Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الجمعية"... "حيلة" المصريين المشتركة لمواجهة احتياجاتهم المعيشية

أصبحت ضرورة لشرائح واسعة من المجتمع ومحللون يرونها مضرة بالاقتصاد الوطني وتطبيقات إلكترونية لتنظيمها

مهمة الادخار الصعبة بسبب الظروف المعيشية تُحلّ بما يطلق عليه المصريون الجمعية أو الادخار التشاركي (أ ف ب)

بفكرة بسيطة يواجه كثير من المصريين أزماتهم المالية، فمهمة الادخار الصعبة بسبب الظروف المعيشية تُحلّ بما يطلق عليه المصريون "الجمعية" أو الادخار التشاركي، بجمع مبلغ شهري من عدة أشخاص، على أن يحصل أحدهم على مجموع ما جرى تحصيله في الشهر، وفق نظام وترتيب متفق عليه، والميزة الأساسية لتلك الجمعيات أنها من دون فوائد أو أرباح، وقد تستمر تلك الجمعيات أشهراً طويلة حسب الإمكانية.

ومثلما تتجمع الاحتياجات المالية على الأسر المصرية، يجمعون أنفسهم في "الجمعية" التي لا يكاد بيت مصري يخلو منها، بين من يسعى لتجهيز منزل الزواج، وآخر يتطلع لدفع أقساط الجامعة الخاصة لنجله، وأحياناً دخول الجمعية بهدف توفير نفقات السفر إلى "المصيف"، لذلك تعتبر الجمعيات الملاذ الآمن للحصول على متطلبات لا يمكن اقتناؤها في الموازنة الشهرية للأسرة.

إقبال المصريين

وتعد فكرة الادخار التشاركي موجودة في عديد من دول العالم، بخاصة في المنطقة العربية، لكن النسبة تبدو لافتة في مصر، فبحسب دراسة أجرتها الجامعة الأميركية بالقاهرة عام 2018، فإن 43 في المئة من الشعب المصري الذين يملكون مدخرات يشاركون في الجمعيات.

تنتظر أمل حسين (52 سنة) الموظفة بإحدى الهيئات الحكومية في مصر حلول موعد صرف الراتب بنهاية الشهر الحالي، الذي سيأتي معه دورها في الحصول على الجمعية التي اشتركت فيها مع 20 من زملائها وأقاربها، ليبلغ إجمالي مبلغ الجمعية 50 ألف جنيه (2700 دولار أميركي)، بعد أن يدفع كل منهم 2500 جنيه (311 دولاراً أميركياً)، سيكون داعماً لها في شراء مستلزمات لابنتها قبل زفافها بنهاية العام الحالي.

وعلى الرغم من أنها ستستمر في دفع القسط الشهري للجمعية لأكثر من عام، فإنها أكدت سعادتها بالحصول على الترتيب الثاني في "قبض الجمعية"، بعد أن وافق زملاؤها على إعطائها ذلك الترتيب، نظراً إلى موعد زواج ابنتها، مشيرة إلى أن ما يشغل بالها إتمام شراء المستلزمات قبل ارتفاع الأسعار مجدداً، أما أقساط الأشهر المقبلة فسيتم تدبيرها بصورة أو أخرى.

نظام الجمعية

وعادة ما يكون منظم الجمعية أو الداعي لها هو من يحصل على المبلغ في الشهر الأول، ومن المتعارف عليه أن يحصل من يريد المشاركة بسهمين (اسمين) على ترتيب في الأشهر الأولى لجمعها وآخر في نهاية المدة، وهناك أيضاً بعض المشاركين غير المتعجلين في الحصول على "القبض"، لأن مشاركتهم بغرض الادخار طويل المدى أو لتلبية حاجة غير عاجلة، مثل من يعد لإلحاق ابنه بجامعة خاصة، وهو ما زال في بداية المرحلة الثانوية، وهؤلاء يختارون المراكز الأخيرة في ترتيب الحصول على قيمة الجمعية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتتفاوت الجمعيات من حيث العدد الكلي والمبلغ المحدد، ويعتبرها كثيرون ضرورة اجتماعية واقتصادية لشرائح واسعة من المجتمع، كما اكتسبت تلك الجمعيات أهمية إضافية في ظل الأزمات المالية التي تسببت بها أعباء كورونا وما تلاها من أزمة الحرب الروسية – الأوكرانية، مما كبّد عدداً من الصناعات والمنشآت التجارية خسائر كبيرة، وأدى إلى خسارة عدد من الأيدي العاملة لوظائفهم، ما ضاعف أعباء الأسرة في سد احتياجاتها الأساسية.

