Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مبادرات أميركية لتعزيز السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين تستثني خزانة السلطة

وفرت "يو أس ايد" أكثر من 5.5 مليار دولار للفلسطينيين منذ عام 1994

على الرغم من استئناف الدعم الأميركي عبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، إلا أن الدعم لخزانة السلطة الفلسطينية ما زال متوقفاً (اندبندنت عربية)

تتوق رند (27 سنة) من مدينة رام لله، لعرض مشروعها الجديد المتعلق بتحسين جودة حياة النساء في المناطق المهمشة وتطوير أعمالهن الريادية الصغيرة، فالشابة الطموحة التي درست إدارة الأعمال ولم تحظ بوظيفة مناسبة منذ 5 سنوات في أية شركة فلسطينية، قررت على الرغم من قلقها الدئم المشاركة في مبادرة "تيك تو بيس" Tech2Peace، لكن بسرية تامة ومطلقة، فالبرنامج الذي ستشارك فيه لأشهر عدة يجمع بين إسرائيليين وفلسطينيين من أجل التدريب على التكنولوجيا وريادة الأعمال والأنشطة الاجتماعية، والحوار لحل النزاعات لبناء مجتمع شاب يشارك في حوار بنّاء للسلام يعزز التعاون في قطاع التكنولوجيا في المنطقة، وهو البرنامج الذي تقوم عليه منظمة "أمل-تيكفا" (منظمة إسرائيلية غير ربحية)، بهدف تعزيز السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين عبر الجمع بين المحسّنين والخبراء الميدانيين والمنظمات والناشطين لتنمية القدرات في مجال بناء السلام، والبحث عن فرص التمويل على أمل خلق بيئةٍ يمكن فيها لمنظمات المجتمع المدني "العمل بشكل استراتيجي وتعاوني من أجل التعايش".

زرع الأمل

تقول ميرديث روثبارت المؤسِسة المشاركة لمنظمة "أمل-تيكفا" ومديرتها التننفيذية، إن "الهدف هو زرع الأمل داخل المجتمع الإسرائيلي - الفلسطيني بأن السلام ممكن، وجعل الناس يرغبون فيه ويحلمون به ويريدونه ليشعروا أنه حقيقة واقعة". وأضافت "علينا أن نفعل كل ما في وسعنا لكي نكون منظمين وهيكليين واستراتيجيين ومتناسقين للتأكد من أننا فعلنا كل ما هو ممكن".
ويخشى المشاركون الفلسطينيون من رد فعل سلبي إذا عُرف على نطاق واسع أنهم جزء من المشروع، إذ يعتبر بعض الفلسطينيين أن العلاقات التجارية مع إسرائيل مهما تنوعت أشكالها ممنوعة ومحرمة.
وتقول رند التي حرصت على عدم ذكر اسم عائلتها خوفاً على سلامتها، "نتشارك الأفكار والأحلام ونتكلم عن مشاريعنا وكيفية تطويرها، وهناك كثير من الضحك والعمل معاً، لكن للأسف المجتمع والبيئة التي أعيش فيها ما زالت تنظر إلى من يشاركون في مثل هذه المشاريع التي تجمع إسرائيليين وفلسطينيين، على أنهم يتورطون في العمالة والخيانة وما إلى ذلك من تعبيراتٍ جارحة، وقد تتطور الأمور إلى الاعتداء والشتم والتشهير وربما الطرد من الحي، على الرغم من أننا لا نتطرق إلى الحديث في السياسة خلال المشاريع التي تجمعنا معاً، كل ما هنالك هو العمل والصداقة. أتمنى أن نتحرر من فكرة نبذ السلام والتعايش مع الآخر، وأن نعمل على تطوير وتحسين حياتنا".

