Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تدعم موازنة 2023 خطة التعافي المتوقعة في تونس؟

تخوفات من تنفيذ الإصلاحات الموجعة ودعوة إلى تحسين العائدات الضريبية ومحاربة الاستنزاف المالي

أنصار الاتحاد العام التونسي للشغل حاملين الأعلام الوطنية وسط إضراب عام في العاصمة يوم 16 يونيو 2022 (أ ف ب)

إثر بلوغ الاتفاق المبدئي بين تونس وصندوق النقد الدولي في الـ 15 من أكتوبر (تشرين الأول) 2022 لمنح البلاد قرضاً بقيمة 1.9 مليار دولار لمدة 48 شهراً من أجل مساندة السياسات الاقتصادية، انصرفت وزيرة المالية إلى إعداد موازنة العام المقبل التي تأخرت بسبب انتظار مآل المفاوضات مع الصندوق الذي عولت عليه الحكومة من أجل بناء فرضيات إعداد موازنة 2023.

وعلى امتداد أكثر من سبع سنوات وبموجب مقتضيات الدستور الماضي لسنة 2014، كان من الضروري أن تودع الحكومة مشروع الموازنة في البرلمان يوم الـ 15 من أكتوبر من كل سنة، على أن تقع المصادقة عليه يوم الـ 10 من ديسمبر (كانون الأول) كأقصى تقدير.

لكن بسبب إجراءات الـ 25 من يوليو (تموز) 2021 التي تم بموجبها إنهاء العمل بدستور 2014، تم نسف هذه المواعيد والانتظار إلى الأيام الأخيرة من ديسمبر الماضي لصدور موازنة 2022 وسط تخوفات المتخصصين.

ووفق المعطيات المتوافرة شرعت الحكومة ووزارة المالية في ضبط ملامح موازنة العام المقبل والإجراءات الضريبية المزمع اتخاذها وسط تكتم شديد.

دعوة مجلس الجباية إلى الانعقاد

وعلمت "اندبندنت عربية" أن وزيرة المالية سهام نمصية بوغديري دعت إلى انعقاد المجلس الوطني للجباية يوم الجمعة الـ 28 من أكتوبر 2022.

ومن المنتظر أن ينظر المجلس في مشروع قانون المالية لسنة 2023، بخاصة في الإجراءات الضريبية الجديدة سواء بإقرار إعفاءات أو فرض ضرائب جديدة على الشركات أو المواطنين التي ستقترحها الحكومة العام المقبل، مع الأخذ بعين الاعتبار التزاماتها مع صندوق النقد الدولي في شأن الإصلاحات المزمع تفعيلها.

ويتولى المجلس الوطني للجباية تقييم النظام الجبائي ومدى ملاءمته مع الأهداف المرسومة والمتعلقة، خصوصاً بتوازن المالية العمومية وتحقيق النجاعة الاقتصادية والعدالة الجبائية.

هامش ضئيل للتحرك

وعن ملامح مشروع الموازنة الجديدة للعام المقبل يعتبر عدد من المتخصصين في تصريحات إلى "اندبندنت عربية" أن هامش تحرك حكومة نجلاء بودن لن يكون كبيراً بحكم التحديات الاقتصادية على الصعيدين الدولي والداخلي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأكدوا أن حصول تونس على اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي سيمكن البلاد من الخروج إلى الأسواق المالية الدولية لتعبئة الموارد المالية الضرورية لاستكمال هندسة مشروع الموازنة الجديدة وإقرار الإصلاحات اللازمة.

وبخصوص الإصلاحات المزمع تفعليها يرى متخصصون أنها مرتبطة قبل كل شيء باستقرار الوضع السياسي، منتقدين في الآن نفسه صمت الحكومة عن نوعية هذه الإصلاحات التي التزمت بها مع صندوق النقد الدولي.

واعتقدوا أن مشروع الموازنة سيكون بين إرضاء صندوق النقد الدولي ومراعاة الفئات الاجتماعية، موضحين أنها معادلة صعبة وعلى الحكومة أن تتحلى بذكاء شديد للهرب من عاصفة اجتماعية في حال تمرير الإصلاحات الموجعة.

وأجمع معظم الخبراء على أن مشروع الموازنة الجديدة وبحكم تزايد نفقات الدولة، سيمر من 57.2 مليار دينار (19 مليار دولار) في 2022 إلى زهاء 62 مليار دينار (20 مليار دولار)، آخذاً في الاعتبار تهاوي العملة التونسية أمام نظيرتها الأميركية.

صعوبات مالية جمة

الخبير المحاسب والمتخصص في مسائل الموازنات أنيس الوهابي يرى أن 2023 ستكون سنة صعبة على تونس، معتبراً أن أي خيار سيتم اتخاذه ستكون له كلفة وتأثير اجتماعي سلبي بسبب الإصلاحات الموجعة المنتظرة على مستوى رفع الدعم عن المواد الأساس.

وقال الوهابي إن صندوق النقد الدولي أقر في أحد تقاريره بأن وضع الاقتصاد التونسي والمالية العمومية غير قادرين على تغطية كل ديونه، و"ستكون هناك قفزة كبيرة في آجال خلاص الديون الخارجية" مما يزيد صعوبات البلاد المالية.

وأمام تزايد نفقات البلاد إثر ما اتسم به الوضع الاقتصادي العالمي وتأثيره في الأوضاع الداخلية لتونس من شراءات خارجية للمواد البترولية والغذائية، رجح المتحدث أن تزداد نفقات البلاد العام المقبل.

وتوقع أن تبلغ موازنة تونس العام المقبل حدود 62 مليار دينار (19.3 مليار دولار)، محذراً في الآن نفسه من حجم الديون المستحق سدادها في 2032 والمقدر بنحو 25 مليار دينار (7.8 مليار دولار).

ويعتقد الوهابي أنه في ظل غياب أي برنامج لحكومة نجلاء بودن فإن حجم موازنة تونس لن يقل عن 62 مليار دينار بحكم النفقات والقروض المزمع تعبئتها داخلياً وخارجياً، مضيفاً أنه في حال إقرار إصلاحات على غرار رفع الدعم عن المواد الأساس والمحروقات، فإن حجم الموازنة سينخفض بكلفة اجتماعية باهظة.

وعن أهمية الاتفاق مع صندوق النقد الدولي يرى الوهابي أنه مهم في مسألة وحيدة وهي حصول تونس على الضوء الأخضر للخروج إلى الأسواق المالية لتعبئة موارد إضافية للموازنة.

وأشار إلى أن "الاتفاق المالي بين تونس وصندوق النقد الدولي ضعيف لكنه مهم للخروج إلى الأسواق المالية العالمية، وطريقة لاستعادة الثقة من طرف الشركاء الاقتصاديين".

وفي المقابل تطرق الوهابي إلى عنصر الاستقرار السياسي كأحد أهم شروط نجاح تونس في إنجاز إصلاحاتها الاقتصادية التي خلص إلى أنها "بالتأكيد ستكون مقبولة شرط ألا ترافقها اضطرابات اجتماعية".

التقليص من كتلة الأجور

واقترحت حكومة نجلاء بودن "إجراءات عاجلة ضمن مشروع موازنة 2023 للتحكم في كتلة الأجور وترشيدها من خلال تجميد الانتدابات وحصرها في الحاجات المتأكدة".

واعتبرت الحكومة في منشور حول إعداد موازنة الدولة للسنة المقبلة أن نفقات الأجور وصلت إلى مستوى قياسي خلال سنة 2022 بحدود 15.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، في مقابل 10 في المئة سنة 2010، وهو ما قلص الاعتمادات ذات الصبغة التنموية وحد من قدرة الموازنة على تعزيز الاستثمار العمومي.

ويعد التحكم في كتلة الأجور أحد أبرز الإصلاحات التي أوصى بها صندوق النقد الدولي تونس حتى تتمكن من إبرام اتفاق معه والحصول على تمويلات إلى جانب الحد من نفقات الدعم وإصلاح الشركات الحكومية والمنظومة الضريبية.

كما اقترحت الحكومة في مشروع موازنة 2023 حصر الانتدابات في الحاجات المتأكدة وذات الأولوية القصوى.

أما الاستثناء الوحيد في مجال الانتدابات فيتمثل في تطبيق اتفاق بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل يقضي بانتداب 6 آلاف موظف في إطار برنامج تسوية القسط الثاني لعملة الحضائر.

ومن الإجراءات الجديدة اعتماد برامج مستحدثة لتقليص عدد الأعوان في الوظيفة العمومية بمواصلة اعتماد البرنامج الخصوصي للإحالة على التقاعد قبل بلوغ السن القانونية باستهداف 6 آلاف حالة.

كما ستعمل الحكومة على تطبيق الأمر الرئاسي المتعلق بالتنقل الوظيفي للأعوان العموميين لفائدة الوزارات والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية، فضلاً عن التشجيع على الانتفاع بعطلة لبعث مؤسسة طبقاً لمقتضيات الفصل (15) من قانون المالية لسنة 2022.

ظروف اقتصادية صعبة

من جانبه، اعتبر وزير التجارة الأسبق والمتخصص الاقتصادي محسن حسن أن إنجاز مشروع الموازنة لسنة 2023 يتم في ظروف اقتصادية ومالية صعبة وخطرة على المستويين الداخلي والخارجي، لا سيما في ظل ارتفاع أسعار النفط والمواد الغذائية وارتفاع عجز الميزان التجاري.

وشدد حسن على أن الحكومة مطالبة اليوم بإعداد فرضيات وأهداف الموازنة للسنة المقبلة بطريقة محكمة ومقبولة، مبيناً أنه على مستوى الأهداف فإن نسبة النمو المحققة للسنة المقبلة لن تتجاوز 1.6 في المئة بأفضل الحالات، وأنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار نسبة تدهور الدينار في مقابل العملات الأجنبية.

أهم إجراءات مشروع الموازنة

وأبرز حسن أن من الإجراءات التي لا بد من أن يتضمنها مشروع الموازنة الجديدة لسنة 2023 دعم الأسس المالية وتوفير الإمكانات المالية داخلياً وخارجياً حتى تتمكن البلاد من تحقيق سلامة التوازنات المالية للدولة، إضافة إلى العمل على إرساء عدالة ضريبية وتوسيع الموارد الجبائية ومقاومة التهرب الضريبي عبر خفض نسب الأداءات وتوسيع القاعدة الضريبية لتشمل السوق الموازية، والتسريع في الإصلاحات التي تم الاتفاق على إنجازها مع صندوق النقد الدولي.

وأشار إلى أن "مشروع موازنة 2023 لا بد من أن يتضمن إجراءات ترشيد الإنفاق العمومي من خلال حسن التصرف في سير دواليب الدولة والسيارات الإدارية ونفقات السفر وكتلة الأجور".

كما شدد على ضرورة أن تواصل الدولة سياستها في إيقاف الانتدابات بالوظيفة العمومية ما عدا الضرورية منها، والتحكم في نفقات الدعم مع الأخذ بعين الاعتبار الفئات الهشة والمتوسطة عبر الترفيع في التحويلات الاجتماعية.

ومن وجهة نظر حسن فلا بد من أن يحتوي مشروع الموازنة الجديدة على نفقات توجه إلى الشركات الحكومية من أجل استمراريتها وإقرار إجراءات لدفع الاستثمار الخاص، خصوصاً في مجال الانتقال الطاقي للحد من التبعية الطاقية.

إصلاحات ضريبية ضرورية

المستشار الجبائي وعضو المجلس الوطني للجباية محمد صالح العياري اقترح أن يتضمن مشروعا الموازنة وقانون المالية للعام المقبل جملة من الإصلاحات الضريبية التي اعتبرها ضرورية لتعبئة موارد مالية ستجنب تونس اللجوء إلى الاقتراض الخارجي.

وشدد على أهمية تحسين استخلاص الضرائب والأداءات، كاشفاً عن أن العفو الضريبي الذي أقرته تونس خلال عام 2022 درّ على خزانة الدولة زهاء 1.2 مليار دينار (375 مليون دولار) في مقابل توقعات بتحصيل 500 مليون دينار (156 مليون دولار) عند اتخاذ هذا القرار.

كما توقع العياري أن ترتفع إيرادات الضرائب بنهاية العام الحالي إلى أكثر من 36 مليار دينار (11.2 مليار دولار)، وهو ما يعني وفق رأيه نجاح الجهود المبذولة من إدارة الضرائب التونسية.

وأوصى بتضمين مشروع قانون المالية العام المقبل لأحكام وفصول تقاوم بفاعلية التهرب الضريبي الذي أضر بالتوازنات المالية لتونس من خلال استهداف المهن الحرة والمنضوين تحت لواء النظام التقديري.

ووفق العياري فإن حجم التهرب الضريبي في تونس يقدر بنحو 17 مليار دينار (5.3 مليار دولار)، مشدداً على أنه في حال التوفق في تحصيل هذا المبلغ فإنه بإمكان البلاد أن تتجنب الاقتراض من الأسواق المالية العالمية.

واقترح العياري أن يتضمن مشروعا الموازنة وقانون المالية لعام 2023 إجراءات وأحكام من شأنها أن تحارب الاقتصاد غير المنظم (القطاع الموازي) الذي بلغ نحو 40 في المئة من إجمال الناتج الداخلي الخام لتونس (138 مليار دينار في عام 2022).

وأوضح أنه حال النجاح في إدماج القطاع غير المنظم بالقطاع الحقيقي فإن تونس بإمكانها أن تتنفس الصعداء وتقلل متاعبها المالية المتواصلة.