Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"غازبروم" هي عملاق الطاقة الروسي والدولة داخل الدولة والامتداد لنفوذ بوتين

سلطت الحرب في أوكرانيا الضوء على دورها في الشؤون الأوروبية وضخمته كذلك

ربما ليس في التاريخ مثل أفضل على شركة طاقة تسعى إلى التأثير في النفوذ السياسي، من "غازبروم" (أ ف ب)

لقد عَلِمَ سلفاً أن روسيا تسعى جاهدة إلى ترويج شبكة أنابيب الغاز التي أرادت مدّها عبر أوروبا، لكن الدبلوماسي الأميركي لم يدرك مدى استعداد موسكو للتنمّر على بلدان أخرى، إلا حين التقى بزعيم من أوروبا الشرقية بعد الغداء، أثناء زيارة أجراها قبل بضعة أعوام.

عام 2007، حاول إقناع ذلك الزعيم بالتخلي عن شراء الغاز من شركة "غازبروم" الروسية واختيار جهة أخرى تدعمها الولايات المتحدة. أجابه الزعيم الأوروبي بحذر أنه لا يمكنه تحمّل إثارة استياء موسكو وشركة غازها العملاقة، "غازبروم"، التي تملكها الدولة. 

ووفق ما يتذكر ماثيو برايزا، الذي شغل منصب نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون الأوروبية والأوراسية في أواخر العقد الأول من الألفية الثانية، "لقد أخبرني [ذلك الزعيم] برغبته بأن أفهم أنه يشعر بالتهديد على حياته السياسية الخاصة وعلى سلامة مواطنيه، إذ سيتعيّن عليهم إعادة التفاوض على أنبوب الغاز".  

ويتابع برايزا، "أوضح لي أن ’غازبروم‘ لن تسمح بأنبوب الغاز الأوروبي"، في إشارة إلى إحدى الخطط المتعددة لإمداد أوروبا الشرقية بغاز غير روسي. وأضاف، "[لقد أوضح ذلك الزعيم] أن تحديهم لها قد يؤدي إلى وفاة مواطنيهم من البرد، ما سيجلب معه نهاية حكومته ويخلق أزمة سياسية".

في هذا الأسبوع، سلّطت الأضواء على الدور المتضخم الذي تلعبه "غازبروم" في الشؤون الأوروبية بعدما قطعت إمدادات الغاز عن بولندا وبلغاريا. رفضت وارسو وصوفيا تلبية طلب فلاديمير بوتين بتسديد ما يترتب عليهما من فواتير الغاز بالعملة الروسية، الروبل، في ما قد يشكّل خرقاً للعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على موسكو على خلفية غزوها لأوكرانيا.

وهرع القادة الأوروبيون من أجل التعويض عن هذا النقص المفاجئ، ودانوا الخطوة التي اتخذتها موسكو وتعهدوا بتخفيف اعتماد بلدانهم على النفط والغاز الروسيين. وفي تصريح لها، ذكرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أنه "من غير المفاجئ أن يحاول الكرملين ابتزازنا عبر الوقود الأحفوري. [في المقابل]، إن حقبة الوقود الأحفوري الروسي في أوروبا إلى أفول".

لقد جرت العادة أن أصحاب نظريات المؤامرة الذين تعززهم الوسائل الإعلامية التابعة للكرملين، غالباً ما ينسبون الحوادث العالمية الكبرى إلى مكائد سرية تحيكها شركات الطاقة في سبيل بناء أنابيب النفط ومضاعفة أرباحها.

إنما قد لا يكون في التاريخ مثالاً أفضل من "غازبروم" في ما يتعلق بشركة طاقة تسعى إلى التأثير في النفوذ السياسي، إذ إنها تمثّل شركة قابضة ضخمة تسيطر عليها الدولة وتملك عشرات الشركات الفرعية ولديها نصف مليون موظف، وتمتدّ أذرعها كالأخطبوط في كل أنحاء العالم.

