Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أعمال فنية غيرت القوانين في مصر

نيللي كريم على خطى فاتن حمامة في "أريد حلا" وميرفت أمين بـ"آسفة أرفض الطلاق"

فيلم "أريد حلا" حقق مكاسب للنساء فيما يتعلق بإعادة النظر بالتقاضي لطلب الطلاق وبيت الطاعة  (أرشيف مكرم سلامة)

قوانين الأحوال الشخصية تبدو مدخلاً ملائماً وثرياً لصنع عمل فني يحقق صدى، وهي "ثيمة" مضمونة إلى حد ما يستمد من خلالها المسلسل أو الفيلم شعبيته، لكن الموضوع في حد ذاته لا يكفي، ينبغي أيضاً أن تكون هناك "حرفة" لصياغة الشخصيات والأحداث والتقاطعات التي تنتصر للفكرة والقضية من دون أن تخل بالرؤية الدرامية. وللعام الثاني على التوالي ينجح مسلسل رمضاني في أن يفتح جراحاً مسكوتاً عنها في ما يتعلق بمعاملات الزواج والطلاق وتبعات الانفصال بين الشريكين في مصر.

فبعد أن أثار مسلسل "لعبة نيوتن" بطولة منى زكي وإخراج تامر محسن العام الماضي أزمة الطلاق الشفهي، جاء مسلسل "فاتن أمل حربي" لنيللي كريم وشريف سلامة في رمضان 2022، ليناقش أموراً بدت مفاجئة للبعض في سلسلة القضايا التي تخوضها النساء، للحصول على حقوقهن وحقوق صغارهن بعد انتهاء علاقة الزواج، الأمر الذي تصاعدت معه دعوات لتغيير بعض بنود قانون الأحوال الشخصية في مصر التي يراها كثيرون تتعنت ضد النساء، فهل سيكون العمل بداية حملة حقيقية لتعديل القانون مثلما حدث قبل سنوات طويلة في أعمال شهيرة بتاريخ السينما المصرية، خصوصاً أن طبيعة التفاعل مع قصته تعدت مجرد التعاطف إلى دعوات لإجراء تعديلات جذرية تسقط بعض الأعباء عن كاهل المرأة في رحلتها للتقاضي ضد الزوج السابق؟

رحلة فاتن أمل حربي

يحظى "فاتن أمل حربي" الذي كتبه إبراهيم عيسى وأخرجه محمد جمال العدل بمتابعة تترجم إلى تدوينات لا تتوقف ما بين مؤيد ومعارض للأفكار التي يطرحها، فهناك فئة ترى أن الرجال مظلومون أيضاً في ما يتعلق برحلة التقاضي ويحرمون في بعض الأوقات من رؤية أطفالهم، لكن المسلسل يحاول أن يركز على الفئة الأكثر تضرراً، إذ يناقش العمل على لسان البطلة اعتراضات واضحة على القانون المطبق في قضايا الأحوال الشخصية بالوقت الحالي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واللافت أن التعليقات من قبل المجلس القومي للمرأة وشيوخ دين بمؤسسات الفتوى الرسمية تتواتر منذ الحلقات الأولى من المسلسل، فيما هناك حملات إلكترونية متوالية تطالب بضرورة إعادة النظر في أسس تنظيم القضايا التي تلجأ إليها السيدات للحصول على النفقة والحضانة والولاية التعليمية بعد الطلاق، وأيضاً إجبار الفنادق على السماح للنساء دون الـ 40 عاماً بالمكوث فيها من دون محرم، خصوصاً أن هذا الأمر أيضاً نوقش في المسلسل، فعلى الرغم من عدم وجود قانون يمنع أن تنزل المرأة في فندق بصحبة أطفالها أو بمفردها من دون وجود أب أو زوج معها، لكن بعض الفنادق تخالف هذا القرار، إذ لم تجد البطلة مكاناً تبيت ليلتها فيه بعد أن طردها زوجها ومعها طفلتيهما.

"القومي للمرأة" يستجيب

حال الحراك التي سيطرت خلال الأيام الماضية شملت تقديم النائب نشوى الديب بالبرلمان المصري مشروعاً جديداً لقانون الأحوال الشخصية تضمن 180 بنداً تخص المرأة، بينها "أنه على الزوج أن يخطر زوجته بنيته الزواج بأخرى، وإذا رفضت فمن حقها طلب الطلاق"، وأيضاً يتضمن كثيراً من البنود حول مراحل التقاضي بعد الانفصال في سبيل الحصول على حقوقها، ويأتي هذا بالتزامن مع تدوينات للصفحة الرسمية للمجلس القومي للمرأة التي تثني على القضايا المهمة التي يطرحها العمل، وتنشر توضيحات أساسية بخصوص حضانة الأم لأبنائها بعد الطلاق، ومتى تنتزع منها، وأيضاً وضعت صفحة المجلس خطوات للتصرف الأسلم للمرأة في حال حدوث نزاع على مسكن الزوجية استجابة لما جاء في المسلسل أيضاً.

كما حرص المجلس من خلال صفحته أن يرد بشكل واضح على الادعاء بوجود قانون يحرم النساء من الإقامة في المنشآت الفندقية بمفردهن في حال كانت أعمارهن أقل من الـ 40، وجاء في نص توضيح المجلس "يؤكد مكتب شكاوى المجلس القومي للمرأة أن منع السيدات من الإقامة بالفنادق بمفردهن يعد مخالفة لمبادئ الدستور المصري، وأن هذه الأفعال ما هي إلا سلوكيات فردية من الأشخاص العاملين في تلك النزل والفنادق، وأنه لا يوجد أي قانون أو قرار أو تعليمات تنص على ذلك".

ترى الناقدة الفنية ماجدة موريس أن ما فعله مسلسل "فاتن أمل حربي" خلال أيام قليلة يفوق تأثير آلاف المبادرات وحملات التوعية، مؤكدة أنها تفاجأت كثيراً بكم الظلم الذي تتعرض له النساء في قضايا الطلاق والنفقة والولاية التعلمية والحضانة، وصدمت حينما استعرض المسلسل كم القضايا التي تتبع الانفصال، وجميعها منفصلة وليست مجتمعة مما يمثل عبئاً هائلاً على كاهل المرأة.

وتابعت موريس، "فاتن أمل حربي مسلسل مهم للغاية وقد يؤثر بالفعل في تغييرات حقيقية بالمجتمع لأنه قوي ويتمتع بشعبية، فيجب أن نحترم شجاعة المؤلف الذي وقف بجانب النساء في قضية تلتهم أعمارهن وطمأنينة أبنائهن مثل هذه".

 

 

نيللي كريم تريد حلاً أيضاً

فبعد 47 عاماً من عرض فيلم "أريد حلا" لفاتن حمامة ورشدي أباظة وإخراج سعيد مرزوق الذي تسبب بمكاسب ملحوظة للنساء في ما يتعلق بإعادة النظر بالتقاضي لطلب الطلاق وبيت الطاعة، وفي ما بعد قانون الخلع، إذ شعرت البطلة بإهانة كرامتها في المحاكم بعد أن يرفض زوجها تطليقها ويأتي بشهود زور لتخسر قضيتها، جاء مسلسل نيللي كريم هذا العام ليحاول أن ينبه إلى حجم معاناة المطلقات في المحاكم، إذ تحاول الممثلة المصرية الشهيرة المساعدة في زيادة التوعية بنشرها وسائل لمساعدة النساء، بينها عناوين مراكز الاستضافة التي تستقبل السيدات اللاتي يطردن من مسكن الزوجية.

كما أكدت نيللي كريم التي سبق ووقفت أمام سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة في مسلسل "وجه القمر" عام 2000 من خلال تدوينة لها بحسابها الرسمي على فيسبوك "أنها كانت خائفة للغاية حينما عرضت عليها فكرة العمل، لكنها أدركت قيمته بعد بدء التصوير والاستماع إلى قصص واقعية حدثت لسيدات يعشن حزناً وألماً جراء رحلاتهن الطويلة في المحاكم من دون أن يحصلن على حقوقهن".

السينما ورحلة تغيير القوانين

معاناة المطلقات في المحاكم وإلقاء الضوء على وضعهن القانوني غير المتساوي مع الرجال جرى تناوله في أفلام كثيرة، فعلى الرغم من أن أشهرها "أريد حلاً" الذي حرك المياه الراكدة وفجر قضية كبرى، هناك أيضاً أعمال مثل "آسفة أرفض الطلاق" لميرفت أمين وحسين فهمي عام 1980 وإخراج إنعام محمد علي، وتأليف حسن محب ونادية رشاد، حيث تفاجئ الزوجة برغبة زوجها في تطليقها من دون سبب واضح وعلى غير رغبتها، وهنا تحركت كثير من منظمات المجتمع المدني التي حاولت المطالبة بإلغاء طلب الطاعة، وأيضاً أن يتساوى الزوج والزوجة في ما يتعلق بطلب الطلاق أمام القانون.

وفجر فيلم "الشقة من حق الزوجة" عام 1985 لمحمود عبدالعزيز ومعالي زايد وإخراج عمر عبدالعزيز أيضاً أزمة من سينتفع بحق الشقة بعد الطلاق، خصوصاً مع تأزم الوضع في حال كان أحد الطرفين بلا مأوى، لكن على ما يبدو أن كل تلك الأعمال أسهمت في حلول طفيفة وجزئية لأزمة قانون الأحوال الشخصية التي تطالب أطرافاً عدة بتعديله بما فيه نواب بالبرلمان.

ترى الناقدة ماجدة موريس أن الحشد الذي صنع بعرض "فاتن أمل حربي" قد يعطي أملاً في بعض التغييرات، مستشهدة بأمثلة عدة في السينما المصرية، ومشددة على أهمية الفن كقوة هائلة للتغيير للأفضل.

الخروج المشروط للسجناء والسابقة الأولى

اللافت أن الفنان فريد شوقي كان له أكثر من محاولة في تقديم أفلام تناقض قضايا تهم المجتمع، وتكشف عن ضرورة إجراء بعض التغييرات القانونية، فمثلاً من خلال فيلمه "جعلوني مجرماً" الذي عرض العام 1954 وأخرجه عاطف سالم عن قصة فريد شوقي ورمسيس نجيب، ناقش قصة مهمة وهي "السابقة الأولى".

واستعرض الفيلم حياة البطل الذي وجد نفسه منذ أن كان طفلاً بين أيدي عصابة استدرجته للعمل معها بعد أن استولى أقاربه على ميراثه، وعلى الرغم من محاولاته بدء فرصة جديدة يرفض المجتمع أن يغفر له، وهي قصة حقيقية كانت لنزيل بإحدى الإصلاحيات، وبالفعل في ما بعد جرى النظر في القانون الذي ألغى السابقة الأولى حتى يتمكن المخطئ من التوبة وترك طريق الإجرام، وكان لفريد شوقي جولة أخرى مع القانون عام 1973 من خلال فيلمه "كلمة شرف" الذي ناقش بجرأة إمكان السماح للسجناء بالخروج وفق ضوابط معينة لزيارة ذويهم المقعدين والمرضى وكبار السن والرأفة بحالهم إنسانياً، والفيلم قصة فريد شوقي وفاروق صبري وإخراج حسام الدين مصطفى.

وأيضاً تمت الاستجابة بتعديل بعض بنود القانون بالفعل ليتمكن السجناء من الخروج وفق شروط محددة لزيارة أهاليهم، فالأعمال الفنية المصرية تحاول منذ عشرات السنوات أن تنبه إلى أن حلول بعد الأزمات المجتمعية قد تحل ببساطة ببعض التعديلات القانونية، فهل ينضم "فاتن أمل حربي" لقائمة تلك الأعمال؟

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة