ملخص
جيل زد يعيد تعريف الطلاق، محولاً إياه من وصمة عار إلى فرصة لبداية جديدة. على منصات التواصل، يحتفل الشباب بإنهاء الزواج باعتباره خطوة تمكينية، مدفوعة بثقافة المشاهير واتفاقات ما قبل الزواج، في عالم يقدم السعادة والصحة النفسية على الاستمرار في علاقات غير مجدية.
باغت الطلاق ميشال جانسي قبل أن تتخطى الـ24، وجانسي صانعة محتوى من تكساس، اكتشفت أن زوجها يخونها، وهو ما أعطى تفسيراً لابتعاده المتزايد منها في السنة الأخيرة من زواجهما الذي استمر لثلاثة أعوام. وأثناء خوضها إجراءات الطلاق، بدأت جانسي تنشر مقاطع فيديو عبر "يوتيوب"، فيها اعترافات عن تجربتها، واصفة إياها بـ"الزواج النرجسي والمؤذي للعواطف"، وقد أطلقت عبارات تحمل بعض الأمل، مثل "المستقبل سيكون أكثر إشراقاً"، و"لقد وجدت الحب بعد الطلاق".
وفي زوايا الإنترنت التي يتجمع فيها المطلقون الشباب، بدأت جانسي تتنبه إلى استخدام لغة تمكينية ترافق مرحلة إنهاء الزواج، وقد منحها ذلك شعوراً بالأمان. وأخبرتني جانسي، التي أصبح عمرها 28 سنة، وتقيم في سان دييغو مع زوجها الجديد جوردي، "لقد شاهدت مقطع ’تيك توك‘ عن زوجين شابين يضربان كفيهما في إيماءة احتفالية بعد صدور حكم الطلاق". وأضافت "أعتقد أن جيلنا يعتبر الطلاق احتفالاً، لأننا لم نهدر الوقت على علاقة لم تعد تلبي تطلعاتنا. وقد استوعبنا أن زواجنا لم يكن مناسباً ورفضنا أن نعيش حياة تعيسة لـ10 سنوات أخرى، فقط بسبب كبريائنا".
وقرار وضع حد للزواج لم يعد يحمل وصمة عار كما كان الحال لدى جيل الطفرة (ممن تتراوح أعمارهم بين 60 و79 سنة)، ومع جيل إكس (بين 45 و60 سنة). ومع أن جانسي كبرت في مجتمع مسيحي يحظر فيه الكلام عن الطلاق، ترى أن جيلها عمل على إعادة رسم معالمه، لا سيما على مواقع التواصل الاجتماعي. وشرحت قائلة: "لقد تحول من وصمة عار إلى قرار راق، وبأغرب الطرق"، مشيرة إلى سلسلة منشورات رائجة عبر منصة "تيك توك"، أصدرتها صانعة المحتوى أسبين أوفارد، التي لا تتوانى عن إخبار متابعيها بأن الطلاق "راق"، وتكتب تحت مقاطع الفيديو التي تطلقها عبارات على نحو "في حقبة طلاقي".
ولا يخفى طبعاً أن الطلاق محنة تحطم القلوب وتدمر العواطف، لكن بدلاً من اعتباره فشلاً شخصياً أو مصدراً للخزي، يختار جيل زد النظر إليه كإنجاز. وهذا المنحى سائد في ثقافة المشاهير منذ بعض الوقت - فعلى سبيل المثال، استبدلت عارضة الأزياء إميلي راتاجكوفسكي محبس خطوبتها بخاتمي طلاق بعد انفصالها عن سيباستيان بير-ماك كلارد عام 2022، في حين أن مشاهير آخرين، أمثال كيم كارداشيان (بعد زواجها من كانيه وست) وجاك وايت (وزوجته السابقة كارن إلسون) قرروا إقامة حفلة طلاق بعد فسخ زواجهم. وفي عام 2025، ما عاد الطلاق اعترافاً بالهزيمة، بقدر ما هو فرصة لبداية جديدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جهتها، قررت ألينا، البالغة من العمر 28 سنة والمقيمة في مدينة نيويورك، أن تسلط الضوء على طلاقها على مواقع التواصل الاجتماعي، فنشرت مقطع فيديو عبر "تيك توك"، أرفقته بموسيقى من السيرك، ترافق عادة المهرجين. وكانت مصممة الأزياء هذه قد ارتبطت بزوجها السابق في سن الـ21، وبقيت متزوجة منه لأربع سنوات (فيما استمرت علاقتهما بالإجمال ثمان سنوات)، قبل أن يحصل الانفصال. وتقول: "كنت صغيرة جداً"، أما اليوم، وبعد أن ارتبطت مجدداً بخطوبة، فتؤكد أن نظرتها للعلاقات تبدلت تماماً. "كانت علاقتي السابقة عبارة عن ذلك الحب الأول الكبير والحافل بالتصرفات السامة، إذ ارتبطنا متأثرين بالصدمات التي كنا نعيشها، ولم أصبح واعية تماماً لنفسي إلا في سن الـ25. واليوم، أعرف تماماً ما هي القيم التي أؤمن بها. ومع خطيبي، أصبحت علاقتنا مقصودة أكثر بكثير، ونحن متفقون تماماً على القيم الأساسية [التي تجمعنا]، وعلى الطريقة التي سنربي فيها أولادنا".
على وجه العموم، يتزوج جيل زد بمعدلات أقل بكثير، وفي وقت متأخر مقارنة مع جيل أهلهم. واليوم، أصبح معدل سن الزواج 28.6 سنة للنساء، و30.2 سنة للرجال في الولايات المتحدة، علماً بأن نسبة الزواج الحالية تناهز أربعة في المئة ضمن هذه المجموعة (مع الإشارة إلى أن جيل زد، في معظمه، بدأ يتزوج للتو، وبالتالي، ما من بيانات وافية عن الموضوع). أما الذين قرروا الارتباط في أواخر سنوات المراهقة أو في مطلع العشرينيات من عمرهم، فهم من الأزواج الشبان الذي لا يخشون الانسحاب متى شعروا بأن الزواج لا يلبي تطلعاتهم.
ومواليد جيل زد سيكونون أول من يتكلم علناً عن الحياة الزوجية التعيسة، على حد تعبير جيني برادلي، وهي محامية طلاق ووسيطة ومؤسسة شركة "تراينغل سمارت ديفورس" Triangle Smart Divorce في كارولاينا الشمالية. وتقول: "تعلم مواليد جيل زد أنه في حال لم يشعروا بالسعادة، فعليهم تغيير واقعهم، إلى حد يجعلهم أحياناً، برأيي، يستسلمون قبل الأوان في العمل، والزواج، والعلاقات. وبالتالي، لا يسعون حتى إلى إصلاح الأمور".
في سياق خبرتها العملية، شاهدت برادلي نوعين مختلفين من السلوك حيال الزواج بين جيل إكس وجيل زد. وتقول في هذا الصدد: "قد نلتقي بشخص من جيل إكس في سنوات الانفصال المتأرجحة أربع أو خمس أو ست مرات، وقد يمر عام أو اثنان أو ثلاثة قبل أن يقول: "لا بد أن أقرر وأقوم بهذه الخطوة". وبالمقارنة، يأتينا أزواج من جيل زد "حاسمي الرأي، ويقولون ’لقد انتهى الأمر‘".
في عالم رقمي اطلع فيه الشباب على مصطلحات علاجية على غرار "التلاعب النفسي" gaslighting، و"الاهتمام بالذات"، و"منح الأولوية للصحة النفسية"، يبدو جيل زد أسرع من غيره في رصد مؤشرات الخطر في العلاقات، وفي التصرف حيالها. لكن ألينا تتساءل عما إذا كانت مصطلحات الصحة النفسية، المستعملة أحياناً إلى حد الابتذال عبر مواقع التواصل الاجتماعي، "مفيدة أم مؤذية" لدى تشخيص المشكلات في العلاقة. وتقول "جيلنا أكثر فهماً لما يجب أن تكون عليه العلاقة، لكن الأمور قد تسلك مساراً جذرياً آخر. فإن كنت تريد الزواج، لا بد أن تعمل على إنجاحه. ولا بد أن يكون لزواجك معنى، وأن تكون لوعودك قيمة". وقبل أن تتخذ ألينا قرارها بالانفصال، خضعت مع زوجها السابق لعلاج نفسي للأزواج. "لقد كانت حرباً بطيئة، أدركنا خلالها أننا كبرنا في اتجاهين مختلفين، وما عادت تربطني أية صلة بذلك الشخص".
يدرك مواليد جيل زد أن نسبة 50 في المئة من الزيجات في الولايات المتحدة تنتهي بالطلاق، وعلى ما يبدو، يحاولون حماية أنفسهم من هذه الخاتمة، على الصعيد المالي، عبر توقيع اتفاقات ما قبل الزواج. وفي هذا الصدد، تؤكد جاكلين نيومان، محامية الزواج والشريكة الإدارية في شركة "بيركمان بوتغر نيومان أند شاين" Berkman Bottger Newman & Schein LLP في مدينة نيويورك، أنها شهدت طفرة لاتفاقات ما قبل الزواج، وهي عقود تحدد كيفية تقسيم أصول الزوجين وأموالهم في حال الانفصال، بتشجيع من عوامل مختلفة عديدة، كارتفاع نسبة العائلات المختلطة، والزواج في سن متأخرة، وتمتع النساء باستقلالية مادية أكثر من أي وقت مضى. وتقول نيومان إن اتفاقات ما قبل الزواج شديدة الرواج، حتى أنها باتت تمثل حتى 40 في المئة من أعمالها.
وتضيف نيومان "لا أقصد أن أكون غير رومانسية، لكن في نهاية المطاف، ليس الزواج سوى عقد قانوني"، مضيفة "ما إن يدخل أي شخص عقداً قانونياً، سيستعين بمحام يطلعه بفحوى الموضوع، والقيام بذلك منطقي للغاية".
وجيل زد تحديداً أكثر تقبلاً لاتفاقات ما قبل الزواج مقارنة بالأجيال السابقة، لأنه يفهم "الجوانب الفنية" للطلاق، ويريد تجنب تداعيات الانفصال "القبيحة" التي شهدها في نشأته، على حد تعبير نيومان. وتقول "يشاهدون ذلك على الدوام، ويطلعون على طلاق المشاهير، واليوم، تتوفر معلومات أكثر بكثير عن الطلاق. وقد سبق أن شاهدوا ويلات الطلاق ويريدون حماية أنفسهم منها"، مضيفة "نعيش في عالم شديد التقلبات. وبالتالي، فإن تدارك ما سيحصل لو حل الطلاق سيمنح الناس شعوراً كبيراً بالراحة".
بدورها، توافق جانسي على أن سلوك جيل زد حيال الطلاق نابع عن رغبة قوية في عدم تكرار الديناميكية التي عاشها أهاليهم أمام أعينهم خلال الزواج، إذ بقيت زيجات مستمرة بسبب الشعور بالواجب أو الخوف أو الاعتقاد بأن البقاء معاً سيكون أفضل للأولاد، "لدي أصدقاء يتساءلون عن سبب بقاء أهلهم مرتبطين. ويقولون: ’يشعرون بالتعاسة وكم ستتحسن أحوالهم لو وضعوا كبرياءهم جانباً وحصلوا على حكم طلاق‘، لو وصلت يوماً إلى هذه المرحلة، فلا أريد أن تكون حياتي على هذا الشكل".
من بين أصدقاء جانسي المقربين الخمسة في تكساس، تطلق ثلاثة قبل سن الـ30. وتقول إن هؤلاء باتوا، في العشرينيات من عمرهم، بمثابة مجموعة دعم للزواج.
وتضيف "مع أن الطلاق مخيف فعلاً، لم يسبق أن التقيت يوماً بشخص ندم على هذا القرار". وختمت قائلة "إن وصلت، في زواجك، إلى مرحلة تشعر فيها بانعدام الأمان، أو بسمية العلاقة إلى حد يدفعك إلى اليأس، أو إن كان شريكك يرفض القيام بدوره [لإنجاح العلاقة]، فاعلم أن هذه الخطوة ستأتيك بكل خير".
© The Independent