بناء السلام

ومن أجل تعزيز جهود بناء السلام على مستوى القاعدة الشعبية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته الأخيرة إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية، منحتين جديدتين بموجب قانون شراكة الشرق الأوسط من أجل السلام  (MEPPA)التي تخصص 250 مليون دولار على مدى خمس سنوات لبرامج الحوار وتطوير الأعمال الفلسطينية، إذ تقدم المنحة الأولى 5 ملايين دولار على مدى ثلاث سنوات لتعزيز التعاون في قطاع التكنولوجيا بين الشباب الإسرائيليين والفلسطينيين، فيما توفر المنحة الثانية أكثر من مليوني دولار على مدى ثلاث سنوات للتعاون في مجال الرعاية الصحية بين الطرفين.

وقالت مديرة بعثة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID للضفة الغربية وغزة آلير غرابس، خلال لقاء مع صحافيين وممثلي وسائل الإعلام الفلسطينية في رام الله قبل أيام، إن "مساعدات الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تُعد مكوّناً مهماً من الجهود المهمة التي تبذلها حكومة الولايات المتحدة لضمان الحرية والأمن والازدهار للفلسطينيين والإسرائيليين، وتعمل الوكالة على تقوية الفلسطينيين وتحسين حياتهم لبناء مجتمعات مزدهرة، وتعزيز التنمية الشاملة ودفع حل الدولتين المستدام قدماً، وذلك انطلاقاً من التزام الولايات المتحدة بشدة بحل الدولتين القابل للاستمرار، وضمان تدابير متساوية للحرية والأمن والازدهار للإسرائيليين والفلسطينيين".

واستعرضت غرابس برامج الوكالة الأميركية لدعم الفلسطينيين في مجالات النمو الاقتصادي والتنمية الشبابية والمجتمع المدني والمساعدات الغذائية والمساعدات الإنسانية الأخرى والقطاع الصحي ومبادرات بناء السلام، مشيرةً إلى أنها تهدف جميعها إلى "تحسين حياة الفلسطينيين والمجتمعات الفلسطينية"، وتطرقت غرابس إلى إطلاق مشروع مساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة من أجل التعافي والانتعاش (SMART) بقيمة 40 مليون دولار، حيث يتواصل المشروع حتى عام 2025، لافتةً إلى أن الوكالة الأميركية ستقدم حوالى 270 مليون دولار للفلسطينيين خلال العام المقبل.

أبعاد سياسية

وتهدف البرامج الرئيسة الثلاث لـمبادرة الشراكة في الشرق الأوسط من أجل السلام التي ستنفّذها "يو أس ايد" بحسب ما هو معلَن، إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بدءاً من برنامج الشراكة بين الشعبين من أجل السلام، مروراً ببرنامج بناء الجسور الاقتصادية الإقليمية، ومبادرة الاستثمار المشترك من أجل السلام، ومع ذلك شكك فلسطينيون متخصصون بجدية تلك المبادرات ومدى فعاليتها، خصوصاً أن الموقف السياسي الراهن للإدارة يتجاهل بحسب بعضهم السلطة الفلسطينية في تحديد أولويات المساعدات الجديدة.

وقال مدير "معهد أبحاث السياسات الاقتصادية" الفلسطيني (ماس) رجا الخالدي إن "مبادرة الولايات المتحدة التي تطرح السلام من أجل الازدهار في محاولةٍ لرسم المستقبل الاقتصادي لفلسطين والمنطقة، ولِدت من رحم وجهة نظر سياسية واقتصادية نيوليبرالية واستعمارية جديدة مُحاكة في تل أبيب بشأن مصير المصالح الفُضلى للشعب الفلسطيني، وعلى الرغم من أنها تهدف إلى دعم الحق الفلسطيني في إقامة دولة، إلا أنها معيبة انطلاقاً من افتراضها الأساسي بأن العلاقات الاقتصادية قادرة على تحقيق هذا الحل، بدلاً من أن يكون ذلك نتيجة سلام عادل".
في سياق متصل، أشار اسطفان سلامة مستشار رئيس الوزراء الفلسطيني إلى أن الدعم الأميركي هو دعم ذو أبعاد وأهداف سياسية مقارنةً بالدعم المقدم من المانحين الآخرين، بقوله "الدعم الأميركي لا يمكن التنبؤ به، فهو متذبذب تبعاً للظروف السياسية ويخضع للقوانين الأميركية، التي هي أساساً مجحفة بحق الفلسطينيين. كما أن عدداً من هذه القوانين تقوّض العلاقة الثنائية بين الولايات المتحدة والدولة الفلسطينية، لأن الدعم الأميركي في عهد بايدن عاد بصيغة مختلفة، فلم يتم التشاور مع الحكومة الفلسطينية بخصوص البرامج الجديدة المقترحة والمطروحة، كما لا يوجد وضوح بخصوص إمكانية استفادة المستوطنات من البرامج التمويلية الجديدة، فهناك تركيز على الشق الاقتصادي على حساب الشق السياسي، بحيث سيكون الطرف الإسرائيلي هو المستفيد الأبرز من هذه البرامج".

تواصل حقيقي

من ناحية أخرى، قال جون ليندون المدير التنفيذي للتحالف من أجل السلام في الشرق الأوسط (ALLMEP)، وهي شبكة تضم حوالى 130 منظمة غير ربحية لبناء السلام ومجموعات مجتمعية مشتركة تعمل مع الإسرائيليين والفلسطينيين، "إن التمويل مهم، لأنه يشكل فرصة لتعزيز ودعم مبادرات بناء السلام والمصالحة والحوار بين الإسرائيليين والفلسطينيين التي يمكن أن تستمر لسنوات أو عقود".

ووفقاً لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أشار ليندون إلى أن "الفصل الحالي بين الإسرائيليين والفلسطينيين يمكن أن يؤدي إلى صور نمطية ونزع الصفة الإنسانية عن الطرف الآخر، مما يجعل هذا التمويل أكثر أهمية كوسيلة للاستثمار في المبادرات التي من شأنها كسر الحواجز وبناء العلاقات، لأن الأفكار الثابتة حول الهوية أو العداء مع جيرانك، لا يمكنك إصلاحها بسرعة، هي بحاجة إلى تواصل حقيقي ومستمر، ويتطلب الأمر اتصالاً عميقاً". وأضاف "لست بحاجة للاتفاق على المكان الذي يجب أن تكون فيه الحدود أو حتى ما إذا كان الحل هو دولتان أو دولة واحدة أو كونفدرالية، طالما أنك أعطيت الأولوية لضرورة أن يعرف الإسرائيليون والفلسطينيون بعضهم بعضاً حقاً وأن تكون لديهم العلاقات والبرامج والزخم اللازم لبناء عملية سلام".

كذلك أكد المدير الإداري لمركز "دانييل أبراهام" للسلام في الشرق الأوسط جول براونولد لوسائل إعلام إسرائيلية، أن "هذا النوع من السياسة الاقتصادية ضروري لأي استراتيجية بناء سلام ناجحة". وقال إنه "بالنظر إلى بناء السلام في إسرائيل والصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، من الواضح للغاية أن استراتيجية المجتمع المدني والسياسة الاقتصادية من القاعدة إلى القمة ليست فكرة لاحقة، ولكنها مكوّن ضروري لأي استراتيجية ناجحة". وأضاف "أعتقد أن هذه هي أحد الدروس الرئيسة التي نجلبها في هذا الأمر، بالإضافة إلى محاولة الدفع باتجاه نهج أكثر شمولاً، لأن فائدة الصندوق لا تتعلق فقط بتقوية الذين كانوا دائماً في معسكر السلام، ولكن أيضاً محاولة إيجاد طرق مختلفة لإشراك قنوات أكبر وأوسع للمجتمع المدني".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


أمن وازدهار

في مارس (آذار) الماضي، أعلنت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية منحتين لدعم المشاريع في القطاع الخاص الفلسطيني والإسرائيلي، بهدف بناء الشراكات وزيادة النمو الاقتصادي وإرساء أسس السلام، من خلال برامج التواصل بين الشعوب، وستقدم المنحة الأولى البالغة 3.3 مليون دولار التمويل الأولي لسيدات الأعمال، وفرص للتواصل مع الموجّهين الناجحين من رواد الأعمال، حيث ستوفر جلسات التدريب والإرشاد على مدى 4 سنوات فرصاً للنساء الفلسطينيات والإسرائيليات لتوسيع شبكات أعمالهن وبناء العلاقات الشخصية التي من شأنها أن تساعد على تعزيز قدر أكبر من الأمن والازدهار والحرية.

