بين الرئيس الأميركي الـ31 هربرت هوفر، والرئيس الـ46 جو بايدن 14 رئيساً، وتسعة عقود مرت خلالها الولايات المتحدة بتغييرات عميقة وغير مسبوقة. إلا أنه وعلى رغم فارق الزمن، فإن عهد هربرت الذي أطاح به "الكساد العظيم" في مستهل ثلاثينيات القرن الماضي، لا يبخل بتقديم الدروس والإضاءات لفهم ما قد يعانيه السيد بايدن، الذي سجل التضخم في عهده، أعلى مستوى منذ أربعة عقود.
في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1930، تحدث هوفر أمام جمعية المصرفيين الأميركيين، وقال إن انخفاض مدخولات الناس ليس سببه الكساد، وإنما "التشاؤم والمخاوف التي لا داعي لها". وفي الشهر التالي كلف فشل إدارة هوفر في إيجاد حلول للعاطلين من العمل، الجمهوريين 49 مقعداً في مجلس النواب وثمانية مقاعد في مجلس الشيوخ.
وفي الشهر نفسه هذا العام أطل الرئيس بايدن من منشأة صناعية من ولاية ماريلاند ليحمل روسيا والسعودية مسؤولية ارتفاع أسعار الطاقة بعد قرار "أوبك+" خفض إنتاج النفط، متجاهلاً انتقادات معارضيه من الجمهوريين، الذين يشيرون إلى دور إدارته في استهداف صناعة النفط الأميركية، وتقييد تراخيص التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي.
فارق التاريخ كبير بين انتخابات 1930 وانتخابات 2022، إلا أن القاسم المشترك بينهما هو أنهما وضعتا الحزب المسيطر على الكونغرس أمام تحد صعب للحفاظ على الغالبية، فكما خسر الجمهوريون رهان التجديد النصفي في القرن الماضي، بسبب فشل إدارة هوفر في التصدي لتداعيات الأزمة الاقتصادية وانهيار "وول ستريت"، يواجه الديمقراطي بايدن ورفاقه اليوم تحدياً مصيرياً، بينما تقترب الانتخابات التي يبدو خصومهم الجمهوريون أكثر حظاً بالتفوق فيها.
انتخابات 1930: المشكلة الاقتصادية
سيشكل فقدان الغالبية في الكونغرس ضربة قاسية للديمقراطيين، إلا أن ما يخشونه أكثر هو أن تطاول تداعيات تلك الخسارة حظوظهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة، كما حدث مع الجمهوريين بعد خسارتهم غالبية مجلس النواب عام 1930، التي أعقبها بعامين تفوق الديمقراطي فرانكلين روزفلت على الرئيس هوفر في الانتخابات الرئاسية، منهياً بذلك هيمنة الجمهوريين التي امتدت 12 عاماً على البيت الأبيض.
وفيما تكافح إدارة الرئيس بايدن لاحتواء التضخم المنفلت، وارتفاع أسعار البنزين والمواد الغذائية، تشير الاستطلاعات التي تبين تقدم الجمهوريين في الانتخابات النصفية المقبلة، إلى أن الديمقراطيين ربما يواجهون خسائر مماثلة لتلك التي تجرعها الجمهوريون قبل عقود، عندما خسروا غالبيتهم في مجلس النواب.
وفي حال فقد الديمقراطيون امتياز الغالبية، فإن الجمهوريين يتوعدون بمنع الإدارة الحالية من تحقيق أولوياتها، وهو ما سيعوق الرئيس بايدن من الوفاء بوعوده التي قطعها للناخبين وقاعدته الحزبية، وقد يصل الأمر في أسوأ الأحوال إلى تهديد حظوظ بايدن في الفوز بولاية ثانية في حال قرر خوض السباق الانتخابي.
وتبدو مخاوف الديمقراطيين من أن يؤثر أداء إدارة بايدن غير الفعال في احتواء التضخم في حظوظهم بالانتخابات النصفية جدية ومعقولة، بخاصة أن التضخم والاقتصاد من أهم ثلاث قضايا لدى الناخبين، في الوقت الذي تميل فيه غالبية من الناخبين إلى تفضيل أداء الجمهوريين الاقتصادي على نظرائهم الديمقراطيين.
انتخابات 1858: الانقسام السياسي
تعيش الولايات المتحدة استقطاباً سياسياً حاداً منذ الانتخابات الرئاسية عام 2020 التي شهدت تنافساً شديداً بين بايدن ودونالد ترمب، إذ حصل الأخير على حوالى 75 مليون صوت، في مقابل أكثر من 81 مليون صوت لمصلحة خصمه. وعلى رغم انطواء صفحة تلك الانتخابات الجدلية، إلا أن طعن الرئيس السابق في نزاهتها ترك للسيد بايدن بلاداً منقسمة حول قضايا منها جائحة كورونا والعنف السياسي والإجهاض والرعاية الصحية والمساواة بين الأعراق.
وما إن تعافى الاقتصاد الأميركي بعد انتهاء إغلاقات الوباء وبدء توزيع اللقاحات حتى أطلت الحرب الروسية - الأوكرانية لتزيد من تعقيد الموقف أمام بايدن الذي تجاهل أجندته المناخية، ووجد نفسه مجبراً على دعوة الدول المصدرة للنفط إلى زيادة حصص إنتاجها لتعويض نقص الإمدادات الروسية، الأمر الذي عرض الرئيس إلى عاصفة من الانتقادات بسبب دور إدارته في زيادة اعتماد الولايات المتحدة على النفط الأجنبي، على رغم ثرواتها من النفط والغاز الطبيعي غير المستغلة بسبب القيود التي تفرضها الإدارة على شركات الطاقة.
هذا المشهد أمام إدارة بايدن الذي تغمره المشكلات الاقتصادية وتعصف به الانقسامات السياسية على مشارف الانتخابات النصفية، يذكر بوضع الديمقراطيين في انتخابات عام 1858، إذ أدت إلى خسارتهم الغالبية في مجلس النواب لمصلحة الحزب الجمهوري الذي مضى على تأسيسه حينها أربع سنوات فقط.
كانت نتيجة تلك الانتخابات المخيبة لآمال الحزب الديمقراطي بمثابة استفتاء على شعبية الرئيس جيمس بوكانان وطرحه المنادي بالتقشف في مواجهة الركود الاقتصادي، إضافة إلى دعمه لقانون كانساس - نبراسكا الذي ترك لسكان المقاطعتين خيار تشريع العبودية أو حظرها عبر التصويت، وهو ما عارضه الحزب الجمهوري الذي تشكل حديثاً من الديمقراطيين الشماليين وبعض المنشقين عن حزب الويغز ممن اشتركوا في مناهضة العبودية. وبعد عامين من خسارة الحزب الديمقراطي لمجلس النواب، نجح الجمهوريون في السيطرة على البيت الأبيض للمرة الأولى بعد فوز أبراهام لينكولن بالانتخابات الرئاسية.
انتخابات 1874: التخبط الإداري
وعند أخذ لمحة بانورامية على نتائج الانتخابات النصفية على مر التاريخ، يكتشف الباحث أن هذه الانتخابات لا تبتسم للحزب الذي يملك الرئاسة عدا في استثناءات قليلة، إذ غالباً ما يخسر الحزب المسيطر على البيت الأبيض غالبيته في مجلسي النواب أو الشيوخ أو كليهما، الأمر الذي يصور الانتخابات النصفية كرد فعل من الناخبين تجاه سياسات الرئيس الحالي وحزبه، ودعوة له إلى تحسين أدائه خلال ما بقي من ولايته.
الانتخابات النصفية التي خسرها الجمهوريون عام 1874 تكرس تلك النظرة لها بأنها استفتاء عام على أداء سيد البيت الأبيض، كونها شهدت خسارة الجمهوريين للغالبية في مجلس النواب بعد سيطرة امتدت نحو عقد ونصف العقد، وذلك في أعقاب التخبط الإداري وفضائح الفساد التي لطخت عهد الرئيس الجمهوري يوليسيس غرانت، إضافة إلى المخاوف الاقتصادية والقلق بشأن مستقبل الولايات الجنوبية ما بعد الحرب الأهلية.
انتخابات 1994: الهزيمة والعزل
شهدت الانتخابات النصفية في ذلك العام صعوداً لافتاً للجمهوريين في الكونغرس، حيث سيطروا على غالبية المجلسين معاً للمرة الأولى منذ أكثر من أربعة عقود.
الفوز التاريخي الذي عرف بـ "الثورة الجمهورية" جاء في أعقاب امتعاض الجمهوريين من سياسات بيل كلينتون خلال ولايته الأولى، ومنها قرار زيادة الضرائب وقانون الحظر الفيدرالي على الأسلحة الهجومية، قبل أن يدفع كلينتون بمشروع قانون "الرعاية الصحية الشاملة" الذي يغني المواطنين عن شركات التأمين، وهو ما عارضه الجمهوريون بشدة. واعتبر ذلك المقترح القشة التي قصمت ظهر البعير، والسبب الرئيس لهزيمة الديمقراطيين في انتخابات 1994.
في المقابل أعاد بايدن في أولى قراراته التي أثارت غضب الجمهوريين برنامج الرعاية الصحية المعروف بـ "أوباما كير"، الذي أوقفه ترمب بعد توليه الرئاسة. وإلى جانب سياسة الرعاية الصحية، ستلعب مواضيع جدلية أخرى يختلف الجمهوريون حولها مع الديمقراطيين، كأجندة المناخ وخطط الإنفاق الضخمة والنهج الاقتصادي، دوراً في انتخابات التجديد النصفي المقبلة.
وفي حال خسارة الديمقراطيين الرهان الانتخابي، فإن الرئيس بايدن معرض لمصير مشابه لما حصل لكلينتون في أواخر عام 1998، حينما عزله مجلس النواب الذي يقوده الجمهوريون، على خلفية علاقته الغرامية بموظفة البيت الأبيض مونيكا لوينسكي، قبل أن يبرئه مجلس الشيوخ. ويعتبر كثر من الجمهوريين عزل الرئيس بايدن إحدى أولوياتهم، في حال سيطروا على مجلس النواب، بحسب صحيفة "ذا هيل"، التي أفادت في أغسطس (آب) الماضي، بأن النواب المحافظين يعتزمون اتهام بايدن بارتكاب "جرائم كبيرة"، على خلفية تعامله مع ملف الحدود ووباء كورونا والانسحاب من أفغانستان.
انتخابات 2002: الاستثناء الصارخ
بعد نحو 14 شهراً من هجمات 11 سبتمبر، خالف الحزب الجمهوري قواعد التاريخ في انتخابات 2002، بعدما حقق حزب الرئيس جورج بوش الابن الغالبية في مجلسي النواب والشيوخ.
وطغت على تلك الانتخابات النصفية أحاديث الحرب على الإرهاب، وحرب العراق التي كانت إدارة بوش تمهد لها، إضافة إلى الركود الاقتصادي في أوائل القرن الـ21، مما أسهم في توسيع صلاحيات الرئيس الجمهوري الذي قاد الحرب الأميركية على الإرهاب، وبدأ في أفغانستان أطول الحروب في تاريخ بلاده.