملة لاستخدام مساحاتها التي تختلط فيها حرية التعبير عن الرأي، بالإهانات العنصرية وغيرها من التجاوزات.
وعليه فإن الرقابة على هذه الوسائل يعهد بها إلى قوانين المعلوماتية الدولية والمحلية، التي تواجهها عقبات أيضاً للوصول إلى أصل الوقائع والتحقق من الأشخاص الذين يرتكبونها تحت أسماء مستعارة.
في 21 مارس من كل عام، ذكرى الاحتفال باليوم العالمي للقضاء على التمييز العنصري، تجدد "مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان" إدانتها للعنصرية في الرياضة، بأن "أي رياضة خصوصاً كرة القدم، يمكن استخدامها لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري". 
ولكن كرة القدم تكشف عن جزء فقط من الديناميات الإثنية والعنصرية التي تتفاعل في مجتمعات مختلفة على مستوى العالم، فإذا كانت العنصرية تمارس في هذه المجتمعات بشكل طبيعي ودون قوانين حاسمة، سوى الشجب والإدانة، فلماذا يتوقع أن يكون هنالك مكان أكثر مثالية حتى لو كان ملاعب كرة القدم.

المزيد من تحقيقات ومطولات