Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شعبية ترمب تدخل "مختبر" الاقتصاد والهجرة

تنافست عوامل عدة داخل المجتمع الأميركي في التأثير على الرأي العام مثل الرعاية الصحية ومعدلات الجريمة والانخراط بالصراعات الخارجية

ظلت الهجرة تمثل إحدى أقوى نقاط قوة ترمب السياسية (رويترز)

ملخص

مكافحة الهجرة تساعد الرئيس الأميركي دونالد ترمب قليلاً لكن الاقتصاد يدق ناقوس خطر للجمهوريين.

بينما يواجه الرئيس دونالد ترمب انتقادات حادة من معارضيه بسبب تعامله مع ملف الهجرة، ظلت أرقام دعمه الشعبية في هذه القضية مستقرة بشكل ملحوظ، حتى في ظل حملات قمع الهجرة الشاملة في المدن الأميركية، لكن حينما يتعلق الأمر بالاقتصاد، يظهر مدى تدهور شعبية الرئيس بشكل مطرد، ففي يوليو (تموز) من هذا العام، أيّد 43 في المئة فقط من الناخبين تعامل ترمب مع الاقتصاد، وبحلول نوفمبر (تشرين الثاني)، لم تتجاوز هذه النسبة 36 في المئة. فما سبب هذا التأرجح في شعبية ترمب؟ وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على حظوظ الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس إذا لم يتحسن الاقتصاد؟

مُحركا الرأي العام

على مدى العقود الأخيرة، تنافست عوامل عدة داخل المجتمع الأميركي في التأثير على الرأي العام مثل الرعاية الصحية ومعدلات الجريمة والانخراط في الصراعات الخارجية فضلاً عن ملفي الاقتصاد والهجرة، لكن هذين الملفين الأخيرين أصبحا فجأة هما المحركين الأساسيين الأكثر تأثيراً في تشكيل الرأي العام للرئيس الجالس في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض، وعلى سبيل المثال، لم يتزحزح الرأي العام الأميركي تجاه الرئيس ترمب في الصيف الماضي إلا قليلاً، على رغم الخلافات السياسية التي نشبت حول أوامره بنشر قوات الحرس الوطني داخل المدن التي يسيطر عليها الديمقراطيون، وفرض تعريفات جمركية على غالبية دول العالم، واستهداف خصومه السياسيين بالملاحقة القضائية، وضغوطه على الكليات والجامعات لتغيير سياساتها.

وظلت الهجرة تمثل إحدى أقوى نقاط قوة ترمب السياسية، إذ تظهر استطلاعات الرأي أن العديد من سياساته المتشددة، حظيت بدعم كبير منذ ولايته الأولى وحتى الآن، وأعرب الناخبون عن ثقة أكبر بكثير في تعامله مع هذه القضية مقارنة بتعامل الديمقراطيين، فقد انطلقت حملة ترمب الانتخابية على وعد بترحيل جماعي يستهدف المجرمين، وقد أوفى بوعده، فمنذ توليه منصبه، اعتقلت هيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك أكثر من 161 ألف شخص من المهاجرين غير الشرعيين على مستوى البلاد ممن صدرت بحقهم إدانات جنائية أو تهم معلقة.

 

وأدت زيادة نسبة الأميركيين الذين اعتبروا الهجرة المشكلة الأهم في البلاد إلى زيادة التركيز على قضية الهجرة في السياسة والإعلام، وغالباً ما انصب هذا الاهتمام على محاولات عبور المهاجرين الحدود الجنوبية مع المكسيك بشكل غير قانوني، وهو قلق يعزى بشكل كبير إلى الجمهوريين، الذين يميلون أكثر من الديمقراطيين إلى اعتبار الهجرة مشكلة رئيسة.

دعم متجدد

أعادت حادثة إطلاق النار في واشنطن الشهر الماضي قرب البيت الأبيض، والتي أودت بحياة جندية من الحرس الوطني وأصابت آخر بجروح خطيرة، تسليط الضوء على برامج الهجرة التي طبقتها إدارة الرئيس السابق جو بايدن، بخاصة أن المشتبه به وصل إلى البلاد عبر عملية "مرحباً بالحلفاء"، التي أتاحت دخول الأفغان الفارين من "طالبان" عام 2021، ومنذ ذلك الوقت سرعت إدارة ترمب من جهودها لمكافحة الهجرة، حيث أوقفت تأشيرات الهجرة من 19 بلداً، وشددت إجراءات الهجرة من دول العالم الثالث، وسعت إلى توسيع نطاق استخدام "الترحيل المعجل"، الذي يسمح لمسؤولي الهجرة بترحيل بعض غير المواطنين، من الولايات المتحدة من دون جلسة استماع أمام قاضي الهجرة.

رفعت هذه الإجراءات من نسبة تأييد الأميركيين لتعامل إدارة ترمب مع الهجرة والتي وصلت إلى حوالى 45 في المئة وهو مستوى أعلى بقليل من معدل الموافقة العامة على أدائه، والذي كان يتأرجح بين 40 و43 في المئة، لكن عندما يتعلق الأمر بأمن الحدود، ترتفع نسبة تأييد الأميركيين لترمب إلى 54 في المئة وفق استطلاع أجرته كلية الحقوق بجامعة "ماركيت" هذا الشهر، بزيادة 9 نقاط مئوية عن نسبة التأييد في ملف الهجرة ككل.

وعلى رغم ظهور بعض التصدعات في قاعدة ترمب الشعبوية، والتي تخللتها خلافاته غير المتوقعة مع عضوة مجلس النواب مارغوري تايلور غرين، حافظ الرئيس على دعم قوي داخل حزبه الجمهوري والذي وصل إلى 91 في المئة من الجمهوريين على أدائه كرئيس.

اتجاه معاكس

لكن تأييد الرئيس تراجع بشكل ملحوظ خلال الأسابيع الأخيرة، لينخفض إلى 40 في المئة، بعد أن كان 47 في المئة في يونيو (حزيران) الماضي، وفقاً لاستطلاعات رأي أجرتها شبكة "فوكس نيوز" المقربة من الرئيس نفسه، ويُعزى معظم الانخفاض في دعم أداء ترمب الوظيفي إلى المستقلين سياسياً، إذ قال 31 في المئة منهم إنهم يوافقون على أدائه كرئيس، كما فقد ترمب دعمه بين الرجال، بخاصة البيض الحاصلين على تعليم جامعي، الذين دعموه بنسبة 50 في المئة.

يعود هذا التراجع في شعبية ترمب إلى إحباط الناخبين بشأن الاقتصاد الأميركي، ففي يوليو من هذا العام، أيّد 43 في المئة منهم تعامل ترمب مع الاقتصاد، وفقاً لاستطلاع أجرته جامعة "ماركيت"، وبحلول نوفمبر، لم تتجاوز هذه النسبة 36 في المئة، بل إن تأييد الجمهوريين للرئيس انزلق من 82 في المئة في يوليو إلى 75 في المئة في نوفمبر، وأعرب ثلاثة أرباع الأميركيين عن سخطهم من ارتفاع تكاليف البقالة مقارنة بالعام الماضي، بينما قال 26 في المئة فقط إن الرئيس يقوم بعمل جيد في إدارة تكاليف المعيشة، وفقاً لاستطلاع أجرته وكالة "رويترز" مع مؤسسة "إبسوس".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

محنة ترمب

بعد فوز الديمقراطيين في الانتخابات التي أجريت في 5 ولايات الشهر الماضي، والذي يعود جزئياً إلى وعودهم بخفض التكاليف، حاول ترمب وكبار مساعديه التركيز على الاقتصاد، لكن الرئيس تأرجح بين الوعد بأن يكون الرئيس الذي يعمل على تحسين القدرة على تحمل التكاليف، وتذمره من المخاوف المتصاعدة حول تكلفة المعيشة، إذ وصف مسألة القدرة على تحمل التكاليف بأنها خدعة صنعها الديمقراطيون الذين يقولون الكلمة فقط وهذا لا يعني أي شيء لأي شخص. ومع ذلك، يؤكد الرئيس أن أياماً طيبة قادمة، حيث توقع أن أسعار البنزين، التي تدور حالياً حول 3 دولارات للغالون (3.785 لتر)، ستنخفض إلى دولارين، ووعد الأميركيين باسترداد شيكات بقيمة 2000 دولار من الإيرادات المحصلة من الرسوم الجمركية التي فرضها على دول العالم المختلفة، وأشار إلى أنه في المستقبل القريب، لن يضطر أحد لدفع ضريبة الدخل.

