Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف فهم الغرب إعلان بوتين حول أسلحة روسيا النووية؟

المراقبون والمحللون المختصون تباينت تقديراتهم حول جدية هذا التهديد

انفجارات متعددة في الحريق الذي اندلع في محطة زابوريجيا النووية (أ ف ب)

إذا كان حريق محطة زابوريجيا النووية الأوكرانية نتيجة قصف روسي، أثار فزع الجميع من تكرار كارثة انفجار محطة تشيرنوبل عام 1986، فقد تسبب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إثارة قلق عالمي مماثل عندما أصدر تعليمات لجيش بلاده بوضع القوات النووية الروسية في "حال تأهب خاصة"، وذلك بعد أيام قليلة من تحذيره بأن كل من يحاول إعاقة روسيا في أوكرانيا يمكن أن يتوقع عواقب لم يشهدها من قبل، فما الذي يعنيه ذلك بالنسبة للغرب، وهل أصبح العالم على شفير حرب نووية أم أن الأمر لا يعدو كونه مجرد تهديد؟

تأهب غير مسبوق

على عكس ما توافق عليه الرئيسان بوتين وجو بايدن خلال القمة التي جمعتهما في جنيف، العام الماضي، بأن التهديد بحرب نووية يعد من مخلفات الحرب الباردة، وأن الحرب النووية لا يمكن كسبها ولا يجب خوضها أبداً، طالب بوتين من كبار مسؤوليه العسكريين، وضع القوات النووية في حال تأهب، رداً على ما وصفه بالتصريحات المعادية من الغرب، وسط إدانة دولية لغزو روسيا لأوكرانيا وفرض عقوبات اقتصادية كاسحة عليها، لكن فهم الغرب وتعاطيه تباين بين المسؤولين والخبراء حول مدى خطورة هذا التهديد، وما إذا كان ينبغي التعامل معه بجدية، خصوصاً وأنه لم يسبق أن اتخذ الكرملين خطوة مماثلة منذ تأسيس الاتحاد الروسي عام 1991، بينما تعود آخر مرة رفعت فيها الولايات المتحدة أو روسيا أو الاتحاد السوفياتي مستويات التأهب النووي قبل 48 عاماً، عندما رفعت واشنطن حال التأهب النووي خلال حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، وإن لم يعلنه الرئيس ريتشارد نيكسون رسمياً.

وفي حين عبر بعض السياسيين عن قلقهم من هذه الخطوة التي وصفتها السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، بأنها تصعيد غير مقبول على الإطلاق، وعبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن اعتقاده بأن بوتين يتحرك نحو تطور مخيف لا يمكن تصوره، قلل وزير دفاع المملكة المتحدة بن والاس من أهمية الخطوة التي اعتبرها مجرد خطاب يهدف إلى تشتيت الانتباه عن غزو روسي متعثر، في وقت تجاهل المسؤولون الأميركيون الإجراء الروسي وامتنعوا عن اتخاذ إجراءات مماثلة، كما ألغى الأميركيون إجراء تجربة صاروخية حتى لا تفهم الخطوة كرسالة خطأ.

ما مدى خطورة التهديد؟

لم يتضح بعد كيف سيغير أمر بوتين الوضع الراهن، فقد كان الأمر الصادر لجنرالاته خلال إعلان متلفز غامضاً، كونه يرفع ما يسمى الاستعداد القتالي الخاص، وهو ما فهمه البعض أنه يضع القوات النووية في حال تأهب، وهذا يعني أنه يطلب من الأطقم والمؤسسات التي تتحكم في الصواريخ الاستراتيجية والغواصات والقاذفات أن تجعل التأهب أولوية قصوى، بما في ذلك إلغاء الإجازات، وإجراء عمليات فحص وتفتيش، والتحقق من كفاءة الاتصالات، واستعداد أجهزة الاستخبارات الروسية، لرصد أي مؤشرات على عمليات إطلاق محتملة ضد روسيا، وهو ما ترافق مع إعلان الجيش الروسي، الثلاثاء، أنه أجرى تدريبات شملت غواصات نووية ومنصات إطلاق صواريخ أرضية متحركة، لكن من غير المعروف حتى الآن ما إذا كانت التدريبات مرتبطة مباشرة بأمر بوتين أو ما إذا كانت تمثل تغييراً في العمليات النووية.

وفي ما تجري كل من روسيا والولايات المتحدة تدريبات تعكس مستويات مختلفة من حالة التأهب النووي، تبدو تحركات كهذه مفهومة جيداً من قبل الجانبين كما يقول تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" التي أوضحت أن الولايات المتحدة وحلفاءها يراقبان القوات النووية الروسية على مدار الساعة، ومن شبه المؤكد أن يكون أي تغيير في التدريبات المعتادة ملحوظاً ومرصوداً، ولعل هذا هو أحد الأسباب القوية التي جعلت الولايات المتحدة لا ترد باتخاذ إجراءات مماثلة.

غير أن المراقبين والمحللين المختصين تباينت تقديراتهم حول جدية هذا التهديد، فقد استبعدت تارا دروزدينكو، مديرة برنامج الأمن العالمي لاتحاد العلماء النوويين في مقابلة مع "بيزنس إنسايدر" فكرة اندلاع مواجهة نووية بالنظر إلى عدم تدخل قوة نووية أخرى في الصراع داخل أوكرانيا مباشرة لأن الخطر يكون حقيقياً عندما تنخرط الدول المسلحة نووياً في صراع مع بعضها البعض.

تاريخ الرعب

ومع ذلك، فإن التاريخ مليء بالحالات التي هددت فيها القوى النووية علانية باستخدام ترساناتها النووية، ويشير ماثيو كرونيغ، أستاذ العلوم السياسية والحكومية في جامعة جورج تاون، إلى أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، ونزاع الحدود عام 1969 بين الاتحاد السوفياتي والصين، وحرب عام 1999 بين الهند وباكستان، كما هدد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب كوريا الشمالية بـ"النار والغضب كما لم يشهدها العالم من قبل" بعد أن أجرت تجارب صاروخية بعيدة المدى.

ووفقاً للأرقام الصادرة أول هذا العام، والتي جمعتها نشرة العلماء النوويين في دفترها النووي السنوي، تمتلك روسيا مخزوناً يبلغ 4477 رأساً نووياً بعدما أدت معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية إلى تخفيض ترسانتها النووية من أعلى مستوى لها في الثمانينيات والذي بلغ نحو 40 ألف رأس نووي، تماماً مثل عدوها في الحرب الباردة الولايات المتحدة، والتي خفضت مخزونها من حوالى 30 ألف رأس نووي في الستينيات إلى أقل من 4000 رأس نووي حالياً.

وتسيطر روسيا والولايات المتحدة معاً على 90 في المئة من الأسلحة النووية في العالم، والتي يمكن إطلاقها من خلال الغواصات أو الصواريخ الأرضية أو القاذفات الاستراتيجية مثلما حدث عند إسقاط قنبلتي هيروشيما وناغازاكي فوق اليابان عام 1945، واحتفظت الولايات المتحدة وروسيا بأضعاف عدد أسلحتهما النووية الحالية، لكن كلا البلدين أبقيا صواريخهما الباليستية العابرة للقارات في حال استعداد دائم إذ يمكن إطلاقها في غضون دقائق، ووفرت الأساس الصلب لاستراتيجية "التدمير المؤكد المتبادل" التي تعتبرها العقيدة النووية الأميركية أنها تؤدي إلى تجنب تبادل القصف النووية طوال الحرب الباردة.

أسباب التهديد

من وجهة نظر استراتيجية، يقول العديد من الخبراء، إنه لا يوجد سبب لاستخدام بوتين الأسلحة النووية، إذ إن هدفه وفقاً لبول هير، المحاضر البارز في الدراسات العالمية في جامعة "بوسطن"، هو ابتلاع أوكرانيا واستعادة القوة التاريخية لروسيا الإمبراطورية، وليس التحريض على تبادل القصف النووي، والذي إذا لم يؤد إلى نهاية الحضارة البشرية كما نعرفها اليوم، سيجعله منبوذاً حول العالم.

لكن غراهام أليسون، أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد، اعتبر أن الأمر الصادر بالتأهب النووي يتعارض مع هدف ابتلاع أوكرانيا، مشيراً إلى أن الحادث يزيد من القلق بشأن فهم بوتين للواقع، والذي قد يكون يتلاشى، مؤكداً أن هذه الخطوة تثير تساؤلات حول حال بوتين العقلية. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع ذلك، فإن خبراء آخرين يشككون في مثل هذا التخمين، ويقول ستيفن والت، أستاذ الشؤون الدولية في جامعة هارفارد، لموقع "ياهو نيوز"، إن حال التأهب قد تكون محاولة من بوتين لحمايته من خطر الإطاحة به من الحكم، والذي قد يراه هدف الدول الغربية النهائي التي تفرض عقوبات اقتصادية واسعة النطاق على نظام حكمه وروسيا كلها، ويتفق مع وجهة النظر هذه، بافيل بودفيغ، الخبير في القوات النووية الروسية في معهد الأمم المتحدة لبحوث نزع السلاح، والذي يرى أن إعلان بوتين النووي من شأنه أن يجعل حكومته أقل عرضة للتخلص منه.

حجم القلق

وعلاوة على ذلك، يحذر بعض الخبراء والمسؤولين العسكريين من أن خطر حدوث أخطاء وسط حال التأهب القصوى أمر مقلق، فماذا سيحدث إذا أطلق نظام الإنذار الروسي إنذاراً كاذباً في خضم أزمة كهذه؟ ويوضح جيفري لويس، الباحث في معهد ميدلبري للدراسات الدولية، أن بوتين قد لا يعرف أنه إنذار كاذب، وقد يقفز إلى الاستنتاج الخطأ ويسارع بإطلاق الصواريخ.

في المقابل، يشرح كلينت واتس، كبير الباحثين في معهد أبحاث السياسة الخارجية في مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، أن الكرملين والأثرياء الروس يعلمون أن رئيسهم بالغ في تقدير قدراته، وأنه يحتاج إلى نصر سريع في أوكرانيا، وإذا فشل في اقتحام كييف أو مدن كبرى أخرى مثل خاركيف أو لفيف ومقتل آلاف الجنود الروس على الخطوط الأمامية، في وقت تؤدي العقوبات الاقتصادية إلى اتساع الاضطرابات في روسيا، فقد يوجه ضربة نووية ضد أوكرانيا كي تجثو على ركبتيها ولإجبار الغرب على الانصياع لمطالبه، مشيراً إلى أنه ليس هناك ردع لرجل مجنون، وبخاصة بعدما فقد كثيراً من ثروة روسيا وربما قبضته الصارمة على البلاد، حيث تشير تقارير عدة إلى أن بوتين منعزل وغاضب بحسب ما تشير الصور مع قادته، فضلاً عن انتشار شائعات عن تدهور صحته خلال العامين الماضيين، والتي يستحيل التحقق منها، وهو ما قد يفسر مساعيه لاستعادة المقر التاريخي لإمبراطورية روسيا في كييف.

أسلحة غير استراتيجية

غير أن جيمس أكتون، مدير برنامج السياسة النووية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، يقول إن تصريحات بوتين، الأحد، تشير إلى أن روسيا قد تبدأ في نقل رؤوس نووية تكتيكية غير استراتيجية، والتي تستخدم في ساحة المعركة كونها ذات مدى قصير ولا تحمل رؤوساً نووية ضخمة، وبالتالي لا يمكنها الوصول إلى الولايات المتحدة، لكن أوكرانيا ستكون هي الهدف المحتمل لتهديد بوتين النووي، ومن غير المرجح أن يساعده تأهبه النووي على كسب الحرب، ومع ذلك يظل خطر التصعيد النووي حقيقياً، لأن بوتين المنعزل والغاضب يمكن أن ينتهي به الأمر بقيادة حرب تقليدية طاحنة ووجودية واقتصاد دمرته العقوبات، ثم يلجأ إلى الاستخدام النووي، في ساحة المعركة، على أمل أن يؤدي أحدهما أو كلاهما إلى تراجع الخصوم.

ولتجنب هذا الموقف، يدعو أكتون أوكرانيا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي "الناتو" إلى محاولة منح بوتين طريقة لحفظ ماء الوجه لإنهاء الحرب بشروط تحافظ على أوكرانيا كدولة مستقلة على الرغم من أن الأمر متروك بالطبع لبوتين في نهاية المطاف.

كسر المحرمات

وإذا استمرت روسيا في الفشل في جهودها العسكرية التقليدية للسيطرة على المدن الأوكرانية والإطاحة بالحكومة الأوكرانية، فقد يرى بوتين أن انفجار سلاح نووي في أوكرانيا أو في البحر هو أفضل طريقة لإجبار الأوكرانيين على الاستسلام، أو منع المزيد من تدفق الأسلحة والمساعدات من الخارج، أو وقف محاولات التدخل القضائي أو محاكمته، لكن على بوتين أن يعلم أن استخدام الأسلحة النووية سوف يكسر 75 عاماً من المحرمات التي فرضها العالم ضد استخدام مثل هذه الأسلحة.

وسيؤدي ذلك إلى ضرر أكثر من إيذاء بوتين وروسيا، لأن شن هجوم نووي على أوكرانيا، بخلاف الضرر المحتمل الذي قد يلحق بالريف الأوكراني وشعبها، لن يؤدي إلا إلى تعزيز الاستجابة الدولية بشكل كبير، ما يقوض بشدة جهود روسيا في إخضاع جارتها.

ويشير محللون إلى أنه من غير المرجح شن هجوم نووي روسي على إحدى دول الناتو أو الولايات المتحدة، لأن بوتين يعرف جيداً أنه سيلاقي رداً نووياً سريعاً على الأراضي الروسية. لكن الرسالة المهمة هنا هي أنه في خضم ضبابية الحرب، يجب أن تكون الولايات المتحدة وحلفاؤها مستعدين لأي شيء.

المزيد من تقارير