بالنظر إلى أن اختيار رئيس الوزراء المقبل يعود إلى 160 ألف عضو في حزب المحافظين، لم يكن مفاجئاً قرار المتنافسيَن ريشي سوناك وليز تراس الجدال بشراسة حول من منهما سيتعامل بصرامة أكثر مع موضوع الهجرة.
تظهر الاستطلاعات باستمرار أن هذه القضية تتمتع بأهمية لدى ناخبي وأعضاء حزب المحافظين أكبر بكثير من بقية جمهور الناخبين.
وجد استطلاع أجرته شركة "ريدفيلد آند ويلتون" للدراسات الاستراتيجية هذا الأسبوع أن 35 في المئة من المحافظين وضعوا قضية الهجرة ضمن أول ثلاث قضايا تحدد اتجاه تصويتهم، مقابل 15 في المئة من مؤيدي حزب العمال و 24 في المئة من الجمهور بشكل عام. كان المحافظون قلقين تجاه الهجرة أكثر من الضرائب التي كانت في طليعة النقاش حول القيادة حتى الآن.
على الرغم من الوعود بـ "استعادة السيطرة على حدودنا" بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لا يزال صافي الهجرة إلى المملكة المتحدة يقارب 239 ألف شخص سنوياً - أي أكثر من ضعف الهدف الذي سعى إليه ديفيد كاميرون في الماضي وهو 100 ألف.
بدلاً من تقليص العدد الإجمالي للهجرة بشكل كبير، كما توقع عديد ممن صوتوا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، أدى خروج بريطانيا إلى ارتفاع حاد في عدد الوافدين من خارج أوروبا الذين يفوق عددهم الآن أولئك الآتين من الاتحاد الأوروبي. يقدر المكتب الوطني للإحصاء أن 332 ألف مواطن من خارج الاتحاد الأوروبي جاءوا للاستقرار في المملكة المتحدة خلال سنة واحدة بحلول يوليو (تموز) عام 2021، مقارنة مع 181 ألفاً من الاتحاد الأوروبي.
كان هذا التغيير مدفوعاً بنظام جديد قائم على النقاط يعطي الأولوية لمن يمتلكون مهارات مطلوبة في بريطانيا، إضافة إلى سياسة الباب المفتوح التي تتبعها الحكومة للأشخاص الآتين من هونغ كونغ الذين يتمتعون بوضع بريطانيي الخارج.
مع صعوبة الفصل بدقة بين تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وأثر وباء كورونا على الأرقام أصبح العامل المقلق إلى حد كبير الآن هو الظاهرة الجديدة المتمثلة في القوارب الصغيرة التي تنقل المهاجرين عبر القنال الإنجليزي من فرنسا.
زاد اجتياز هذا المعبر المحفوف بالمخاطر الذي كان شبه غير معروف قبل عام 2019، بشكل حاد في السنوات الأخيرة، ويرجع ذلك جزئياً إلى تشديد الإجراءات الأمنية حول موانئ القنال الإنجليزي حيث حاول مهاجرون غير شرعيين في السابق الصعود على متن شاحنات متجهة إلى المملكة المتحدة، وجزئياً إلى إغلاق الطرق البديلة بسبب وباء كورونا.
تصاعد القلق من الطرق التي تسلكها القوارب الصغيرة بعد وفاة ما لا يقل عن 27 شخصاً عندما انْفَشَّ زورق وغرق في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في أبشع مأساة شهدها القنال.
قال رئيس الوزراء بوريس جونسون حينها إن الحادث أظهر الحاجة إلى تحطيم النموذج الاقتصادي لعصابات تهريب البشر التي قال إنها "تفلت من العقاب على جرائم القتل".
في الفترة ما بين عامي 2021 و2022 منحت المملكة المتحدة فرنسا 62.7 مليون يورو (ما يعادل 54 مليون جنيه استرليني) للمساعدة في زيادة دوريات الشرطة على طول ساحلها، وتعزيز المراقبة الجوية وزيادة البنية التحتية الأمنية في الموانئ.
وفي أبريل (نيسان)، أعلنت وزيرة الداخلية بريتي باتيل عن خطة مثيرة للجدل لترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا من دون النظر أولاً في طلباتهم.
دفعت المملكة المتحدة 120 مليون جنيه استرليني لرواندا، على الرغم من قرار المحاكم في يونيو (حزيران) حظر رحلة الترحيل الوحيدة التي كانت مخططاً لها، وعدم وصول أي مهاجر إلى هناك بعد. وعلى الرغم من ادعاء جونسون الأولي بأن المخطط قد يؤدي إلى إرسال عشرات الآلاف إلى رواندا، قالت السلطات في كيغالي أخيراً إنها لا تستطيع حالياً إيواء سوى 200 شخص.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويبدو أن المبادرات المتشددة (المدعومة من كلا المتنافسيَن على قيادة حزب المحافظين) كان لها تأثير ضئيل حتى الآن في أعداد الذين يحاولون العبور.
تم اكتشاف وصول 28526 شخصاً على متن قوارب صغيرة في عام 2021، مقارنة مع 8466 في العام السابق، و 1843 في عام 2019 و 299 في عام 2018. ومنذ تولي وزارة الدفاع مسؤولية تسجيل الوافدين في أبريل (نيسان)، تم اكتشاف 9513 آخرين.
يشكل الذكور حوالى 90 في المئة من ركاب القوارب الصغيرة، حيث تبلغ نسبة الرجال ممن هم في سن العمل 75 في المئة منهم تقريباً، ما أدى إلى اتهامات بأنهم في الغالب مهاجرون لأسباب اقتصادية يبحثون عن عمل في بريطانيا.
لكن الغالبية العظمى تقدم طلبات لجوء، وتشير الأبحاث التي أجراها مجلس اللاجئين إلى أن منحهم وضعية اللجوء مرجح أكثر من أولئك الذين يصلون عبر طرق أخرى، حيث تُمنح الحماية بناء على قرار بدائي لـ 61 في المئة من الأشخاص الذين يحملون جنسيات هي من بين العشر الأول في قائمة الواصلين، وتمنح بعد الاستئناف لـ 59 في المئة، مقارنة مع 52 و46 في المئة على التوالي بين طالبي اللجوء بشكل عام.
كان هناك 55146 طلب لجوء في المملكة المتحدة خلال سنة عند نهاية مارس (آذار) عام 2022، ومنح حق اللجوء أو شكل آخر من أشكال الحماية خلال الفترة نفسها لـ 15451 شخصاً. لكن آلافاً آخرين غيرهم علقوا في تراكم هائل من القضايا التي لم يتم حلها، حيث كان 109 آلاف شخص ينتظرون في مارس هذا العام قراراً أولياً.
من بين الجنسيات العشر الأول التي تقدم حاملوها بطلب للحصول على اللجوء، كان معدل الذين حصلوا على موافقة أعلى من 80 في المئة (88 في المئة من إيران، و97 في المئة من إريتريا،و98 في المئة من سوريا، و91 في المئة من أفغانستان، و95 في المئة من السودان).
بموجب القانون الدولي، ليس هناك "طالب لجوء غير قانوني"، لأن أي شخص يفر من الحرب أو الاضطهاد له الحق في طلب اللجوء في أي بلد موقّع اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951، ومن بينها المملكة المتحدة.
على كل حال لا توجد حالياً "طرق قانونية" لوصول اللاجئين إلى المملكة المتحدة باستثناء البرامج الإنسانية الموضوعة لأولئك الفارين من الصراع في سوريا وأفغانستان وأوكرانيا.
كذلك لا يحتاج اللاجئون الباحثون عن ملاذ في أول بلد آمن يصلون إليه إلى تحقيق أي شرط قانوني. لكن المملكة المتحدة فقدت، بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الحق في إعادة الوافدين غير المصرح لهم إلى نقطة دخولهم الأولى إلى الاتحاد الأوروبي.
وعلى الرغم من المكانة البارزة التي تحتلها الهجرة في قلب الجدل السياسي في المملكة المتحدة تستضيف بريطانيا في الواقع حوالى 1 في المئة فقط من لاجئي العالم البالغ عددهم 27.1 مليون شخص مهجرين خارج حدود بلدانهم الأصلية.
تؤوي الدول النامية إلى حد بعيد أكبر نسبة من اللاجئين، إذ يعيش حوالى 72 في المئة منهم في البلدان المجاورة لأوطانهم. تضم تركيا حالياً أكبر عدد من اللاجئين بمن فيهم حوالى 3.7 مليون سوري.
© The Independent