Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يشعر العالم بالقلق من الأسلحة النووية التكتيكية الروسية؟

قوتها من 1 إلى 100 كيلوطن وقد تُستخدم ضمن عقيدة "التصعيد لخفض التصعيد"

لا يتفق العديد من الخبراء على أنه يوجد في الواقع تمييز واضح بين الأسلحة النووية التكتيكية والاستراتيجية (أ ف ب)

أدت الحرب في أوكرانيا إلى تجدد المخاوف بشأن استخدام الأسلحة النووية التكتيكية التي يخشى بعض المحللين من أن روسيا قد تفكر في استخدامها لتصعيد الصراع إذا شعرت أنها تخسر. كما أن داعمي أوكرانيا الغربيين مسلحون أيضاً بالأسلحة النووية التكتيكية، ما يعني أن الصراع قد يتصاعد إلى ما هو أبعد من أوكرانيا، وعلى الرغم من أن الكرملين أكد أنه لا أحد يفكر في استخدام الأسلحة النووية، ومع تقديم محادثات السلام قدراً من التفاؤل الحذر، فإن الثقة بين الجانبين لا تزال ضعيفة ما يجعل الأخطار قائمة، فما هي الرؤوس النووية التكتيكية المصممة لساحة المعارك، والتي تمتلك روسيا ما يتراوح بين 1500 و2000 منها، وهل يمكن أن تستعملها موسكو لمنحها المرونة في إدارة مخاطر التصعيد؟

سيناريو غير نظري

على الرغم من بعض الأمل في إمكانية أن تقدم أوكرانيا كثيراً من التنازلات الصعبة، فإنه لا توجد حتى الآن أي مؤشرات قوية على إمكانية قبول روسيا بإنهاء الحرب، في ظل عدم تغير الأوضاع السياسية والاستراتيجية بالنسبة لموسكو، ومن ثم فإن استمرار الحرب التي لا تحرز فيها القوات البرية تقدماً ملموساً حتى الآن، وبالتالي فتح الباب أمام خيارات أخرى، قد تكون الأسلحة النووية التكتيكية من بينها، هو سيناريو بدأ نظرياً قبل أسابيع حينما وضع الرئيس فلاديمير بوتين قواته النووية في حالة تأهب نووي بانتظار صدور أمر باستخدامها، لكن البيت الأبيض وحلف الناتو في بروكسل يعترفان اليوم، بأن روسيا قد تلجأ إلى أقوى الأسلحة في ترسانتها لإنقاذ نفسها من مأزق عسكري.

يعكس هذا الإحساس المتزايد بالخطر، مطالبة أمين عام الناتو، ينس ستولتنبرغ، روسيا أن تكف عن خطابها النووي الخطير وغير المسؤول، محذراً من أنها لن تكسب أبداً حرباً نووية. وقبل أيام أخبر ستولتنبرغ المراسلين لأول مرة، أنه حتى لو استخدم الروس أسلحة دمار شامل داخل أوكرانيا فقط، فقد يكون لها "عواقب وخيمة" على الناس في دول الناتو، فيما بدا أنه يخشى من انجراف السحب الكيماوية أو المشعة عبر الحدود، وما إذا كانت الأضرار التي قد تصيب دول الحلف المجاورة، ستُعتبر هجوماً على الناتو بموجب ميثاقه، الأمر الذي قد يتطلب رداً عسكرياً مشتركاً، وهو ما يبحثه ما يسمى "فريق النمر" في البيت الأبيض لرسم سيناريوهات الرد الأميركي والغربي، إذا قرر بوتين المحبط من التقدم البطيء لقواته في أوكرانيا تحذير الدول الغربية من التدخل وإجبار أوكرانيا على الاستسلام باستخدام أسلحته النووية التكتيكية. ولكن ما الأسلحة النووية التكتيكية، ولماذا تبدو بالنسبة للبعض الآن وكأنها قابلة للاستخدام من دون أن تسبب أخطاراً وردود فعل عالمية؟

ما السلاح النووي التكتيكي؟

تختلف الرؤوس النووية التكتيكية عن الإستراتيجية اختلافاً كبيراً، فالأسلحة النووية الاستراتيجية أقوى مئات المرات من التكتيكية، لأنها قادرة على تسوية مدينة كاملة أو أكثر بالأرض، لكن الرؤوس النووية "غير الاستراتيجية" أو "التكتيكية"، فهي أصغر حجماً وأقل تأثيراً، إلا أنها لا تزال قادرة على إلحاق قدر كبير من الموت والدمار. ويتمثل الاختلاف الرئيس في كيفية استخدامها، حيث صُممت الأسلحة الاستراتيجية لتضرب بقوة مدمرة كجزء من استراتيجية كبرى في زمن الحرب، وكان هذا هو الخوف النووي التقليدي لدى كل من واشنطن وموسكو خلال الحرب الباردة، والذي كان يُطلق عليه "سيناريو يوم القيامة النووي".

لكن الأسلحة النووية التكتيكية، مصممة لاستخدامها كجزء من خطة في ساحة المعركة، وهذا لا يعني أن تأثيرها محدود، لأن بعض الأنواع لها مردود متغير، ويتم تحديد قوتها التفجيرية وفقاً لهجوم معين، إذ يمكن أن تكون قوتها كيلوطن واحد أو أقل (الكيلوطن يعادل قوة تفجير 1000 كيلو من مادة تي أن تي) وقد تصل إلى 100 كيلوطن.

ولا يتفق العديد من الخبراء على أنه يوجد في الواقع تمييز واضح بين الأسلحة النووية التكتيكية والاستراتيجية، نظراً لأن القنابل الصغيرة يمكن أن تنبعث منها إشعاعات هائلة، إلى جانب خطر التصعيد الحتمي، ذلك أن "المهمة الوحيدة للأسلحة النووية، هي إما قتل كثير من الناس أو إظهار الاستعداد للتصعيد"، بحسبما يقول بافيل بلودفيغ، الخبير في شؤون القوات النووية الروسية في معهد الأمم المتحدة لبحوث نزع السلاح.

ترسانة روسيا التكتيكية

على الرغم من تقليص كل من واشنطن وموسكو حجم برامجهما النووية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، والاتفاق على معاهدة الحد من التسلح في عام 2010، والتي حددت لكل بلد نشر 1550 رأساً نووياً على الصواريخ الباليستية والقاذفات والغواصات، فإن الأسلحة التكتيكية الأصغر لا تحكمها هذه المعاهدة، ولا أي اتفاق دولي آخر.
ووفقاً لتقرير صدر الشهر الماضي عن اتحاد العلماء الأميركيين، فإن روسيا تمتلك مخزوناً إجمالياً يبلغ 4477 رأساً نووياً، تنشر منها 1588 رأساً حربياً استراتيجياً، بينما تبقي على 977 منها في المخازن، لكنها جاهزة للاستخدام. غير أن لدى روسيا ما يقرب من 1912 رأساً نووياً تكتيكياً غير استراتيجي، بينما نشرت الولايات المتحدة 1644 سلاحاً نووياً استراتيجياً، إضافة إلى 100 سلاح تكتيكي تنتشر في أوروبا، فضلاً عن 130 رأساً نووياً تكتيكياً في الولايات المتحدة، ومئات الأسلحة الاستراتيجية في المخازن، وفقاً لما نشرته صحيفة "واشنطن بوست".

أهمية الأسلحة التكتيكية لروسيا

وأعاد الروس التركيز على التكنولوجيا النووية في أواخر التسعينيات، بعد مواجهة مشاكل اقتصادية تركت جيشهم التقليدي في حالة يرثى لها، فضلاً عن المأزق العسكري خلال حرب الشيشان، حيث حصل بوتين في عام 1999 حينما كان رئيساً لمجلس الأمن في الكرملين على موافقة الرئيس بوريس يلتسين على تطوير واستخدام أسلحة نووية غير استراتيجية. ويقول مراقبون غربيون في تقرير نشره، أخيراً، مركز خدمة الأبحاث في الكونغرس، إن بوتين أنشأ في السنوات الأخيرة، ما أصبح يُعرف بعقيدة "التصعيد من أجل خفض التصعيد" على الرغم من أن الوثائق الروسية لم تستخدم هذه العبارة.

ويشير تقرير الكونغرس إلى أن التدريبات العسكرية الروسية، بدت وكأنها تحاكي استخدام الأسلحة النووية ضد أعضاء الناتو، ما دفع كثيرين إلى الاعتقاد بأن روسيا قد تهدد باستخدام أسلحتها النووية غير الاستراتيجية لإكراه جيرانها أو ترهيبهم، وهو ما يتوافق مع تحليل آدم ماونت، مدير مشروع "وضع الدفاع" في اتحاد العلماء الأميركيين، بأن ضعف أنظمة الأسلحة التقليدية الروسية، يفسر اعتماد موسكو المحتمل على التهديدات النووية.

لماذا الشعور بالقلق؟

لم تستخدم أي دولة أسلحة نووية في حرب منذ أن أسقطت الولايات المتحدة قنبلتين نوويتين على اليابان في عام 1945، ومع ذلك، أدلى المسؤولون الروس بتعليقات متكررة حول الأسلحة النووية، حيث أعلن بوتين في 27 فبراير (شباط) الماضي، بعد أيام فقط من بدء هجومه على أوكرانيا، أنه وضع قوات الردع النووي الروسية في حالة تأهب، كما عرضت روسيا صواريخ "هايبر سونيك" أخيراً، بما في ذلك صاروخ باليستي يُطلق من الجو يُسمى "كينجال" يمكنه التحليق بسرعات تفوق سرعة الصوت مرات عدة، إضافة إلى صاروخ "كروز" بعيد المدى يسمى "كاليبر"، وكلاهما يمكن تحميلهما برؤوس نووية تكتيكية، كما يمكن تحميل صواريخ "إسكندر أم" التي نشرتها روسيا على حدودها وفي بيلاروس ويبلغ مداها 300 ميل، برؤوس تكتيكية نووية.

ويشير نيكولاي سوكوف، الدبلوماسي الروسي السابق الذي تفاوض على معاهدات الحد من التسلح في العهد السوفياتي، إلى أنه يمكن أيضاً وضع رؤوس حربية نووية على صواريخ كروز التي تحلق على ارتفاع منخفض، ويمكن إطلاقها من الطائرات أو السفن أو الأرض، حيث تحلق عبر التضاريس لتجنب اكتشافها بواسطة رادار العدو، ويمكن إطلاقها من داخل الأراضي الروسية لتصل إلى كل أوروبا، بما في ذلك بريطانيا.

وفيما يقول الخبير ماونت، إنه لا يوجد حتى الآن ما يشير إلى أن روسيا نقلت رؤوسها الحربية التكتيكية من المخازن، تشير سارة بيدغود، مديرة برنامج أوراسيا في "مركز جيمس مارتن لدراسات عدم الانتشار" في مونتيري، إلى أن "بوتين يشعر بالثقة في أنه يستطيع استخدام التهديدات والإشارات المستترة للتصعيد أو خفض التصعيد بما يتناسب مع احتياجاته، ولكن هذه لعبة خطيرة للغاية، يمكن أن تؤدي بسهولة إلى التفسير الخطأ". ويبدو أن القلق العام بشأن استخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا، فاق بكثير الخطر الفعلي، غير أن الخطر يزداد كلما أصبح بوتين أكثر يأساً، لكن تظل الحقيقة أن الاستخدام النووي لن يساعده في كسب الحرب أو يتسبب في تخلي واشنطن عن كييف.

كيف سترد أميركا؟

ليس واضحاً كيف سترد الولايات المتحدة إذا فجرت روسيا سلاحاً نووياً تكتيكياً في أوكرانيا، نظراً لأن أوكرانيا ليست حليفاً في الناتو ودول الحلف ليست ملزَمة بموجب معاهدة لحمايتها، لكن المسؤولين الأميركيين تحدثوا عن مدى جدية التعامل مع مثل هذه الحالة، خصوصاً وأن الجنرال السابق جون هايتن، قائد القيادة الاستراتيجية الأميركية المسؤول عن الأسلحة النووية، قال في عام 2017 إنه إذا استخدم طرف ما سلاحاً نووياً غير استراتيجي أو تكتيكي، فسترد الولايات المتحدة استراتيجياً، وليس تكتيكياً، لأنه سيكون قد تجاوز الخط الذي لم يتجاوزه أحد منذ عام 1945.

وتوضح بيدغود أن "روسيا يمكن أن تستخدم أسلحتها النووية في صراع عندما تشعر أن الخيارات التقليدية قد نفدت منها وتواجه تهديداً وجودياً، ولأنه لا يمكن معرفة جميع خطوط بوتين الحمراء، أو ما يعتبره تهديداً وجودياً، يصعب تقدير موقفه الحقيقي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هل يفعلها بوتين؟

يشير باحثون غربيون إلى أن القوات الروسية مارست منذ فترة طويلة الانتقال من الحرب التقليدية إلى الحرب النووية، كوسيلة لفرض اليد العليا، بعد أن تُمنى القوات التقليدية بخسائر في ساحة المعركة. كما أن الجيش الذي يمتلك أكبر ترسانة نووية في العالم، استكشف مجموعة متنوعة من الخيارات التصعيدية التي قد يختار بوتين أياً منها.

ويرى أولريش كوهن، الخبير النووي في جامعة هامبورغ ومؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أن "الفرص منخفضة لكنها آخذة في الارتفاع، لأن الحرب لا تسير على ما يرام بالنسبة للروس"، بينما تتزايد الضغوط الاقتصادية والسياسية الغربية على موسكو لتضييق الخناق عليها، وليس من المستبعد أن يلقي بوتين بقنبلة تكتيكية فوق منطقة غير مأهولة بالسكان بدلاً من إلقائها فوق القوات الأوكرانية، وفقاً لدراسة أجريت عام 2018، وضعت سيناريو أزمة فجرت فيه موسكو قنبلة فوق جزء بعيد من بحر الشمال كوسيلة للإشارة إلى قدرتها على توجيه ضربات أكثر فتكاً، وعلى الجميع أن يعتبر أن هذا أصبح احتمالاً وارداً.

وتتوقع واشنطن مزيداً من التحركات النووية من بوتين خلال أيام، إذ قال الجنرال سكوت دي بيرير، مدير وكالة استخبارات الدفاع الأميركية في شهادة أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب قبل عدة أيام، إنه من المرجح أن تعتمد موسكو بشكل متزايد على رادعها النووي لتقديم إشارة إلى الغرب ومحاولة استعراض القوة، لأن الحرب وعواقبها تضعف روسيا، فيما يعتقد الجنرال المتقاعد جيمس كلابر، مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية السابق، أن "روسيا تعتبر اليوم أنه يمكن الاستفادة من الأسلحة النووية وأنها ليست أمراً لا يمكن تصوره"، بينما رأت نينا تانينوالد، أستاذة العلوم السياسية في جامعة براون، أن "بوتين يمكن أن يستخدم الردع النووي ليشق طريقه في أوكرانيا على اعتبار أن أسلحته النووية ستمنع الغرب من التدخل".

احتمالات حرب نووية شاملة

وتبدو المشكلة الأكثر بروزاً في هذه الأسلحة هي أنها يمكن أن تتجاوز ما كان من المحرّمات النووية وتجعل حالات الأزمات أكثر خطورة، إذ إن طبيعتها الأقل تدميراً يمكن أن تغذي الوهم بالقدرة على التحكم النووي، في حين أن استخدامها في الواقع يمكن أن يتحول فجأة إلى حرب نووية شاملة، ففي محاكاة ابتكرها خبراء في جامعة برينستون بدأت موسكو بإطلاق قذيفة نووية تحذيرية، ليرد الناتو بضربة صغيرة مماثلة، إلا أن الحرب التي تلت ذلك أسفرت عن أكثر من 90 مليون ضحية في ساعاتها القليلة الأولى.

وفي عام 1999، على سبيل المثال، تم إجراء تدريب كبير افتراضي لمحاكاة هجوم لحلف الناتو على كالينينغراد، وهي جيب روسي استراتيجي يطل على بحر البلطيق ولا يرتبط بالأراضي الأساسية الروسية، بل تحده ليتوانيا في الشمال وبولندا في الجنوب وكلاهما عضوان في الناتو، وشهدت التدريبات حالة من الفوضى بين القوات الروسية إلى أن أطلقت موسكو أسلحة نووية على بولندا والولايات المتحدة.

وعلى مر السنين، سعت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو إلى منافسة ترسانة روسيا من الأسلحة النووية التكتيكية، حيث بدأ الأمر قبل عقود عندما بدأت الولايات المتحدة في إرسال قنابل نووية صغيرة لتحميلها على طائرات مقاتلة في قواعد عسكرية تنتشر في بلجيكا وألمانيا، وإيطاليا، وتركيا، وهولندا، لكن الناتو لا يجري تدريبات ميدانية تمارس الانتقال من الحرب التقليدية إلى الحرب النووية.

ومع ذلك، فإن السؤال الأصعب هو ما إذا كانت هناك طرق موثوقة لمنع تصاعد صراع نووي حال اندلاعه، وهل يمكن أن يتوقف، أم أن الانتقام النووي سيضع نهاية لحياة البشر كما يعرفونها اليوم؟

المزيد من تقارير