Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

استخدام الطاقة النووية في مواجهة تغير المناخ

جدال حول دورها المتصل بالوصول إلى صافي انبعاثات صفري

البخار يتصاعد من محطة للطاقة النووية في بيلفيل سور لوار، فرنسا، أكتوبر 2021 (رويترز)

الطاقة النووية خيار غير مثالي لكنه ضروري

* أرموند كوهين

** كينيث لونغو

 

إن رفض أليسون ماكفارلين للطاقة النووية (مقال "الطاقة النووية لن تكون الحل المنشود لمواجهة تغير المناخ" 8 يوليو "تموز"، في "فورين آفيرز") لأنها ليست "حلاً معجزة"، يشكل حجة مضللة ويقلل من شأن التحدي المناخي. ويشار أيضاً إلى أنه لا وجود لحل معجزة يعالج التغير المناخي، ولا يجادل أحد في أن الطاقة النووية تمثل الحل الوحيد.

في الواقع، تجد معظم الدراسات التي تتناول إزالة الكربون من مصادر الطاقة أن الطاقة النووية تعد مكملاً للطاقة المتجددة، ومصادر أخرى خالية من الكربون بسبب قدرتها على توفير الكهرباء على مدى الساعة، وطيلة 365 يوماً في السنة. مع حلول منتصف القرن، سيحتاج العالم إلى إعادة تشكيل نظام الطاقة فيه بالكامل، ثم العمل على تنميته بمقدار النصف مرة أخرى، بهدف رفع مستويات المعيشة العالمية. وهذه مهمة شاقة. وكذلك ستكون الطاقة النووية جزءاً مهماً من مزيج الطاقة العالمي، إذ عملت بالفعل على نزع الكربون [الذي ينبعث أثناء توليد الكهرباء] من أجزاء كبيرة من شبكات الكهرباء في بلدان صناعية عدة.

واستطراداً، تشبه مقارنة تكاليف الإنتاج النووي الخام بإنتاج الرياح والطاقة الشمسية، على غرار ما تفعل ماكفارلين، المقارنة بين التفاح والبيتزا. ويرجع ذلك إلى أنها تتجاهل سبب ظهور الطاقة النووية في عدد من التحليلات، كجزء من حل لأزمة الطاقة يكون خالياً من الكربون [في عمليات توليد الطاقة]. إذ توفر الطاقة النووية طاقة كهرباء تكون متاحة دائماً خلال الأسابيع والأشهر التي تتراجع فيها مصادر الطاقة المتجددة كالرياح، على غرار ما حصل هذا الصيف في أوروبا. في المقابل، يحرز تخزين الطاقة تقدماً لكن سعره يجب أن ينخفض بـ95 في المئة أو أكثر كي يقترب من تخزين كمية الطاقة المطلوبة على مدى فترات طويلة بتكلفة معقولة. وفي هذا السياق، تشير جميع التحليلات الرئيسة تقريباً إلى أن الطاقة "الثابتة" على غرار الطاقة النووية، تشكل مصدراً للطاقة يكون متاحاً بغض النظر عن حالة الطقس، ستكون [الطاقة الثابتة] مهمة في سد الثغرات [التي تحدث في مصادر الطاقة المتجددة].

وبطريقة موازية، تحوز الطاقة النووية مزايا أخرى. إذ تشغل حيزاً مادياً صغيراً، ذلك أن المفاعلات تستخدم أقل من واحد في المئة من المساحة التي تتطلبها طاقة الرياح والطاقة الشمسية عند قياسها لكل وحدة من الطاقة المنتجة. ويعتبر ذلك أمراً بالغ الأهمية في عالم مكتظ بشكل متزايد ويجري فيه تنافس على الأراضي. وفي هذا الإطار، يمكن أن تكون المفاعلات النووية وسيلة فعالة للغاية في إنتاج وقود خالٍ من الكربون كالهيدروجين الذي سيكون ضرورياً في إمداد الطاقة إلى الصناعات الثقيلة والشحن الثقيل والشحن البحري، التي يصعب تشغيلها على الكهرباء فحسب.