ووجد أحمد وجدي (31 سنة)، مهندس مدني، في الجمعية الملاذ لشراء سيارة مستعملة تعينه على قطع مسافات طويلة يومياً في طريقه للعمل، حيث فكّر في البداية بالحصول على قرض من أحد البنوك أو تمويل الشراء من خلال شركات التمويل، لكنه وجد فوائد القرض ستصل إلى أكثر من 30 في المئة من قيمة السيارة، وفي النهاية فضّل أن يرشد نفقاته لعدة أشهر للاشتراك بالجمعية على أن يلتزم بقسط شهري لفترة أطول.

ولم تكن تلك الجمعية هي الأولى لوجدي، فقد اعتاد منذ الصغر أن يدخر من مصروفه مع أصدقائه لشراء ما يحتاج إليه وسط تشجيع من أسرته، ولاحقاً ساعدته الجمعيات على تجهيز منزله والزواج، مؤكداً أنه لولا الجمعيات لما استطاع الوفاء بكل تلك الالتزامات.

ليست للفقراء فقط

ولا تقتصر الجمعيات على الطبقات المتوسطة والفقيرة، مثلما يقول فؤاد عبد العليم (63 سنة) تاجر مفروشات بمحافظة الجيزة، إذ يقول إنه دائماً ما يدخل في جمعيات مع زملائه من التجار لشراء بضائع وتوفير احتياجات تجارتهم.

لكن جمعيات التجار تختلف عن نظيرتها للموظفين، حيث يصل أحياناً المبلغ الشهري لها إلى 250 ألف جنيه (13300 دولار)، ويشير عبد العليم إلى أن رأسماله عادة ما يكون متداولاً في السوق، لذلك لا يلجأ كثيراً إلى البنوك لما تستغرقه من إجراءات معقدة في أغلب الأحيان، ولأن معظم المعاملات التجارية مع التجار تكون خارج الإطار المصرفي.

ويتخطى الاقتصاد غير الرسمي نسبة 50 في المئة من حجم الناتج القومي المصري، وفق تصريحات تلفزيونية لياسر تيمور، مستشار وزير المالية لتطوير مصلحة الضرائب. وتعمل الحكومة المصرية على عدة برامج لاستيعاب تلك الأعمال داخل الإطار المصرفي والضريبي الرسمي.

خطورة الجمعية

"الجمعية الشهرية" على الرغم من الحلول التي توفرها للفرد بالتحصّل على مبلغ مالي كبير بسهولة ودون أعباء مادية، فإنها يشوبها بعض المخاطر، ومنها ما يتعلق بطريقة الدفع وانتظام الأعضاء في تسديد التزاماتهم، وانسحاب البعض منها في منتصف المدة، إضافة إلى الخلافات حول ترتيب من سيحصل على المبلغ الكلي كل شهر.

عامل الخطورة الأهم هو عدم وجود ضمانات للسداد واعتماده على الثقة الشخصية، وهو ما يشير إليه أستاذ الاقتصاد كريم العمدة، حيث أوضح لـ"اندبندنت عربية" أن التعاملات المادية بشكل غير رسمي "قد تؤدي إلى الاحتيال والاستيلاء على أموال الغير ودوام شبهة عدم الانتظام".

وأشار العمدة إلى أن نظام الجمعية يعد "وسيلة ادخار غير رسمي، توفر سيولة نقدية في الوقت المناسب للمشترك بالجمعية"، مؤكداً "ضرورة توفير صناديق استثمارية بعيداً من شهادات ادخار البنوك التي يشكك كثيرون في كونها حراماً شرعاً، على الرغم من كل ما تبذله الدولة من جهود لدحض تلك الأفكار". أضاف أن تلك الصناديق "يمكنها جذب مدخرات المواطنين، بعيداً من الجمعيات التي لا توفر فائدة نقدية وليس لها أثر اقتصادي سوى تدوير النقود واستخدامها في شراء منتجات".

