Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الإفتاء المصرية" تخرج من عباءة الأزهر

قرار جمهوري يلغي صلاحية علماء المؤسسة في اختيار مفتي البلاد

دار الإفتاء المصرية تتحول إلى هيئة ذات طبيعة خاصة  (الصورة تخضع لحقوق الملكية الفكرية – مواقع التواصل الاجتماعي)

حوّل قرار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي دار الإفتاء المصرية إلى "هيئة ذات طبيعة خاصة"، الأمر الذي يجعلها مستثناة من نصوص قانونية كانت تحدد سن تقاعد كبار مسؤوليها، وتعفيهم من الآلية المتبعة في اختيارهم، وعلى رأسهم "مفتي الديار المصرية"، ويعني ذلك عملياً أن المنصب سيشغله من يحدده الرئيس دون التقيد بترشيحات "هيئة كبار العلماء"، التابعة لمشيخة الأزهر.

ماذا يعني القرار؟

نص القرار الجمهوري باعتبار دار الإفتاء المصرية من الجهات ذات الطبيعة الخاصة، على عدم سريان أحكام المادتين 17 و20 من قانون الخدمة المدنية، الذي ينظم عمل الجهات الإدارية التابعة للدولة، حيث تنص المادة 17 من القانون على أن "يكون التعيين في الوظائف القيادية والإدارة الإشرافية عن طريق مسابقة يعلن عنها على موقع بوابة الحكومة المصرية أو النشر في جريدتين واسعتي الانتشار، متضمناً البيانات المتعلقة بالوظيفة. ويكون التعيين من خلال لجنة للاختيار لمدة أقصاها ثلاث سنوات، يجوز تجديدها بحد أقصى ثلاث سنوات، بناءً على تقارير تقويم الأداء، دون الإخلال بباقي الشروط اللازمة لشغل هذه الوظائف". وتقر المادة 20 بأن "تنتهي مدة شغل الوظائف القيادية والإدارة الإشرافية بانقضاء المدة المحددة في قرار شغلها ما لم يصدر قرار بتجديدها". أما المادة 21 من القانون نفسه فتحدد أن الجهات ذات الطبيعة الخاصة التي تحدد بقرار من رئيس الجمهورية، تكون مستثناة من المادتين 17 و20، ويكون التعيين في الوظائف القيادية والإدارة الإشرافية في تلك الجهات بقرار من الرئيس، أو من يفوضه، وفق نص المادة 21 من قانون الخدمة المدنية.

جاء القرار الجمهوري الصادر في 10 أغسطس (آب) الحالي، قبل يوم واحد من تاريخ بلوغ شوقي علام مفتي مصر السن القانونية للتقاعد (60 عاماً)، وصدر قرار جمهوري آخر في 12 أغسطس بتمديد مدة عمل علام لمدة عام واحد.

عدم تدخل الأزهر

يعد اعتبار دار الإفتاء هيئة ذات طبيعة خاصة مرحلة جديدة في تاريخها، الممتد منذ عام 1895، حيث يخلص القرار الجمهوري الدار من التبعية الاسمية لوزارة العدل، كما يجعل لرئيس الجمهورية حرية اختيار من يشغل منصب المفتي، دون التقيد بالمرشحين من هيئة كبار العلماء، حسبما كان ينص القانون.

ووفق تعديلات قانون الأزهر الصادرة في يناير (كانون الثاني) عام 2012 في عهد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولائحة هيئة كبار العلماء، فإن اختيار المفتي يكون وفق خطوات، أولها دعوة شيخ الأزهر لانعقاد هيئة كبار العلماء قبل موعد انتهاء مدة عمل مفتي الجمهورية بشهر على الأقل، للنظر في ترشيح نظيره الجديد، وتضيف المادة 14 من لائحة هيئة كبار العلماء، أن الهيئة ترشح 3 من العلماء من بين أعضاء الهيئة أو غيرهم، وتتم تصفيتهم إلى مرشح واحد عبر الاقتراع السري المباشر، ويعتبر من يحصل على أعلى الأصوات هو مرشح هيئة كبار العلماء الذي يعرضه شيخ الأزهر على رئيس الجمهورية لإصدار قرار تعيينه، ونصت اللائحة على أنه "فى جميع الأحوال تنتهي مدة المفتى عند بلوغه السن القانونية المقررة لترك الخدمة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبذلك تبتعد دار الإفتاء عن سيطرة مؤسسة الأزهر، أكثر مما مضى، حيث كانت تبعية الدار الاسمية لوزارة العدل، لكن اختصاص هيئة كبار العلماء (التابعة للأزهر) بتعيين المفتي، كان يجعلها بشكل غير مباشر تابعة للمؤسسة الإسلامية الكبرى.

اعتراض سابق للأزهر

وشهد البرلمان المصري عام 2020 جدلاً كبيراً بسبب تعديلات مقترحة للقانون المنظم لدار الإفتاء، كان ينص على اعتبارها مؤسسة دينية تتبع إدارياً وزارة العدل، لكن مشيخة الأزهر اعترضت على وجود مؤسسة دينية إسلامية لا تتبعها، وأرسل شيخ الأزهر أحمد الطيب خطاباً إلى رئيس البرلمان السابق علي عبدالعال، في فبراير (شباط) 2020، تضمن اعتراض الأزهر على التعديل التشريعي، مؤكداً أنه مخالف للدستور المصري، ويمس باستقلالية الأزهر والهيئات التابعة له، وعلى رأسها هيئة كبار العلماء وجامعة الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية، واستند إلى نص الفقرة الأولى من المادة السابعة من الدستور التي تنص على أن "الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة، ونشر علوم الدين، واللغة العربية في مصر والعالم".

