Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تخطط "حماس" لتحقيق مكاسب جديدة في الإقليم؟

تتحرك الحركة باتجاهات عدة أولها التماهي مع الطرح الدولي الذي تقوده روسيا للإمساك مجدداً بملف الاتصالات الفلسطينية

انفتاح "حماس" على سوريا جاء بعد تطورات عدة في الإقليم كان أهمها إعادة بعض الدول العربية اتصالاتها مع النظام السوري (رويترز)

بدأت حركة "حماس" في تطوير علاقاتها الراهنة عربياً وإقليمياً وهو ما برز أخيراً في استئناف العلاقات مع النظام السوري في خطوة مهمة تؤكد على واقعية الحركة وتوجهاتها الراديكالية، ما سيثير إشكالية علاقات الحركة بسائر دول الإقليم، بخاصة مصر وتركيا والأردن ودول الخليج، وفي ظل وجود اتجاه من قيادات الحركة لاستثمار ما يجري في ظل النظام الإقليمي العربي وتحقيق أكبر مكاسب، وهو ما سيبرز في الفترة المقبلة.

اتجاهات التحرك

وتتحرك حركة "حماس" في الوقت الراهن في اتجاهات عدة، أولها التماهي مع الطرح الدولي الذي تقوده روسيا للإمساك مجدداً بملف الاتصالات الفلسطينية ومحاولة لعب دور في تقريب وجهات النظر بين القوى الفلسطينية، والتأكيد على الحضور المكثف في المشهد الفلسطيني في مرحلة فارقة بالداخل الفلسطيني وتتسم بحال من الضبابية وغير الوضوح والسيولة السياسية،  وهو ما يسمح للحركة لاستئناف حضورها الكبير في المشهد الفلسطيني في ظل هدوء حركة "الجهاد" الفلسطيني بعد المواجهة الأخيرة ورغبة "حماس" في استعادة المهام والشعبية والجماهيرية التي مستها، بخاصة مع عدم مشاركتها في المواجهة الأخيرة. لهذا ارتضت الحركة التماشي مع الطرح الروسي انطلاقاً من أن روسيا دولة في الرباعية الدولية ولها وجودها الدولي، ومحاولة من الحركة لمناكفة الولايات المتحدة، وإزعاج إسرائيل في توقيت مهم قبل الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

والاتجاه الثاني تأييد خطوات الجزائر في لمّ الشمل الفلسطيني والعمل انطلاقاً من وحدة الصف الفلسطيني الشامل، وهو ما جعلها لا ترفض أية اتصالات ثنائية أو متعددة، مؤكدة أن الجانب الجزائري لديه الإمكانيات لتحقيق المصالحة وتوحيد الموقف الفلسطيني، ولهذا أبقت الاتصالات كافة مع الجزائر قائمة مع إدراكها الكامل أن الجزائر تعمل باتجاه محدد وهو إنجاح القمة العربية المقبلة التي ستجرى فيها وأن تكون قمة مختلفة في طرحها وفي مخرجاتها المتوقعة، الأمر الذي يعني التجاوب مع أي طرح في هذا السياق السياسي مع التأكيد على وجودها في المشهد السياسي باعتبارها الطرف القوي والمركزي والمهم في المعادلة الفلسطينية بأكملها، وأنها من تدير الأوضاع في القطاع وتقف في صف واحد مع حركة "فتح" وتعمل باتجاه التأكيد على هذا التوجه.

أما الاتجاه الثالث فهو التحرك إقليمياً وعربياً لمراجعة سياستها الراهنة انطلاقاً من نفعية وواقعية الحركة، وهو ما برز في الانفتاح الأخير على سوريا من خلال الضغط الإيراني و"حزب الله"، ومن ورائهما روسيا، إضافة للرغبة في إفساح المجال أمام سياسات جديدة تحقق من خلالها حركة "حماس" حضوراً إقليمياً جديداً واستثماراً للمناخ العربي الراهن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والواقع أن الانفتاح على سوريا جاء بعد تطورات عدة في الإقليم كان أهمها إعادة بعض الدول العربية اتصالاتها مع النظام السوري، بل دارت نقاشات عربية بشأن إعادة سوريا لموقعها في الجامعة العربية في قمة الجزائر، وإن كانت هناك إشكاليات عدة لا تزال قائمة وقيدت التحرك في هذا الاتجاه، وحسمت دمشق رسمياً الأمر من خلال التأكيد على عدم مشاركتها في فعاليات قمة الجزائر المقبلة. والمعنى أن "حماس" اختارت التوقيت والظرف العربي والموقف السوري، واتجهت لبناء علاقات واقعية لتحقيق مكاسبها المخطط لها وإن كانت قد ارتبطت بمواقف أطراف إقليمية محددة.

تحركات مكثفة

ووفقاً لمقاربة العلاقات الراهنة بين "حماس" والأردن تحديداً، فإن الحركة يمكنها الاستمرار في نهج العلاقات مع سوريا ودول أخرى قد تخطط "حماس" إليها، والأمر سيرتبط بمقومات كبرى عدة، إذ لا تضع الحركة أولويات محددة في نقل مكتبها السياسي إلى الأردن وسوريا في هذا التوقيت، وإن كانت تتحسب لأية ظروف طارئة مع قطر. ولهذا فإن الانتقال من الإطار الشكلي في تحسين العلاقات مع الأردن وتطويرها والبناء على العلاقات مع سوريا قد يمكّنها لاحقاً من إعادة تعويم دورها إقليمياً، بخاصة مع التأكيد على أن "حماس" حققت مكاسب حقيقية عربياً وإقليمياً من التزامها بنهج التهدئة والهدنة مع إسرائيل، وعدم التصعيد  العسكري أو التعامل من خلال رؤية ضيقة محددة مع عدم الظهور في شكل الفصيل أو الميليشيات كسائر الفصائل الفلسطينية الموجودة في القطاع، وإنما ككيان مستقر يمثل رمزاً للسلطة الموجودة في قطاع غزة والقادرة على ضبط الأمور والمواقف، وهو ما يمكن البناء عليه في إطار العلاقات الجيدة التي تحكم المشهد بين الحركة واطمئنان إسرائيل بعدم وجود نوايا أو اتجاهات لها في التصعيد، وإبقاء الأوضاع على ما هي عليه وتجميد إتمام صفقة الأسرى لحين إجراء الانتخابات البرلمانية، وتحديد شكل الحكومة المقبلة بكل مكوناتها اليمينية المحتمل، ومن ثم تعامل إسرائيل مع الأطراف المعنية بالتطورات الفلسطينية الجارية.

مسارات منضبطة

وتبدو العلاقات بين مصر وحركة "حماس" ساكنة ولا تحمل أية مستجدات، ويبدو أن قرار الحركة هو الانتظار لحين اتضاح رؤية التحركات الجزائرية مع توقع الحركة أن القاهرة لن تتدخل في المشهد الجزائري الراهن، وأنها ستعمل باتجاه الإبقاء على العلاقات في مساراتها مع الجميع وانتظاراً لحدث القمة العربية المقبلة، مع توقع "حماس" أن مصر قد تكون لها تحفظاتها على ما يجري ولكن لن تبادر لإعلانه بخاصة أن التقييم المطروح في الحركة هو الاستثمار الكبير في ما يجري من تطورات لا تقتصر على مصر بل تمتد إلى بقية الدول الأخرى ومنها الأردن وسوريا والجزائر. ومن الواضح أن الحركة لا تريد الإسراع بالقيام بأية خطوات قد تؤثر في موقفها لاحقاً. وقد يكون الأمر مكلفاً في إطار أية خيارات يمكن القيام بها، ومن ثم فإن أي تطور في مسار العلاقات التي تتحرك فيها "حماس" سيمضي في هذا الإطار المحدد والمنضبط وستعمل عليه كل الأطراف التي تربطها علاقات معها.

تحفظات واردة

وتبقى الإشارة المهمة لوجود حال من التحفظات داخل "حماس" بين بعض أعضاء المكتب السياسي وفي مؤسسات الداخل في قطاع غزة على بعض التوجهات، وهو ما ينظر إليه البعض على أنه تجاذب عابر، ويأتي في ظل التحفظات على بعض المواقف، لكن من المؤكد وجود تحفظات محددة على الاتجاه لاستئناف العلاقات مع سوريا في الوقت الراهن، واتهام قيادات الحركة بالتسرع في هذا القرار الذي قد يكون مكلفاً في المدى المتوسط للحركة وتوجهاتها في ظل عدم وجود أولويات في التعامل، وأن الأساس بناء علاقات جيدة مع مصر والأردن على اعتبار أن البلدين تربطهما بـ"حماس" علاقات مباشرة في ظل التمسك المباشر بالعلاقات القوية مع قطر، وتوظيف الحضور القطري المقيم والممثل في سلسلة المشروعات ولجنة إعمار قطاع غزة التي تؤدي أدواراً جيدة لخدمة سكان القطاع من إعانة وتقديم خدمات، وإن اتهمت في الفترات الأخيرة باتجاهها إلى العمل الاستثماري في القطاع على حساب العمل التطوعي.

وسيظل هاجس الحركة وهي تتحرك في الوقت الراهن في محاولة لتحجيم الاتهامات المكررة لها ومحاولة التأكيد على أنها حركة إرهابية، وأنها لا تزال تمارس العنف وغير مقبولة إقليمياً ودولياً. وهو أمر يضعه قادة "حماس" في أولوياتهم الحقيقية في الوقت الراهن، بخاصة أن الحركة تسعى للانتقال إلى مرحلة أخرى من الحضور السياسي وتطرح نفسها كبديل حقيقي لحركة "فتح"، وستظل تدعو لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وفي تقديرها أن هذه الرسالة ليست موجهة للداخل فقط بل للخارج تأكيداً على أن الحركة تعمل على إعادة تقديمها للشعب الفلسطيني أجمعه في الضفة الغربية قبل القطاع، وهو ما لا يغيب أبداً عن تقدير وتقييم السلطة الفلسطينية. وفي هذا الإطار، ليس مستبعداً أن تعمل الحركة في اتجاهات مختلفة وأن تبني مقاربة نفعية كعادتها في مواقف سابقة عدة، ومن ثم فإن الأمر سيكون محكوماً بمواقف مباشرة واتجاهات عامة ومن خلال مواقف أكثر رسوخاً ووجوداً وحضوراً كبيراً.

الخلاصة الأخيرة

ووفقاً لما يجري من مواقف تعمل عليها "حماس"، فإن الأمر سيمضي في سياق الحفاظ على ثوابت ما يجري في إطار منظومة العلاقات بين الحركة والإطار الإقليمي مع تقديرها أن أي تطور دراماتيكي في العلاقات مع إسرائيل سيتطلب التعامل على الخيارات والخيارات البديلة. وهو ما يجري وإن كان عنوان المرحلة الراهنة للحركة هو الانتظار والترقب لما هو قادم من تطورات، بداية من انتظار ما تسفر عنه جهود الجزائر ونتائج قمتها المرتقبة ونتائج مشهد الانتخابات البرلمانية في إسرائيل وما ستسفر عنه من نتائج متوقعة، إضافة لترقب التغيير المقبل في السلطة الفلسطينية، والذي لن يقتصر على خلافة الرئيس محمود عباس وإنما مجمل الحركة المتعلقة بما يجري في حركة "فتح" تحديداً، وفي ظل التقديرات السياسية داخل الحركة بتأجيل الخيارات المطروحة بالالتحاق بمنظمة التحرير الفلسطينية في الوقت الراهن مع العمل داخلياً على ترميم علاقاتها بحركة "الجهاد" الفلسطيني وضبط حضور الفصائل الفلسطينية غير المنضبطة مع تقوية العلاقات مع إيران، وتسكين علاقاتها مع تركيا مع مقاربة تطور العلاقات بين إسرائيل وتركيا في الوقت الراهن وانتظار ما ستسفر عنه مسارات العلاقات مع مصر التي تتجه هي الأخرى لمراقبة ما يجري من تطورات في المشهد الفلسطيني - الإسرائيلي، ولن تتبني أية مقاربات جديدة أو القيام بأية تحركات في أي اتجاه، والاكتفاء بما سيجري من تطورات والانتظار لما ستمضي إليه الأوضاع على المسارات المختلفة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل