Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

آثار كورونا طويل الأمد كلفت الاقتصاد البريطاني 8 مليارات جنيه و400 ألف عامل

مطالبات للحكومة بإصلاح نهج الصحة العامة بعدما كشف بحث عن أن المملكة المتحدة خسرت 400 ألف عامل بسبب المرض

يظهر التقرير أن ما يحصل هو أشبه بـ"حلقة مفرغة" (رويترز)

كشف تقرير جديد صدر في بريطانيا عن أن القوة العاملة للمملكة المتحدة تناقصت بنحو 400 ألف عامل عما كان الوضع عليه قبل الوباء، نتيجة تسبب داء "كوفيد" طويل الأمد وأمراض أخرى، في فقدان أشخاص وظائفهم، بكلفة تقدر بنحو ثمانية مليارات جنيه استرليني (عشرة مليارات دولار أميركي).

وتبين من الدراسة التي أجراها "معهد أبحاث السياسات العامة" The Institute for Public Policy research (IPPR)  (مركز أبحاث غير ربحي يُعنى بتحسين السياسات العامة في بريطانيا)، أن التفاوت وحال عدم المساواة العميقة، إضافة إلى فشل الحكومة في تحسين صحة البريطانيين، جميعها عوامل جعلت وباء "كوفيد" يتسبب بمزيد من الأضرار الاقتصادية وبمزيد من الوفيات، مقارنة بعدد من الدول الأخرى.

ونبه إلى أن عدوى "كوفيد-19"، كشفت عن مشكلات جوهرية ونقاط ضعف هيكلية في نهج المملكة المتحدة المتبع حيال كل من اقتصادها والصحة العامة.

وقدرت أحدث الإحصاءات الرسمية في بريطانيا، أن نحو مليون و700 ألف شخص، 2.7 في المئة من مجموع السكان، يعانون أعراض "كوفيد" المبلغ عنها ذاتياً، بعد أكثر من أربعة أسابيع من إصابتهم بالفيروس.

واستنتج تقرير "معهد أبحاث السياسات العامة" أن هذا الواقع انعكس بشكل كبير على اقتصاد البلاد. وقدر أن القوة العاملة "خسرت" نحو مليون شخص الآن، مقارنة بالاتجاه الذي كان سائداً ما قبل الجائحة.

وأشار إلى توقف قرابة 400 ألف فرد من هؤلاء عن العمل، بسبب عوامل صحية مثل "كوفيد" طويل الأمد ومشكلات الصحة العقلية. وقدر الباحثون أن هذا الواقع كلف المملكة المتحدة ثمانية مليارات جنيه استرليني (عشرة مليارات دولار) سنوياً من حيث الإنتاجية المفقودة.

وحمل التقرير سياسات الصحة العامة غير الفعالة، كما وصفها، المسؤولية عن كشف المملكة المتحدة وجعلها عرضة للتأثيرات طويلة الأجل للوباء. واعتبر "معهد أبحاث السياسات العامة" أن القرارات السياسية أدت إلى تقصير حياة الناس، مع تمضية المرضى مزيداً من السنوات وهم في وضع صحي سيئ، واضطرارهم إلى مواجهة عوائق أكبر من أجل البقاء في وظائفهم وتمكنهم من مواصلة العمل.

وقدم التقرير أدلة على أن العلاقة بين الصحة والاقتصاد، تشكل عاملاً حاسماً في الإنتاجية "المتراجعة للغاية" للمملكة المتحدة، والنمو المنخفض، والتفاوتات بين المناطق.

ويسهم تدهور الوضع الصحي في جعل أعداد كبيرة من الناس يتركون عملهم، ولا سيما منهم في المناطق الفقيرة. وتظهر الأرقام الرسمية على سبيل المثال، أن النساء في مناطق السلطات المحلية الأكثر حرماناً لا يتمتعن بحياة صحية، إلا ثلثي عدد السنوات التي يعيشها قريناتهن في المناطق الأكثر ثراء.

اللورد أرا دارزي وهو جراح رائد، وعضو مستقل في مجلس اللوردات، ورئيس مشارك لـ"اللجنة المعنية بالصحة والازدهار" Commission on Health and Prosperity التي تم تشكيلها حديثاً، رأى أنه يتعين على بريطانيا الآن أن تختار ما بين مواصلة المضي في المسار الراهن لـ"القطاع الصحي المتهالك، والاستثمار العام المتدني، والنمو الضعيف" من جهة، أو التزام إجراء "تحسين سريع في مختلف الجوانب المتعلقة بالصحة العامة، والبناء على ذلك من أجل تحقيق مزيد من الازدهار والأمن".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في غضون ذلك، وعلى الرغم من مزاعم الحكومة البريطانية أنها تقوم بتحسين أوضاع مناطق البلاد، ما زالت المملكة المتحدة تعاني إلى حد كبير حال عدم التكافؤ بين مناطقها. وتبين من التحليل الذي أجراه "معهد أبحاث السياسات العامة" على المستوى المحلي، أن شخصاً ما يعيش في شمال شرق لينكولنشير، يمكن أن يتوقع أن يواجه حالة صحية سيئة قبل ثماني سنوات من متوسط الأفراد في سائر أنحاء المملكة المتحدة، في حين تقل قيمة ناتج عمله أيضاً بنحو ثمانية جنيهات استرلينية (عشرة دولارات) في الساعة، عن المتوسط العام في البلاد.

ويظهر التقرير أن ما يحصل هو أشبه بـ"حلقة مفرغة"، إذ إن عوامل مثل الفقر والنقص في فرص العمل، من شأنها أن تضر بصحة الناس، وقد يؤدي تراجع الصحة في المقابل، إلى تقويض عمل الأفراد وإنتاجية المناطق التي يعيشون فيها.

ويمكن للأشخاص الذين يعيشون في المناطق الأكثر حرماناً من الناحية الاقتصادية في البلاد، بما فيها بلاكبول ونوسلي و"باركينغ أند داغنهام"، أن يتوقعوا مواجهة حالة صحية سيئة في أواخر الخمسينيات من عمرهم، أي قبل المتوسط الوطني العام بنحو خمس سنوات، وقبل ذلك بنحو 12 سنة مقارنة بالأشخاص الذين يعيشون في المناطق التي تنعم برعاية صحية أفضل.

ويعزو بحث "معهد أبحاث السياسات العامة" السبب بنسبة كبيرة، إلى عوامل كالسكن المتدني المواصفات، والوظائف السيئة والأجور المنخفضة المردود، والضغوط المزمنة، ويقدر أنه إذا تم رفع المعايير الصحية في مختلف مناطق السلطات المحلية وجعلها متوازية مع المناطق العشر في المئة التي تمتاز بمستويات أفضل من الرعاية الصحية في البلاد، فإن المملكة المتحدة ستشهد "قفزة كبيرة" من حيث الإنتاجية.

واستنتج التقرير أن العمال في منطقة بلاكبول، التي تُعد الأقل امتيازاً من أي منطقة أخرى في المملكة المتحدة لجهة عدد السنوات التي ينعم بها سكانها بمستوى صحي جيد، سيحققون زيادة في إنتاجهم بنسبة 3.9 في المئة.

السير أوليفر ليتوين الوزير السابق في الحكومة، والعضو في "اللجنة المعنية بالصحة والازدهار"، ذكر بالاستثمارات الضخمة التي تم ضخها في مجال الصحة العامة خلال "العصر الفيكتوري" (فترة حكم الملكة فيكتوريا ما بين عام 1837 إلى حين وفاتها في عام 1901)، التي أسهمت في تحقيق نمو سريع للاقتصاد، ورأى ليتوين أن "الوقت قد حان لإحياء هذه المبادئ، وتأمين حقبة جديدة أفضل من الرعاية الصحية، مع تحقيق مساواة أكبر في هذا المجال، وإرساء الأسس لازدهار أوسع نطاقاً".

سالي ديفيس كبيرة المسؤولين الطبيين سابقاً والرئيسة المشاركة لـ"اللجنة المعنية بالصحة والازدهار" في مجلس اللوردات (تحمل لقب "دام")، أشارت إلى أنه "فيما تم تخفيف قيود كوفيد، ما زالت ندوب الوباء واضحة في أركان القطاع الصحي للبلاد، ومفاعيلها عميقة في اقتصادنا"، وأضافت، "أننا لا نواجه فحسب أزمة حادة لجهة ارتفاع كلفة المعيشة، تسبب بها جزئياً التضخم الناجم عن الجائحة، بل نشهد أيضاً نقصاً في القوى العاملة، مترافقاً بفجوة واضحة في قطاع الصحة، تشكل حجر عثرة لعجلة الاقتصاد"، وختمت ديفيس بالقول، "نحن اليوم في أمسِّ الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى وضع الصحة في صلب أولويات مجتمعنا واقتصادنا. وستعمد لجنتنا إلى تقديم خطة مناسبة لتحقيق هذا الهدف".

© The Independent