واستطراداً، لقد وصف المطلعون على هذا القطاع مرة تلو الأخرى "غازبروم" التي تمتلك بالكامل شركات تزويد الغاز في أراضٍ سوفياتية سابقة كأرمينيا وبيلاروس، ولديها شراكات جزئية في أماكن بعيدة كنيجيريا، فضلاً عن مؤسسات ومكاتب تجارية في المملكة المتحدة وهولندا وجزر كايمان، على أنها "دولة داخل الدولة".   

في ذلك الصدد، ترى كلوديا كمفيرت، خبيرة في شؤون الطاقة تركّز على قطاع الطاقة الروسي وتعمل في "المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية" ببرلين، "لم تكُن غازبروم يوماً شركة عادية. لطالما كانت شركة تملكها الدولة ولديها اهتمامات جيوسياسية".

احتج موظفون ومسؤولون سابقون كثر في "غازبروم" [على تلك التوصيفات] بقولهم إنها شركة طاقة عادية تكرّس عملها لتعظيم مكاسبها. وكذلك فإنها موقع إلكتروني يفصّل حيازاتها المالية. وتروج أعمالها الخيرية بطريقة استعراضية. ويحتفي رئيسها التنفيذي أليكسي ميلر بموظفات الشركة أثناء "يوم المرأة العالمي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقد كتب هذا العام "تعمل شركتنا الكبيرة بانتظام ودقة، وتبلغ آفاقاً جديدة. ويعود جزء هائل من هذا طبعاً، إليكن، أنتن النساء".

لم تردّ "غازبروم" على طلب صحيفة "اندبندنت" إجراء مقابلة معها.

خلال اجتماع عُقد قبل بضعة أعوام، أصرّ وزير الطاقة الروسي الراحل سيرغي شماتكو أمام دبلوماسي زائر على أن الغرب يسيء فهم "غازبروم" كلّياً.

وتذكّر الدبلوماسي بأن الوزير السابق أخبره "هل تعتقد بأن روسيا تستخدم الطاقة سلاحاً؟ كلا. جلّ ما نريده هو جني أقصى الأرباح الممكنة".

ولكن لدى "غازبروم" جانباً آخر، وفي غالبية الأحيان ترقى تقلباته وحوادثه إلى مستوى قصص الجاسوسية. في أحد فصول ذلك الجانب الحديثة والقاتمة بشكل خاص، توفي أربعة مسؤولين سابقين وحاليين في "غازبروم" خلال أسابيع عدة، إضافة إلى مسؤول روسي آخر في مجال الطاقة، ضمن ظروف غامضة، في الفترة التي سبقت غزو أوكرانيا وتلته.

وفي حالتين من ضمن هذه الحالات، اكُتشفت أيضاً جثث زوجات وبنات المسؤولين في موسكو وفي مدينة سياحية إسبانية، وقد ضُربن حتى الموت.

وقد تناول مسؤول غربي سابق رفيع المستوى متخصص في مجال الغاز والنفط تحدث بشرط عدم ذكر إسمه، هذه الوفيات التي صُنفت بصورة مؤقتة على أنها انتحار لكنها لا تزال قيد التحقيق. وبحسب كلماته، "إنه أمر جنوني. لا شك في أنها حوادث غريبة وخارجة عن المألوف، في أقل تقدير".

وعلى نطاق واسع، تُعتبر شركة "غازبروم"، أكبر شركات الطاقة المملوكة لدولة في العالم، تجسيداً جديداً لوزارة الغاز في الاتحاد السوفياتي سابقاً. خلال تسعينيات القرن العشرين، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، طُرحت أسهمها في أسواق رأس المال وبيعت بعض أجزاء الشركة لأثرياء متنفذين في القطاع الخاص.

في المقابل، اهتم بوتين، العميل السابق في جهاز الاستخبارات السوفياتي السابق "كي جي بي"، الذي حزن على وفاة الإمبراطورية السوفياتية، باستعادة السيطرة على الشركة، فيما أحكم قبضته على روسيا أثناء تسلقه سلم السلطة في أواخر تسعينيات القرن العشرين. 