وتابع العمدة، أن المدخرات والنقود ذات الدورة السريعة "من المفترض أن يكون مكانها البورصة وليس البنوك"، لكن طريقة إدارة سوق الأوراق المالية التي وصفها بـ"الفشل" غير قادرة على جذب مدخرات المواطنين، والقيام بدورها في امتصاص السيولة النقدية.

تزيد في الأزمات

ويرى الاقتصادي أحمد معطي أن الجمعيات "تضر باقتصاد الدولة، لأن تلك المبالغ لا تدخل في القطاع المصرفي الذي يوجهها لتنفيذ مشروعات توفر فرص عمل، وتزيد من الناتج المحلي". مضيفاً أن الحجم الكبير للاقتصاد غير الرسمي ووجود فئات عديدة ليس لديها حساب مصرفي ولا ترغب في فتحه لعدم الكشف عن أرباحها ومعاملاتها المالية، "هو ما يزيد من نشاط الجمعية، بخاصة في أوساط التجار، كما يمهد ذلك لظاهرة (المستريح)، التي تعني جمع شخص أموال مواطنين بزعم توظيفها مقابل عائد شهري، وغالباً ما يهرب بأموال المودعين"، وطالب معطي القطاع المصرفي بـ"تذليل بعض المعوقات للدخول في الإطار الاقتصادي الرسمي".

وأضاف معطي لـ"اندبندنت عربية" أن الأزمات الاقتصادية الحالية "تزيد من نشاط الجمعيات"، مشيراً إلى أن حالة عدم اليقين وفقدان الوظائف التي تصاحب أية أزمة اقتصادية "تؤدي لزيادة ظواهر المستريح والجمعيات وغيرها".

تطبيقات الجمعية

ودفعت مخاطر الجمعية فئات للتفكير في نقل فكرة "الجمعية الشهرية" إلى عالم الإنترنت، فأصبحت هناك تطبيقات إلكترونية لما يعرف بـ"الجمعية الإلكترونية"، تنفذ الفكرة التقليدية نفسها، من خلال نظام "أون لاين" يعمل على تسهيل عمل الجمعية، بمبالغ متفاوتة، حتى يستطيع الشخص اختيار الجمعية التي تناسب دخله.

لكن هناك بعض الاختلافات بين الجمعيات العادية والإلكترونية، ففي التطبيقات تكون الجمعيات ذات المبالغ الكبيرة عليها فوائد مالية، وأحياناً يكون حاصل الجمعية لأصحاب المراكز الأولى أقل من أصحاب المراكز الأخيرة تشجيعاً على اختيارها، وتفرض رسوم اشتراك متفاوتة حسب مدة الجمعية.

وعلى عكس الجمعيات التقليدية، التي تعتمد على الاشتراك مع الأصدقاء والأقارب وغيرهم من أهل الثقة، تعتمد نظيرتها الإلكترونية على توقيع المشترك عقداً قانونياً، لضمان عدم تهربه من الدفع في مرحلة ما.

كما لجأت بعض الشركات إلى تحويل الجمعية إلى تطبيق إلكتروني على الهاتف المحمول، ويقوم الأشخاص من خلاله باختيار نظام الجمعية المناسب لهم، لكن هذه المرة يجري الدخول في الجمعية بشكل إلكتروني ومع أشخاص لا يعرفون بعضهم بعضاً.

ويوجد في مصر نحو 5 تطبيقات لشركات مختلفة تقدم الجمعيات الإلكترونية لمستخدميها، واتفق أخيراً أحد أكبر البنوك الحكومية مع إحدى الشركات صاحبة تطبيق الجمعية الإلكترونية، لتقديم خدمات الدفع الخاصة به وتيسيرها لمستخدمي التطبيق، كما سيقوم بتوفير وسائل للتحصيل التي يحتاج إليها مستخدمو الجمعيات الإلكترونية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات