Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونسيون يرفضون المساعدات الدولية... عزة نفس أم مزايدات؟

مراقبون يبدون مخاوفهم من "المقابل" ومعارضون يتحدثون عن "التسول" والغنوشي على الخط

السفير الياباني طاكيشي أوسوجا يشرف على احتفالية لتوزيع مواد غذائية على تونسيين (مواقع التواصل)

تشهد تونس سجالاً متصاعداً في شأن المساعدات التي تتلقاها من شركاء دوليين على غرار الولايات المتحدة واليابان وعلى رغم أن التونسيين في أمس الحاجة للدعم، بخاصة مع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تحاصرهم، لكن في الوقت ذاته يتذمر بعضهم من هذه المساعدات، إذ أبدى كثيرون استياءهم من مشهد إشراف السفير الياباني طاكيشي أوسوجا على احتفالية لتوزيع مواد غذائية على سكان محافظة سليانة الواقعة شمال غربي البلاد.

وجاءت المساعدات اليابانية كجزء من مشروع متكامل لمساعدة التونسيين، في وقت تعرف بلادهم واحدة من أسوأ أزماتها الاقتصادية وسط تسجيل نقص فادح في سلع عدة بالأسواق على غرار السكر والحليب والرز.

عزة نفس

موجة الانتقادات التي طاولت قبول المساعدات أثارت تساؤلات حول الأسباب الكامنة خلف هذا الرفض وما إذا كان الأمر مسيساً أو وراءه قناعات أخرى.

 تقول ريم الحاجي، وهي ناشطة مدنية، في حديث إلى "اندبندنت عربية" إن "تونس عزيزة علينا، لا نريد أن نظهر في صورة الذي ينتظر مساعدات من الخارج ويطلبها، هناك عزة نفس لدينا كتونسيين، إضافة إلى أن بعضهم يطرح تساؤلات مشروعة عن المقابل الذي سنقدمه لقاء هذه المساعدات"، وتابعت أنه "لا يوجد طرف يقدم مساعدات كهذه بشكل مجاني، نحن دائماً نرى أن الإشكال يتمثل في المطلوب من دولتنا مقابل تلقي هذه المساعدة" مشيرة إلى أن "بعض المساعدات تبقى أمراً دبلوماسياً تعتمده بعض الدول".

وكان قرار الولايات المتحدة تخصيص مساعدات بقيمة 60 مليون دولار كمساعدة سريعة لتونس في 13 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي فجر جدلاً واسعاً، لا سيما أن واشنطن قالت إن تلك المساعدات ستوزع عن طريق منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) وتسرب وقتها الجدل إلى النخب، فانتقد كثيرون من أحزاب سياسية وغيرها هذه المساعدات وطريقة توزيعها المرتقبة، لكن الحاجي اعتبرت أن "توزيع المساعدات عن طريق المنظمات والجمعيات أفضل باعتبارها أكثر شفافية وحتى في هذه الحالات فإن المساعدات لا تصل إلى المستفيدين منها إلا بعد المرور بالسلطة المحلية".

وأوضحت أنه "لا يمكن للجمعيات والمنظمات أن توزع المساعدات بمفردها إذ عليها التنسيق مع السلطات المحلية أو الحكومة، لكن اللافت أن ثقة الناس بالأعمال الخيرية والجمعيات والمنظمات ما زالت قوية" وشددت على أن "الوضع صعب في تونس بسبب غلاء الأسعار وفقدان السلع الأساسية، وهناك غموض تام بحيث لا نعرف ملامح مستقبلنا على رغم الثقة التي لدينا بالدولة، خصوصاً بأبنائها".

 مخاوف

في المقابل ترجع بعض الأوساط انتقاد التونسيين للمساعدات التي يتم تلقيها من دول أخرى إلى مخاوف لديهم من تداعيات ذلك.

وأوضح الباحث في علم الاجتماع معاذ بن نصير لـ"اندبندنت عربية" أن "رفض التونسيين للمساعدات الدولية سببه خوفهم من الظهور في موقف ضعيف، أو من ضياع مفهوم الدولة الوطنية أمامهم" وأضاف أن "الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتأزم في البلاد ربما يجعلنا نلاحظ بعض التنازلات السلوكية من قبل عدد من التونسيين كاستراتيجية لتجاوز المشكلة، بالتالي قبول المساعدات الدولية حتى لا تحدث الكارثة".

وأعادت هذه المساعدات والجدل الذي رافق عملية توزيعها إلى الأذهان المتاعب التي واجهها التونسيون في ذروة تفشي فيروس "كوفيد – 19" قبل عامين، إذ كانت البلاد تشهد يومياً وفاة المئات من دون النجاح في الحصول على اللقاحات.

وتمكنت تونس إثر ذلك من الحصول على مساعدات دولية سريعة ومكثفة تجاوزت بفضلها الأزمة الصحية التي كانت كلفتها البشرية والاقتصادية باهظة على البلد، بحيث سجلت السلطات وفاة الآلاف وشهد الاقتصاد انتكاسة بسبب تراجع السياحة وإغلاق عدد من المنشآت الصناعية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ورأى بن نصير أن "رفض بعضهم للمساعدة ربما يعود أيضاً إلى خشية التونسيين من تقديم تنازلات إلى الطرف المقابل، بخاصة أن الموروث الثقافي في تونس تهيمن عليه قيم مثل عزة النفس والشهامة".

ولم تطلب تونس المساعدة بشكل علني، لكنها تشهد وضعاً اقتصادياً صعباً على رغم اقتراب توقيعها على اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل بـ1.9 مليار دولار في مسعى لإنعاش الاقتصاد الذي يرزح تحت وطأة أزمة حادة.

وتسود على ما يبدو مخاوف من أن تكون المساعدات تستهدف توسيع بعض القوى لنفوذها، بخاصة في ظل التنافس الموجود على أفريقيا الغنية بثرواتها.

وقال المحلل السياسي محمد صالح العبيدي إن "الانتقادات تعود بشكل كبير إلى المخاوف من أن يكون على تونس تقديم مقابل هذه المساعدات إما بموقف سياسي ودبلوماسي يدعم هذا الطرف أو ذاك، بخاصة في ظل عودة الصراع على النفوذ في الساحة الدولية".

وأوضح العبيدي لـ"اندبندنت عربية" أن "هذه المخاوف ربما تكون مشروعة في جزء منها على رغم أن الوضع الذي يمر به التونسيون صعب جداً، وهنا تكمن المفارقة، كيف عليهم أن يتصرفوا؟ في اعتقادي أن عليهم استخلاص الدرس في ما يخص انتقاء نخبتهم السياسية بحيث تتحمل هذه النخبة بما في ذلك الرئيس الحالي والحكومة مسؤولية الأزمة التي يمرون بها".

المعارضة على الخط

بصرف النظر عن ردود الفعل الشعبية فإن الأزمة التي تشهدها تونس والمساعدات التي تتلقاها هذه الأيام ربما تمثل مجالاً آخر للمواجهة بين السلطة بقيادة الرئيس قيس سعيد والمعارضة التي تنتقد باستمرار تدهور الأوضاع في البلاد.

وندد رئيس "حركة النهضة" المعارضة راشد الغنوشي، السبت الماضي، بالأوضاع الراهنة في بلاده قائلاً خلال اجتماع شعبي لحزبه "في العشرية السوداء (في إحالة إلى وصف منتقديه للعقد الذي حكم حزبه خلاله) لم تكن هناك سنوات ازدهار اقتصادي إلا أنه في المقابل لم يسجل خلالها أي فقدان للزيت والسكر".

من جهته نشر الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي المعارض غازي الشواشي صور المساعدات اليابانية معلقاً عليها "في العهد السعيد، تونس أصبحت تتسول المعكرونة والزيت".

وعلق الدبلوماسي التونسي الأسبق أحمد الهرقام على هذا الجدل بالقول إنه "جدل نخبوي بحت وقلة من الشعب دخلت فيه، لكن أعتقد بأن هناك من سيسعى إلى تأجيجه" وأضاف لـ"اندبندنت عربية" أن "الغنوشي مثلاً كيف يتباهى بهذه التصريحات وهو وحزبه اللذان يتحملان مسؤولية الأزمة الراهنة، الغنوشي والنهضة هما من أوصلا تونس إلى ما تعيشه اليوم".

وحول إعلان الولايات المتحدة عن توزيع مساعداتها حصراً عبر "يونيسف"، قال الهرقام إن "هذا معمول به، وتونس عضو في الأمم المتحدة ويونسيف فلماذا هذا الجدل؟ ومن المستفيد منه؟ في اعتقادي أن هناك من التونسيين من هم في حاجة إليها، بالتالي لا يوجد أي داع لهذه السجالات وإذا كنا لا نريد المساعدات ما على بلادنا إلا أن تطلب عدم تحويلها لها".

وتأتي هذه السجالات في وقت تشهد تونس أزمات سياسية واقتصادية تحاصر حكومتها وفي وقت يقول الرئيس سعيد إنه يقود مساراً لتصحيح الأوضاع، لكنه أضحى يواجه معارضة متزايدة للإجراءات التي اتخذها منذ 25 يوليو (تموز) 2021.

المزيد من العالم العربي