مع حلول عام 2003، أُلغيت خطط تقسيم "غازبروم" وتحويل أجزائها إلى وحدات صغيرة متنافسة. وتبوّأ أفراد [المجموعة التي توصف باسم] سيلوفيكي siloviki وهم رجال الأمن السابقون والحاليون المحيطون ببوتين، مناصب رئيسة في الشركة.

عام 2021، سجّلت الشركة التي تتخذ من مدينة سانت بطرسبرغ مقراً لها، عائدات قياسية بلغت قيمتها 90.5 مليار دولار (72 مليار جنيه استرليني) وربحاً صافياً قياسياً للسنة، بلغ 29 مليار دولار.

في ذلك الإطار، تلعب السلطة السياسية، إضافة إلى العوامل الجيولوجية والهندسة واللوجستيات، دوراً جوهرياً في قطاع الطاقة العالمي منذ زمن بعيد. وفي هذا المجال المشحون بألاعيب السلطة السياسية الخفية، والأخلاق المشكوك بها والفساد، لا تزال "غازبروم" عنصراً شاذاً، برأي خبراء القطاع.

وبحسب برايزا "تُستخدم باعتبارها صندوق تمويل، وأداة لدبلوماسية ليّ الذراع".

إذ نادراً ما تتردد "غازبروم" في استخدام نفوذها العالمي. ويشكل ما حدث مع بولندا وبلغاريا هذا الأسبوع مثلاً على ذلك. منذ حلّ الاتحاد السوفياتي، أصبحت "غازبروم" أداة أساسية في عملية الحفاظ على النفوذ في المناطق التي تسميها موسكو بـ"الخارج القريب" الذي يشمل دولاً كأوكرانيا وجورجيا ودول أوروبا الشرقية والوسطى التي كانت تابعة للاتحاد السوفياتي سابقاً.

عام 2006، بعد عامين من اندلاع انتفاضة شعبية سُمّيت بـ"البرتقالية" في أوكرانيا، أطاحت بزعيم موالٍ للكرملين، أغلقت "غازبروم" أنبوب غاز أساسي كان يغذّي معظم مناطق أوروبا بالطاقة، على خلفية ما وصفته الشركة بأنه خلاف مالي مع كييف التي اتهمتها "غازبروم" بسرقة كميات من الغاز.

وشملت البلدان التي تراجعت فيها إمدادات الغاز حتى الصفر البوسنة والهرسك وكرواتيا وصربيا. وكذلك تأثرت ألمانيا وفرنسا والنمسا وهنغاريا بشكل كبير.

فيما تزعم "غازبروم" بأن هدفها الوحيد يتمثّل في تحقيق أقصى درجة من الربح، لا يبدو كثير من تعاقداتها العملية منطقياً من الناحية التجارية. ويبدو أن التعيينات وعمليات الشراء التي تجريها، تصبّ في غالبية الأحيان في مصلحة بناء نفوذ الكرملين، وليس مكافأة المساهمين أو مضاعفة الأرباح.

ويشمل ذلك تعيين المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر، الذي شقّ مساره المهني في السياسة ولم تكُن لديه أي تجربة تذكر في قطاع الطاقة، لكنه أدى دوراً رئيساً إذ أسهم في إرساء اعتماد بلاده على الغاز الرخيص الثمن. في بادئ الأمر، أصبح رئيس مشروع أنبوب الغاز "نورد ستريم 2" الذي أوقف حالياً، واختير في وقت سابق من العام الحالي للالتحاق بمجلس إدارة الشركة.

وبحسب أحد المطلعين على القطاع الذي اشترط عدم ذكر اسمه، "لقد كان التعيين خطوة سياسية. وما من دافع آخر له".

في سياق متصل، تزوّد "غازبروم" منطقة ترانسنيستريا الموالية لروسيا والمنفصلة عن مولدوفا، بالغاز الزهيد الثمن، الذي تتولى تلك المنطقة بيع معظمه إلى مولدوفا.

واستطراداً، فمع أن مولدوفا تدفع لقاء الغاز الروسي لشركة تسيطر عليها ترانسنيستريا، لا يدفع ذلك الجيب [ترانسنيستريا] إلى شركة "غازبروم"، وهكذا بلغت فاتورته لقاء إمدادات الطاقة غير المدفوعة عبر السنين أكثر من 7 مليارات دولار، وفقاً لوثائق قدّمها مسؤولو "غازبروم" إلى المحكمة وذكرتها التقارير الإعلامية. 

ومع ذلك، يستمر الغاز بالتدفق. 

وفقاً لبرقية أرسلتها وزارة الخارجية عام 2012 ونشرها موقع "ويكيليكس"، بلغت الأسعار التي فرضتها "غازبروم" على دول فقيرة كأوكرانيا ومولدوفا، 40 إلى 50 في المئة أكثر من تلك التي فرضتها على دول غربية أكثر ثراء. كذلك طلبت "غازبروم" من بلغاريا، أفقر دولة بين أعضاء الاتحاد الأوروبي، سعراً أعلى بكثير لقاء الغاز من ذلك الذي طلبته من ألمانيا. 

ويشرح مراقبو الشأن الروسي هذا التباين في الأسعار على أنه محاولة تنتهجها روسيا مع الدول الأوروبية في تطبيق لمفهوم "فرّق تسُد"، إذ ترغم الدول الأضعف على الرضوخ لمطالب الكرملين، بينما تكسب معاملة تفضيلية لدى الدول الأكثر ثراء، في ما يتعلق بالعقوبات.

بالتالي، تُكافأ الدول التي تلبي طلبات الكرملين بحصولها على غاز زهيد الثمن. ومن هذه الدول هنغاريا التي تحدّى رئيسها فيكتور أوربان مطالبات الاتحاد الأوروبي وحلف "ناتو" له باتخاذ موقف أكثر صرامة من روسيا، فكسب في المقابل إعادة انتخابه الشهر الماضي بفضل برنامج شمل انخفاض أسعار الطاقة.

وكذلك تُعتبر صربيا، التي تؤدي وظيفة الشرطي لمصلحة روسيا في منطقة البلقان، من المستفيدين من سخاء "غازبروم" الذي شمل حصولها على الغاز لقاء سعر زهيد لا يتخطى 270 دولاراً لكل ألف متر مكعب، أي ربع سعر السوق. 

وبحسب نادزدا كوكوتوفيتش التي عملت لفترة طويلة في "غازبروم" سابقاً، ومديرة "نادي بروكسل للطاقة"، وهو مركز أبحاث، "لقد أسهمنا في تطوير قطاع الطاقة الصربي بطريقة مذهلة. بفضل غازبروم، أصبح القطاع الصربي قادراً على التنافس مع كبرى الشركات الأوروبية. استثمروا كثيراً في صربيا".

على نحو مماثل، لم يمتلك أنبوب غاز "نورد ستريم 2" الذي عُلّق العمل به الآن، وكان يفترض به توفير الغاز الروسي لأوروبا الغربية، سوى القليل من الجدوى المالية، لأن تكلفة الاستثمار فيه فاقت الربحية منه بشكل كبير. وقد بُنيَ في وقت سعى معظم العالم إلى تنويع مصادر الطاقة والابتعاد عن الوقود الأحفوري، وفقاً لتقرير جمَّعه "المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية".  

على الرغم من موقف التحدي الذي تبناه الاتحاد الأوروبي هذا الشهر إزاء المطالب الروسية، غالباً ما تنجح خطط موسكو. فمع أن "غازبروم" علَّقت إمداد الغاز لبولندا وبلغاريا يوم الأربعاء الماضي بسبب رفضهما خرق العقوبات ودفع فواتير الغاز بالروبل، أفادت التقارير بأن مشترين عدة في أوروبا، من بينهم اليونان، وافقوا على تنفيذ هذا المطلب.

وحينما تخطئ "إيكسون موبيل" الأميركية أو "بريتيش بتروليوم" البريطانية أو "توتال" الفرنسية، سواء على الصعيد الأخلاقي أو البيئي أو التجاري، تتعرض للمساءلة من قبل المساهمين أو السياسيين أو المحاكم.

في المقابل، اتُّهمت "غازبروم" في إحدى المرات مثلاً بالإفراط في حرق الغاز الصادر أثناء استخراج النفط الخام من الحقول، بشكل أضرّ بمعيشة وصحة شعب اليمال الأصلي الذي يعيش منذ زمن بعيد في المنطقة التي يُستخرج منها النفط في القطب الشمالي. 

لكن سلوك "غازبروم" لم يتغيّر حتى مع الغرامات وأوامر المحكمة. ويبدو أن الشركة لا تأتمر بسوى أوامر بوتين. في الواقع، يُعدّ ميلر، رئيس الشركة التنفيذي منذ فترة بعيدة، إحدى الشخصيات القليلة من زمرة المقربين الذين تعاون معهم بوتين في سانت بطرسبرغ خلال تسعينيات القرن العشرين. ولا يزال ميلر ثابتاً على وفائه لزعيم روسيا.

في 17 مارس (آذار) 2022، بينما كانت روسيا تحت مجهر العقوبات والضغوطات الدولية بسبب غزوها لأوكرانيا، نُقل عن ميلر قوله إنه "من المهم اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن نتمسك بالتزامنا بقضيتنا المشتركة ونتحلق حول رئيسنا".

وإضافة إلى توفير الطاقة، تؤدي "غازبروم" دوراً ضخماً في الداخل الروسي من حيث توفير الوظائف والرعاية، إذ تمتلك ناديين لكرة القدم، وأكبر شركة إعلامية في روسيا، وتسيطر على أكثر من ست محطات تلفزيونية وإذاعات ومواقع إلكترونية.

والأهم من ذلك أنها تسهم في الحفاظ على السلم الاجتماعي عبر إرسال الغاز الزهيد الثمن إلى المناطق الفقيرة والمضطربة في البلاد، وأحياناً تسمح بتراكم المتأخرات.

وبحسب كوكوتوفيتش "تؤدي غازبروم دوراً اجتماعياً كبيراً جداً بسبب عائداتها، وبسبب مساهماتها في مشاريع التنمية الاجتماعية. لطالما اعتُبِرَت تلك الشركة حتى 30 عاماً خلت، واحدة من فروع الدولة".

في ذلك الإطار، تدير الدولة في النرويج وقطر والجزائر شركات تبيع الغاز الطبيعي كذلك. ولكن نادراً ما اتّهمت باستخدام الموارد كأدوات قاسية لليّ الذراع السياسية، هذا إن استخدمتها يوماً. حتى فيما تشتري الدول الغربية من "غازبروم"، فإنها لن ترغب بالسماح لشركة فيها انعدام الشفافية والمسؤولية بالعمل في إطار السلطة القضائية لتلك الدول.

وكذلك أعرب أحد المطلعين على قطاع الطاقة عن قناة مفادها بأن "شركة غازبروم تحاول أن تقدم صورة جيدة عن نفسها. ولكن ثمة وجهاً آخر. إنها ليست سوى أداة، وكل العلاقات التي بنتها لا تتعدّى كونها صندوق أدوات".    

أربكت الوفيات الحديثة غير المسبوقة والغامضة لمسؤولين سابقين وحاليين في "غازبروم" ومسؤولين في مجال الطاقة كل الأطراف المرتبطة بالشركة، وأثارت مجموعة تساؤلات جديدة حول ثقافة الشركة.

وقد شملت تلك الوفيات ليونيد شولمان، المسؤول في "غازبروم" البالغ من العمر 60 سنة، الذي وُجدت جثته وعليها آثار طعن على رسغه في أواخر يناير (كانون الثاني)2022 ، داخل مجمّع فخم يتمتع بحراسة شديدة قرب سانت بطرسبرغ.

كذلك وُجد ألكساندر تيولياكوف، 61 سنة، وهو مسؤول سابق كذلك في "غازبروم"، مشنوقاً داخل مرآبه في المجمع ذاته في 25 فبراير (شباط) 2022.

وفي أواخر فبراير كذلك، وُجد الروسي ميخايل واتفورد، 66 سنة، وهو قطب سابق في مجال النفط والغاز وُلد في أوكرانيا، مشنوقاً داخل مرآب السيارات في منزله الكائن في سري بإنجلترا.

كذلك عُثر على فلاديمير أفاييف، 51 سنة، النائب السابق لرئيس مصرف "غازبروم بنك" والمدير التنفيذي لشركة طاقة حالياً، جثة هامدة إلى جانب زوجته وابنتهما البالغة من العمر 13 عاماً في 18 أبريل (نيسان) داخل شقتهم بموسكو، في ما زعمت الشرطة الروسية أنها جريمة قتل وانتحار.

بعد ذلك بيومين، وجدت الشرطة الإسبانية جثث المدير التنفيذي السابق في شركة غاز روسية سيرغي بروتوسينيا، وزوجته وابنتهما البالغة من العمر 18 سنة، داخل فيلَّتهم في مدينة لوريت دي مار الساحلية. ولم يُعطَ أي تفسير بعد لوفاة هذا العدد من مسؤولي الطاقة الروس السابقين والحاليين لأسباب غير طبيعية.

في سياق متصل، هرب مسؤول سابق آخر في مصرف "غازبروم بنك" هو إيغور فولوبويف من روسيا للانضمام إلى الجهد الحربي في أوكرانيا ضد موسكو. وفي مقابلة له مع صحيفة "ذا إنسايدر" الإلكترونية الروسية، عبّر عن شكوكه في أن يكون أفاييف أو بروتوسينيا قتلا أنفسهما أو عائلتيهما، مع أنه لم يقدّم أي دليل على ذلك.

ووفق تصريح فولوبويف إلى تلك الصحيفة، "لا أعتقد بأنه كان قادراً على قتل زوجته وابنته، بل أعتقد بأن الأمر مدبّر. لماذا؟ من الصعب قول ذلك. ربما كان يعرف شيئاً وشكّل خطراً معيناً".

كذلك تعزو كمفيرت توقيت الحرب الأوكرانية، والإشاعات الغامضة والدموية أحياناً حول الشركة، إلى التغييرات الجذرية المقبلة في سياسات الطاقة الغربية. في المستقبل، من المحتمل أن تخسر "غازبروم" نفوذها بسبب الضغوط المتزايدة للتقليص من استخدام الوقود الأحفوري في مواجهة تغيّر المناخ الكارثي. هذا الشهر، وضعت ألمانيا يدها على شركة فرعية تابعة لـ"غازبروم" بعدما أوقِفت أعمال تلك الشركة.

وفيما استثمرت شركات الطاقة الغربية مليارات الدولارات في مجالات الطاقة البديلة، تتحدث الولايات المتحدة بجدية عن "صفقة خضراء جديدة" ستكون أقل اعتماداً على الوقود الأحفوري، وحتى دول الخليج الثرية بالنفط تبني قدراتها في مجال الطاقة الشمسية. في المقابل، فشلت "غازبروم" في التغيير حتى مع زعمها في بيان صحافي بأنها "تطبق مجموعة واسعة من المبادرات الرامية إلى تقليص" بصمتها الكربونية.

وكخلاصة، ترى كمفيرت أنه "لدينا حكومة جديدة في ألمانيا مع حزب الخضر، وسوف تقرر بلا شك الابتعاد عن الوقود الأحفوري. هناك تغيير هائل، والعملية برمّتها لا رجعة فيها".

 

نشر في "اندبندنت" بتاريخ 01 مايو 2022

© The Independent