Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"قائمة المنقولات" تشعل حربا على مواقع التواصل في مصر

تعد ضماناً لحق الزوجة في ظل الظروف الاقتصادية التي تدفع إلى مشاركة العروس في تأثيث منزلهما

رحب كثير من الفتيات بإلغاء قائمة المنقولات بشرط أن يتكفل العريس بتجهيز كامل المنزل ودفع مهر ملائم (أ ف ب)

حالة من الجدل شهدها المجتمع المصري منذ أن انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي خبر مفاده أن "قائمة المنقولات" ألغيت، لتشتعل المنصات المختلفة، ويتحول الأمر إلى تريند في مصر.

قائمة المنقولات الزوجية، أو ما يطلق عليها "القايمة" عند المصريين، هي ورقة يوقع عليها العريس قبل الزواج تقر بملكية العروس للجهاز الموجود في الشقة الزوجية من أثاث وأجهزة كهربائية ولوازم للمطبخ، يتم توقيعها عند كثير من الأسر في حال قيام العروس، كما هو شائع، بالمشاركة في تجهيز منزلهما الزوجي، والذي قد يصل في بعض الأحيان إلى شراء نصف منقولات المنزل مع العريس. وضماناً لحق الزوجة، يوقع هذا المستند من قبل الزوج قبل عقد الزواج.

القائمة في المجتمع المصري تخضع للعرف، وليس لها سند شرعي، باعتبار أن الأصل شرعاً هو قيام العريس بدفع المهر وتجهيز المنزل بالكامل، ولكن مع صعوبة الظروف الاقتصادية والكلفة العالية للزواج، بدأ الناس منذ سنوات في استحداث هذا الأمر كشكل من أشكال التسهيل على الشاب، وفي الوقت ذاته ضمان حق الزوجة في حال الطلاق.

مع تريند "القايمة" واحتدام الجدل بين مؤيد ومعارض، انطلق سيل من النكات تصور الشباب وهم يقومون بشراء الأدوات المنزلية والمفروشات، والبحث عن أفضل أنواع أواني الطهي، وغيرها، والبنات وهم بصدد استخدام نفقات جهازهم الطائلة للسفر والاستجمام. وفي الوقت ذاته، احتدمت معارك إلكترونية طاحنة بين الداعمين للقائمة باعتبارها حفظاً للحقوق، والراغبين في إلغائها لأنها قد تمثل تهديداً للزوج، قد يصل به إلى الحبس في حال وصول النزاع إلى ساحات القضاء، ليستخدم كل فريق جميع الأسلحة المتمثلة في تفسيرات الشرع ووجهة نظر الدين والعرف، وواقع الأحوال الاجتماعية والاقتصادية لدعم توجهه.

وفي السياق ذاته، وعلى عكس المتوقع، رحب كثير من الفتيات بإلغاء قائمة المنقولات بشرط أن يتكفل العريس بتجهيز كامل المنزل ودفع مهر ملائم. وأشارت بعضهن إلى أن ذلك سيقضي على ظاهرة المغالاة والمبالغة في التجهيزات، والتي قد تصل، لا سيما في بعض المناطق الريفية، إلى معدل غير منطقي في شراء المفروشات وأدوات المطبخ، التي يقوم بشرائها أهل العرائس للتفاخر فيما بينهم، ويتم تسجيلها فيما يعرف بـ"القايمة".

أصل الحكاية

من الأساس، لا يمكن لأحد إلغاء قائمة المنقولات لأنها من العرف وليست قانوناً بذاته، والسبب الرئيس لإثارة كل هذا الجدل الذي لا يعبر عن الحقيقة وليس له أي أساس من الصحة، هو أن هناك حكماً قضائياً صدر لصالح أحد الأزواج في قضية تبديد لمنقولات زوجية، وهي حالة فردية نتيجة ظروف وملابسات القضية، ليقوم بعدها شخص بالكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي، بأنه تم إلغاء (القايمة) لينتشر الأمر، ويثار هذا اللغط. وفي الوقت ذاته، وفي سياق منفصل، ظهر مقترح بفكرة توثيق القائمة في الشهر العقاري ليعطيها ثقلاً أكبر كوسيلة لحفظ الحقوق.

مدى قوة القائمة كمستند قانوني

وللتعرف على مدى قيمة الورقة المسماة "القائمة" وقوتها في مصر كمستند قانوني يعتدى به في حال النزاع، ووصول الأمر لساحات القضاء، يقول بلال جابر، محامي الأحوال الشخصية لـ"اندبندنت عربية"، "لا يستطيع أحد إلغاء فكرة القائمة لأنها بالأساس ليس لها وجود في القانون بهذا المصطلح، وإنما تندرج تحت بند مفهوم إيصال الأمانة. وبناءً عليه، تخضع للمادة 341 من قانون العقوبات، التي تنص على (كل من بدّد أو اختلس أموالاً أو ممتلكات خاصة بالغير يعاقب بالحبس). والقائمة في هذه الحالة هي وثيقة تثبت أن ما يضمه منزل الزوجية هي ممتلكات خاصة بالزوجة. وعليه، إذا قامت الزوجة برفع قضية في حال النزاع وثبت الفعل، يعاقب الزوج بالحبس".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف، "القضايا في هذه الحالة قد تتجه في مسار من اثنين: الأول هو أن يتم رفع قضية تبديد وهي جنحة في القانون المصري. والثاني هو رفع قضية استرداد منقولات، وهنا يتم رفع القضية أمام محكمة الأسرة. وكل منهم حالة مختلفة عن الأخرى، وتعتمد على عوامل مختلفة بحسب القضية ذاتها وملابسات الموقف ككل".

وعن مدى خطورة قائمة المنقولات ما يدفع كثيراً من المقبلين على الزواج لرفضها، يقول جابر، "القائمة لا تمثل خطورة في حال كان في نية الزوج الالتزام ورد محتوياتها للزوجة في حال الطلاق، وهي ضمان لحق الزوجة ولا يوجد بها مشكلة. وبشكل عام فإن ملف قانون الأحوال الشخصية بكل ما يشمله سيظل مثار جدل، لأن كل طرف ينظر للأمر من وجهة نظره التي تحقق مصلحته".

دار الإفتاء تدخل على الخط

لمواكبة الجدل الدائر حول القائمة من النواحي الاجتماعية والدينية، أصدرت دار الإفتاء بياناً أوضحت فيه، أنه لا حرج شرعاً في الاتفاق على قائمة المنقولات الزوجية "قائمة العفش" عند الزواج، فلا بأس بالعمل بها على كونها من المهر فقال تعالى: "وآتوا النساء صدقاتهن نحلةً" [النساء: 4]، والمرأة إذا قامت بإعداد بيت الزوجية في صورة جهاز، فإن هذا الجهاز يكون ملكاً للزوجة ملكاً تاماً بالدخول، وتكون مالكة لنصفه بعقد النكاح إن لم يتم الدخول، على أنه يراعى في ذلك عدم إساءة استخدام القائمة حال النزاع بين الزوجين.

وفي فتوى سابقة، كانت دار الإفتاء قد أوضحت أن العرف أحد مصادر التشريع الإسلامي ما لم يتعارض مع نص من كتاب أو سنة أو إجماع، لأنه لا اجتهاد مع النص. والقائمة إذا استخدمت في موضعها الصحيح ولم تستخدم للإساءة، ليست أمراً قبيحاً، بل هي أمر حسن يحفظ حقوق الزوجة ولا يضر الزوج، وهي لا تصادم نصاً شرعياً، ولا قاعدةً فقهيةً، وإنما هي متسقة مع الوسائل التي استحبها الشرع في العقود بعامة، كاستحباب كتابة العقود، واستحباب الإشهاد عليها. وعدم وجودها في الزمن الأول لا يشوش على مشروعيتها، لأنها تتسق مع المقاصد العامة للشريعة من السعي إلى ضمان الحقوق، ورفع النزاع، فهي ليست البدعة المذمومة المنهي عنها، بل هي بدعة مستحسنة.

سجال مستمر

ليست هذه هي المرة الأولى التي يثار فيها الجدل حول القائمة. فمنذ أشهر عدة، ثار سجال مشابه عندما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة لقائمة منقولات فارغة، كتب عليها الأب عبارة (من يؤتمن على العرض لا يسأل عن المال... اتقِ الله في كريمتنا)، لتشتعل مواقع التواصل الاجتماعي والبرامج التلفزيونية بالنقاشات بين مؤيد ومعارض. فهناك من يرى أن الأب قد فرط في حق ابنته، وأن النفوس والمشاعر تتغير وحفظ الحق واجب على الأب عند تزويج ابنته، بينما رأى آخرون أن الأب قام بتصرف نبيل، وعليه فإن الزوج سيراعي هذا الفعل ويقدره.

وإلى جانب دورها كإجراء يتخذ قبل عقد القران وإطلاق الزغاريد والتهاني وانتقال العروس لبيت الزوجية، فـ"القايمة" كان لها دور رئيس في إلغاء كثير من مشروعات الزواج، بعضها تم إلغاؤه في اللحظة الأخيرة أو في اليوم السابق للزفاف عند حدوث خلاف ينتهي بمشاجرة، في ظل تعنت من الطرفين وتمسك كل منهما بوجهة نظره، التي يرى أنه على حق فيها.

ويقول المهندس عاصم (56 عاماً)، "لديّ ثلاث بنات، اثنتان في المرحلة الجامعية، والكبرى تخرجت في الجامعة وتزوجت منذ عامين. وعند زواجها تمسكت بموقفي في كتابة قائمة المنقولات، فالعريس لم يدفع مهراً وقمت بتجهيز ما يعادل نصف مسكن الزوجية، ودفعت ما يزيد على 100 ألف جنيه (نحو 6000 دولار) فماذا يضمن حق ابنتي؟ وسأفعل الشيء نفسه مع ابنتي الصغيرتين، وسأتمسك بكتابة القائمة، إلا في حال قيام العريس بتجهيز منزل الزوجية بالكامل ودفع المهر للعروس، كما يقول الشرع. وهذا غالباً لن يحدث بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي جعلت مشروع الزواج مكلفاً جداً".

بينما تضيف ليلى، وهي سيدة في أواخر العقد الخامس وأم لشاب وفتاة في العشرينيات، "للأسف ما يحدث في مصر في نظام الزواج هو خليط ما بين العرف والشرع والعادات الاجتماعية الفاشلة، التي تعتمد على المغالاة والمظاهر من دون النظر للهدف الحقيقي من الزواج. عندما تتزوج ابنتي لا أمانع إلغاء (القايمة) شرط تكفل العريس بكل شيء ودفع مهر. أما أن تقوم العروس وأهلها بتجهيز نصف منزل الزوجية من دون أي ضمان لحق الزوجة عند الانفصال، فهذا هو الظلم بعينه. سأعتمد هذا الأمر مع ابني عند زواجه، فإن أسهم أهل العروس في الجهاز، عندها يحق لهم أن يحفظوا حق ابنتهم من دون مغالاة، لأن هذا هو ما يثير المشكلات غالباً بين الطرفين".

نسخ متعددة من "فاتن أمل حربي"

وأسهم المسلسل الشهير "فاتن أمل حربي" خلال شهر رمضان الماضي، بتسليط الضوء على قانون الأحوال الشخصية المصرية، بإظهاره كثيراً من الجوانب والثغرات التي يتم استغلالها لقهر الزوجة من جانب الزوج، الذي يرغب في الانتقام، خصوصاً عندما يكون الطلاق برغبة الزوجة، ولم يغفل قصة القائمة. فظهرت فاتن أمل حربي أمام قسم الشرطة وهي ذاهبة لتسلم منقولاتها، التي استبدل بها الزوج أخرى أقل في القيمة المادية، ولكنها تطابق البنود المثبتة في القائمة، ما يعكس حالات كثيرة تحدث من التدليس والغش، حيث لا يستطيع القانون إثباتها بشكل فعلي، ولكنها تحدث على أرض الواقع بشكل يومي.

وقد تناولت الدراما المصرية قوانين الأحوال الشخصية بكل مشكلاتها في أعمال درامية متعددة، أصبح بعضها علامات في تاريخ السينما من أشهرها فيلم "الشقة من حق الزوجة" لمحمود عبدالعزيز ومعالي زايد، والذي على أثره انتشر هذا المصطلح حتى يومنا هذا، في إشارة لتمكين الزوجة الحاضنة للأطفال من منزل الزوجية. وفيلم "أريد حلاً" لفاتن حمامة ورشدي أباظة، الذي عرض منذ أكثر من 45 عاماً، وكان له تأثير في تغيير قانون الأحوال الشخصية عام 1978. وفيلم "آسفة أرفض الطلاق" لميرفت أمين وحسين فهمي، والذي عرض عام 1980، وغيرها عشرات من الأفلام والمسلسلات التي ناقشت ملامح من الواقع، الذي تعايشه النساء من جراء سوء استخدام قوانين الأحوال الشخصية والتحايل عليها.

مشاهد من ساحات القضاء

الداعون إلى إلغاء قائمة المنقولات باعتبارها تمثل تهديداً للزوج في حال وصل النزاع إلى ساحات القضاء، لا يضعون في اعتبارهم الوجه الآخر للمشهد، وهو بعض الزوجات اللاتي اعتمدن الثقة أساساً لبناء حياة زوجية، ولكن لم تكن النهاية سعيدة مثل أفلام السينما.

فتقول لبنى (35 عاماً)، "طُلّقت بعد حياة زوجية استمرت 8 سنوات، نتج عنها طفلان. لم نكتب قائمة منقولات عند الزواج، وطردني زوجي من مسكن الزوجية الذي كان (شقة إيجار) تركها بعد الطلاق، ولم أحصل على أي شيء من منقولاتي، التي دفعت أسرتي آلاف الجنيهات لشرائها. رفعت قضية منظورة أمام ساحات القضاء منذ عامين، لم يحكم فيها بالنفقة للصغار إلا أخيراً. أخبرني المحامي أنه في حال كان لديّ قائمة كنت سأسترد منقولاتي، وكان يمكن أن يتم حبسه في حال لم أتسلمها، ولكن في ظل وضعي لا شيء يمكن فعله وضاع حقي في استردادها".

وتضيف، "هذا الوضع هو الظلم بعينه، فطليقي حالياً يمكنه أن يبيع فرش منزلي أو حتى يتزوج بأخرى على الأثاث، الذي قمت بشرائه ودفع ثمنه من مالي الخاص. ومن يطالب بإلغاء القائمة لا يعلم شيئاً عما يدور في المحاكم أو عن الوضع على أرض الواقع".

بينما تقول دعاء (30 عاماً)، "انفصلت بعد زواج دام 5 سنوات، ولديّ طفلة واحدة. رفض طليقي دفع مؤخر الصداق أو إعطائي الأثاث والمتعلقات التي قمت بشرائها، والتي كان سعرها وقتها بحدود 150 ألف جنيه (ما يزيد على 8 آلاف دولار)، فرفعت دعوى لاستردادها لا تزال منظورة أمام المحكمة، ولا أعرف كيف سينتهي الأمر. من يؤيد إلغاء القائمة لا يرى الصورة كاملة، فذلك لا يهدف إلا لظلم النساء من خلال إجبارهن على المشاركة في التجهيز، مع التنازل عن المهر وحتى عدم الحصول على متعلقاتها في حال الانفصال".

وتضيف، "يشير البعض إلى أن القائمة أحياناً تستخدم ضد الزوج، بأن تقوم الزوجة بسرقة المنقولات واتهامه بتبديدها، وهذا أمر نادر الحدوث، لأنه لا أحد يرغب في الذهاب للمحاكم ودفع مبالغ باهظة، كأتعاب للمحامين وإضاعة سنوات في ردهات جلسات القضايا. فالأصل هو أن ينفصل الناس باحترام مع حفظ الحقوق، ولكن للأسف لا يحدث هذا الآن".

حالة طلاق كل دقيقتين في مصر

كان اللواء خيرت بركات رئيس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، قد أوضح في مداخلة بأحد البرامج التلفزيونية، أنه بلغ عدد حالات الطلاق 222 ألف حالة خلال 2020، ارتفعت بنسبة 13 في المئة لتبلغ 245 ألف حالة خلال عام 2021. وأضاف أنه وفقاً لبيانات عام 2020، تحدث حالة طلاق كل دقيقتين، ونحو 25 حالة في الساعة، وأكثر من 18 ألف حالة في الشهر، مشيراً إلى أنه من المتوقع ارتفاع نسب الطلاق خلال بيانات 2022 المقرر إصدارها قريباً.

وأضاف أن 28 في المئة من حالات الطلاق في مصر وقعت خلال السنوات الثلاث الأولى من الزواج، وأن هناك نحو 7 آلاف حالة خلع في عام 2020.

البيانات السابقة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بقضية قائمة المنقولات، التي يتم اللجوء إليها في حال وقوع الطلاق. فإذا لم يتم الانفصال بالتراضي بين الطرفين، فهذا يعني أن ساحات المحاكم لن تكفي للنظر في كل هذه النزاعات بين أزواج قرروا الانفصال بعد سنوات معدودة على الزواج، وستثير التساؤل حول مدى أحقية أسر البنات في كتابة القائمة ضماناً لحق العروس، التي ربما تطلق بعد عام أو عامين من الزواج، وهي تحمل طفلاً رضيعاً، ولا تمتلك أي شيء في حال عدم وجود القائمة، بخاصة في حال تعنت الزوج ورغبته في الانتقام. فسيظل الجدل دائراً والأمر مطروحاً لحين وجود حل يجمع بين الدين والعرف والعدل، يحفظ حق الأطراف كافة.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات