Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دفتر أحوال المرأة المصرية: انتصارات رسمية وانكسارات مجتمعية

تعاني أزمة هوية طاحنة في مجتمع يرى تنصيبها قاضية ذنباً عظيماً

تعاني المرأة المصرية أزمة هوية طاحنة بين التشدد والوسطية (أ ف ب)

تحتفي نساء العالم بيوم المرأة العالمي في مثل هذا اليوم من كل عام على مدار 166 عاماً. فمنذ 1856 وقت تظاهرت آلاف النساء الأميركيات في مدينة نيويورك احتجاجاً على ظروف العمل القاسية وغير العادلة تجاههن، وما تلاها من تظاهرات واحتجاجات انتقلت من مدينة إلى أخرى ومن دولة إلى غيرها على مدار سنوات، تحوّل 8 مارس (آذار) من كل عام إلى احتفالية عالمية بنساء العالم، إمّا للاحتفال بما حققته من مساواة، وإمّا بكاءً على لبن عدالة مسكوب أو مهدور.

نظرية الهدر في حقوق المرأة نسبية، فالمرأة في دول غربية وثقافات غير عربية لم تعد تسعى لإثبات قدرتها على التفكير أو ملكاتها في العمل أو البرهنة على أنها أنها إنها واحد صحيح غير منتقص، بل تعمل على تثبيت حقوقها بتذكّر الماضي الأليم وقت كانت محرومة من العمل السياسي، أو ممنوعة من رئاسة الدول أو محبوسة في مهن بعينها من دون غيرها، أو اكتساب المزيد عبر كسر المألوف والثورة على الممنوع.

المرأة واحد صحيح

وفي العام الـ 22 من الألفية الثالثة، لم تعد حركات مثل "مي تو" أو "أنا أيضاً" لمناهضة للتحرش الجنسي، التي أجبرت شخصيات عامة مشهورة على الاستقالة أو الانزواء أو العقاب بعد مجاهرة ضحاياهم بما فعلوه من تحرشات واعتداءات جنسية تدهش العالم. كذلك مبادرات المساواة في الدخل والترقي وفرص العمل والدراسة وغيرها وفضح المتحيزين للرجل أو مقاضاتهم لم تعد تصيب العالم بصدمة المجاهرة أو على وجه الدقة لم تعد تدهش جانباً كبيراً من العالم، وهو الجانب الذي سلّم بأن المرأة واحد صحيح قبل عقود.

اليوم، قرر العالم أن يكون موضوع الاحتفال بنساء العالم هو "المساواة المبنية على النوع الاجتماعي من أجل غد مستدام". العنوان الأممي الرائع يتطرق إلى العمل المناخي من قبل النساء ومن أجلهن.

"هيئة الأمم المتحدة للمرأة" تشير إلى أن العالم أصبح لديه فهم أوضح للصلة الوثيقة بين التغير المناخي والعدالة الاجتماعية، مع إدراك كامل باستحالة تحقيق مستقبل مستدام ومتساو من دون ضمان المساواة البينية.

بينية المساواة

بينية المساواة والحمل الأكبر الواقع على النساء بفعل التغير المناخي، وأثر ذلك في تعميق الفجوات بين الجنسين ومسؤولية كفالة الغذاء والمياه والوقود الواقعة على أكتافهن وحدهن في عديد من المجتمعات ومعاناتهن المتفاقمة في الوصول إلى الموارد جميعها أمور مصيرية تسطر مصائر ملايين النساء وأسرهن.

وعلى رغم ذلك، فإن الحديث عن "بينية المساواة" و"العوائق المناخية" و"العواقب البيئية" لا تعني الكثير لـ "أم دلال" بائعة الليمون، أو دلال نفسها التي تعاني الأمرّين من أجل تدبير مصروفات زواجها عبر أعمال منزلية باليوم، وهي التي حُرِمت من التعليم لصالح أخيها لأنه "ذكر"، أو "مدام أسماء" التي ما زال زوجها يراوغ في دفع نفقته ونفقة الأبناء بعد طلاقهما وزواجه بأخرى، أو "المهندسة شيماء" خريجة كلية الهندسة الميكانيكية، التي تعمل أكثر من عشر ساعات يومياً، وتقييم إنتاجها يفوق زملاءها من الذكور بمراحل، لكن راتبها يقل عنهم بمراحل أيضاً، أو آلاف الشابات من طالبات وخريجات كليات الحقوق اللاتي يطمحن ويحلمن بالجلوس على منصة القضاء، أو عشرات الفتيات ممن ظنن أن في إمكانهن تقديم محتوى بشكل أو بآخر على منصات التواصل الاجتماعي، فوجدن أنفسهن خلف القضبان متهمات بالتحريض على الفسق والفجور وخدش الحياء وتهديد قيم الأسرة المصرية، أو ملايين الفتيات المصريات اللاتي يتسرّبن من المدارس بهدف الزواج المبكر أو العمل أو البقاء في البيت، توفيراً للنفقات، والقائمة طويلة بطول هموم المرأة المصرية في يوم المرأة العالمي.

سرد اليوم العالمي

في يوم المرأة، الذي يملأ الأثير سرداً واحتفاءً وتسليطاً للضوء على نصيب نصف المجتمع المصري من العمل والكد والجهد والكفاح والإنجاز، يتضاءل سرد آخر عما تعانيه المرأة المصرية بشكل متزايد، إذ صراع مجتمع مكتوم لكن عنيف ينضح به شد وجذب عنيفين بين التشدد والوسطية، والانغلاق والتنوير، والجمود والانطلاق، وذلك على حلبة الصراع الأشهر ألا وهي المرأة.

المرأة التي تسلط المنظمات الأممية الأضواء عليها اليوم، لأنها تقوم بأدوار قيادية على ظهر الكوكب، الذي يعاني أزمة مناخ رهيبة، تجد نفسها في مصر تعاني أزمة هوية طاحنة.

فمن جهة، ظنّت نساء مصريات أن إزاحة حكم جماعة الإخوان المسلمين عن سدة الحكم في عام 2013 تعني بالضرورة تمهيد الطريق أمامهن ليكن مواطنات مصريات كاملات الأهلية قادرات على المضي قدماً في المطالبة بحقوق طال نسيانها أو إهدارها أو تمويهها عبر تنصيب سفيرة ووزيرة ومديرة، بينما القاعدة الجماهرية النسائية العريضة تتعرض لمشكلات عديدة تتعلق بالحقوق البديهية.

 

وفي مناسبة اليوم العالمي للمرأة، لا يسع نساء مصريات إلا استرجاع مجموعة من الحوادث والأحداث التي تكشف النقاب عما وصلت إليه أوضاعهن على الرغم من محاولات مستمرة من القيادة السياسية لدفعهن إلى الأمام.

الدفع بأول قاضية مصرية إلى منصة القضاء الإداري في مصر رمز للاحتفاء المصري الرسمي بنساء مصر. بعد عقود طويلة من المقاومة الذكورية المباشرة حيناً والمموهة أحياناً وراء "مشاعر المرأة التي تحول دون قدرتها على الحكم بعدل منزه عن الأحاسيس" أو "حيض المرأة الذي يجعلها في حالة عصبية تمنعها من الحكم الهادئ" وغيرها.

جلست القاضية المصرية رضوى حلمي أحمد على منصة المحكمة الإدارية المصرية للمرة الأولى في تاريخ البلاد. تاريخ البلاد في القضاء الإداري ظل حكراً على الرجال، لا بقوة القانون، لكن بعنفوان العرف وهيمنة ميل مجتمعي جارف تجاه التدين المتشدد منذ سبعينيات القرن الماضي.

الاحتفاء الرسمي والنسوي والإعلامي بهذه الخطوة التي طال انتظارها قابلته موجة شجب وتنديد هادرة على أثير منصات التواصل الاجتماعي من قبل مصريين ومصريات اعتبروا تنصيب القاضية "حرباً على الدين" و"تجاهلاً لأحكامه" و"خرقاً للشرع". ووصل الأمر بالبعض إلى التحذير من أن المجتمع المصري سيصبح مجتمعاً ملعوناً طالما يصر المصريون على تولية نساء أمورهم!

القاضية تثير أزمة

البعض يرى تنصيب القاضية فتحاً مبيناً، والبعض الآخر يعتبره ذنباً عظيماً، تساؤل أحدهم على "تويتر": "ماذا ننتظر من قاعدة جماهيرية تعتبر تعيين امرأة في منصب القضاء حرباً على الله والرسول؟" لم يكن استفسارياً بقدر ما هو استنكارياً.

نورهان نفادي تحمل شهادة أزهرية، وتشعر بغضب بالغ منذ جرى تنصيب القاضية المصرية، ويتفاقم غضبها كلما زاد الاحتفاء، وجرى تصنيفه بكونه إنجازاً عظيماً في مناسبة اليوم العالمي للمرأة. تتساءل: "أي مرأة؟ وأي يوم عالمي؟ هل نغضب الله ونعادي الدين حتى نكون أهلاً بالعالم العجيب الذي نعيش فيه؟!".

وتضيف: "أوجّه كلامي إلى كل الفرحين بتعيين المرأة قاضية، أود أن أذكركم بأننا درسنا في الفقه أن تولية المرأة لمناصب القضاء لا يجوز، وإن وليت فولايتها باطلة وحكمها لا يؤخذ به في جميع الأحكام".

ولم تكتف بذلك، بل غيّمت وجه القاضية (التي ترتدي الحجاب) حتى لا تسهم في تحميل من يطالع تدوينتها ذنوباً!

قائمة "الذنوب" في اليوم العالمي للمرأة طويلة. فقبل أيام قليلة من حلول مارس (آذار) الذي بات يسمى شهر المرأة، نظراً إلى كثرة المناسبات التي تحتفي بها، كان المصريون غارقون في هل ضرب الزوجة حلال أم حرام، وهل هي رخصة يستحب استخدامها أم هي من المكروهات؟ فحين خرج رجل دين على شاشة التلفزيون ينصح امرأة لم يعتد زوجها ضربها فقط، بل طعنها بسكين وربطها في رجل السرير، لينصحها بأن تتحمل وتتذكر الأشياء الجيدة التي يقوم بها الزوج، ثارت حالة غضب بين كثيرين ممن فوجئوا برأي الشيخ.

وتحوّل الغضب إلى صدمة، حين أعاد البعض طرح ما قاله شيخ الأزهر، أحمد الطيب، قبل ثلاثة أعوام في برنامج تلفزيوني من أن الدواء الأخير الذي وصفه القرآن الكريم لعلاج نشوز الزوجة هو ضربها شرط عدم كسر العظام والإيذاء.

رفض العنف أحياناً

ولم يخفف من حدة الصدمة دفاعات وتأكيدات أزهرية متواترة عن رفض كامل للعنف، وأن المرأة مكرمة في الإسلام، وأن الكلام عن إصلاح الزوجة، وإنقاذ الأسرة أسيء فهمه ووضع خارج سياقه الأصلي. فـ "المياه تكذب الغطاس"، والدراسات والأرقام تجلي الحقائق. الإحصاءات الصادرة عن المجلس القومي للمرأة تشير إلى أن 42.5 في المئة من النساء المتزوجات أو اللاتي سبق لهن الزواج تعرضن للعنف على يد الزوج.

مكاشفات اليوم العالمي للمرأة تجد في دعوة الأزهر المفاجئة لحق الكد والسعاية للزوجة أمراً مثيراً للعجب. فبينما نسبة كبيرة جداً من المصريات، لا سيما في صعيد مصر محرومات من نصيبهن الشرعي في الميراث على أيدي أقاربهن من الرجال، وبينما محاكم الأحوال الشخصية عامرة بقضايا قوامها تهرب الزوج أو الطليق من واجباته المادية، وبينما 3.3 مليون أسرة تعولها نساء فقط يبدو الحديث عن حق الزوجة في "الكد والسعاية"، أو ضمان حق الزوجة التي تنفق على بيتها في أثناء حياتها الزوجية أو التي تشارك زوجها في تكوين ثروته عبر تخصيص نسبة لها في عقد بين الزوجين، أمراً غريباً بعض الشيء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الكد والسعاية

وبحسب نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، عمرو هاشم ربيع، في مقال عنوانه "حق الكد والسعاية"، فإن اعتياد الرجال أكل ميراث النساء في بعض المناطق، لا سيما في صعيد مصر، يجعل العمل بمبدأ "الكد والسعاية" أو تنظيمه أمراً بالغ الصعوبة، "فمن باب أولى إعمال حقوق المواريث التي تعج المحاكم بعديد من قضاياها، بسبب نهب الأموال التي نظمها القرآن في شأن حقوق التركات".

نائبة رئيس البنك الدولي، كارمن راينهارت، قالت قبل أيام على هامش صدور تقرير "المرأة وأنشطة الأعمال والقانون" إن النساء لن يتمكّن من تحقيق المساواة في أماكن العمل من دون تحقيق المساواة مع الرجال في البيوت، وهذا يعني تحقيق تكافؤ الفرص وضمان أن لا يؤدي إنجاب الأطفال إلى حرمانهن من المشاركة الكاملة في الاقتصاد وتحقيق آمالهن وطموحاتهن.

يشار إلى أن المرأة العربية عموماً والمصرية خصوصاً تحتل مكانة متدنية في المؤشرات العالمية لحقوق المرأة، على رغم تقدم بعض الدول مثل مصر تقدماً بطيئاً.  المؤشرات الثمانية التي يضعها البنك هي: حرية التنقل، وماهية القوانين التي تؤثر في قرارات المرأة في العمل، والمساواة في الأجور، والقيود القانونية المتعلقة بالزواج، والقوانين المؤثرة في عمل المرأة بعد الإنجاب، والقيود المفروضة على بدء المرأة نشاطاً تجارياً وإدارته، والفروق بين الجنسين في إدارة الميراث والممتلكات، والقوانين المؤثرة على مستوى معاش التقاعد للنساء.

مصر تقدّمت بمقدار خمس نقاط، لتحرز 50.6 نقطة في هذه المؤشرات مجتمعة مقارنة بـ 45 نقطة في العام الماضي. لكنّ دولاً مثل تشاد والكونغو والسلفادور وغواتيمالا والهند وكينيا سبقوها.

مقاومة شعبية

المتخصصة في قضايا المرأة التنموية، دعاء حسين، التي تعمل منذ أشهر على تقييم عدد من المشروعات الخاصة بالمرأة في عدد من قرى صعيد مصر، وينجزها كل من المجلس القومي للمرأة ومنظمة الأمم المتحدة للمرأة تقول إن وضع المرأة في مصر يتأرجح بين خطوات جادة وجيدة جداً تتخذها الدولة للحاق بما فات، وتمكين المرأة على جميع الأصعدة من جهة، وبين مقاومة شعبية ودينية لهذه الإرادة من جهة أخرى.

ومن واقع عملها المكثف في برامج المرأة، تقول إن العنف الأسري، لا سيما تعرض الزوجات للضرب على يد الزوج آفة منتشرة بكثرة في المجتمع. وهي آفة لا ينكرها الرجال. تقول: "من واقع العمل الميداني، تتحدث النساء عن تعرضهن للضرب، وكذلك يتحدث الرجل عن ضرب الزوجة"، لأنها "لا تسمع الكلام" أو لأنها "لا تفهم".

يشار إلى أن قيام عريس بضرب عروسه ضرباً مبرحاً في الشارع قبل زفافهما بساعات قبل أيام كان شغل المجتمع الشاغل، لا سيما بعدما ظهر العروسان بعد الزواج وكأن شيئاً لم يحدث. وبرر الرجل ذلك بأنها ابنة عمه وضربها أمر عادي، وهو ما أكدته العروس المضروبة وابتسامة كبيرة تزين وجهها.

وتشير حسين إلى أن تحسين حياة الإناث يُسهم في تقليل تعرضهن للعنف، مثل التعليم الذي يعمل على رفع وعي المرأة بحقوقها ومكانتها الحقيقية، وليس ما يقال لها في المجتمع من حولها.

المجتمع واقع تحت وطأة ثقافة تؤمن بدونية المرأة والتمييز ضدها، بما في ذلك تفضيل الولد على البنت في كمية الغذاء، وجودته في عائلات ريفية عدة حتى أصبحت نساء كثيرات على قناعة بذلك، أو يعتقدن أن تعامل المجتمع معهن من هذا المنطلق أمر طبيعي.

إدماج الرجل

وعلى الجانب الإيجابي، ترى دعاء حسين، أن الأمر لا يخلو من بضعة جوانب إيجابية، أبرزها أن المجلس القومي للمرأة أصبح يدمج الرجل، باعتباره طرفاً رئيساً في أغلب مشروعات وبرامج التنمية الخاصة بالمرأة وتمكينها، وهي خطوة بالغة الأهمية وتضمن استدامة البرامج.

كما باتت برامج التنمية تخاطب الأسرة كوحدة واحدة، وليس كل من المرأة والرجل على حدة.

وتعود حسين لتشير إلى معضلة تدخل رجال الدين في كل كبيرة وصغيرة في المجتمع، بما في ذلك شؤون المرأة، وهو ما أدخل المجتمع كله في دائرة مفرغة. فحل أي مشكلة مثل العنف الأسري أو حق المرأة في الميراث أو قضايا الأحوال الشخصية لا يستوي إلا بتدخل رجال الدين، لأن كلمتهم هي المسموعة والمهيمنة، وهو ما يدفع بالمجتمع إلى مزيد من فرض السلطة الدينية التي تهيمن وحدها على منظومة القيم بأسرها.

حلقة ربط وضع المرأة في المجتمع برأي رجال الدين واللجوء إليهم عند الحاجة للتغيير باتت مفرغة. وهي ما زالت تدور في حق الزوج في الضرب، والمهن التي يجب أن تظل حكراً على الرجال، وحق المرأة في ميراثها الشرعي، وتقلد المناصب السياسية، أما قضايا المناخ واستدامة التنمية، وإنقاذ موارد الكوكب الطبيعية ودور النساء في ذلك فخارج الحلقة تماماً.

المزيد من تحقيقات ومطولات