أثارت الاعتداءات الإرهابية المتكررة في منطقة الساحل الصحراوي مخاوف دول الجوار، بما فيها الجزائر، فعلى الرغم من محاولات مختلف الأطراف المساهمة في القضاء على الجرائم المنتشرة في المنطقة، فإن الأمور تبقى على حالها، ما يهدد بفوضى أمنية قد يصل مداها إلى شمال أفريقيا.
اعتداءات إرهابية
جاء خبر مقتل 130 مدنياً وتسجيل جرحى بعدد من قرى متجاورة في مالي، منذ أيام، خلال هجمات ذكرت مصادر محلية أنها من تنفيذ عناصر إرهابية، ليرفع الستار عن حقيقة الأوضاع في منطقة الساحل الصحراوي، التي تتأزم يوماً بعد يوم، بالنظر إلى ارتفاع المواجهات المسلحة بين الجيوش الحكومية والجماعات الإرهابية، وتوسع دائرة الاعتداءات على المدنيين من طرف شبكات الجريمة المنظمة.
وأبرزت الحكومة الانتقالية في مالي أن أكثر من 130 مدنياً قتلوا في اعتداءات إرهابية وصفتها بـ"الجبانة والبربرية"، وقعت خلال عطلة نهاية الأسبوع بوسط البلاد. وأكدت أن الجناة الإرهابيين من جماعة كتيبة "ماسينا" المتطرفة المسلحة استهدفوا سكاناً مسالمين في بلدة ديالاساغو بمنطقة موبتي وبلديتَي ديانويلي وديجساجو المجاورتين"، موضحة أنه تم التعرف على عدد من الجناة الذين يقودهم أمادو كوفا، مؤسس وقائد "جبهة تحرير ماسينا" المعروفة باسم "كتيبة ماسينا"، من "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لـ"القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي".
رد عسكري حكومي
في المقابل، أعلن الجيش في بوركينا فاسو عن مقتل ما لا يقل عن 128 إرهابياً، مطلع يونيو (حزيران) الحالي، في عمليات عسكرية عدة، مضيفاً في بيان أن هناك عمليات نفذت مع القوات النيجيرية في إطار القوة الإقليمية المناهضة للإرهابيين في مجموعة "دول الساحل الخمس" أو ما يعرف بـ"جي 5"، التي تشكلت في 2014، وكان عدد أفرادها 5000 جندي منذ 2017، من موريتانيا وتشاد ونيجيريا وبوركينا فاسو ومالي، وانسحبت الأخيرة من القوة، الشهر الماضي، بعد أن اعتبر المجلس العسكري الحاكم في باماكو أنها "أداة تابعة للخارج".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الوضع المتردي الذي بات سمة المنطقة، حرك الجزائر دبلوماسياً كالعادة، هي التي تعتبر نفسها المعنية الأولى بما يحدث في جوارها الجنوبي لاعتبارات عدة، أهمها الرابط التاريخي والقبلي والأمني، وقد دعت عقب الاعتداءات، الاتحاد الأفريقي إلى "رد حازم". وقالت وزارة الخارجية الجزائرية في بيان إن هذه الهجمات الإرهابية ضد السكان العزل تذكّر مرة أخرى بضرورة استئصال هذه الآفة الغريبة على مجتمعاتنا، وكذلك على قيم وإيمان شعب مالي الشقيق، مضيفة أن الجزائر تشدد على ضرورة التجند الواسع بصفة مستعجلة من أجل القضاء على هذه الآفة، التي ما فتئت تنتشر في قارتنا، كما تؤكد ضرورة الإسراع في تنفيذ اتفاق السلم والمصالحة في مالي بغية تعزيز قدرات الدولة المالية وسلطتها على كامل ترابها الوطني.
ويبدو أن الجزائر غير مستعدة للاستمرار في بيانات الإدانة والدعوة إلى التزام اتفاق السلم والمصالحة الذي تعثّر تنفيذ بنوده منذ التوقيع عليه بين الحكومة المالية والجماعات المسلحة المعارضة عام 2015، بعد أن توسعت دائرة الفوضى الأمنية مع انتشار الجماعات الإرهابية وشبكات الإتجار بالبشر والتهريب وتجارة السلاح والمخدرات، بشكل بات يهدد أمنها القومي، لا سيما أن الدستور الجديد فتح الباب أمام تدخل الجيش خارج حدود البلاد.
سيناريوهان للمواجهة
تعليقاً على المشهد، يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية أبو الفضل بهلولي لـ"اندبندنت عربية"، إنه في إطار الأمن القومي الجزائري يمكن تشكيل قوة عسكرية أفريقية للتدخل، بخاصة مع انسحاب القوات الفرنسية والأجنبية من مالي، واقتراب موعد انتهاء مهمة بعثة الأمم المتحدة، مشيراً إلى أن إنشاء هذه القوة يمثل عملاً جماعياً وتعاونياً تحت إطار هيكل أفريقي وخدمة لـ"أجندة أفريقيا 2036".
أما السيناريو الثاني، فهو اتفاق تعاون عسكري بين الدولتين مالي والجزائر، إذ أبرز بهلولي أن الخطوة تشمل عمليات عسكرية مشتركة بين الطرفين، أو منح باماكو رخصة للجزائر لتنفيذ عمليات عسكرية في العمق المالي، على أن تحدد المسافة في إطار الاتفاق، مذكّراً بأن الدستور الجزائري سمح للمرة الأولى للجيش بالتدخل خارج الإقليم وفق إجراءات محددة. وأكد أن من الضروري الاعتماد على المقاربة الجزائرية التي ترفض التدخلات الأجنبية، إضافة إلى تحقيق التنمية المحلية وتضافر الجهود بين دول الساحل، مع التركيز على العمل الجماعي الاستخباراتي والعسكري، والاهتمام بالحلول الدبلوماسية والسياسية. وختم أن المنطقة يمكن أن تتحول إلى مركز إرهابي، لأن الجماعات الإرهابية تبحث عن العمليات التي يكون لها صدى إعلامي.
تهديد عالمي ولا تدخل
في وقت سابق، دعا وزير خارجية الجزائر رمضان لعمامرة إلى إحداث زخم دولي حول مكافحة الإرهاب، لتأكيد أن ما تواجهه أفريقيا هو تهديد عالمي ليست له حدود، وخطر لا ينبغي ربطه بأي دين أو جنسية، ولا تجدر مساواته مع النضال المشروع للشعوب الواقعة تحت الاحتلال، مشيراً إلى أن الأفارقة استثمروا كثيراً بشكل فردي وجماعي في تطوير الأدوات القانونية والعملياتية اللازمة، لكن "يجب أن نقر بأن جهودنا ظلت مجزأة إلى حد كبير، ومن الواضح أنها لا تتماشى مع حجم التهديد الإرهابي وخطورته".
من جهته، يرى أستاذ العلاقات الدولية المهتم بالشؤون الأفريقية مبروك كاهي في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن تزايد موجة العنف والعمليات الإرهابية ترجع بالأساس إلى الجهود السياسية التي تبذلها السلطة المركزية في باماكو، من إعلان تاريخ للعودة إلى المسار الدستوري المحدد بـ24 شهراً، وبدء المشاورات في شأن مسودة الدستور ومناقشتها وتعديلها قبل طرحها للاستفتاء الشعبي. وقال إن هذه الجهود تدفع دوماً الجماعات الإرهابية إلى التحرك بأقصى طاقتها لعرقلة المسار والإبقاء على الفوضى التي تخدم مصالح جماعات ضيقة سواء في مالي أو خارجها، مثلما حدث في الدول التي مرت بالمرحلة ذاتها كالعراق وأفغانستان.
ويضيف كاهي، "يلاحظ أيضاً من خلال نشاط الجماعات الإرهابية أنه يستهدف الثكنات العسكرية في مواجهة مباشرة مع القوات الحكومية، بالتزامن مع انسحاب القوات الفرنسية، وإنهاء باماكو علاقتها بمجموعة جي 5، وعدم رضاها عن أداء القوات التابعة للأمم المتحدة، الأمر الذي يطرح تساؤلات ويفتح أبواب الفرضيات"، مشدداً بخصوص تدخل الجزائر عسكرياً، على أن السلطة السياسية في باماكو لا تزال قائمة، ما يعني أن أي تحرك من دون موافقتها مهما كانت الظروف، هو اعتداء على أراضي دولة عضو في الأمم المتحدة، مستبعداً تدخل الجزائر عسكرياً، لكنها قد تعيد إحياء مبادرة "تجمّع دول الميدان" العسكرية مع انضمام دول جديدة، والتي من شأنها تعزيز التنسيق والتبادل اللوجستي بما يسمح بمحاصرة الجماعات الإرهابية.