تمثل محنة ترمب هذه تحولاً ملفتاً، ففي حملة العام الماضي، حقق نقاطاً سياسية من خلال تسليط الضوء على مخاوف الأميركيين من التضخم، وواجه الرئيس جو بايدن في مهمة شبه مستحيلة تجلت في إقناع الناخبين بأنهم ليسوا في وضع سيء كما كانوا يعتقدون، لكن الآن يتعهد المتحدث باسم البيت الأبيض كوش ديساي، بأن الإدارة تعمل على تقديم إغاثة اقتصادية للشعب الأميركي، تبدأ من توقيع صفقات تاريخية لتسعير الأدوية، إلى تأمين تخفيضات ضريبية للطبقة العاملة.

ناقوس خطر للجمهوريين

في ظل تزايد الأسعار وتصاعد شكاوى المواطنين الأميركيين من عدم قدرتهم على تحمل أعباء المعيشة، دق ناقوس خطر بقوة لدى الجمهوريين، الذين غزت مخاوفهم نتائج انتخابات الشهر الماضي، وحققوا نتائج أفضل من المعتاد في سباق مجلس النواب يوم الثلاثاء الماضي في منطقة تينيسي ذات الأغلبية الجمهورية، وقد يفوز ديمقراطي بمنصب عمدة ميامي اليوم الثلاثاء في فلوريدا ذات الأغلبية الجمهورية، ما يعني أن الأسعار المرتفعة قد تمهد الطريق لفوز ديمقراطي كاسح في انتخابات التجديد النصفي العام المقبل، مع عدم وجود دليل يذكر على نجاح محاولة ترمب الملحة لتغيير المسار الاقتصادي.

وعلى رأس من حملوا لواء التحذير، رئيس مجلس النواب السابق، الجمهوري نيوت غينغريتش الذي اعتبر أن أي جمهوري يرفض الاعتراف بوجود مشكلة في القدرة على تحمل التكاليف، لا ينصت إلى الشعب الأميركي الذي يحدد وحده ما هو حقيقي، وليس السياسيين، مؤكداً أن الجمهوريين بحاجة إلى تبني أجندة القدرة على تحمل التكاليف بسرعة، كما يجب على ترمب أن يخصص خطابه القادم عن حال الاتحاد لهذا الموضوع، على رغم أن الرئيس من الناحية النفسية، يكره الاعتراف بأنه في ورطة، وتشير مسيرته المهنية بأكملها أنها مبنية على أن تسود الإيجابية خطاباته. ومع ذلك، يبدو أن البيت الأبيض يشعر بالخطر السياسي، ففي الأسابيع الأخيرة، خفف ترمب الرسوم الجمركية على القهوة البرازيلية وبعض الخضراوات والفواكه ولحوم البقر في محاولة لخفض أسعار البقالة، كما ألغى قواعد كفاءة استهلاك الوقود التي فرضها الديمقراطيون من قبل للحفاظ على المناخ، على أمل خفض أسعار السيارات، وأعلن صفقة مع شركات الأدوية لخفض أسعار بعض الأدوية، وطرح فكرة تمديد القروض العقارية من 30 عاماً الآن إلى 50 عاماً، ما قد يساهم في خفض الأقساط الشهرية لأصحاب المنازل.

وفي حين تعهد ترمب في خطاب ألقاه في 17 نوفمبر الماضي، بإعادة بناء أعظم اقتصاد في تاريخ العالم، كما فعل في دورته الأولى، لا يبدو أن هذه الرسالة تلقى صدى، فقد أظهر استطلاع رأي حديث أجرته صحيفة "واشنطن بوست" بالتعاون مع "إيه بي سي نيوز" وشركة "إبسوس" أن 62 في المئة من الأميركيين لا يوافقون على أداء ترمب الاقتصادي، بينما وافق عليه 37 في المئة فقط، وهو ما يتناقض مع رئيس ترتكز قوته السياسية جزئياً على صورته كرجل أعمال بارع، وخبير مالي مخضرم.

خطاب متضارب

تبدو المشكلة الحقيقية التي تواجه ترمب في تضارب خطابه بين الإصرار على أنه خفَّضَ الأسعار بشكل حاد، وفي الوقت ذاته رفض الاعتراف بوجود أزمة باعتبارها قصة احتيالية، واصفاً القدرة على تحمل التكاليف بأنها أعظم خدعة، ولهذا يرى برنت بوكانان، الرئيس التنفيذي لشركة "سيغنال"، وهي شركة استطلاعات رأي تابعة للحزب الجمهوري، أن البيت الأبيض لم يستقر على رسالة متسقة لإثارة تعاطف جماهيري على اعتبار أن الجزء الأكبر في الرسالة الناجحة هو الانضباط والاعتراف بما يشعر به الناس، وعدم إخبارهم أن الأمور في متناول الجميع ولا ينبغي عليكم الشكوى لأنه حينئذ سوف يشعر الناخبون بالتوجس من أنك لست قلقاً بشأن ما يزعجهم.

وبينما حاول مستشارو ترمب لأشهر عدة حث الرئيس على التحدث أكثر عن القدرة على تحمل التكاليف، والتركيز على علامات التقدم الاقتصادي على الرغم من التضخم العنيد، فإن إشارات الرئيس إلى انخفاض أسعار البيض ووقود السيارات، وانخفاض أسعار الفائدة على الرهن العقاري، وتحسن سوق الأوراق المالية التي ارتفعت إلى مستويات غير مسبوقة، كانت مصحوبة بإنكار متكرر لحقيقة أن الظروف الاقتصادية لا تزال صعبة بالنسبة للأسر المتوسطة. ومع ذلك، بدأ البيت الأبيض التخطيط لرحلات رئاسية إلى الولايات المتأرجحة حتى يتمكن ترمب من الترويج لجهوده من أجل تحسين الظروف الاقتصادية، حيث يسافر اليوم الثلاثاء إلى شمال شرقي ولاية بنسلفانيا وهي إحدى ولايات ساحة المعركة السياسية في الانتخابات والتي تحولت نحو الجمهوريين في الانتخابات الأخيرة عام 2024، وهو تحدّ جديد في ظل المعلومات غير الواعدة التي أظهرت في آخر تقرير للحكومة أن التضخم خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي ارتفع إلى 3 في المئة سنوياً، في وتيرة لم تشهدها الولايات المتحدة منذ يناير (كانون الثاني) الماضي.

التحدي الأعظم

على الرغم من أن تراجع أسعار بعض العناصر، كما يشير ترمب بشكل متكرر مثل انخفاض سعر البنزين إلى أقل من 3 دولارات للغالون، وتراجع سعر البيض، إلا أن العديد من الأسعار ارتفعت بأرقام مضاعفة منذ أوقات ما قبل الوباء، ويصارع الأميركيون تكاليف كبيرة تتصاعد منذ عقود، مثل الإسكان والرعاية الصحية والتعليم.

وسوف يصبح التحدي الذي يواجه الرئيس أعظم كلما زاد عدد الناخبين الذين ربطوا تكاليفهم اليومية المتزايدة بأفعاله، بخاصة الرسوم الجمركية التي تشكل محور سياسته الاقتصادية كما يشير دوغلاس إلميندورف، المدير السابق لمكتب الميزانية بالكونغرس، والذي يرى أن ترمب يجعل الأمور أسوأ ليس فقط من خلال فرض التعريفات الجمركية على دول العالم، ولكن أيضاً من خلال معارضة إعانات الرعاية الصحية الموسعة وترهيب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة وهي إجراءات لا تفعل الكثير لخفض الأسعار بشكل عام.

 وبحسب إلميندورف الذي كان مستشاراً اقتصادياً للرئيس بيل كلينتون: "يتوقع الناس من الرؤساء أن يدفعوا السياسات التي تتحرك في الاتجاه الصحيح، لكن كفاح الرئيس ترمب لمعالجة تكاليف معيشة الأميركيين يحمل تشابهاً لا لبس فيه مع كفاح سلفه بايدن، الذي كثيراً ما كان ترمب يستخف به، وطوال فترة ولايته التي امتدت 4 سنوات، عمل بايدن على تخفيف تأثير ارتفاع الأسعار على الاقتصاد وعلى مكانته السياسية، ولم ينجح في ذلك مطلقاً".

المزيد من تحلیل