لا تتطرق ماكفارلين إلى أي من هذه النقاط، لكنها تشتكي من أن العالم لا يستطيع إنتاج طاقة نووية جديدة كافية في العقد القادم، وبالتالي فهذا ليس الحل "المنشود". وكبديل لذلك، تدافع عن التقنيات "الجاهزة الاستخدام اليوم، وليس بعد 10 أو 20 عاماً من الآن"، ويفترض أنها تقصد طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

في المقابل، لا شيء يمكن نشره بسرعة على نطاق واسع. واستطراداً، لا تزال طاقتا الرياح والشمس، اللتين تشكلان جزءين مهمين من الحل، توفران أقل من أربعة في المئة من طاقة العالم، وذلك بعد عقود من الدعم الحكومي المستمر. وتذكيراً، يتطلب توفير كل الطاقة عبر تقنيات الرياح والشمس تكثيف نشاط مصادر الطاقة هذه بسرعة تتجاوز عشر مرات السرعة المعتمدة في بنائها اليوم، مستهلكة ملايين الأفدنة وواضعة مئات الآلاف من خطوط النقل الكهربائية العالية الفولتية [العالية التوتر]، في وجه معارضة عامة شرسة على نحو متزايد. وبالطبع، سيستمر العالم في النمو بعد سنة 2030. وحتى لو تمكنا من استبدال الرياح والطاقة الشمسية بجميع الطاقة الأحفورية الحالية مع حلول 2050، فقد يتضاعف الطلب في غضون 50 عاماً بعد تلك المرحلة، وستكون البدائل ضرورية من أجل سد الفجوات. نحن بحاجة إلى خيارات أكثر، وليس أقل، من أجل زيادة فرصنا في النجاح.

وعلى نحو مماثل، تشير ماكفارلين بشكل صحيح إلى التكاليف المرتفعة وأوقات التطوير الطويلة المرتبطة بالمشاريع النووية الأخيرة. في المقابل، توضح الدراسات الحديثة أن هذه المشكلات ترجع أساساً إلى قيام الصناعات والحكومات ببناء تصاميم لمرة واحدة بشكل متقطع، ما أدى إلى خسارة وفورات في الحجم والتعلم. إذاً، يحتاج نهجنا إلى تغيير جذري. وبالاسترجاع، حينما بنينا محطات نووية متعددة باستخدام التصميم نفسه، انخفضت التكاليف وتقلصت أوقات التسليم. بالتالي، يمكن توحيد المحطات الحديثة وإنتاجها بكميات كبيرة في المصانع بدلاً من بنائها بالكامل في الموقع.

واستكمالاً، تجادل ماكفارلين بأن وقود اليورانيوم العالي التخصيب المطلوب في بعض المفاعلات المتقدمة سوف يحفز انتشار الأسلحة [النووية]. لكن، تخصيب اليورانيوم مكلف، وقد وافقت الدول المصدرة الرئيسة على الحد من وفرته. وتجدر الإشارة إلى أن المفاعلات المتقدمة ستتطلب أيضاً حوكمة نووية جديدة. كذلك ستصب خسارة هذه السوق في مصلحة روسيا وربما الصين، وستحد من النفوذ الأميركي في إعادة تصميم الضوابط النووية. ويثير ذلك مخاوف تتعلق بالأمن العالمي والإرهاب النووي وانتشار الأسلحة، مع تخفيف شروط منع الانتشار المفروضة على البلدين [روسيا والصين].

إضافة إلى ذلك، تعترف ماكفارلين بأن "الابتكارات في تصميم المفاعلات والوقود النووي لا تزال تستحق بحثاً كبيراً ودعماً حكومياً". في هذا السياق، يبدو أنها تقر ضمنياً بما يدركه معظم المحللين وإدارة بايدن، ويتمثل في أن التحدي المناخي أكبر من أن يسلك طريقاً واحداً للنجاح. كخلاصة، إن الطاقة النووية تشكل واحدة من عدة خيارات غير مثالية لكنها ضرورية، علينا اتباعها.

* أرموند كوهين، المدير التنفيذي في "كلين إير تاسك فورس".

** كينيث لونغو، رئيس "منظمة الشراكة من أجل الأمن العالمي".

 

لماذا تعتبر الطاقة النووية جزءاً من الحل

* تيد نوردهاوس

 

في مقالتها "الطاقة النووية لن تكون الحل المنشود لمواجهة تغير المناخ"، تعيد أليسون ماكفارلين صياغة فكرة مألوفة. إذ ترى أن الطاقة النووية لا يمكن أن تسهم بشكل هادف في معالجة تغير المناخ، لأن "وقت العالم قد أوشك على النفاد" في تطوير تكنولوجيا نووية جديدة ومبتكرة ونشرها على نطاق كافٍ في إحداث فارق يكون كبيراً. لم تحدد ماكفارلين الموعد النهائي الذي تفكر فيه بالضبط. ولكن يمكن للمرء أن يستنتج أنها تتحدث عن استقرار الانبعاثات العالمية عند مستويات تتوافق مع الحد من الاحتباس الحراري بما لا يرفع حرارة الأرض أكثر من 1.5 أو 2.0 درجة مئوية، فوق مستوياتها أثناء عصر ما قبل الصناعة.

ووفق ما كتبت ماكفارلين في مجلة "فورين آفيرز"، من غير المرجح تثبيت ذلك المستوى عند حدود درجتين، أما حدود الـ1.5 درجة، فتعتبر منافية للعقل. على الرغم من ذلك، يستمر مصممو أنظمة الطاقة في الإشارة إلى أن الوصول إلى ذلك ممكن تقنياً، ويتحدث المدافعون من أمثال ماكفارلين عن تلك النماذج كما لو كانت حقيقية. ولكن، من الناحية الافتراضية، إن كل سيناريو رسم بشأن ذلك، يفترض نشراً سريعاً جداً للبنية التحتية الخاصة بالرياح والطاقة الشمسية والبطاريات والتوزيع (وهو أمر ليس له مثيل أو لا تتوفر سابقة بشأنه)، مع تطوير مجموعة واسعة من التقنيات التي لا وجود لها أساساً في الحاضر.

التحدي المناخي أكبر من أن يسلك طريقاً واحداً في النجاح

وبالتالي، طالما أن المفاعلات النووية المتقدمة بعيدة عن التسويق التجاري على نطاق واسع، ما يمنعها من المساهمة بشكل كبير في تحقيق أهداف الانبعاثات التي تصر ماكفارلين على وجوب تحقيقها، فسينطبق الأمر نفسه على ابتكارات كالهيدروجين الأخضر [أي الهيدروجين الذي ينتج بتقنيات تستخدم طاقة خالية من الانبعاثات الملوثة]، والفولاذ الخالي من الكربون، وإنتاج الأسمدة الاصطناعية [تعتبر من أشكال الهيدروجين]، وأنواع الوقود ذات المحتوى الكربوني المنخفض، وإزالة الكربون بشكل مكثف من الغلاف الجوي. في الواقع، لا يمكن لسيناريوهات ونماذج تخفيف آثار تغير المناخ، المتماشية مع تلك الأهداف، أن تقلل الانبعاثات بشكل كبير من دون افتراض وجود هذه التقنيات بمعظمها أو جميعها. ولا تعتبر أي تقنية من بينها صالحة تجارياً على أي مستوى اليوم.

وفي هذا الإطار، غالباً ما يشير منتقدو الطاقة النووية من أمثال ماكفارلين، إلى المدة التي يستغرقها بناء المحطات النووية وتكلفتها، بينما يعارضون في الوقت نفسه الخطوات التي من شأنها أن تجعل بناء محطات الطاقة النووية أسهل، ونشرها أقل تكلفة. وعلى نحو مماثل، كثيراً ما قاوم الموظفون والمفوضون في "اللجنة التنظيمية النووية" التي ترأستها ماكفارلين من 2012 إلى 2014، الجهود المبذولة لترشيد عملية الترخيص [للمنشآت النووية] وتبسيطها، على الرغم من التوجيه الصريح من الكونغرس على مدى الأربعين سنة الماضية من أجل تحديث النظام بهدف تعزيز الابتكار وتحقيق إنجازات مهمة.

ويتضح من ذلك الأمر، وكذلك من الاعتراضات الأخرى التي توجهها ماكفارلين ضد الطاقة النووية، أن ما تقدمه ليس براغماتية صلبة بل إنها بالأحرى عرقلة. في الحقيقة، هنالك عدد قليل جداً من المسارات التكنولوجية التي تتيح إزالة الكربون من الاقتصاد العالمي بشكل كبير على مدى هذا القرن. ومن الواضح أن الطاقة النووية واحدة منها. إذ وفرت 20 في المئة من كهرباء الولايات المتحدة طيلة عقود من الزمن، من دون انبعاثات، ومع معدل وفيات أقل لكل ميغاواط/ساعة من الطاقة المنتجة حتى بالمقارنة مع طاقة الرياح والطاقة الشمسية. وفي المقابل، ستكون المفاعلات المتقدمة الجديدة أكثر أماناً بأشواط، ما يجعلها، بهامش كبير، تقنيات الطاقة الأكثر أماناً التي اخترعها البشر على الإطلاق.