وأضاف الخطاب، "وإذا كان الأزهر الشريف بنص الدستور هو المرجع الأساسي في كل تلك الأمور التي في صدارتها الإفتاء، والبت في كافة الأمور المتعلقة بالشريعة، والرد على الاستفسارات من أي جهة، وتقديم الآراء الشرعية في شأن المعاملات المالية المعاصرة، وإجراء الأبحاث الشرعية المتعلقة بالفتوى، والرد على الشبهات المثارة، وغيرها من الأمور الشرعية التي تضمنها مشروع القانون، وأسندها لهيئة تابعة لوزارة العدل، ولا تتبع الأزهر الشريف؛ مما ينطوي على مخالفة دستورية، ومساس باستقلال الأزهر، وجعل رسالته مشاعاً لجهات أخرى لا تتبعه؛ حيث إن دار الإفتاء ستصير عندئذٍ كياناً عضوياً منبتّ الصلة عن الأزهر الشريف، وتمارس عملها بمعزل عن الأزهر". واعتبر شيخ الأزهر أن مشروع القانون والاختصاصات الممنوحة لدار الإفتاء يؤدي إلى اعتبارها كياناً موازياً للأزهر، ويسلبه أهم اختصاصاته.

وكان من بين أبرز اعتراضات الأزهر على مشروع قانون تنظيم دار الإفتاء، طريقة تعيين المفتي المنصوص عليها، حيث وصف خطاب شيخ الأزهر مشروع القانون بـ"العدوان" على اختصاصات واستقلال هيئة كبار العلماء بالأزهر"، حيث نص مشروع القانون على ترشيح الهيئة ثلاثة من العلماء يختار من بينهم رئيس الجمهورية، بدلاً من اللائحة المعمول بها التي كانت تنص على ترشيح هيئة كبار العلماء أحد العلماء ورفع اسمه إلى الرئيس لإصدار قرار التعيين.

سحب مشروع القانون

بعد اعتراض مشيخة الأزهر قرر مجلس النواب في أغسطس (آب) عام 2020 عدم التصويت على مشروع قانون دار الإفتاء، وإعادته للجنة الدينية بالمجلس لإعادة النظر، قبل ساعات من الموعد المحدد لطرحه للتصويت، بعد صدور تقرير لمجلس الدولة (هيئة القضاء الإداري) أقر بأن نصوصه غير دستورية، ومع نهاية فترة عمل البرلمان السابق وبدء عمل تشكيل جديد للمجلس لم يعد مناقشة مشروع القانون حتى الآن، ولا ينتظر بحثه مستقبلاً بعد القرار الجمهوري الأخير باعتبار دار الإفتاء من الجهات ذات الطبيعة الخاصة، لأن ذلك يجعل الدار هيئة مستقلة لا تتبع مجلس الوزراء ولا وزارة العدل التي كانت تتبعها الدار طوال العقود الماضية.

ولم يصدر تعليق من مشيخة الأزهر عن القرار الجمهوري، باعتبار دار الإفتاء من الجهات ذات الطبيعة الخاصة، الذي يلغي صلاحية هيئة كبار العلماء بالأزهر في تعيين مفتي الديار المصرية، بينما هنأ أسامة الأزهري، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدينية، شوقي علام مفتي الديار المصرية بقرار الرئيس مد فترة عمله لمدة عام.

أول مُفتٍ بالانتخاب

وأثنى مفتي مصر شوقي علام على قرار الرئيس باعتبار الدار من الجهات ذات الطبيعة الخاصة، واعتبر القرار "حافزاً كبيراً وفرصة عظيمة لخدمة الوطن، والعمل على استكمال مسيرتنا في تجديد الخطاب الإفتائي، وتحقيق الريادة الإفتائية، ليس في مصر فحسب، بل في العالم أجمع"، مؤكداً أن قرارات السيسي تدل على المضي بالمؤسسات الدينية المصرية، "من أجل ضبط بوصلة الإفتاء، ومحاربة الفكر المتطرف وجماعات الإرهاب".

وعلام هو أستاذ بكلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر، ويعد المفتي الـ19 في تاريخ دار الإفتاء الممتد منذ أكثر من 125 عاماً، وأول من يتم اختياره في الموقع بالانتخاب، عبر اقتراع سري خلال اجتماع هيئة كبار العلماء، أجري في 11 فبراير 2013، وحصل علام على أعلى الأصوات، وتم رفع الاختيار لمحمد مرسي، الرئيس المصري في ذلك الوقت، لإصدار قرار التعيين. وفي مارس (آذار) عام 2017 أصدر الرئيس السيسي قراراً بتجديد تعيين علام مفتياً لمصر لمدة 4 سنوات، ومدد مدة عمله في مارس الماضي حتى موعد بلوغه السن القانونية في 12 أغسطس الحالي، قبل أن يجدد الثقة فيه لمدة عام.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير