كل يوم، يظهر غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا بوضوح أكبر جنون الاستمرار في الاعتماد على الوقود الأحفوري والأسواق المتذبذبة حيث يباع ويشترى فيها.
علقت روسيا إمدادات الغاز إلى بولندا وبلغاريا بعدما رفض البلدان استخدام ثغرة تسمح للدول "غير الصديقة" [المناوئة] بسداد ثمن الغاز باليورو الذي يحول لاحقاً إلى العملة الروسية، الروبل، لكي تتسلمه روسيا على هذا المنوال.
قال الاتحاد الأوروبي إن روسيا "تبتز أوروبا" بتهديدات قطع الإمدادات، فيما اعتبر البيت الأبيض أن روسيا "تحول إمدادات الطاقة إلى سلاح تقريباً".
لكن من هو المسؤول عن السماح لهذا الإدمان الهائل بالاستمرار من دون حسيب أو رقيب في المقام الأول؟ منذ عقود طويلة، تتلقى الحكومات تحذيرات بشأن الأضرار التي تتسبب بها انبعاثات الوقود الأحفوري، ومع ذلك، يقوض إدمان النفط والغاز المتجذر بشدة قدرة أوروبا على التعامل مع عدوانية الكرملين.
ما يعنيه هذا الظمأ للوقود الأحفوري هو أن عدداً من أكبر شركات الطاقة في أوروبا تصطف الآن لكي تفتح حسابات بالروبل في "مصرف غازبروم بنك"Gazprombank الروسي في سويسرا، بما يتيح لها الاستمرار بشراء الغاز وفقاً للشروط الروسية.
وهو ما سيطيح في النهاية فعالية العقوبات الأوروبية ويضخ المليارات نقداً في الاقتصاد الروسي.
يمكن سد هذه الثغرة بسهولة- في الوقت الحالي، لم تفرض العقوبات على مصرف غازبروم بنك، الذي أنشأته شركة غازبروم. ولكن فرض العقوبات على مصرف "غازبروم بنك" سيوقف مباشرة استيراد النفط الروسي في أوروبا. قد تكون هذه الخطوة كارثية بالنسبة إلى الناس في أوروبا على المدى القصير، إذ يتوقع أن يوقف نقص الغاز الناتج عنها عمل القطاعات الصناعية [يشل عجلتها] ويشعل معارك ضروس لتحديد أي البلدان والشركات تحتاج إلى الطاقة أكثر من غيرها، وقد يرفع بسرعة أسعار الغاز في أوروبا لدرجة بلوغها مستويات قياسية.
ولكن مع كل كيلوواط ساعة من الطاقة المستخدمة، تدعم الدول الأوروبية اقتصاد روسيا. ومن الجدير بالذكر بأنه لهذا السبب تحديداً، لن ترغب روسيا بتعليق تصدير الغاز لوقت طويل. إنها لعبة "من يستسلم أولاً"، ومن شأنها إما حماية الاقتصاد الروسي فيما تستمر أوروبا بالاعتماد على النفط الروسي مع كل ما يفترضه ذلك، أو في حال تلاشي هذا الخيار، ستصبح العقوبات المفروضة على روسيا حقيقية وسيلعب بوتين دوراً أساسياً في ترنح اقتصاد بلاده- ربما لصالح أوكرانيا. وفي هذه الأثناء، ستشهد أوروبا تعميقاً لأزمة الطاقة فيما تسارع في آخر لحظة لتنويع مزيج طاقتها.
في الوقت الحالي، تحاول أوروبا كشف خدعة موسكو.
يوم الأربعاء، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين "نحن مستعدون لهذا السيناريو. ونحن على اتصال وثيق مع كل الدول الأعضاء. ونعمل على تأمين إمدادات بديلة وأفضل مستويات التخزين الممكنة في كل أرجاء الاتحاد الأوروبي".
لكن الشكوك كبيرة في أن يتمكن ذلك المخزون كما الانتقال إلى خطوط إمداد جديدة أن يملأ فوراً الفجوة التي يخلقها وقف إمداد الطاقة من روسيا.
فيما أوصلنا عدم تخلي القادة السياسيين عن الوقود الأحفوري إلى هذا الموقف الضعيف، عزز بوتين الآن من عزمهم.
وعلى الأمد البعيد، كل خطوة يتخذها الكرملين تصب في صالح تأكيد ضرورة الابتعاد عن الوقود الأحفوري.
ورداً على ذلك، حري بكل الدول في أوروبا أن تعمل الآن على قدم وساق مهما كلف الأمر -بسرعة قصوى نزولاً على الحاجات الطارئة- لقطع العلاقات إلى أكثر حد ممكن مع البنية التحتية الروسية من الوقود الأحفوري [للانفكاك عن الاعتماد عليها]، قبل أن تلغي كلياً حاجتها إلى هذا النوع من الوقود.
وهذا يعني تحسين فعالية الطاقة -عبر الاستثمار في أنظمة العزل وأنظمة تدفئة المنازل التي لا تعتمد على الغاز مثل المضخات الحرارية- بالتزامن مع تسهيل الفرص الجديدة الهائلة لوسائل الطاقة المتجددة ودعم ازدهار تكنولوجيا البطاريات الجديدة.
اعتبروها إن شئتم "تحويل الطاقة النظيفة إلى سلاح" من أجل تحقيق السلام.
حالياً في المملكة المتحدة، نفشل في القيام بذلك -بل نضيع [نبدد] الوقت الثمين في الاستثمار في مشاريع الغاز والنفط في بحر الشمال، وإرجاء التوقف عن التكسير الهيدروليكي- وكل ذلك لا يساعد أوكرانيا ولا يضعف روسيا ولا يقلل من تعريض الناس لأسواق الطاقة المتذبذبة أو يبذل أي شيء في سبيل [إنقاذ]المناخ.
لا حاجة لنا بالتزام شروط هذه اللعبة بعد اليوم.
© The Independent