Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"مثلث الحزن" للسويدي روبن أوستلوند يتفكك في "كان"

الرأسماليون وبطلا عرض الازياء في سفينة يقودها يساري متهور

داخل السفينة في فيلم "مثلث الحزن" (الخدمة الإعلامية)

خمس سنوات بعد فوزه بالـ"سعفة الذهبية"، يعود المخرج السويدي روبن أوستلوند إلى مهرجان كان (17 - 28 مايو - أيار) بفيلم يواصل معه مسيرته الاستفزازية وأسلوبه الهدام والتخريبي والفوضوي في نقل الواقع المعاصر والتعليق عليه. بعدما صوّر خفايا عالم الفن والمعارض والتجهيز في "الميدان"، ها انه يقرر التعرض لأصحاب الجاه والمكانة الاجتماعية في جديده "مثلّث الحزن" المعروض في المسابقة. هذا الفيلم كنا في انتظاره كي نرى أولاً وأخيراً إذا كان من الممكن لأوستلوند أن يأتي بالمزيد من اللؤم والوقاحة بعدما أعطانا الانطباع بأنه قال كل شيء عنهما في فيلمه السابق. ويبدو أن ثمة أشياء جديدة تقال في هذا الموضوع. فالخيال واسع والإمكانات متوافرة والتراث الفكري النقدي الذي يتحدر منه يجيز سينما كهذه وأكثر.

يبدأ الفيلم بمقابلات يجريها مذيع مع عارضي أزياء، قبل أن تركز الكاميرا على أحد هؤلاء العارضين وحبيبته المعروفين تحت اسم كارل ويايا، والأخيرة نجمة إنستغرام و"إنفلوانسر" تعتاش من صفحتها. منذ البدء، يتبدى جلياً أن الأوضاع ليست على ما يرام بينهما، ذلك أن كارل لا يتوقّف عن معاتبتها بأنها لا تشارك في المصاريف، متهماً إياها بالبخل. مشاهد خلاف وسجال ألفناها في السينما الغربية لكنّ أوستلوند يضع عليها "بهاراته"، فنكتشف أن العلاقة على شفير الانفجار. وكل الحجج صالحة لتفجيرها. 

لكن ما نعتقده لوهلة أنه سيكون اقتحاماً منظماً لعالم الموضة والمظاهر والسطحية، سرعان ما يتحول إلى شيء آخر. فالفصل الثاني الذي لا يوجد رابط بينه وبين الأول، يحملنا مباشرة إلى يخت فخم، حيث كارل ويايا يستفيدان من أشعة الشمس في عرض البحر بعد تلقيهما دعوة للقيام برحلة على متنها. لحظات ونكتشف أن السفينة تعج بعدد كبير من أصحاب الثروات الذين يمضون عطلتهم برفقة زوجاتهم. هناك تاجر الأسلحة الإنكليزي والأوليغارشي الروسي وعبقري برامج الألعاب الأميركي. هؤلاء ثلاثة نماذج من الأثرياء الذين تُرسم علامات استفهام كبيرة حول نزاهة نشاطهم ونظافة كفهم.  تجوب الكاميرا عليهم واحداً واحداً، لنتعرف على شخصياتهم في جولة فيها الكثير من السخرية. فأوستلوند على غرار المخرج النمسوي ميشائيل هانيكه لا يملك الكثير من الحنان تجاه ناسه، بل لا يوفّر مناسبة لتمريغهم في الوحل. هذه هي السينما "السينيكية" التي اشتهر بها وهي تليق بحساسيته الفنية على ما يبدو.

الكوميديا الهدامة

اذاً يحشر أوستلوند كل هؤلاء الناس على اليخت في رغبة دفينة لينتقم منهم سياسياً وطبقياً وعلى كلّ المستويات. هناك شر ما في جعبة الفيلم سيتفجّر تباعاً في وجه هؤلاء. طبعاً هو شر طفولي لا يستند إلى حجج، ويأتي في إطار الكوميديا الهدامة التي لا يمكن أخذها على محمل الجد ولا يمكن قراءتها إلا من منظور فتى مخرب أو مراهق سادي. ويبلغ فن أوستلوند ذروته خلال مأدبة العشاء التي تأتي على شرف قبطان اليخت. فيه سيختلط الحابل بالنابل، وسيفقد الأثرياء كل ما يصنع بريقهم. عندما يبدأ اليخت بالتمايل مع الأمواج، الجميع يتقيء بعد شعورهم بدوار البحر. أول شيء نفكّر فيه خلال هذه المشاهد هو "الوليمة الكبرى" لماركو فيريري، ثم ذاكرتنا تستحضر أيضاً "سحر البورجوازية الخفي" للويس بونويل. فالمخرج السويدي يكتب مانيفستو سياسي وهو يصارع الأمواج في صورة مصغرة عن عالمنا الحالي. انه صراع الطبقات بصياغة أوستلوندية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بيد أن المفاجأة الكبرى هي أن السفينة يقودها قبطان سكير (وودي هارلسون) لديه ميول ماركسية صريحة لا يخفيها. وسخرية القدر ستجمع هذا القبطان الأميركي الماركسي برأسمالي روسي، ليتولد من هذا اللقاء الفصل الأكثر فكاهةً وكوميديا في الفيلم. معسكران سياسيان سيتواجهان فيما اليخت مهدد بالغرق تماماً كالعالم الذي نعيشه. في هذه المرحلة من الفيلم، تصبح نيات أوستلوند معروفة ومخططه مكشوفاً. إلا أنه لا يذهب إلى آخر الفكرة، بل ينهي فيلمه على جزيرة بعد حادثة ستتعرض لها السفينة (لن نذكر التفاصيل والملابسات)، وفي هذا الخيار بالخروج من اليخت تراجع عن فكرة وحدة المكان، والاعتراف بأن الفكرة وحدها لا تكفي لصناعة فيلم. ما أن يحط الناجون من الغرق على الجزيرة حتى يصبح الفيلم مختلفاً، يتعثّر ويفقد شيئاً ممّا صنع أهميته. يصبح متوقعاً، إذ نعلم مسبقاً ما سيقوله وما يخفيه من معاملة للأثرياء. على الجزيرة يصبح الجميع سواسية، مَن كان يتشمّس في الجاكوزي ومَن كان يأتي بالأطباق إلى العشاء أو الذي كان ينظف الغرف. لا فرق أمام الحاجة إلى الأكل أو النوم، حتى ساعة الروليكس لا تساوي وجبة طعام. هذا خطاب ساذج بعض الشيء من مخرج عوّدنا أن يقول كلمته ويمشي، ولا يذعن للصواب السياسي. 

رغم الهفوات وضعف الفصل الثالث ("الجزيرة") الذي يقزّم الفيلم ويحجّم طموحاته، فيُحسب لأوستلوند أنه يفكّك خطاب الليبرالية ويظهر الفروقات الاجتماعية ويصوّر النفاق الغربي على طريقته الخاصة جداً، أي بلا مساومات، ومن دون أن يخشى المبالغات والنقد اللاذع... وهذا كله قد يعجب رئيس لجنة التحكيم فنسان لاندون اليساري المعروف بانحيازه للأفلام ذات الهم الإجتماعي التي تنتصر للطبقة العاملة. إلا أنه رغم جرأته في الركل في وكر دبابير، لا يستحصل الفيلم في النهاية إلا على استعراض تقوم به الدبابير قبل أن تعود إلى وكرها.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما