Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونس تعيش "أزمة غذائية" وارتفاع الأسعار يخنق المستهلكين

25 في المئة من الأبقار تعرض للذبح أو التهريب وسط نقص في إنتاج الحليب وتراجع كبير في أداء قطاع الفلاحة

أسعار الخضر أضحت لا تناسب غالبية التونسيين من الطبقات الضعيفة والمتوسطة (وزارة الفلاحة والتجارة التونسية)

سيدتان تونسيتان متقدمتان في السن تقفان في مكتب بريد مكتظ، تتبادلان الحديث حول الأوضاع التي وصلت إليها بلدهما في تلك الفترة، وما تشهده من غلاء فاحش لجميع المواد في ظل صمت المسؤولين إزاء الارتفاع الكبير في الأسعار.

اتفقت السيدتان على أن وضع البلاد كان أفضل بكثير قبل عام 2011، وأن الأوضاع زادت سوءاً في الفترة الأخيرة، بغياب عديد من المواد الأساسية، فضلاً عن تسجيل زيادة غير عادية في الأسعار في حال توفرها، وتساءلت إحداهما عن مستقبل الأوضاع في مقبل الأيام في حال تواصل ندرة المنتجات الفلاحية لتضاف إلى أزمة فقدان الأدوية.

حديث السيدتين وغيره من شهادات يعكس ما وصلت إليه الأوضاع في تونس من زيادة كبيرة في أسعار المنتجات الفلاحية الطازجة وعدم توفرها بالكميات المطلوبة ما ألهب الأسعار بشكل جنوني.

وإذا كان التونسيون يتوجعون بصمت من التراجع اللافت في مقدرتهم الشرائية، فإن المزارعين عبر منظماتهم المهنية، رفعوا أصواتهم عالياً منبهين الحكومة من أزمة غذائية حادة تهدد البلاد، وطالبوا بالإسراع في اتخاذ الإجراءات الضرورية لإنقاذ منظومة تشرف على الانهيار.

أسعار مرتفعة

المتجول في أسواق تونس، لا سيما الأسواق الشعبية في العاصمة، سريعاً ما يكتشف أن أسعار الخضر أضحت لا تناسب غالبية التونسيين من الطبقات الضعيفة والمتوسطة، وأجمع عدد منهم لـ"اندبندنت عربية" على أن الوضع لم يعد يحتمل في ظل تراجع العرض من المنتجات الفلاحية وارتفاع أسعارها ما جعل الأوضاع المعيشية تتعقد أكثر.

ووصلت أسعار الطماطم إلى ثلاثة دنانير (دولار) والبطاطا بين 1.5 و2.2 دينار (700 سنت) والبصل بين 1.7 و2.6 دينار (720 سنتاً) والفلفل بين 2.5 و2.7 دينار (750 سنتاً)، وتزايدت أسعار اللحوم الحمراء، حيث سجل سعر اللحم الكندوز 30 ديناراً (9.1 دولارات)، وكيلو اللحم المفروم 28 ديناراً (6.1 دولار)، وكيلو اللحم الضأن بين 32 ديناراً (9.82 دولار) و34 ديناراً (10.4 دولار)، بينما شهدت أسعار الدواجن ارتفاعاً خلال الأيام الجارية، حيث وصل كيلو الدجاج الأبيض 12 ديناراً (3.68 دولار).

وبحسب معهد الإحصاء الحكومي، فقد بلغ ارتفاع نسبة التضخم 9.1 في المئة، فيما يؤكد استطلاع للرأي أن أكثر من 60 في المئة من التونسيين يرون أن الأوضاع المالية لأسرهم باتت أسوأ مما كانت عليه من قبل.

لتأكيد المنحى الجنوني لأسعار المواد الغذائية ارتفع سعر علبة الزبدة من حجم 200 غرام ليصل لنحو خمسة دنانير (1.5 دولار) في غضون شهر واحد، إضافة إلى زيادات أخرى يعرفها سعر هذه المادة حسب الحجم، التي تشهد نقصاً حاداً في المتاجر والأسواق.

واعتبر رئيس الغرفة الوطنية لأصحاب المساحات التجارية الكبرى الهادي بكور أن هذا الارتفاع يعود في الأساس إلى مساعي منتجي الحليب لإيجاد نوع من التوازنات المالية لتغطية العجز المسجل الناجم عن إنتاج الحليب بسبب عدم الترفيع في الأسعار.

وأوضح أن تراجع كميات الحليب يعود إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج جراء الارتفاع الكبير في أسعار الأعلاف فضلاً عن تراجع عدد مربي البقر (الحلوب) بسبب الصعوبات المالية، وعدم قدرتهم على مجابهة تكاليف الإنتاج.

وبين رئيس الغرفة أنه نتيجة لتراجع الإنتاج لم يتم توفير مخزون لتعديل العرض في السوق، مثلما جرت العادة في المواسم السابقة، مشيراً إلى أن الإنتاج اليومي من الحليب يقدر حالياً بـ1.2 مليون لتر، بعد أن كان في حدود 1.6 مليون لتر، أي بنقص يقدر بـ400 ألف لتر.

الأبقار

نور الدين بن عياد رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري قال، إن نحو 25 في المئة من قطيع الأبقار في تونس تم التفويت فيه إما بالتهريب أو الذبح، محذراً من الحال التي وصل إليها قطاع تربية الماشية بخاصة البقر الحلوب في ظل الصعوبات التي يعرفها المربون من عدم توفر الأعلاف بالكميات اللازمة وارتفاع أسعارها بشكل يعجز المربون عن مجاراته.

وأضاف بن عياد لـ"اندبندنت عربية" أن النقص الحاد في توفر الحليب يعود في جانب كبير منه إلى تفويت عدد من الفلاحين في القطيع بخاصة من الأبقار الحلوب وتهريبها إلى الأقطار المجاورة، مشيراً إلى أنه وفق المعطيات المتوفرة يتم يومياً بيع نحو 15 بقرة إلى وسطاء لشحنها لاحقاً إلى القطر الجزائري.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعن تقييم بداية الموسم الفلاحي بخاصة قطاع الزراعات الكبرى، أوضح نور الدين بن عياد أن الموسم يعرف نوعاً من التعثر باعتبار أن مستلزمات الإنتاج غير متوفرة بالكميات الضرورية، على رغم  وعود وزارة الزراعة بتوفير الأدوية والأسمدة ما جعل عديداً من الفلاحين يعزفون عن تحديد مساحات الزراعات المزمع غراستها خلال هذا الموسم.

وعن موقف المنظمة الفلاحية من الصعوبات التي تشهدها منظومة الإنتاج الفلاحي في الوقت الراهن، قال بن عياد إن الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعرفه البلاد أثر في عديد من القطاعات على غرار منظومة الألبان والدواجن التي تنتظر تدخلاً عاجلاً من الحكومة، مضيفاً "هذا التخبط يعكس عدم وجود استراتيجية لتكلفة الإنتاج ومدخلاته، ولأجل ذلك أدعو لجلوس جميع الأطراف على طاولة الحوار لتدارس الوضع بجدية واتخاذ الإجراءات اللازمة للتقليص من أسعار التكلفة، بالتالي انخفاض الأسعار".

هروب إلى الأمام

من جهته كشف عضو المجلس الوطني للنقابة التونسية للفلاحين فوزي الزياني، أن "الدولة التونسية في أزمة الحليب تعتمد سياسة الهروب إلى الأمام بالتعتيم على المشكلة التي نشأت أساساً بسبب السياسة الخاطئة للحكومة على امتداد العشر سنوات الأخيرة".

وأوضح الزياني أن المخزون التونسي من الحليب اليوم لا يتجاوز 10 ملايين لتر على عكس الأرقام الرسمية المقدمة التي جاء فيها أن المخزون يتمثل في 16 مليون لتر، لافتاً إلى أن الإشكال يتعلق أيضاً بنقص قطيع الأبقار، قائلاً "40 في المئة منها تم التفريط فيها".

وشدد عضو المجلس الوطني للنقابة التونسية للفلاحين أنه وإن تم الوصول إلى ذروة الإنتاج، فإن ذلك لن يغطي احتياجات المواطنين من الحليب، ما يعني أن الطلب سيفوق العرض بكثير.

مدير وحدة الإنتاج الحيواني في الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري منور الصغيري قال، إن تونس في ظرف عامين ستكون دون حليب نظراً إلى انهيار منظومة الألبان.

وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، أن تكلفة إنتاج الحليب ارتفعت بشكل كبير ولم يعد المربي قادراً على مجاراتها، منوهاً بأن 90 في المئة من الأعلاف تستورد من الخارج بأسعار باهظة، ما دفع غالبية المربين إلى بيع أبقارهم أو التقليص في نسب العلف فقط من أجل الحفاظ على القطيع، حسب تعبيره.

احتقان وغضب

يشهد قطاع الفلاحة التونسية خلال الأشهر الأخيرة احتقاناً في صفوف الفلاحين ومربي الدواجن والمواشي، عقب الزيادة الأخيرة في أسعار الأعلاف التي ألقت بظلالها على التكلفة الإنتاجية للمواد الفلاحية، ما ينذر بزيادات مرتقبة في أسعار بيع الدواجن والبيض والحليب ومشتقاته.

وأقرت أخيراً زيادة بنحو 300 دينار للطن الواحد (100 دولار) من الأعلاف المركبة، أي بواقع 15 ديناراً (خمسة دولارات) لكيس العلف بوزن 50 كيلوغراماً، الذي بات سعره عند الاقتناء 79.50 دينار (25.6 دولار).

 زيادة شبهها الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري بـ"رصاصة قاتلة للمربين في جميع قطاعات الإنتاج الحيواني (لحوم حمراء، ودواجن، وبيض، وحليب)".

وخرج فلاحون في عدد من الولايات التونسية للاحتجاج رفضاً للزيادة غير المسبوقة في أسعار العلف، الأمر الذي دفع الحكومة التونسية إلى التعهد بمراجعة أسعار بيع المنتجات الفلاحية في اتجاه لخفضها بما يتلاءم مع تكلفة الإنتاج.

بالتوازي مع الصعوبات الهيكلية للقطاع الفلاحي في تونس وما نجم عنه من تسجيل إشكاليات في عديد من حلقات الإنتاج، فإن عنصر التغيرات المناخية أسهم بشكل مهم في حصول إرباك للمنظومات الفلاحية.

مع ارتفاع درجات الحرارة وانحباس الأمطار لأشهر عدة وتقلص مخزون السدود، اضطرت وزارة الفلاحة التونسية إلى تغيير استراتيجيتها في التعاطي مع مسألة المياه بإيلاء الأولوية لمياه الشرب على حساب بعض الأنشطة الفلاحية المستهلكة للماء، ما دفع عديداً من المزارعين إلى تقليص المساحات المزروعة، الأمر الذي أثر جلياً في الإنتاج فتراجع في ظل تزايد الطلب، ومن ثم ارتفعت الأسعار بشكل لافت لتدخل تونس أزمة غذائية ستكون لها تداعيات وخيمة في حال عدم تدارك الوضع.