Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من زابوريجيا إلى تشرنوبل... مفاعلات أوكرانيا النووية تثير رعب العالم

تمتلك كييف 15 موقعاً من الإرث السوفياتي وتستخدم بعضها في توليد الطاقة

من مفاعل تشرنوبل النووي إلى نظيره زابوريجيا، تزخر القصة الأوكرانية بالحكايات النووية التي لطالما كانت محط قلق واهتمام العالم، وقت أن كانت جمهورية سوفياتية، وحتى بعد أن نالت استقلالها في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي مطلع تسعينيات القرن الماضي.

فكييف حتى وإن تخلت عن سلاحها النووي عام 1994، وسلمت، مقابل حصولها على ضمانات أمنية من كل من موسكو وواشنطن، آلاف الأسلحة الذرية التي كانت بحوزتها، لا تزال تمتلك نحو 15 مفاعلاً ومنشأة يستخدم بعضها إلى الآن في توليد الطاقة، تدق الحرب الدائرة فيها ناقوس الخطر والقلق من وقوع كارثة شاملة تعيد إلى الأذهان حادث "تشرنوبل" النووي الأسوأ في التاريخ عام 1986.

ومنذ إعلان روسيا عملياتها العسكرية في أوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير (شباط) الماضي، وعلى مدار الأيام الثمانية إلى الآن من عمر الحرب "الأخطر في القارة الأوروبية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية" وفق توصيف المسؤولين الغربيين، تتضاعف المخاوف النووية، لا سيما مع وضع موسكو ترسانتها الاستراتيجية في حالة "تأهب قصوى"، في رابع أيام الحرب، وزاد من حدتها اندلاع حريق اليوم الجمعة في منشأة زابوريجيا النووية التي تعد الأكبر في أوروبا، والواقعة جنوب شرقي أوكرانيا. فما قصة "أوكرانيا النووية"؟ وكيف تخلت عن ترسانتها التي كانت قبل نحو 30 عاماً ثالث أكبر قوة نووية على وجه الأرض بعد كل من الولايات المتحدة وروسيا؟

5 عقود مع النووي

بحسب المصادر الرسمية الروسية والأوكرانية، تعرف الجمهورية السوفياتية السابقة التطور النووي منذ سبعينيات القرن الماضي، وذلك مع بدء تشييد محطة تشرنوبل للطاقة عام 1970، التي دخلت حيز التشغيل بعد سبع سنوات فقط، قبل أن يكتمل بناؤها وتحوي في عام 1983 أربعة مفاعلات، تنتج ما قدر حينها بنحو 10 في المئة من كهرباء أوكرانيا.

وكذلك في عام 1979، بدأت عملية بناء المفاعل الأول في محطة زابوريجيا (ثاني أكبر محطات البلاد النووية)، التي باتت تضم مع السنوات ستة مفاعلات (في في إي آر-1000) من الطراز السوفياتي، يقدر عمر كل مفاعل بين أربعين وستين عاماً، وقد يطول أكثر مع تقدم التكنولوجيا النووية.

وكان لافتاً أنه بالتوازي مع بناء تشرنوبل، شيدت السلطات السوفياتية آنذاك، في الشمال الأوكراني عام 1970 أول بلدة ذرية تضم العمال وعوائلهم، كمدينة نووية مغلقة، لتنتشر منذ ذلك الحين المفاعلات والمنشآت النووية على الأراضي الأوكرانية، وتصل لما مجموعه 15 مفاعلاً نووياً، تشمل ستة مفاعلات لا تزال إلى الآن في الخدمة (من بينها مفاعل زابوريجيا) في منطقة زابوريزهزهيا (جنوب شرقي)، وثلاثة في منطقة كونستانتينوفكا (جنوب)، وأربعة في منطقة ريفني (شمال غربي)، واثنين في خميلننيتسك (غرب)، فضلاً عن مفاعلات أخرى خرجت من الخدمة.

وبخلاف الدول النووية أو التي تحوي نووياً، كانت أوكرانيا على موعد مع كوارث ومخاوف نووية مستمرة، فعلى مدار العقود الخمسة الماضية، جاءت أولى المحطات الفارقة في عمر الترسانة النووية الأوكرانية مع حادث تشرنوبل (شمال)، الذي صنف "الأسوأ والأخطر" في التاريخ، بعد أن أدى اختبار للسلامة كان المهندسون يقومون به إلى انفجار المفاعل رقم 4 في المحطة في 26 أبريل (نيسان) 1986، وهو الحادث الذي أسفر، بحسب الأمم المتحدة، عن تعرض ما يقرب من 8 ملايين و400 ألف شخص في بيلاروس وروسيا وأوكرانيا للإشعاع النووي، وهو عدد يزيد على إجمالي سكان النمسا.

وتعرض 155 ألف كيلومتر مربع من الأراضي التابعة للبلدان الثلاثة للتلوث، وهي مساحة تماثل نصف إجمالي مساحة إيطاليا، فضلاً عن تعرض مناطق زراعية تغطي ما يقرب من 52 ألف كيلومتر مربع، وهي مساحة أكبر من مساحة دولة الدنمارك، للتلوث بالعنصرين المشعين سيزيوم - 137 (عمره النصفي هو 30 سنة) وعنصر سترونتيوم - 90 (عمره النصفي هو 28 سنة).

وأعيد توطين ما يقرب من 404 آلاف شخص، إلا أن الملايين ظلوا يعيشون في بيئة تسبب فيها استمرار بقايا التعرض الإشعاعي إلى ظهور مجموعة من الآثار الضارة.

وعلى الرغم من حادث تشرنوبل، فإن أوكرانيا بقيت على عهدها مع صناعة الطاقة النووية خلال السنوات التي تلت الحادث والسنوات الأولى من عمر استقلالها، ففي نهاية عام 1995، جرى توصيل 6 مفاعلات في زابوريجيا من نوع مفاعلات الماء المضغوط، التي تعد من بين الأكثر أماناً، لتوفر الجزء الأكبر من احتياجات أوكرانيا من الكهرباء، ما جعل تلك المحطة النووية الأكبر في أوروبا من حيث السعة الإنتاجية، بسعة صافية تبلغ 5700 ميغاوات كهربائية.

"النووي" مقابل الأمن

منذ اليوم الأول من استقلالها عن الاتحاد السوفياتي بعد انهياره في  عام 1991، كانت ترسانة أوكرانيا النووية، الموروثة من الاتحاد السوفياتي، تحوي ما يقرب من 5 آلاف سلاح نووي، من بينها نحو 175 صاروخاً باليستياً عابراً للقارات و44 قاذفة ثقيلة، مزودة بأكثر من ألف صاروخ نووي مجنح بعيد المدى و1800 رأس نووي حربي، وفق التقديرات الرسمية.

وتقول صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، إنه في ذلك التوقيت كانت المخابئ الموجودة تحت الأرض في القواعد العسكرية الأوكرانية تحتوي على صواريخ بعيدة المدى تحمل ما يصل إلى 10 رؤوس حربية نووية حرارية، كل منها أقوى بكثير من القنبلة التي دمرت هيروشيما، وكانت فقط روسيا والولايات المتحدة تمتلكان قدراً أكبر من تلك الأسلحة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن كما هي حالها الآن، تعيش حالة من التنازع عليها بين الشرق والغرب، كانت تلك الترسانة النووية مثار قلق لكل من روسيا الاتحادية وريثة الاتحاد السوفياتي المتداعي والولايات المتحدة على الطرف الآخر، ما دفع الطرفين قبل الانهيار الرسمي للاتحاد السوفياتي بنحو 5 أشهر، تحديداً في نهاية يوليو (تموز) 1991، لتوقيع معاهدة "ستارت 1"، التي تعهدا بموجبها بعدم نشر أكثر من 6000 رأس نووي و1600 بين صواريخ باليستية عابرة للقارات وقاذفات.

وبموجبها كذلك جرى نزع السلاح النووي من الجمهوريات الثلاث الوريثة للاتحاد السوفياتي، أوكرانيا وبيلاروس وكازاخستان، عبر بروتوكول لشبونة الموقع سنة 1994، الذي أتى نتيجة مذكرات التفاهم في بودابيست، التي وقعتها الدول الثلاث، إضافة إلى روسيا وبريطانيا والولايات المتحدة.

ونصت مذكرة بودابيست، في مادتها الثانية على توفير ضمانات أمنية لأوكرانيا مقابل نزعها سلاحها النووي، والتزام كل من روسيا وبريطانيا والولايات المتحدة "الامتناع عن التهديد بالقوة أو استخدامها ضد وحدة أراضي أوكرانيا أو استقلالها السياسي، وعدم استخدام أي من أسلحتها ضد أوكرانيا إلا بهدف الدفاع عن النفس أو أي طريقة أخرى وفقاً لميثاق الأمم المتحدة".

وبدأت كييف بمساعدة من واشنطن تفكيك الصواريخ والقاذفات والبنية التحتية النووية، كما وافقت على تسليم رؤوسها الحربية إلى موسكو لتفكيكها مقابل تعويض القيمة التجارية لليورانيوم عالي التخصيب، وتقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إن أوكرانيا نقلت آخر رأس حربي نووي إلى روسيا عام 1996، وفككت آخر مركبة نووية استراتيجية عام 2001.

وفي ضوء التخلي الأوكراني عن الترسانة النووية، لا يزال الحدث يمثل نقطة جدال وتباين في المواقف لدى الساسة الأوكران، لما تواجهه بلدهم من تحديات أمنية، وتقول "نيويورك تايمز" إنه "في الوقت الذي غالباً ما يجري استذكار إزالة ترسانة أوكرانيا النووية على أنه انتصار لجهود الحد من التسلح.

تشكيك

لكن، ما كشفته السنوات الماضية يظهر أن نزع السلاح النووي لأوكرانيا كان تغييراً فوضوياً على وقع الاقتتال الداخلي والاضطرابات والخلافات بين الحكومة والجيش، حيث بات الآن خبراء محليون وأميركيون يشككون في الحكمة من اتخاذ خطوة كتلك، بخاصة أن البعض يرى في الأسلحة الفتاكة الوسيلة الوحيدة الموثوقة لردع "العدوان الروسي".

ونقلت الصحيفة عن أندري زاهورودنيوك، وهو وزير دفاع أوكراني سابق، قوله "لقد تخلينا عن قدراتنا مقابل لا شيء"، في إشارة إلى الضمانات الأمنية، مؤكداً أنه "الآن كل مرة يعرض علينا أحدهم توقيع ورقة ما، يكون الرد، شكراً جزيلاً لك، لقد كان لدينا بالفعل واحدة مثل هذه منذ بعض الوقت".

وفي فبراير (شباط) الماضي، وفي معرض حضوره مؤتمر ميونخ للأمن في دورته الأخيرة، لوح الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، ضمنياً بمراجعة وضع بلاده كدولة غير حائزة للأسلحة النووية، وقال إن كييف يمكن أن تنسحب من مذكرة بودابست التي وقعت عام 1994، التي ألزمت بلاده التخلي عن ترسانتها النووية الضخمة التي ورثتها من الحقبة السوفياتية.

لكن دائماً ما يتخوف المراقبون من الإرث النووي في أوكرانيا، حتى وإن غلب على استخدامه الطابع السلمي، وذلك في ضوء تقادمها وعدم توافر سبل الحماية الحديثة لها، ويقول مراقبون، إن ما يثير القلق من مفاعلات كييف الـ 15 العاملة، قربها إلى المدن والبلدات المأهولة بالسكان، وتشغيلها بوقود أكثر إشعاعاً من وقود تشرنوبيل، فضلاً عن عدم تصميم بعضها، ليكون ضمن مناطق الحروب أو العمليات.

تعتمد أوكرانيا بشكل كبير على الطاقة النووية، حيث يولد 15 مفاعلاً نحو نصف احتياجاتها من الكهرباء، وجميع مفاعلاتها الحالية من نوع (في في إي أر- 1000) روسي التصميم، وهي تنتشر في نحو 4 مدن في جنوب ووسط وشمال وغرب البلاد.

وكانت الحكومة الأوكرانية قد خططت لبناء 11 مفاعلاً جديداً، بمساعدة غربية بحلول عام 2030، وهو ما سيضاعف تقريباً المقدار الحالي من قدرة الطاقة النووية. وبحسب شبكة "بنك ووتش"، إحدى شبكات المنظمات البيئية في وسط وشرق أوروبا، فإنه "بينما كان الاتحاد الأوروبي يحاول مساعدة التحول السياسي لأوكرانيا خلال الأعوام الماضية، عزز دعمه اعتماد البلاد على قطاع نووي عفا عليه الزمن وغير آمن للغاية"، محذرة من تسبب إحدى المحطات الأوكرانية في كارثة في أي لحظة.

وأوضحت الشبكة أن أوكرانيا عملت على تمديد عمر 6 مفاعلات نووية من أصل 15 ورثتها عن الاتحاد السوفياتي، دون استكمال ترقيات السلامة الضرورية، ودون إجراء تقييم مناسب لجميع المخاطر، ودون النظر في البدائل المستدامة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير