Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قصص تضيء ظلمة الأطفال المكفوفين في غزة

لا يوجد في القطاع أي كتب مخصصة للصغار بلغة "برايل" على الرغم من وجود نحو 14 ألف شخص يعانون من مشكلات في النظر

تتكون القصة من مجسمات ولغة برايل ونصوص مكتوبة بالعربية (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)

الساعة تشير إلى التاسعة مساء موعد نوم الطفل علاء الذي توجه إلى مكتبته الصغيرة يتحسس باحثاً عن كتاب "حكايات من قماش"، وما إن وجده اصطحبه إلى سريره، وبدأ يفتش في ورقاته على قصة "الصياد والسمكة" حتى وصل إلى الصفحة 12، وشرع يحرك أنامله على النقاط البارزة، وبدأ يقرأ التالي "بعد أن رفع الصياد الشبكة ظهرت سمكة صغيرة، توسلت له بشدة ألا يبيعها، ووعدته أن تجلب له لؤلؤة كل شهر ليبيعها ويتنعم بثمنها".


بحركة سريعة يواصل علاء تحريك إصبعه فوق الكلمات المكتوبة بلغة "برايل" لذوي المشكلات البصرية، فهو متشوق ليكمل أحداث القصة التي يطالعها للمرة الأولى بمفرده، ويتمتم بصوت منخفض العبارات التي يقرأها، وكأنه غادر عالم الظلام الذي يعيش فيه، وشيء ما بدد قتامة السواد وحولها إلى ألوان زاهية.

14 ألف شخص محرومون من مطالعة الكتب الثقافية

يحب الطفل علاء قراءة القصص قبل النوم ويعتمد في ذلك على أمه التي تروي له الحكايات بشكل يومي، فهو محروم من المطالعة بنفسه، بسبب إعاقته البصرية التي ولد فيها. لا يوجد في غزة أي كتب مخصصة للصغار بلغة "برايل"، على الرغم من أن نحو 14 ألف شخص يعيشون في القطاع يعانون مشكلات في النظر، بينهم سبعة في المئة من الأطفال.

 

استغرق الطفل نحو ربع ساعة حتى أنهى قراءة القصة، أغلق كتاب الحكايات وخلد إلى النوم، يحلم في الأبطال ويتخيل في عقله أحداث الرواية، وبفارغ الصبر ينتظر ليل اليوم التالي، حتى يواصل متعته في تحسس كلمات وقائع "حدوتة" جديدة.

كانت هذه الليلة الأولى التي يستغني فيها الطفل علاء عن مساعدة أمه في قراءة قصص ما قبل النوم، ويعتمد فيها بشكل كامل على نفسه، بعد أن تمكنت الفنانة تيماء سلامة من مواءمة مجموعة كبيرة من الحكايات الشعبية لذوي المشكلات البصرية، في محاولة منها لدمجهم في المجتمع، إيماناً منها بأن لديهم الحق في مشاركة المبصرين الحياة الفنية والثقافية وقراءة القصص كما غيرهم من الأطفال.

مبادرة لمواءمة القصص

بفضل مبادرة تيماء، بات الصغير علاء يشعر بالاستقلالية، وأصبح كتاب "حكايات من قماش" رفيق دربه، يصطحبه معه في كل مكان ويشاركه مع رفاقه في المدرسة، الذين يجتمعون يومياً لقراءة قصة من محتوياته.

تدريجياً زادت ثقة علاء بنفسه، فهو بات يعيش كما صغار غزة، يبحث عن كتاب القصص ويقلب فيه، يقرأ ما يحلو له من حكايات بنفسه من دون مساعدة أحد، ولم يعد يشعر بالاختلاف عن أولئك الذين يبصرون بعيونهم. فتلك الحروف البارزة المكتوبة على طريقة "برايل"، تجعله متحرراً من قيوده التي يعانيها.


في كل وقت فراغ يقلب علاء كتاب "حكايات من قماش"، ولم يعد الأمر بالنسبة له يقتصر عند وقت النوم فقط، فهو بات متعلقاً بشدة في تحسس شخصيات أبطال القصص التي جسدتها تيماء على الصفحة المقابلة لنص القصة القصيرة المكتوبة بلغة تناسب هذه الشريحة من الأشخاص.

مجسمات للمس بدلاً من الصور

تدرك تيماء التي أنهت دراسة الفنون الجميلة في المرحلة الجامعية، أن الأطفال أمثال علاء يتمتعون بقدرات عالية على التخيل والوصف، إذا شرح لهم أحد تفاصيل القصة، لكن بما أن الحكايات مكتوبة ولا يستطيع هؤلاء الأطفال رؤية الرسومات المصاحبة، قررت تحويل أبطال كتابها لمجسمات بارزة ملصقة على الصفحة المقابلة للنص.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

اعتمدت تيماء على القماش والخيوط والخرز ذي الملمس الخشن، في رسمها شخصيات قصص كتابها، وجعلتها تبرز عن سطح الورق بشكل يمكن هؤلاء من تحسسها وتخيل شكل عناصر الحكاية، كما كررت هذا في صفحات الكتاب كلها، ليعيشوا في عالم وواقع "الحدوتة" التي يقرأونها.

تقول تيماء، إنها تريد لذوي الإعاقة البصرية أن "يتذوقوا الفن عن طريق اللمس، فعناصر اللوحة الفنية حينما تتجسد في أكثر من صفحة يقرأها هؤلاء الأطفال بشكل سريع جداً ويستطيعوا تشكيل تصور ذهني عنها، وهذا يجعلهم يعيشون مع القصة وتفاصيلها".


الجميع سواسية

لدى علاء ثلاثة إخوة أطفال أصحاء، يتشاركون معه قراءة كتاب الحكايات، فهو على الرغم من أنه مخصص بالدرجة الأولى لذوي المشكلات البصرية، فإنه أيضاً يحتوي على نصوص مكتوبة باللغة العربية أسفل العبارات المدونة على طريقة "برايل".

توضح تيماء أنها عمدت في تدوين نصوص القصص باللغة العربية وطريقة "برايل" لأن هدفها دمج المعاقين بصرياً في المجتمع، وبهذه الحالة لا يكون هناك ما يجعل الطفل الذي لا يرى أن يجلس وحيداً بعيداً من رفاقه.

قد ينتهي علاء من قراءة جميع قصص الكتاب خلال بضع ليالي وبكل سهولة، لكنه لا يدرك أن إنتاج هذه الحكايات استغرق خمسة أشهر مع تيماء التي تعمل وحدها. وهي تشير إلى أن إنتاج نسخ متعددة من هذه القصة أمر صعب للغاية لعدم وجود قوالب تسهم في رسم وصناعة أحداث القصص وتفاصيلها.

وعلى مبدأ تكرار التجربة والتعلم من الخطأ، عملت تيماء على إخراج "حكايات من ورق"، فهي كانت الفنانة والمصممة والمخرجة والمدققة، ولم تشرف أي جهة محلية على رعاية عملها، لكنها صنعته إيماناً بحقوق ذوي الاحتياجات البصرية في التمتع بالفن التشكيلي، ومجاله الأبرز الرسم، وقراءة القصص.

المزيد من منوعات