وبحسب الوكالة ستوفر المنحة الثانية على مدى ثلاث سنوات 2.2 مليون دولار، لدعم رجال الأعمال الفلسطينيين والإسرائيليين والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، كما ستدعم هذه المنحة الاتحادات التجارية الفلسطينية والإسرائيلية لخلق فرص للاستفادة المتبادلة من شبكات أعمالهم واتصالاتهم الممتدة عبر إسرائيل والضفة الغربية، كما سيتم تشكيل مجموعات العمل المشتركة بين قادة الأعمال الفلسطينيين والإسرائيليين بهدف تحديد المشكلات والتحديات وعرض الحلول لزيادة التجارة بين الضفة الغربية وإسرائيل.

من جانبه، أشار عودة زغموري الأمين العام للاتحاد العام للصناعات الفلسطينية إلى أن "المساعدات الأميركية هي مساعدات تخدير، تهدف إلى التغطية على الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، وأن جدواها محدود على الاقتصاد الفلسطيني"، لافتاً إلى أنه "لم تتم استشارة القطاع الخاص في تحديد الاحتياجات في الدفعة الأخيرة من المساعدات الأميركية، وهناك توجه يتمثل بقيام بعض المانحين بتحويل المؤسسات الحكومية إلى منفذين للمشاريع المموَلة من الدعم الخارجي، بدلاً من إيكال المهمة للقطاع الخاص، مما يحوّل المؤسسات الحكومية من دور الرقابة إلى التنفيذ".


استثناء الخزانة

على الرغم من استئناف الدعم الأميركي عبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، إلا أن الدعم لخزانة السلطة الفلسطينية ما زال متوقفاً، وأصبح بحسب مراقبين مرتبطاً بقانوني "تايلور فورس" و"أتكا" اللذين أقرهما الكونغرس الأميركي في عام 2018، وحظر إرسال مساعدات تعود بالفائدة المباشرة على السلطة الفلسطينية طالما استمرت في إرسال رواتب منتظمة للمدانين بارتكاب هجمات ضد إسرائيلين. ومع ذلك استؤنفت المساعدات الأميركية في يناير (كانون الثاني) 2021، فخُصصت مساعدات بقيمة 450 مليون دولار، من ضمنها تمويل لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، إلى جانب مشاريع تنموية أخرى، كما أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته الأخيرة إلى مستشفى أوغوستا فيكتوريا (المطلع) في القدس الشرقية منتصف يوليو (تموز) الحالي، نية "يو أس ايد" تقديم ما يصل إلى 100 مليون دولار لدعم شبكة مستشفيات القدس الشرقية (EJHN)، و15 مليون دولار إضافية كمساعدات إنسانية للفلسطينيين تهدف إلى معالجة انعدام الأمن الغذائي.

ووفرت "يو أس ايد" أكثر من 5.5 مليار دولار للفلسطينيين منذ عام 1994 من برامج بنية تحتية وصحة وتعليم وحكم ومساعدات إنسانية. كما تدفع الولايات المتحدة مئات ملايين الدولارات سنوياً لتدريب قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية.
وبحسب الأرقام والإحصاءات، شهدت السلطة الفلسطينية في عام 2021 عجزاً مالياً قدره 757 مليون دولار، أدى إلى تأخر السلطة عن دفع رواتب موظفيها لأشهر، إذ ترتبط الأزمة الحالية بالتراجع الحاد في أموال التبرعات من الاتحاد الأوروبي والدول العربية من أكثر من مليار دولار سنوياً إلى أقل من 200 مليون دولار، تشكل جزءاً كبيراً من موازنة السلطة الفلسطينية، إلى جانب تجميد تحويل أموال الضرائب من إسرائيل التي تُقدر شهرياً بنحو 188 مليون دولار، وتشكل قرابة 70 في المئة من إجمالي إيرادات الحكومة الفلسطينية.

المزيد من تقارير