Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المكفوفون العرب... هل من "يراهم"؟

مطالبات بدمج اجتماعي وتمييز إيجابي يمنحهم حق الوظيفة بشكل مباشر واستكمال النواقص في التعليم

لا توجد إحصائيات دقيقة بعدد المكفوفين في الدول العربية (اندبندنت عربية- حسن حامد)

 تشير دراسات للأمم المتحدة أن هناك أكثر من 35 مليون كفيف في البلدان العربية، والأسباب متنوعة تعود لشيء وراثي أو خطأ طبي أو عدم إمكان الخضوع إلى العلاج.

لكن المشكلة لا تكمن هنا فقط، بل في كيفية التعاطي مع هذه الفئة المهمشة وإبعادها عن سوق العمل وربما الدراسة. عام 2019، خصص المجلس العالمي للمكفوفين 15 أكتوبر (تشرين الأول)، يوماً عالمياً للعصا البيضاء، بناءً على توجيه من المجلس العالمي للمكفوفين بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة.

وشدد بيان حينها على ضرورة "تقديم المساعدة للكفيف وتأمين الطريق له وإعطائه فرصة للانتقال من دون عوائق، لا بقصد إثارة الشفقة عليه، بل بهدف اكتشاف العقبات والمتغيرات في المحيط الذي يتحرك فيه". كلام جميل ورنان، وبعيد في الوقت ذاته عن الواقع العربي.

المكفوفون في المغرب... تنصفهم القوانين وتظلمهم الحكومات

شعلة من النشاط والحركة يبديها عمر أجبون، ناشط كفيف، وهو يدافع في الندوات واللقاءات عن ملف إدماج المكفوفين داخل المجتمع المغربي، وهي الشعلة نفسها التي يظهر بها كرئيس فرقة موسيقية للطرب الأصيل.

ومثل هذا التألق حققه قارئ القرآن الكفيف، يونس غربي، الذي فاز أخيراً، بجائزة "عطر الكلام" الضخمة في السعودية، فضلاً عن مكفوفين حازوا شهادات عليا في شتى المعارف والتخصصات، وآخرون توجوا بميداليات ذهبية في رياضات ومسابقات دولية مختلفة.

لكن نجاح هؤلاء المكفوفين وغيرهم من فاقدي البصر، في تحقيق ذواتهم ليس سوى "شجرة أمل" تخفي "غابة ألم" يتيه فيها آلاف المكفوفين بالبلاد، بسبب ما يصفونه بـ"الإهمال والإقصاء المجتمعي".

 

 

وبينما لا توجد أرقام رسمية حديثة بشأن عدد المكفوفين وفاقدي البصر بالمغرب، فإن آخر إحصائيات تعود إلى عام 2018، تتحدث عن أكثر من 500 ألف يعانون إعاقات بصرية، من ضمنهم أكثر من 200 ألف كفيف، لكن مصادر "اندبندنت عربية" تؤكد أن العدد الحقيقي يتجاوز ذلك بكثير، ويصل إلى أكثر من 400 ألف كفيف.

ترسانة قانونية

في المغرب قوانين تهدف للرعاية الاجتماعية للمكفوفين وضعاف البصر، على رأسها قانون رقم 81-5، الذي يورد فصله الرابع "يتمتع المكفوفون بالامتيازات الآتية: تخصيص مؤسسات عمومية للقيام بتربيتهم وتأهيلهم لممارسة المهن التي تلائم حالتهم، ومنحهم الأولوية لشغل بعض المناصب التي تناسب حالتهم في القطاعين العام والخاص، ومنحهم ومنح المرافقين لهم إن اقتضى الأمر حق استعمال وسائل النقل العمومي مجاناً أو بسعر مخفض، ومنحهم الأسبقية لدخول مكاتب الإدارات العمومية".

ويقول الفصل الخامس من القانون، إنه "لا يمكن إحالة موظف على التقاعد أو حذفه من أسلاك الوظيفة العمومية بسبب فقدان بصره أو حدوث ضعف على درجة إبصاره، وتعمل الإدارة على إعادة تأهيله لتمكينه من شغل منصب يناسب حالته".

وهناك أيضاً جمعيات تُعنى بوضعية المكفوفين، خصوصاً في مجالات تربوية واجتماعية من خلال تعليم بالمجان في نظام داخلي، مثل ما تضطلع به المنظمة العلوية لرعاية المكفوفين بالمغرب، أو توفير الوسائل التعليمية من قبيل الكتاب المدرسي المطبوع بطريقة "برايل"، وألواح الكتابة ومكعبات الحساب والوسائط التكنولوجية والرقمية.

شهد المغرب خلال سنوات قليلة ماضية احتجاجات لفئة المكفوفين حاملي الشهادات المطالبين بالتوظيف، وهو ما كان لا يجد الاستجابة الحكومية اللازمة، ما دفع عدداً منهم إلى محاولات عدة للانتحار الجماعي

إشكالية التوظيف في القطاع الحكومي

وعلى الرغم من تلك الترسانة القانونية، ووجود جمعيات لدعم وإدماج المكفوفين بالمغرب، فإن "درب العميان ليس مفروشاً بالورد" دائماً، فهذه الفئة كثيراً ما تعاني إشكالية التوظيف في القطاع الحكومي، بخاصة المكفوفون الحاصلون على شهادات جامعية عليا.

وشهد المغرب خلال سنوات قليلة ماضية احتجاجات ساخنة ودرامية لفئة المكفوفين حاملي الشهادات، الذين كانوا يطالبون بالتوظيف المباشر في الإدارات العمومية، وهو ما كان لا يجد الاستجابة الحكومية اللازمة، ما دفع عدداً من هؤلاء المكفوفين إلى محاولات عدة للانتحار الجماعي.

ويطالب المكفوفون الخريجون من الجامعات، وعددهم يتجاوز 1400 شخص، بالحق في "التمييز الإيجابي" الذي يمنحهم حق الوظيفة بشكل مباشر من دون إجراء اختبارات أو امتحانات، داعين إلى تطبيق نظام "الكوتا" ممثلاً بـ7 في المئة من التوظيفات لفائدة ذوي الاحتياجات الخاصة.

وفي هذا الصدد يقول عبد الله مستقيم، مكفوف حامل لشهادة عليا، إن هذه الحصة جاءت بمرسوم قانونين، لذلك فإن المكفوفين الحاصلين على شهادات جامعية لا يطلبون الصدقة من الحكومة، بل يطالبون فقط بتطبيق المرسوم الذي يظل مجرد شعار لا يطبق على أرض الواقع.

ووفق المتحدث، فإن "الحكومات السابقة لم تهتم بملف المكفوفين الخريجين، حيث كانت تماطلهم لتضييع الوقت واستنزاف طاقة هذه الفئة"، لكن احتجاجات المكفوفين أسهمت في حلحلة الملف بشكل بطيء، مردفاً أن الأمل معقود في الحكومة الجديدة بالمغرب.

التعليم و"برايل"

وفي مجال تعليم المكفوفين، يرى محمد الصدوقي، الخبير التربوي والتعليمي، أنه على الرغم من تأخر المغرب كثيراً في العناية والاهتمام بهذه الفئة من المواطنين، بخاصة فيما يخص حقهم في التعليم، لكنه أنجز بعض المجهودات من أجل تعليم ذوي الإعاقات، ومنها البصرية.

ويسجل المتحدث، وجود بعض النواقص في مجال تعليم المكفوفين، أولها عدم كفاية البرامج والمناهج، وعدم دقتها العلمية البيداغوجية حسب المتطلبات العلمية للتربية الخاصة.

وثاني النواقص، عدم توفير تكوين متين وكاف للأطر (الكوادر) التعليمية العادية المكلفة تعليم هذه الفئة، وشبه غياب للمتخصصين، وقلة التخصصات الجامعية ومراكز التكوين المهتمة بالتربية الخاصة، وثالثها غياب بنيات وتجهيزات خاصة داخل المؤسسات التعليمية، وصعوبة تعليم هذه الفئة ودمجها في الأقسام العادية، أو في أقسام الإدماج، ثم عدم الاهتمام بهذه الفئة على مستوى التعليم قبل المدرسي.

ويظل "نظام برايل" من أبرز إشكالات تعليم المكفوفين بالمغرب، وفق الجمعية المغربية لإعادة تأهيل المعاقين بصرياً، لا سيما بشأن كفاية الكتب والنصوص المطبوعة بهذه الطريقة، على الرغم من معاهدة مراكش التي وقعتها بلدان عربية سنة 2013، وتهدف إلى تسهيل قراءة هذه النصوص.

وثاني مشكلة ترتبط بطريقة "برايل"، أن أثمان الآلات الطابعة التي تتيح طباعة نص بهذه الكيفية أسعار مرتفعة، تصل إلى أكثر من 8 آلاف دولار للطابعة الواحدة، الشيء الذي يعوق تعميم القراءة بطريقة برايل الشهيرة.

الدمج الاجتماعي للمكفوفين

وأما بخصوص الدمج الاجتماعي للمكفوفين، فيعتبر عمر أجبون، رئيس الجمعية المغربية لإدماج المكفوفين، أن "واقع الدمج الاجتماعي والنفسي والسلوكي والوظيفي في المغرب تحسن تدريجياً بمرور السنوات".

واستدرك الناشط الجمعوي المكفوف، بأنه نتيجة العدد المتزايد لهذه الفئة بسبب الأمراض المختلفة وحوادث السير التي تسبب عاهات بصرية، لذا فإن الإدماج المنشود للمكفوفين داخل المجتمع المغربي لم يتحقق بعد.

ويقول أجبون، إن المجتمع المغربي، والعربي بشكل عام، يفتقد الوعي بطريقة التعامل والتعاطي مع المكفوف، مبرراً ذلك بأن المجتمع في الغالب يصدر حكماً جاهزاً ونمطياً على المكفوف، ما يفضي إلى عدم إشراكه في القرارات وتقصيه من الخطط والبرامج.

ودعا المتحدث في هذا السياق، الجمعيات إلى التفرغ لإعلام الرأي العام بقضايا المكفوفين ومشكلاتهم واحتياجاتهم، وأيضاً بمواهبهم التي تحتاج إلى من يرعاها وينميها، مطالباً في الآن نفسه المكفوفين إلى عدم الانزواء والتشكي، والنزول إلى الميدان للعمل وإظهار ما لديهم من مواهب ومكاسب، من أجل تحقيق اندماج حقيقي وفعال داخل المجتمع.

225 ألف كفيف سوداني يعانون التهميش

تُعدّ شريحة المكفوفين في السودان من الشرائح التي تضم أعداداً كبيرة، ولكنها تعاني صعوبات في المعيشة بالنظر إلى أوضاع البلاد الاقتصادية والسياسية. فلا توجد حتى الآن رؤية واضحة لتحسين أوضاعهم، خصوصاً في ما يتعلق بتحركاتهم ونشاطاتهم الاجتماعية وحتى في سوق العمل.

يوضح معتصم السيد هاشم، ممثل ولاية الخرطوم، أن الولاية "اهتمت بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وأنشأت مجلساً خاصاً بهم، ووضعت البرامج والخطط التي تدعمهم وتعزز حقوقهم، من واقع إقرار قانون".

تمييز اجتماعي

على الرغم من عدم وجود إحصاءات دقيقة بعدد المكفوفين في السودان، فإن هناك تقديرات رسمية تشير إلى أن عددهم بلغ نحو 225 ألف مواطن. ويواجه "أصحاب الهمم" صعوبات كبيرة في ارتياد المدارس العامة، بسبب صعوبة الاندماج وعدم توافر البيئة المدرسية اللازمة لاستقبالهم.

تقول نبيهة أحمد، مديرة مدرسة ثانوية إن "المكفوفين يعانون عدم توافر بيئة تعليمية، خصوصاً أن أوضاعهم تُعتبر الأكثر صعوبة مقارنة بنظرائهم من ذوي الاحتياجات الأخرى. ويشكلون العدد الأكبر، في الوقت الذي كان يجب على المسؤولين تقديم خطة واضحة لتوفير بيئة تعليمية خاصة بهم أو دمجهم مع المدارس الأخرى. والحقيقة لم يحدث ذلك بل اعتمد المكفوفون على التعليم الذاتي".

وأضافت في ما يتعلق ببيئة التعليم "لا ننكر أن الوزارة تقدم معاملة خاصة للمكفوفين في امتحانات الشهادة الثانوية وشهادة الأساس، إذ توفر فصولاً ومعلمين ومتطوعين ولكن تأتي المشكلة في فترة ما قبل الامتحانات".

يعامل المكفوفين في السودان على أنهم أكثر الفئات إلهاماً ويطلق عليهم "أصحاب الهمم" إذ يحرز عدد كبير منهم درجات عالية في الامتحانات مقارنة بالصعوبات التي يواجهونها

متطوعون في الخدمة

يقدم عدد من المتطوعين في السودان خدمات خاصة للمكفوفين، تحديداً في مرحلة الدراسة، إذ يقوم عدد منهم بإعطائهم دروساً مكثفة، فيما يساندهم عدد آخر في فترة الامتحانات. وفي هذا الصدد، قالت المتطوعة سالي أيمن إن "المكفوفين تتم معاملتهم على أنهم أكثر الفئات إلهاماً، إذ يحرز عدد كبير منهم درجات عالية مقارنة بالصعوبات التي يواجهونها".

 

وعن التعاون بينهم والمكفوفين، أضافت، "بعض المدارس توفر فصولاً لتدريسهم فترة ما قبل الامتحان وبجهود فردية من دون تدخل الجهات المسؤولة، ونجد أعداداً كبيرة من المبادرين لتقديم المساعدة".

سوق العمل

يعمل المكفوفون في السودان بالأعمال الحرة ومعظمها متعلق بالتجارة، إذ تُعتبر فرص العمل في المجمل ضعيفة ولا تشملهم.

وقال صاحب الهمة محمد ناصر، "منذ 12 عاماً أعاني العمى، ولم أجد أي فرصة عمل على الرغم من أنني أملك مهارات عدة. ولكن لم تفتح الدولة أي فرصة حتى الآن".

لغة بريل

معهد النور المتخصص في تعليم البنات والبنين المكفوفين يسع فقط 15 طالباً وطالبة سنوياً، على الرغم من أن أعداد المتقدمين للالتحاق به تفوق الخمسين. وتم إدخال لغة بريل بصورة رسمية عام 2019.
وقالت الموظفة في المعهد ياسمين محمد إن "عدد المكفوفين كبير وسعة المعهد لا تكفي لاستيعابهم جميعاً، ونحن نقدم ما نملك من مقدرة لمدّ يد العون لهم وإدراجهم في المعهد".
ولا يعاني المكفوفون اجتماعياً، بخاصة أن مجتمع السودان يُعتبر من المجتمعات المتعاطفة وسهلة التعامل مع جميع الفئات، إذ شهدت البلاد زيجات كثيرة تمت بين مكفوف أو مكفوفة وآخر بصير مع تقبل تام للأمر.
وفي هذا الصدد، قالت المتخصصة الاجتماعية شاهندا سليمان إن "كل أصحاب الهمم وليس المكفوفين فقط يجب أن تتم معاملتهم من دون تصدير إحساس الشفقة إليهم. فمثلما فقدوا حاسة البصر، يمتلكون صفات أخرى أكثر قوة وأهمية. والمجتمعات القادرة على التعامل بصورة عادية مع الكفيف هي الأكثر وعياً وإدراكاً وقدرة على التطور".
وأضافت "شارك المكفوفون بصورة كبيرة وملموسة في الثورة السودانية ورفعوا مطالبهم للحكومة، وهذا دليل على وعيهم تجاه حقوقهم. نتمنى أن ينجحوا في الحصول عليها قريباً".
 
 
 

الكفيف في المجتمع التونسي: أريد اعترافا

على الرغم مما وضعته الدولة التونسية من تشريعات تحمي حقوق المكفوفين، فإن الواقع يعكس معاناتهم في مجتمع يعاملهم كفئات هشة تحتاج إلى المساعدة، بينما يطلب الكفيف معاملة عادية بعيدة من الشفقة والإحسان.

تغيير نظرة المجتمع

الباحثة الاجتماعية والمختصة في التعامل مع المكفوفين، آمنة الغول، تؤكد في تصريح خاص أن "الكفيف له ثقة في نفسه وفي قدراته أكثر أحياناً من الشخص الطبيعي، وهم يلومون المجتمع لأنه يعاملهم كأشخاص في حاجة دوماً إلى المساعدة".

وتدعو آمنة الغول إلى ضرورة أن "يغير المجتمع من نظرته إلى هذه الفئة، وأن يتم إدماجهم في الدورة الاقتصادية وتوظيف طاقاتهم في المجالات التي يبدعون فيها".

كما دعت إلى "إدماج التلاميذ المكفوفين في المعاهد العمومية العادية، مع بقية التلاميذ، مستغربة إفرادهم بمؤسسات تربوية خاصة بهم، ما يكرس التفرقة بينهم وبين بقية أفراد المجتمع".

ولفتت إلى أن "ثلاثة معاهد فقط في تونس، لا يمكنها أن تستوعب كل التلاميذ المكفوفين في الجمهورية، لذلك ترتفع نسبة الأمية والانقطاع المدرسي في صفوف المكفوفين بسبب الظروف الاجتماعية وبعد المعاهد عن الجهات الداخلية".

وداعا لثقافة الإحسان والمساعدة

وتعمل عديد الجمعيات التونسية على إدماج هذه الفئة في المجتمع، من تلك جمعية "إبصار" التي أُسست سنة 2012، والتي تسعى وفق تصريح رئيسها، محمد المنصوري، لـ"اندبندنت عربية" إلى القطع مع الرؤية القديمة لذوي الإعاقة القائمة على الإحسان والمساعدة، والعمل على تغيير نظرة المجتمع للكفيف ولذوي الإعاقة بشكل عام.

ويضيف أن "الأمية مرتفعة بشكل لافت في صفوف المكفوفين في تونس، وتصل إلى سبعين في المئة، علاوة على أن 90 في المئة منهم، تحت خط الفقر، بينما الدراسة مكلفة جداً، والدولة لا توفر الحاجات الضرورية للكفيف، كما يحرم من التغطية الاجتماعية".

وبخصوص احترام خصوصية الكفيف وتيسير ولوجه إلى الإدارات العمومية والوزارات يؤكد رئيس جمعية "إبصار" أن "الكفيف لا يمكنه الولوج إلى هذه المؤسسات كما لا يمكنه استخدام وسائل النقل".

ويشدد المنصوري على أن سياسات الدولة مع المكفوفين مبنية على "عقلية مجتمعية تعامل الكفيف كشخص قاصر، وعلى الدولة أن تقدم له المساعدة، لا أن تحفزه على الإنتاج لذلك يحرم الكفيف في تونس من القروض البنكية المخصصة للاستثمار ومن التكوين المهني".

وعلى الرغم من أن القانون التونسي ينص على ضرورة تشغيل اثنين في المئة من المكفوفين سنوياً في القطاعين العام والخاص، فإنه "لم ينتدب إلا 200 كفيف منذ خمس سنوات، بينما لم يسهم القطاع الخاص في الانتداب بتاتاً".

وحول ولوج المكفوفين إلى المكتبات العمومية البالغ عددها أكثر من 400 مكتبة، يشير المنصوري إلى أن ثماني مكتبات فقط منها تتوفر على كتب بطريقة "براي" ولا يتجاوز العدد الإجمالي لهذه الكتب مئة كتاب.

معهد المكفوفين في العاصمة يشكو نقائص

وقد التقت "اندبندنت عربية" مجموعة من تلاميذ معهد المكفوفين ببن عروس (تونس الكبرى)، حيث أكد التلميذ إسكندر الكريمي أن إدارة المعهد متعاونة، ومتفهمة لوضع التلميذ الكفيف والإمكانات البيداغوجية متوفرة ككتب "البراي".

من جهته، يرى التلميذ محمد الرابحي أن "الوضع تحسن في المعهد"، لافتاً إلى أن "الكفيف يؤمن بقدراته، ولا يحتاج إلى مساعدة من أي كان"، بينما تشكو التلميذة أسماء الطرابلسي "قلة العناية بنظافة المبيت، إضافة إلى وجود بعض الأساتذة الذين يعاملونهم بقسوة ولا يقدرون وضعهم".

 

في المقابل، يقر مدير معهد المكفوفين، ببن عروس، العربي الأحمدي، بأن "المعهد يشكو نقصاً في عدد العمالة، لافتاً إلى أن المعهد يدرس 112 تلميذاً وتلميذة من مختلف جهات الجمهورية".

ويضيف أن "التعامل بين الإدارة والتلاميذ هو تعامل حضاري يقوم على احترام خصوصية الكفيف، وتحفيزه على الإيمان بقدراته والتعويل على نفسه".

الزيدي أول وزير كفيف في تونس: الكفيف يبصر باللغة ويكتسب المعارف من خلال ما يتمثله في ذهنه وما يرسمه من صور بلاغية وحسية... كيف يمكن للكفيف أن يتمثل البحر والشمس؟ وكيف يمكن أن يحب ويتواصل؟ إنها ملكة باطنية كامنة، تجسد الواقع المحيط بالكفيف فيتمثله بمراكمة ما يستبطنه من صور وأحاسيس

كفيف تونسي يصبح وزيراً

وتمثل الدراسة بالنسبة إلى الكفيف مصعداً اجتماعياً، لا يمكن التفريط فيه في غياب آفاق أخرى، واقتصار الدراسة الجامعية بالنسبة إلى الكفيف على الشعب الأدبية.

ويعتبر وليد الزيدي، أول كفيف يحصل على الدكتوراه في اللغة والآداب العربية، من جامعة تونسية، وأول كفيف يعين وزيراً للثقافة في حكومة هشام المشيشي، قبل أن يتم عزله بعد بضعة أشهر.

ودعا الزيدي الدولة إلى "الاستثمار في هذه الفئة من المجتمع، من خلال إتاحة المكتبات الصوتية لتغذية معارف التلاميذ المكفوفين"، لافتاً إلى أن "الكفيف يبصر باللغة، ويكتسب المعارف من خلال ما يتمثله في ذهنه وما يرسمه من صور بلاغية وحسية تساعده على التواصل مع المجتمع وقضاء ما يحتاج إليه من دون مساعدة"، قائلاً "كيف يمكن للكفيف أن يتمثل البحر والشمس؟ وكيف يمكن أن يحب ويتواصل؟ إنها ملكة باطنية كامنة، تجسد الواقع المحيط بالكفيف فيتمثله بمراكمة ما يستبطنه من صور وأحاسيس".

"كنت واثقاً أنهم سيخلعونني"

وعن تجربته القصيرة على رأس وزارة الثقافة يقول الزيدي "في البداية آثرت التعفف عن المنصب، وكنت واثقاً أن الظالمين سيخلعونني لأنهم ليسوا راغبين في أمثالي، وكانوا يقولون: كيف لأعمى أن يسير وزارة"؟

ويضيف "حاولت أن أنفذ مشروعاً شاملاً لثقافة الطفل، والتنمية الثقافية الموجهة، وكنت مؤمناً بأن وزارة الثقافة لا تحتاج إلى شخصية سياسية متحزبة"، لافتاً إلى أن رئيس الجمهورية، قيس سعيد، "أنصفه وشجعه على تولي حقيبة الثقافة".

لا تكفي القوانين والتشريعات وحدها للنهوض بواقع المكفوفين، بل لا بد من نشر الوعي بضرورة احترام حقوق الكفيف وواجباته، واستثمار قدراته، والقطع مع سياسات تضع الكفيف موضع المكفول لا موضع المسؤول.

 

هل ينهي القانون الجديد معاناة الكفيف في الجزائر؟

لا يزال المكفوفون الذين يعانون التهميش في الجزائر، ينتظرون قانوناً جديداً يأملون من خلاله إنهاء معاناتهم، والحصول على حقوقهم وسط مجتمع لا يرحم، إذ لا يزال ينظر إليهم بعين الشفقة، بينما ينتظر الكفيف عين العدل، والإيفاء بتعهدات لا تزال حبيسة البيروقراطية والنظرة الدونية.

مؤخرا عملت الحكومة على ترقية معارف المكفوفين العلمية والدينية، من خلال الارتقاء بالكتابة بتقنية "برايل" واتخاذ التدابير اللازمة لتطوير ديوان المطبوعات المدرسية باعتباره أداة محورية لترقية الطباعة والنشر بهذه التقنية، فضلاً عن طباعة كتب الـ"برايل" في الدين والعلوم والرياضيات والفيزياء والأدب، والتوجه نحو مساعدة المكفوفين محلياً وعربياً وأفريقياً وحتى دولياً، مع إقرار مبدأ المجانية في توزيع الكتب الصادرة بهذه التقنية في كل التخصصات.

كما أعلنت وزارة التكوين والتعليم المهنيين، إطلاق برنامج تكويني جديد لفائدة فئة المكفوفين الحاصلين على مستوى الثالثة ثانوي للحصول على شهادة "تقني سامي" في الاتصال.

وأشارت إلى أن هذا التخصص يسمح للمقصودين من فئة المكفوفين بتطوير المهارات التواصلية لديهم، في الوقت الذي كانت تقتصر على استخدام الهاتف، ليصبحوا متمكنين من تأدية مهامهم التواصلية بواسطة الإعلام الآلي، ما يسهل ولوجهم إلى عالم الإدارة من أوسع أبوابه وشغل وظائف لم يكن بمقدورهم ممارستها، الأمر الذي يسهم في تقليص نسبة البطالة لدى هذه الفئة المهمة والمعتبرة في المجتمع.

رئيس الجمعية الوطنية للمكفوفين "إرادة" يكشف استمرار تجاهل القانون الجديد لفئة ذوي الاحتياجات الخاصة الذي طال انتظاره، لمعاناة هذه الفئة، مستشهداً بمشكلة المنحة الجزافية المخصصة للمكفوفين المقدرة بنحو 65 دولاراً، حيث يخضع تسليمها لشروط تعجيزية

تجاهل ميداني... وظواهر مشينة

على الرغم من مجهودات السلطات، فإن رئيس الجمعية الوطنية للمكفوفين "إرادة"، عبد الكريم عكوش، كشف استمرار تجاهل القانون الجديد لفئة ذوي الاحتياجات الخاصة الذي طال انتظاره، لمعاناة هذه الفئة، مستشهداً بمشكلة المنحة الجزافية المخصصة للمكفوفين المقدرة بـ 10 آلاف دينار جزائري، أي نحو 65 دولاراً، حيث يخضع تسليمها لشروط تعجيزية، إضافة إلى مسألة تعليم الأبناء المكفوفين، وكذا عدم احترام توصية الحكومة بخصوص التشغيل، ومشكلة التعويضات لدى مصالح التأمين الاجتماعي.

شريحة المكفوفين المقدرة بنحو 200 ألف، باتت مهددة بممارسة التسول في ظل استمرار الضيق والحاجة، وأمام تدهور الأوضاع الاجتماعية لأغلبهم، وفق ما كشفت عنه المنظمة الجزائرية للمكفوفين، التي أشارت إلى أنها تعمل على حماية كرامة المكفوف من خلال إيجاد وظائف ومناصب شغل تمنعهم من الاتجاه إلى التسول، وذلك تحت شعار "كفيف... أكسب الرغيف وأنا عفيف".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحذرت المنظمة من "قسوة المجتمع" وقالت إنه لا يرحم، وبقدر ما يسارع المحسنون إلى فعل الخيرات، هناك من يستغل الكفيفات في ظواهر غير قانونية لتحقيق أرباح، وطالبت السلطات بتوفير تسهيلات للمعاقين من أجل الحصول على السكن، ورفع نسبة الإدماج في مناصب الشغل إلى 4 في المئة بدلاً من 1 في المئة، واحتساب 25 سنة من العمل الفعلي بدلاً من 32 سنة للحصول على التقاعد الكامل من دون الأخذ في الاعتبار سن 60 سنة.

من جهته، دعا المرصد الحر للمجتمع المدني وحقوق الإنسان إلى إنصاف فئة المكفوفين، الذين لم يصنفوا ضمن المعاقين بنسبة 100 في المئة، فيما انتقد الأوضاع السيئة التي يعيشها ذوو الاحتياجات الخاصة، سواء في التوظيف أو التنقل، مشدداً على ضرورة توفير العمل اللائق لهذه الفئة والسعي إلى إدماجهم مهنياً وحرفياً في وسط المجتمع، وإخراجهم من النفق المظلم وحالة اليأس والإحباط بعد أن بلغت نسبة البطالة بينهم نحو 80 في المئة.

وأشار إلى المشكلات في التنقل بسبب انعدام مسالك خاصة بهم، وإن وجدت فهي غير مطابقة للمقاييس وتشكل خطراً على مستعمليها.

جمعيات تحتاج إلى تدريب

في المقابل، يقول الباحث في كلية العلوم الاجتماعية، بن مصطفى دحو، لـ"اندبندنت عربية"، إن تلك الفئة مصنفة بموجب قانون 02-09 الصادر في 2002 ضمن المعاقين بصرياً، وعلى أساس ذلك أقرت الحكومة مساعدة أو منحة شهرية حسب الحالة، ورفعت قيمتها إلى 10 آلاف دينار، ما يعادل 65 دولاراً، غير أن هذا القانون صار متجاوزاً ووجب تعديله من أجل مطابقته مع الدستور الجديد، لا سيما المادة 72 التي أعادت التصنيف إلى ذوي الاحتياجات الخاصة وليس المعاقين، كما أن الدستور الجديد يلزم الدولة بوجوب إدماجهم مهنياً واجتماعاً، منوهاً بأنه بات ضرورياً إجراء تعديلات على جملة من القوانين بما فيها قانون العمل والتأمين الاجتماعي والتقاعد، مع وجوب رفع المنحة والمساعدة المالية نظراً للظروف الاقتصادية وضعف القدرة الشرائية، إضافة إلى توسيع الحقوق والامتيازات لتشمل النقل وغيره.

أما فيما يخص الجمعيات المعنية بهذه الفئة، فيعتبر دحو، أنها "تحتاج لتدريب وتأهيل وتكوين، فمثلاً وعلى الرغم من وجود قانون يلزم المؤسسات والإدارات بتوظيف هذه الفئات بنسب معينة، فإنه نلاحظ امتناعها عن تنفيذ القرار لأسباب قد تكون موضوعية أو تتعلق بمردودية هذه الفئة وصعوبة اندماجها أو قيامها بالعمل المطلوب، ما يستدعي تغييراً في القوانين".

وبعيداً من القوانين، يرى دحو أن نظرة المجتمع لا تزال تتمحور حول الشعور بالشفقة أو التعاطف، ولا يرى في المكفوفين فئة كاملة الحقوق أو أنها منتجة.

وقال إنه من الواجب تثمين قانون مكافحة خطاب التمييز والكراهية الصادر في أبريل (نيسان) 2020، الذي يعاقب التمييز على أساس الوضع الصحي أو الإعاقة، مضيفاً أن هذه الفئة تحتاج إلى دعم الدولة واهتمام المجتمع من أجل إدماجها والاعتراف لها بالحقوق الطبيعية في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي وقعت عليه الجزائر واعترفت به في دستورها، وهو الأمر الذي يترتب عليه إدراج مبدأ التمييز الإيجابي لصالح هذه الفئة.

 

بحسب المؤرخ العربي الشهير نعوم شقير، الذي دوَّن في إحدى خطبه، بعنوان "شرف الإحسان"، التي ألقيت في 3 أبريل (نيسان) 1912، في حفل مدرسة الحياة الجديدة للكفيفات بالقاهرة، "فإن الإحصاءات الرسمية قدرت إصابة نصف مليون مصري بالعمى والعور في ذلك التوقيت (عدد السكان وقتها كان نحو 10 ملايين نسمة)"

مصر تدشن مبادرة "نور حياة" لمكافحة العمى  

 تعاني مصر تاريخاً من انتشار الأمراض المسببة للعمى، فأمراض الرمد وتلك التي تؤدي إلى فقدان البصر، كان ولا يزال عمرها من عمر الدولة المصرية، إذ كشف المؤرخون أن إحدى أوراق البردي التي تعود عمرها لأكثر من 2500 عام قبل الميلاد، دوِّن فيها وصف "رمد منتشر بين المصريين".

وبحسب المؤرخ العربي الشهير نعوم شقير، الذي دوَّن في إحدى خطبه، بعنوان "شرف الإحسان"، التي ألقيت في 3 أبريل (نيسان) 1912، في حفل مدرسة الحياة الجديدة للكفيفات بالقاهرة، "فإن الإحصاءات الرسمية قدرت إصابة نصف مليون مصري بالعمى والعور في ذلك التوقيت (عدد السكان وقتها كان نحو 10 ملايين نسمة)"، موضحاً حينها أن أحد أهم مقترحات المؤتمر الطبي الأول الذي عقد في مصر أواخر فبراير (شباط) 1911، كان "تأسيس مستشفيات رمدية ثابتة في المدن الكبيرة".

وذكر شقير وقتها، أنه "ليس للنصف مليون أعمى في القطر إلا مدرسة بالزيتون في ضواحي القاهرة أسست سنة 1901 بسعي السيدة الإنجليزية، مسز أرميتاج، ومدرسة في الإسكندرية أسسها المحسنان الكبيران الإرل أوف ميث والليدي زوجته، وكلتا المدرستين للذكور، وفي كل منهما ستون تلميذاً، وأما البنات الكفيفات فليس لهن في القطر المصري كله إلا مدرسة (الحياة) الصغيرة التي أنشئت حديثاً"، معتبراً أن "أعظم شر تجب ملافاته وتخفيف ويلاته فيها هما الرمد وكف البصر. وهذان الشران قديمان جداً في مصر".

ووفق شقير، "فإنه في إحصاء عام 1882 وجد أن 9 من المصريين أصيبوا بالرمد على أنواعه، وفي إحصاءات بعض المتخصصين أن 38 في المئة ممن يصابون بالرمد الصديدي يفقدون أبصارهم، ويستنتج من تعداد سنة 1907 أن عدد العمي والعور في القطر المصري يزيد على نصف مليون".

مليون أعمى

والآن وبعد أكثر من قرن من الزمان لا يزال المرض منتشراً في صفوف المصريين، إذ تقدر منظمة الصحة العالمية وجود ما يقرب من مليون شخص أعمى، ونحو 3 ملايين مصابين بضعف البصر، بالدولة الأكبر في تعداد السكان في العالم العربي، مشيرة إلى أن ما يقرب من 60 في المئة من ضعاف البصر في مصر يعانون الساد (الكاتاركت)، الذي يمكن معالجته بجراحة بسيطة في عيادة خارجية لتصحيح هذا الضعف من دون حاجة إلى مكوث المريض.

وفيما تقول منظمة الصحة العالمية، إنه يوجد تباين كبير في أسباب ضعف البصر والعمى بين البلدان وداخلها وفقاً لمدى توافر خدمات رعاية صحة العيون، ويسر تكلفتها، ومعرفة السكان برعاية صحة العيون، تشير إلى أن للعمى خمسة أسباب رئيسة هي الساد (إعتام عدسة العين) والجلوكوما (المياه الزرقاء) وخلل الانكسار، والتراخوما واعتلال الشبكية السكري.

وذكرت المنظمة في أحدث تقاريرها بخصوص العمى وضعف البصر في عام 2021، أنه "في مصر، تمثل هذه الأمراض مشكلات حقيقية تسهم في شيوع الإصابة بالعمى على الرغم من إمكانية الوقاية منه"، موضحة "أن هذا الوضع يتطابق مع أوضاع عديد من البلدان التي ينتشر فيها العمى ويمكن الوقاية منه وسائر أمراض العين، مع توافر التدخلات الميسورة التكاليف، التي من شأنها إنقاذ ملايين المرضى من العمى وعجز الإبصار"، موضحة، "يتطلب الأمر تدخلاً حاسماً يعكس الإرادة السياسية للقضاء على الأسباب التي يمكن توقيها للعمى، خصوصاً بين فئات الأطفال وصغار السن والبالغين في المرحلة العمرية فوق سن الخمسين"، معتبرة في الوقت ذاته أن "ضعف البصر يشكل عبئاً مالياً هائلاً على الصعيد العالمي، وتقدر مثلاً خسائر الإنتاجية العالمية سنوياً جراء ضعف البصر الناجم عن الحسر وقصر البصر الشيخوخي غير المصححين لوحدهما بنحو 244 مليار دولار أميركي، و25.4 مليار دولار أميركي على التوالي".

مبادرات متواصلة

خلال السنوات الأخيرة في مصر، سعت القاهرة عبر منظومتها الصحية للتعاطي مع الظاهرة، وأطلق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مبادرة في عام 2019 بعنوان "نور حياة"، بتكلفة مليار جنيه مصري (سعر صرف الدولار نحو 18.23 جنيه) يتم تنفيذها على 3 مراحل، لمكافحة العمى في البلاد والعلاج المبكر لأمراض ضعف وفقدان الإبصار، مستهدفاً في ذلك الكشف على 5 ملايين طالب بالمرحلة الابتدائية، وتقديم الخدمات البصرية إلى نحو مليوني مواطن من الحالات الأولى بالرعاية، وفضلاً عن توفير مليون نظارة طبية وإجراء 250 ألف عملية جراحية في العيون مع العلاج والمتابعة للحد من ضعف وفقدان الإبصار مع توفير خدمة مميزة للفئات الأكثر احتياجاً، وكذلك العمل على إعادة دمج وتمكين ضعاف البصر ورفع الوعي لدى المواطن للوصول بمصر خالية من الإعاقة البصرية التي يمكن تجنبها.

وتتزامن المبادرات الحكومية في مصر لمواجهة ظاهرة ضعف الإبصار والعمل على معالجة مسبباته المرضية، مع مبادرات متواصلة تعلنها الجمعيات والمؤسسات الخيرية للمساعدة في مواجهة الظاهرة، مع التكفل في أحيان كثيرة بنفقات العلاج والتأهيل لذوي ضعف البصر.

ويقول هاشم عبد الفتاح، دكتور الرمد والعيون بوزارة الصحة المصرية، إن "أغلب المسببات التي تقود لضعف البصر والعمى، يمكن علاجها حال توافر الرعاية الصحية المطلوبة وزيادة وعي الناس بشأن مخاطر فقدان البصر"، موضحاً لـ"اندبندنت عربية"، "أن من أشهر أسباب العمى أو ضعف الإبصار في مصر المياه البيضاء أو ما يعرف بالساد أو الكاتاركت، إذ إن 60 في المئة من ضعاف البصر في مصر يعانون منه، ويمكن معالجته بجراحة بسيطة في عيادة خارجية لتصحيح هذا الضعف"، موضحاً أن "الدولة المصرية ممثلة في وزارة الصحة خلال السنوات الأخيرة باتت تتكفل بعلاج ضعف البصر أو أصحاب أمراض العيون على نفقتها مع توسيع دائرة المشمولين بالتأمين الصحي لتغطية تلك الحالات في جميع المستشفيات الحكومية في البلاد، في وقت تنتشر فيه كذلك الجمعيات والمؤسسات الخيرة التي تقدم كثيراً من المساهمات في هذا الخصوص".

ووفق عبد الفتاح، "فإن أهم الأسباب التي تزيد من نجاح مواجهة العمى أو ضعف الإبصار تكمن في التشخيص المبكر للمسببات والعلاج في مرحلة مبكرة حتى لا تتطور حالة المواطنين الصحية للأسوأ، مع سرعة توفير العلاج اللازم لحالتهم".

من جانبه، يقول، عمر الظواهري، أستاذ العيون في كلية طب قصر العيني وعضو اللجنة القومية لزراعة الأعضاء، إن "التراكوما أو الرمد الحبيبي المصري (مرض التهابي)، من أكثر مسببات ضعف الإبصار لدى المصريين"، موضحاً في حديث خاص، أن، "المشكلة في مصر بنسبة عالية تكمن في التهابات العين وأشهرها التراكوما التي تعالج بالمضادات الحيوية الموضوعية، أو القطرات"، مضيفاً، "قبل عقود كان الحصول على المضاد الحيوي من الخارج أمراً صعباً، لكن الأمر تحسن كثيراً مع انتشار العلاج بالقطرات، ولكن وجدنا مع انتشار العلاج بالقطرات كمضاد حيوي زيادة حدوث قرح القرنية الفطرية، وهي فيروسات تصيب العين نتيجة ضعف المقاومة الناتجة عن سوء التغذية أو أسباب أخرى". ويتابع، "خلال العامين الأخيرين، أضاف وباء كورونا وتأثيرات الإصابة به مشكلات أخرى على العينين، مع زيادة حدوث الالتهابات القزحية والمضاعفات التي تصيب العين، فضلاً عن زيادة نسبة حدوث الجلطات".

وبحسب الظواهري، فإن "الخدمات العلاجية لأمراض العيون في مصر متقدمة للغاية فضلاً عن زيادة عدد أطباء العيون المصريين في الخارج"، مشيراً في ذلك إلى "وحدة التأهيل البصري التابعة لجامعة القاهرة، ضمن المراكز الخدمية للمستوى الطبي الثالث، وهو مركز عمليات مطابق لمواصفات منظمة الصحة العالمية لتأهيل ضعاف البصر"، موضحاً في الوقت ذاته، أن "أبرز سببين لفقدان البصر في مصر بالدرجة الأولى ناتج عن أمراض القرنية لدى ضعافها، وثانياً حوادث الكاتاركت والجلوكوما (ارتفاع ضغط العين)".

ويتابع الظواهري، "تمتلك وزارة الصحة والجامعات الحكومية طوال الوقت بروتوكولات علاجية لمكافحة فقدان البصر أو ضعفه، وهو أمر موجود منذ تأسيس أول مستشفى رمد تخصصي في البلاد قبل نحو 120 عاماً (مستشفى رمد الفيوم 1902)، وهي البروتوكولات التي تخضع للتطوير والتعديل المستمرين مع دخول مسببات أخرى للتأثير في فقد البصر كجائحة كورونا خلال العامين الأخيرين، وتتضمن في الأساس ليس فقط علاج ضعف الإبصار بل التبكير في اكتشافه للوقاية منه وتسريع ومتابعة علاجه، وكذلك تأهيل فاقدي البصر نفسياً ومهنياً".

وعن أسباب استمرار الظاهرة في مصر على الرغم من المساعي الرسمية وغير الرسمية لمكافحته. يقول الظواهري، "استمرار مشكلات العيون والرمد في مصر وانتشارها بسبب وجود مشكلات متوطنة ووراثية، تنتجها على سبيل المثال زواج الأقارب الذي يزيد معه احتمالات الإصابة بالسكري والضغط، وغيرهما من المشكلات الصحية التي تؤثر على البصر".

المجتمع وفاقدو البصر

وفيما تشدد الدولة والأطباء التابعون لوزارة الصحة، على تطور جهود الدولة لإعادة دمج وتأهيل ذوي القدرات الخاصة بشكل عام، وفاقدي أو ضعاف البصر، على الصعيدين النفسي والمهني، إذ تقدم كثيراً من التسهيلات المعيشية والإنسانية لمن باتت تطلق عليهم "أصحاب الهمم" من ذوي القدرات الخاصة، فضلاً عن مطالبة القطاع الخاص والحكومي بنسب توظيف 5 في المئة من عمالتهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، لا يزال تعاطي الشارع والمجتمع مع هذه الشريحة بحاجة لـ"إعادة نظر وتصحيح ومزيد من الجهد والعمل لقبول الآخر"، وفق كل من عبد الفتاح والظواهري.

يقول "كريم. م"، أحد ضعاف البصر في مصر، "إن حجم التحديات التي يواجهها بشكل يومي في حياته كبيرة فقط لأنه مختلف عن الإنسان الطبيعي"، موضحاً، "تبدأ تلك التحديات بمجرد محاولة خروجك من المنزل سواء للذهاب إلى المدرسة أو الجامعة أو العمل أو أي جهة أخرى، فأنت مضطر لطلب المساعدة، سواء في المواصلات أو عبور الشارع أو الاستفسار عن مكان"، مضيفاً، "في بعض الأحيان تسمع بعض المقولات من أشخاص تطلب منهم المساعدة تكون أكثر من جارحة، مثل، لماذا أنت هنا، ماذا تفعل في حياتك، لماذا تخرج من المنزل، لماذا لم يصحبك أحد ما باستمرار لمساعدة في قضاء حاجاتك؟ وهو ما يضيف مزيداً من الإحباطات والانكسارات النفسية على فاقدي البصر، ويزيد من الضغوط السلبية على كل محاولة للخروج من المنزل".

 

عدد "المعوقين بصرياً" في السعودية يصل إلى مليون شخص، بينهم 150 ألف كفيف بشكل تام، تم تصنيف حالتهم بحسب آخر نتائج مسح لهيئة الإحصاء الرسمية بأنها أكثر الصعوبات انتشاراً لدى السكان من ذوي الاحتياجات الخاصة

المكفوفون في السعودية وأزمة التوظيف

في وقت يبحث من يعاني مشكلات في البصر عن طريق لعبور المسارات الصعبة في الشوارع وبين المباني مستخدمين العصا البيضاء "أداة طويلة وصلبة ذات رأس معدني أو بلاستيكي يستخدمها الكفيف للتحرك في محيطه"، يجدون أنفسهم أمام ظلام مدقع وهم يحاولون تجاوز جدران عدم التوظيف.

على الرغم من وصول عدد "المعوقين بصرياً" في السعودية إلى مليون شخص، بينهم 150 ألف كفيف بشكل تام، تم تصنيف حالتهم بحسب آخر نتائج مسح لهيئة الإحصاء الرسمية بأنها أكثر الصعوبات انتشاراً لدى السكان السعوديين من ذوي الاحتياجات الخاصة، إذ بلغت نسبة الذين يعانون هذه المعضلة 46 في المئة من إجمالي هذه الشريحة من الأشخاص، إلا أن الإخفاق لا يزال يعترض المكفوفين أمام رغبتهم في الالتحاق بمختلف الوظائف التي تأهلوا لها بعد أن أنهوا دراساتهم وتدريباتهم الخاصة بمثل تلك الوظائف في القطاعين الحكومي والأهلي، إذ يواجهون عقبات أمام وصولهم إلى مبتغاهم.

الوظائف معلم أو "سنترال"

وقال مدير جمعية كفيف السابق محمد الشويمان إن مشكلة التوظيف التي يواجهها المكفوف والمكفوفة تعد من الأزمات القائمة منذ فترة طويلة في السعودية، إذ كان من المعتاد ولا يزال لخريجي الثانوي الحاصلين على دورة بمركز التأهيل الشامل، تعيينهم متى توفرت الفرصة كمأموري سنترال. وبالنسبة إلى خريجي الجامعات فهم يوجهون للتدريس متى توافرت الوظائف، وهذا إشكال كبير يعانون منه من خلال حصر المكفوف بين مأمور سنترال أو تدريس.

وتساءل، "إلى متى تبقى تلك الفرص بين التعليم والسنترال، فهناك مجالات كثيرة يمكن للمكفوفين أن ينتجوا فيها كما هو الحال في الاستشارات القانونية والمحاماة والاستشارات الشرعية وكباحثين في مختلف الجهات، وكمدع عام لمشكلة ما وليس كمحام، خصوصاً إذا ما أخذنا بالحسبان وجود التقنيات المساعدة لهم لأداء الأعمال، كما هو الحال في ميزات الحاسب الآلي والتقنيات الأخرى التي يمكن أن يستعين بها الكفيف لتسهيل عمله، مثل العمل عبر الهاتف في البنوك والشركات".

وأوضح الشويمان، "أليس لهؤلاء الحق في الوظيفة مثل أقرانهم الأصحاء، خصوصاً إذا كانوا يحملون المؤهلات والشهادات العلمية نفسها؟ ولماذا يصبح العثور على وظيفة أشبه بالمهمة المستحيلة والصعبة؟".

وهذا أيضاً ما أكده الكفيف محمد السعد قائلاً إن توظيف ذوي المشكلات البصرية يعد تحدياً حقيقياً وحجر عثرة أمام هذه الفئة، إذ إن الوظائف مختزلة في مهمات محددة مثل وظيفة "السنترال" التي بدأت في الانحسار لتوفر الرد الآلي. وقال نأمل من القطاع الخاص التوسع في إيجاد فرصة وظيفية تتلاءم مع شهاداتهم وقدراتهم.

وأشار إلى أن وزارة العمل لا تنظر للكفيف كما هو الحال في نظرتها للمبصر من خلال ما نلمسه في إتاحتها للفرص الوظيفية، إذ لا يزال المخططون في الوزارة وللأسف، ينظرون إلى الكفيف على أنه يتمتع بإمكانات أقل من تلك التي يتمتع بها المبصر في الأعمال كافة، كما هو الحال في الوظائف الحكومية مثل التعليم وغيرها، مطالباً بفرص أكبر.

وقال "إن فقدان نعمة البصر ليس عائقاً عن أداء بعض الأعمال في الوقت الحاضر لوجود تقنيات وأجهزة متطورة، أصبح الكفيف قادراً على التعامل معها، وكذلك الخدمات المتاحة له كما هو الحال في التعليم وأعمال المسجد، مؤكداً "أننا قادرون على أعمال أخرى كثيرة مثل الترجمة الحية وتعليم الحاسب لذوي الاحتياجات الخاصة فلماذا لا تتاح الفرصة لنا؟".

وأشار عضو الشورى السابق ناصر الموسى إلى أن أصحاب العمل هم الذين يقفون حائلاً أمام عمل هذه الشريحة، وقال "للأسف لا ينظرون للكفاءات والشهادات، بل ينظرون فقط للمشكلة البصرية"، لافتاً إلى أن هناك كثيراً من التحديات أمام هذه الفئة في بيئة العمل، مثل عدم توفر قارئات الشاشة في الجوانب التقنية ما يعوق تواصل الكفيف داخل بيئة العمل، إضافة إلى غياب وعي الزملاء في تعاملهم مع الكفيفين بعيداً من نظرات الشفقة، إضافة إلى تدريب الكفيف في العمل على التنقل من دون مرافق، الأمر الذي يمنحه مزيداً من الثقة والتحرك بكل سهولة للتعرف على المرافق كافة والتنقل بواسطة العصا البيضاء.

وظائف جديدة للمكفوفين

من جهة ثانية، وعدت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في السعودية بتكثيف الجهود لتوفير فرص تدريبية ووظيفية مناسبة للأشخاص ذوي الاحتياجات بناء على تصنيف نوع المشكلة ومستواها، وإحدى أهم الفئات فئة المكفوفين.

وأكدت الوزارة أنها تعمل بشكل مستمر على توجيه العديد من المبادرات والمشاريع والدراسات لذوي المعضلة البصرية والنظر في التخصصات المناسبة لهم، سواء من ناحية التدريب أو الفرص الوظيفية، مشيرة إلى أن العديد من هؤلاء يعملون في وظائف مختلفة بحسب المستوى التعليمي والمستوى المهاري مثل مدخلي البيانات والحاسب الآلي والتسويق والأعمال الإدارية المختلفة.

 

المكفوفون في العراق بين قلة فرص العمل وغياب الأماكن المؤهلة

"مرحلة الدراسة المتوسطة كانت من أصعب السنوات في حياتي"، بهذه الجملة تستذكر فرح طاهر عبد الرحمن تجربتها كشخص كفيف، التي وصفتها بالصعبة في مرحلة الدراسة المتوسطة.

عبد الرحمن التي تعمل الآن مدرّسة لمادة اللغة الإنجليزية، تقول "درست المرحلة الابتدائية في مدارس المكفوفين، التي تعتمد لغة برايل في التعليم، ولكن هذه المراكز لا تقدم خدماتها للطلبة في المرحلة المتوسطة، والدراسة فيها تقتصر على المرحلة الابتدائية، فكان لا بد لي من الانتقال إلى مدارس المبصرين بعد إكمال المرحلة الابتدائية".

يرتاد المكفوفون في العراق معاهد النور، وهي تؤهل الشخص الكفيف لتعلم طريقة "برايل" للمرحلة الابتدائية فقط، وعلى الشخص الكفيف الذي يرغب بإكمال دراسته، أن يلتحق بمدارس المبصرين في المرحلة المتوسطة، لغياب المدارس الخاصة بهم للمرحلة المتوسطة وما بعدها .

وتوضح عبد الرحمن معاناتها الشديدة بعد الانتقال لمدارس المبصرين، فالمعاناة لا تتعلق بغياب المناهج الدراسية المخصصة للمكفوفين فقط، بل تشمل المعاناة عدم وجود مدرسين مؤهلين للتعامل مع الشخص الكفيف. وتقول "كنت أتعرض للتنمر من قبل إحدى المدرسات التي كانت تنصحني بترك مقاعد الدراسة، لأنني لن أتمكن من إكمال تحصيلي الدراسي بسبب وضعي".

فرح طاهر كفيفة عراقية عن التنمر بالمكفوفين:  كنت أتأثر عندما كنت في عمر أصغر، لكنني الآن أصبحت أجد العذر للناس، فهم لا يملكون صورة واضحة عن وضعي، فأنا أعيش حياة طبيعية، امرأة عاملة وأم لطفلة

"برايل" الطريقة المكلفة 

يشير لؤي عبد الرضا السعداوي، رئيس الجمعية الوطنية لرعاية المكفوفين، إلى أن العراق من أوائل الدول العربية التي اهتمت برعاية وتأهيل المكفوفين منذ ثلاثينيات القرن العشرين، وهو من ضمن الدول الموقعة على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي المشكلات الصحية واتفاقية مراكش الدولية الخاصة بالمكفوفين، "لدينا ثمانية معاهد حكومية في العراق خاصة بالمكفوفين ما عدا معاهد إقليم كردستان".

ويوضح السعدواي أن ما نسبته 50 في المئة أو أقل من المكفوفين يعتمدون على طريقة "برايل"، "وذلك لعدم توفر الأدوات المستخدمة في البلد، وعدم وجود مستوردين لهذه الأدوات وارتفاع أثمانها، لا سيما الأدوات المتطورة كالأسطر الإلكترونية والطابعات اليدوية والآلية".

بغداد الأعلى بنسبة المكفوفين

يرى أن نسبة الذين يعانون من المشكلات البصرية في العراق قد بلغت 15 في المئة عام 2000 من مجموع الإعاقات الأخرى.

وارتفعت هذه النسبة عام 2016 لتصل إلى 41.3 في المئة أي بفارق زيادة قدرها 26.7 في المئة. السعداوي أشار إلى أن بغداد شكلت النسبة الأعلى لمن يعاني من ضعف البصر أو فقدانه، فيما حصلت محافظتا صلاح الدين والأنبار على النسبة الأقل لمن يعانون من هذه المعضلة، إذ لم تتجاوز الـ 3 في المئة في كل محافظة. أما على مستوى النوع الاجتماعي وبحسب آخر إحصائية رسمية لوزارة التخطيط العراقية لعام 2016، فقد تقاربت نسبة الذكور ونسبة الإناث من ذوي الإعاقة البصرية بمعدل 51 في المئة للذكور و49 في المئة للاناث.

قوانين تصب في صالح المكفوفين

وضمن الجانب التشريعي في العراق، يهدف قانون رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة رقم 38 لسنة 2013، إلى القضاء على التمييز في كل مجالات الحياة وقبول الإعاقة البصرية كجزء من التنوع البشري.

وفي هذا السياق، يوضح القانوني أسامة شهاب حمد الجعفري، أن القانون الخاص بتلك الشريحة يتيح لهؤلاء الأشخاص ضمان الأمن الاقتصادي لهم، من خلال توفير فرص عمل بشكل يتناسب مع المشكلات البصرية.

وقد نص القانون على طريقين لتوظيف المكفوفين وغيرهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، الأول: عن طريق وزارة العمل والشؤون الاجتماعية،  إذ ألزم هذا القانون في الفقرة (رابعاً) من المادة (15)، وزارة العمل والشؤون الاجتماعية على القيام بمهام عدة، منها التدريب المهني المناسب لذوي الإعاقة البصرية (المكفوفين) وغيرهم، وتطوير قدراتهم وفقاً لحاجات سوق العمل، وكذلك توفير فرص متكافئة في مجال العمل، والتوظيف وفق مؤهلاتهم.

كما ألزم القانون دوائر الدولة والقطاع العام والمختلط، بتشجيع القطاع الخاص على تشغيل المكفوفين وغيرهم، وفق نسب معينة مع مراعاة نوع المعضلة.

أما الطريق الآخر لتوظيف المكفوفين فقد حدده القانون في الفقرة (أولاً) من المادة 16، بإلزام الوزارات والقطاع المختلط تخصيص وظائف لهؤلاء  بنسبة لا تقل عن 5 في المئة من ملاكها  .

بين مد يد العون والتنمر

وتوضح فرح طاهر عبد الرحمن، أنها غالباً ما تتعرض للتنمر أو الشفقة: "كنت أتأثر عندما كنت في عمر أصغر، لكنني الآن أصبحت أجد العذر للناس، فهم لا يملكون صورة واضحة عن وضعي، فأنا أعيش حياة طبيعية، امرأة عاملة وأم لطفلة".

عبد الرحمن التي تعمل مدرسة لغة انجليزية، تقول،"أعتمد على التنقل بمساعدة أختي، أما مبنى المدرسة التي أعمل فيها فلا أحتاج للمساعدة فيه باعتبار أنني أحفظ تفاصيل المكان".

وتكمل "هناك خيط رفيع بين مد يد العون والإهانة، فمن الأفضل سؤال الكفيف أولاً إن كان بحاجة إلى المساعدة وليس فرض المساعدة عليه، التي غالباً ما تشعره بالعجز".

العصا البيضاء

وغالباً ما يعتمد المكفوفون على العصا البيضاء للتنقل، "هي وسيلة تعويضية يعتمد عليها المكفوفون، لتحسس الطريق واتقاء الاصطدام بالأجسام أثناء السير بتحريكها إلى الأمام والجانبين".

وتشير عبد الرحمن إلى أنه  من الصعب استخدام العصا البيضاء في العراق بسبب الشوارع  والبنايات غير المؤهلة وغياب الأرصفة، "لا توجد أي بناية في العراق فيها مؤهلات تساعد الكفيف، عكس الدول الأخرى التي تخصص أماكن للمكفوفين في وسائل النقل والمقرات الحكومية، وهذا يشجع الشخص الكفيف على السير بمفرده والشعور بالاستقلالية".

  

على مقاعد الدراسة في المراحل المختلفة بالأردن يدور الحديث عن نحو 22 ألف طالب وطالبة من ذوي الاحتياجات الخاصة، يعانون بصمت، وسط أزمة حادة لتمويل احتياجاتهم من قبل الدولة، إذ لا يوجد أي مخصصات مالية كافية لدعم التعليم الشامل لذوي الإعاقة في المدارس الحكومية

المكفوفون في الأردن الفئة الأكثر معاناة من ذوي الاحتياجات الخاصة

تتجاوز نسبة ذوي الاحتياجات الخاصة في الأردن 11 في المئة من مجمل السكان، ويبلغ عددهم نحو مليون و200 ألف نسمة، ومن بين هؤلاء تبرز فئة المكفوفين باعتبارهم الأكثر معاناة، وحاجة للوعي الاجتماعي بحقوقهم، خاصة أن إعاقتهم هي الأكثر انتشاراً بين الأردنيين.

ومع غياب التأمين الصحي لربع ذوي الاحتياجات، وتخلّف 20 في المئة منهم عن مقاعد الدراسة، وتعطل أغلبهم عن العمل، يمكن تلمس حجم الهوة بين الواقع وما هو مأمول، رغم أن الأردن من أوائل الدول التي صادقت على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

وتحرص الحكومة الأردنية وفقاً لديوان الخدمة المدنية سنوياً على ضمان استيفاء نسبة التعيين المخصصة للأشخاص ذوي الإعاقة، وهي 4 في المئة من إجمالي الشواغر الحكومية.

كورونا تفاقم معاناتهم

على مقاعد الدراسة في المراحل المختلفة، يدور الحديث عن نحو 22 ألف طالب وطالبة من ذوي الاحتياجات الخاصة، يعانون بصمت، وسط أزمة حادة لتمويل احتياجاتهم من قبل الدولة، إذ لا يوجد أي مخصصات مالية كافية لدعم التعليم الشامل لذوي الإعاقة في المدارس الحكومية.

وفاقمت جائحة كورونا معاناة المكفوفين في الأردن، خاصة الطلاب منهم، ومع التحول للتعليم عن بعد والمنصات الرقمية بدلا من التعليم النظامي، وجدت هذه الفئة نفسها محرومة من مواصلة التعلم، بالنظر الى عدم تهيئة الجامعات والمدارس منصاتها الرقمية لاحتياجات واستخدامات المكفوفين.

وطوال عامين كاملين عانى نحو 357 طالباً وطالبة من المكفوفين في الجامعات الأردنية، من صعوبات إضافية للتعلم من دون أن يجدوا من يساعدهم، رغم إلزام القانون الجامعات بتوفير التسهيلات اللازمة للطلاب ذوي الإعاقة، ووفقاً للمجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فإن الجامعة الأردنية هي الجامعة الحكومية الوحيدة التي تحتوي تقنيات وتكنولوجيا تساعد الكفيف في دراسته، ككتب بريل والبرامج الحاسوبية الخاصة بالمكفوفين.

ووفرت منصة المجلس الأعلى لذوي الإعاقة مساحة خاصة لتعويض المكفوفين عبر تخصيص مناهج بديلة ومسموعة لهم تتيح لهم استكمال تعليمهم.

حقوق المكفوفين

ويدعو مختصون وناشطون إلى زيادة الاهتمام بالمكفوفين، وتحسين الوضع المادي والنفسي لهم، عبر توفير فرص عمل في القطاعين العام والخاص، ونشر الوعي الاجتماعي في المجتمع لتحسين سلوك ونظرة المجتمع تجاه وضع الكفيف، فضلاً عن توفير رياض أطفال ومدارس خاصة بهم بدلاً من دمجهم في المدارس العامة التي لا تلبي احتياجاتهم.

في المقابل تبرز بعض الجهود الرسمية والفردية، كتلك التي أعلن عنها مؤخراً وتهدف إلى تطوير نظام جديد عبر الهاتف للمكفوفين وضعاف البصر خاصة من هم على مقاعد الدراسة.

ويعمل الجهاز، بحسب بيان صحافي للمجلس، كلوحة مفاتيح هجينة، تعتمد على الشكل التقليدي لطابعة "برايل" التي تستخدم عدد أزرار أقل بكثير من لوحة المفاتيح التقليدية، وسيجري توزيعها على الطلاب المكفوفين وضعاف البصر الملتحقين في المدارس التابعة لوزارة التربية والتعليم.

ويرى الناشط في حقوق الانسان هاني جهشان أن ثمة جهات تعيق حصول المكفوفين على حقوقهم كالبنوك وبعض مراكز التسوق.

ويواجه الأشخاص ذوو الإعاقة بعض الصعوبات في استخدام التطبيقات والتعامل مع المواقع الإلكترونية الحكومية وغيرها، فيما تحاول شركات الاتصالات تمكينهم من النفاذ إلى وسائل وخدمات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.

وتبلغ نسبة تطبيقات المحافظ الإلكترونية المهيأة للعمل من قبل المكفوفين 70 في المئة فقط. وسط مطالبات بتخفيف الضرائب عن الاجهزة للأشخاص المكفوفين، ودعم إصدار الكتب الخاصة بهم.

وخصصت شركات اتصالات أردنية مركز خدمات للمكفوفين وذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة الى شرائح وخطوط خاصة بهم.

"برايل" غائبة

يقول مختصون إن معظم المكفوفين في الأردن محرومون من تعلم لغة" برايل" في المدارس الحكومية، رغم تأكيد القوانين الرسمية على حقهم بذلك. وتنص المادة 19 من قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، على تحقيق الحد الأعلى للمستوى الأكاديمي للطلبة ذوي الإعاقة بما يكفل وصولهم إلى مراحل تعليم أعلى، كما تنص على توفير الحد الأعلى من البيئة التعليمية الدامجة للطلبة ذوي الإعاقة.

ويرد مسؤولون حكوميون على هذه الاتهامات بالقول إن المكفوفين يتلقون تعليماً على لغة برايل في عمر الأربع سنوات، في عدة رياض أطفال تابعة لوزارة التربية والتعليم قبل أن ينتقلوا إلى الصفوف العليا لأكاديمية الملك عبد الله للمكفوفين.

ويقول منتقدون إن عدد المعلمين المختصين لا يزيد عن 54 معلماً ومعلمة، ويخدمون 300 طالب وطالبة فقط، ما يضطر كثير من الأهالي للتوجه نحو مدارس القطاع الخاص المكلفة، أو الاستعانة بمدرسين خاصين.

بينما تتحدث وزارة التربية والتعليم عن وجود 102 مدرسة حكومية قادرة على استيعاب أي نوع من أنواع الإعاقة، وتأمين كافة احتياجاتهم.

ويعاني كثير من المكفوفين الجامعيين من البطالة، ففي العام 2019 نفذ مجموعة من حملة شهادة الدكتوراه المكفوفين، وقفة أمام الديوان الملكي الهاشمي في عمّان؛ للمطالبة بتعيينهم في الجامعات الرسمية، وعدم التمييز ضدهم.

بحسب المادة 25 من قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فإن على الجهات الحكومية وغير الحكومية "التي لا يقل عدد العاملين والموظفين في أي منها عن (25) ولا يزيد عن (50) عاملاً وموظفاً، بتشغيل شخص واحد على الأقل من الأشخاص ذوي الإعاقة ضمن شواغرها، وإذا زاد عدد العاملين والموظفين في أي منها عن (50) عاملاً وموظفاً تخصص نسبة تصل إلى (4 بالمئة) من شواغرها للأشخاص ذوي الإعاقة وفقاً لما تقرره وزارة العمل".

 

حقوق المكفوفين في لبنان متعثرة زمن الانهيار

تغيب في لبنان الإحصاءات الدقيقة، ويعود ذلك إلى أن هناك عدداً كبيراً من المكفوفين غير الملتحقين بالمدارس، والذين لم يصرّحوا بعد عن حالاتهم، وليس لديهم أي بطاقات خاصة بسبب غياب التوعية كأحد الأسباب، مما يؤدي إلى ارتفاع هذه النسبة فعلياً أكثر بكثير من الرقم المصرح به.

أوضاع المكفوفين

يوضح وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار لـ "اندبندنت عربية"، أنه "عملياً في لبنان لا توجد لدينا إحصاءات دقيقة لأنه ليس كل المكفوفين مسجلين بشكل رسمي، ولكننا نتوقع أن مجمل الإعاقات في لبنان تبلغ ما بين سبعة وتسعة في المئة، أما الأسباب فهي متنوعة إما منذ الولادة أو ما قبل الولادة عند تكوين الجنين، وهناك أسباب أخرى مثل الحوادث أو الأمراض التي تحصل مع العمر وتؤدي إلى مشكلات في النظر مثل ارتفاع الضغط في العين بشكل غير متوازن أو أمراض وراثية أخرى توصل إلى فقدان النظر، وهذا الأمر موجود في لبنان كما أنه موجود في العالم كله".

عن التسهيلات العلاجية التي تقوم بها الوزارة، يشير إلى أن "ذلك يرتبط بوزارة الصحة، ولا شك في أن الإمكانات محدودة جداً، بخاصة خلال السنوات الأخيرة، إذ لدينا أزمة دعم للقضايا الصحية والمعاناة منتشرة على كل المستويات، خصوصاً أن هذا الموضوع بحاجة للعملة الصعبة غير المتوافرة في موازنات الوزارات"، لافتاً إلى أن "مشكلة التغطية الصحية موجودة على كافة المناطق اللبنانية، لا سيما في المناطق البعيدة من العاصمة نلحظ تفاقماً أكبر للمشكلة".

مديرة مركز "البصيرة" لتأهيل المكفوفين في البقاع دنيا الصباحي: دور الجمعيات المدنية في تحسين أوضاع المكفوفين في لبنان، يختلف من منطقة إلى أخرى بحسب الاستقلالية المادية والتوعية والقوانين

غياب البرامج

عن التسهيلات التي تقدمها الوزارة المعنية، يقول "لدينا موازنة خاصة للجمعيات التي تعني بذوي الحاجات الخاصة، وهي لدعم أو استقبال أو تفعيل القدرات، لذا فالدولة في المجمل ليس لديها برامج ولكنها تقدم الدعم للبرامج الموجودة إما من خلال مبادرات أو جمعيات المجتمع المدني".

وعن خريطة الطريق المتبعة يشير إلى وضع "استراتيجية لهذه الفئة من الأشخاص ضمن الحماية الاجتماعية"، لافتاً إلى أنه "تم إقرار الخطة والطلب من مجلس الوزراء إعادة صياغتها بشكل مناسب للوضع الحالي في لبنان وللتطورات"، مؤكداً أنه "لا شك في أن هذه الفئة ونظيرتها الأخرى المستضعفة ستكون لها برامج وكفالات على مستوى تأمين العمل والعلاج والبرامج التعليمية والاندماج في المدارس والجامعات والوظائف، فكلها ضمن الخطة التي عرضت على مجلس الوزراء وتمت الموافقة عليها مع بعض التعديلات التي ستعاد صياغتها خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، وعلى أساسها الحكومة الجديدة ستقوم بتطبيقها"، مشدداً على "أهمية التعاطي بشكل مترابط وشامل مع الوزارات المعنية مثل الصحة والعدل والتربية لمعالجة نواحي الحياة كافة".

قوانين غير مطبقة وتوعية غائبة

‎عن دور الجمعيات المدنية في تحسين أوضاع المكفوفين في لبنان، تشير مديرة مركز "البصيرة" لتأهيل المكفوفين في البقاع دنيا الصباحي إلى أنها "تختلف من منطقة إلى أخرى بحسب الاستقلالية المادية والتوعية والقوانين الموضوعة بهذا البلد، وإلى مدى موقع اتفاقات دولية مثل الاتفاق الدول لذوي الإعاقة الذي تعطيه حقوقه. وعن أهمية الاستقلالية المالية نرى أنه في بلدان مثل الإمارات والخليج هناك مصاعد والطرقات كلها مجهزة لهذه الفئة، بينما في لبنان يلعب العامل المادي دوراً كبيراً مع غياب التوعية الصحيحة لعدم وجود هذه الأشياء".

وتوضح أن "هذه قوانين تختلف بحسب كل بلد"، مشيرة إلى أنه "في لبنان هناك قانون 220-2000، وضع العام 2000 ولكنه لم يطبق بشكل كلي، وكثير من البنود التي تعطيه الحق بالتوظيف لم يحصل عليها بعد، مثل العلاج والاستشفاء إذ ليست مجانية للكفيف في لبنان، بينما في بلد آخر نجدها متاحة بالمجان"، مشيرة إلى أن "لبنان لم يوقع بعد اتفاق ذوي الإعاقة، بينما في الأردن تم توقيعه ونجد توظيفاً للمكفوفين ومنحاً دراسية خاصة بهم، وطبعاً التسهيلات يجب أن تشمل كافة حياة الكفيف لتؤهله ليعيش باستقلالية تامة".

أما عن نظرة المجتمع إليهم فترى أن "ذلك يعود إلى أي مدى تعطيهم الدولة الحق من خلال القوانين، وإلى أي مدى يطالب المكفوفون بذلك"، مشيرة إلى أنه "في لبنان لم نحقق كثيراً في هذا الإطار، وهناك تقصير كبير في التوعية بهذا الشأن، خصوصاً أننا نرى أن هذه الفئة من الناس مرفوضة في كثير من الوظائف".

فقدان جهاز "برايل"

أما عن تقنية "برايل" ومدى توافرها لخدمة هؤلاء المكفوفين، فتشير إلى أن "بعضهم يرى أن التكنولوجيا نسفتها، أما الآخر فيذهب إلى أنها مساعدة له، ولكن المشكلة الحقيقية أن (برايل) والأجهزة المتعلقة بها باهظة الثمن، إذ تتراوح ما بين 800 دولار إلى 4000 دولار للجهاز الواحد في بعض المناطق، وهو ما يوازي راتب فرد لـ 16 شهراً"، لافتة إلى أنه "لا توجد توعية لأهمية (برايل) لناحية المساعدة في تنمية الحواس، كما أن غلاء الأسعار أدى أيضاً إلى اضمحلال هذه التقنية في لبنان وغيرها من البلدان العربية". 

المزيد من تحقيقات ومطولات