وتجدر الإشارة إلى أن التحديات التي أفسدت الطاقة النووية في العقود الأخيرة، أنشأها في جزء كبير منها المعارضون النوويون، ويستند معظمها إلى الاعتراضات الأيديولوجية التي تعود إلى زمن أقدم بكثير من ظهور تغير المناخ كمسألة خطيرة في الشأن العام. ولكن، من خلال الابتكار والتنظيم الحكيم، يمكن حل جميع تلك التحديات قريباً. لذا، ينبغي على صانعي السياسات والمنظمين والمدافعين [عن المناخ]، التعرف إلى إمكانات الطاقة النووية، مع نهوضهم بأعمال تسويق التقنيات النووية المتقدمة.

* تيد نوردهاوس، المؤسس والمدير التنفيذي لمعهد "بريكثرو".

                                               

 لا يمكننا التصرف بالطريقة المعتادة

* مايكل غولاي

 

في مقالها المعنون "الطاقة النووية لن تكون الحل المنشود في مواجهة تغير المناخ"، تجادل أليسون ماكفارلين، وهي من تلامذتي السابقين، بأن الطاقة النووية معيبة ومكلفة إلى درجة تمنعها من أن تكون مرشحاً جدياً في البحث عن حلول لتغير المناخ. ويعتبر عدداً من ملاحظاتها الواقعية دقيقاً، لكن حجتها على العموم ليست كذلك. إذ إنها تشير إلى أن المشاريع النووية الأخيرة بدت بطيئة ومكلفة للغاية لذا لا يمكنها أن تؤدي دوراً رئيساً في السيطرة على تغير المناخ. إنها محقة في أن بعض المشاريع النووية كانت كذلك [بطيئة ومكلفة]، لكنها غير محقة في الإيحاء بأن ذلك يشكل أمراً شاملاً، وأن تلك المشاريع ستبقى على ذلك النحو من البطء وارتفاع التكلفة.

في الواقع، لا يعتمد نجاح مشروع الطاقة النووية على التكنولوجيا فحسب، بل على البيئة السياسية أيضاً. منذ سبعينيات القرن العشرين، عمل اليسار السياسي في عدد من الديمقراطيات على ضمان فشل الطاقة النووية من خلال تقويض اليقين بالتشريعات الناظمة لها، إضافة إلى مساهمة اليسار في عدم الاستقرار في هذا القطاع. وفي هذا السياق، من المستحيل إجراء مناقشة ذات مصداقية حول المساهمات التي يمكن أن تقدمها المرافق النووية للتخفيف من تغير المناخ إذا تجاهلنا أن الطاقة النووية باهظة الثمن إلى حد كبير بسبب العقبات التنظيمية التي وضعتها بعض الحكومات حول هذا القطاع. وهذا ما تفعله ماكفارلين، وهو أمر ملفت بقوة لأنها عملت رئيسة لـ"اللجنة التنظيمية النووية".

في الحقيقة، يميل نجاح الطاقة النووية وفشلها إلى أن يكونا نبوءات تتحقق من تلقاء نفسها. وحينما تشير المجتمعات إلى أنها تريد مشاريع طاقة نووية ناجحة، فإنها تميل إلى النجاح. لنأخذ مثلاً تجارب بلجيكا وفرنسا، حيث توفر الطاقة النووية نحو 51 في المئة و78 في المئة من إجمالي الكهرباء الوطنية في البلدين، على التوالي. ولنقارن ذلك مع الولايات المتحدة، حيث توفر الطاقة النووية عادة نحو 18 في المئة من الكهرباء الوطنية، علماً بأنه منذ 1974 لم تطلق إلا وحدتين جديدتين فحسب، وقد باتتا تقتربان الآن من بدء التشغيل. وتذكيراً، صارت الطاقة النووية في الولايات المتحدة باهظة الثمن بشكل غير معقول، مع أن تقنيتها هي في الأساس التقنية نفسها المعتمدة في الغالبية العظمى من مفاعلات الطاقة النووية البالغ عددها 450 في جميع أنحاء العالم.

يعتمد نجاح مشروع الطاقة النووية على البيئة السياسية

وفقاً لعدد من التقديرات، أمام العالم نحو 60 عاماً لإزالة الكربون من اقتصاد الطاقة العالمي. بالتالي، سيتطلب النجاح إجماعاً دولياً وإصراراً، على غرار طريقة عمل الحكومة في زمن الحرب. والأرجح أن التصرف على النحو المعتاد سيضمن الفشل.

يمكن أن تتخذ الطاقة النووية أشكالاً أفضل من تلك الموجودة حالياً. ووفق ماكفارلين، سوف يتطلب الأمر زمناً وموارد لتحقيق تلك الابتكارات. لكنها جزء مهم من نهج مجموعة "كل ما ورد أعلاه" [إشارة إلى استخدام تلك العبارة ككليشهة للتهوين من التأثيرات الكثيرة للاضطراب في المناخ] بشأن التخفيف من آثار تغير المناخ. وإذا سادت نظرة ماكفارلين المتشائمة حول الاحتمالات المطروحة، ستظل إمكانية النجاح وحصول المبادرات في الوقت المناسب ضعيفة، وكذلك احتمال إنقاذ الكوكب.

* مايكل غولاي أستاذ "العلوم والهندسة النووية" في "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا".

 

النووي يمثل المستقبل الحقيقي للطاقة

* ويد أليسون

 

في مقال نشر أخيراً في مجلة "فورين آفيرز" بعنوان "الطاقة النووية لن تكون الحل المنشود في مواجهة تغير المناخ"، ترسم أليسون ماكفارلين صورة قاتمة للمساهمة المحتملة التي قد تقدمها الطاقة النووية. لكنها مخطئة في الاستنتاج من فشل الصناعة النووية في الأربعين عاماً الماضية، بمقدار فشل توقع أن صناعة الأدوية ستستغرق عقوداً للعثور على لقاح ضد فيروس كورونا. في الواقع، ترفع حالة الطوارئ العالمية سقف مخاطر اللعبة، مع العلم بأن تغير المناخ مؤهل ليكون حالة طوارئ عالمية.

وفي هذا الإطار، مصادر الطاقة الثلاثة المتاحة على نطاق واسع هي "مصادر الطاقة المتجددة" (كالرياح والطاقتين الكهرومائية والشمسية) والوقود الأحفوري والطاقة النووية. وكل تلك المصادر طبيعية، لكن التكنولوجيا المستخدمة فيها هي من صنع الإنسان. واستكمالاً، تشيد ماكفارلين بمصادر الطاقة المتجددة باعتبارها "تقنيات لا ينبعث منها الكربون وجاهزة للاستخدام اليوم، وليس بعد 10 أو 20 عاماً من الآن". لكن "المزارع" [التي تنشر فيها ألواح الطاقة الشمسية وتوربينات الرياح] المستعملة في جني طاقة مخففة من المصادر المتجددة، شاسعة وعرضة للتأثر بظروف الطقس القاسية. والأسوأ من ذلك أنه لا يمكن الاعتماد عليها. وفي ذلك المجال، لا داعي لأن ننظر إلى أبعد من كاليفورنيا وتكساس، حيث تسبب انقطاع التيار الكهربائي والأعطال في ترك الناس من دون مصادر طاقة، وقد حدث ذلك في ولاية "لون ستار" حينما انخفضت درجات الحرارة بشدة، وأدى نقص التدفئة إلى وقوع نحو 200 وفاة.

في المقابل، يمكن للطاقة النووية أن توفر الطاقة بأمان في كل وقت ومكان. في المقابل، تشير ماكفارلين عن حق إلى أنه منذ 1980، فشلت الصناعة النووية فشلاً ذريعاً، إذ أعاقتها مخاوف واسعة النطاق من التكنولوجيا النووية. ازداد ذلك بعد حادثة جزيرة "ثري مايل" في 1979، التي لم تتسبب في خسائر في الأرواح ولكنها تزامنت مع إصدار فيلم "متلازمة الصين" The China Syndrome، وهو فيلم ضخم وناجح يعرض انهيار مفاعل نووي بصورة غير واقعية على الإطلاق. وكذلك أدت الحادثة التي وقعت في المفاعل النووي لجزيرة "فوكوشيما دايتشي" في شمال اليابان سنة 2011، إلى مزيد من تدهور الثقة في الطاقة النووية، على الرغم من حقيقة عدم وجود إصابات مرتبطة بهذه الحادثة أيضاً.

بالتالي، نحن بحاجة إلى إزالة الشوائب المزمنة التي ظلت ملتصقة بالطاقة النووية منذ حقبة "الحرب الباردة" [فترة الصراع بين المعسكرين الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة والاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي، خلال معظم القرن العشرين]. لنتذكر أيضاً أن التحديات التي تنتظرنا تتوافق مع نمط يمكننا أن نستشفه في الجهود المبذولة في معالجة حالة طوارئ عالمية أخرى، هي جائحة "كوفيد-19". إذ أبرزت الجائحة وجود حاجة أولى تتمثل في إيجاد لقاح. بعد ذلك، تأتي الحاجة إلى جعله متاحاً دولياً، تليها أخيراً، إقناع الجمهور بقبوله. وقد اكتشف اللقاح أسرع مما كان متوقعاً، ولكن لا تزال الخلافات حول الملكية الفكرية والوطنية تعرقل عملية التوزيع، وهو أمر غير مناسب في أزمة عالمية، وكذلك، تبقى عقبة مناهضي اللقاح صعبة.

في مقلب مغاير، ليست الطاقة النووية لقاحاً لمعالجة تغير المناخ، لكنها عنصر مهم في تقليل انبعاثات الكربون بالمستوى المطلوب. وتتمثل الخطوة الأولى الفورية في وقف الإغلاق غير المنطقي للمحطات النووية الحالية، ثم المضي قدماً في إنشاء محطات جديدة ذات تصميم تقليدي. بمجرد توفر المفاعلات الصغيرة المنتجة في المصانع، تحتاج الحكومات والشركات إلى إنتاجها بكميات كبيرة وتركيبها في جميع أنحاء العالم كي تحل بديلاً من محطات الوقود الأحفوري. في تلك المرحلة، قد نواجه مشكلة رأيناها في نشر اللقاحات، حينما بدت الدول الأكثر ثراء، على وجه العموم، مترددة في ضمان توفر اللقاحات في البلدان الفقيرة. من هذا المنطلق، يطرح هنا سؤال مفتوح حول ما إذا كان المستثمرون سيوافقون على توفير المفاعلات النووية للدول التي لا تملك موارد كافية في الحصول عليها، على الرغم من أن الفشل في ذلك، على غرار الحال مع الوباء العالمي، سيؤثر سلباً في الأفراد في جميع أنحاء العالم.

وفي سياق متصل، هنالك الخوف الذي يدفع إلى مناهضة الطاقة النووية، ويجب التغلب عليه، على الرغم من أنه خوف متأصل بعمق أكثر بالمقارنة مع الخوف الذي يحرك مناهضة اللقاح. يجب أن تعمل المؤسسة النووية على عكس وجهة النظر السائدة بأن الطاقة النووية خطيرة وغريبة ويصعب فهمها. في الواقع، تشكل تلك عنصراً أساسياً في العالم الطبيعي، وفي مجال الصحة، في الأقل، أصبح مقبولاً على نطاق واسع القول بأن التكنولوجيا النووية مفيدة بالفعل، وذلك بفضل عمل ماري كوري [اكتشفت أشعة إكس المستخدمة في التصوير الطبي، مع العلم بأنها تأتي من مواد نووية مشعة]. ويعتبر شعار "تحييد أثر الكربون مع حلول 2050" شعاراً سياسياً يتجاهل القضية الحاسمة المتعلقة بكيفية تحقيق العالم ذلك الهدف الطموح. وتشكل الطاقة النووية جزءاً مهماً من الاستجابة [حيال تغير المناخ وتحقيق الحياد الكربوني]. إذاً، من أجل مستقبل أطفالنا، يجب أن نحاول بناء الثقة فيها.

* ويد أليسون أستاذ فخري في الفيزياء وزميل في كلية كيبل بجامعة أكسفورد.

 

 ماكفارلين ترد

تمثل الموضوع الرئيس لمقالتي [عنوانها "الطاقة النووية لن تكون الحل المنشود في مواجهة تغير المناخ"، ونشرت في "فورين آفيرز"] في ضخامة التحديات التي تواجه تشغيل عدد كبير من مفاعلات الطاقة النووية المتقدمة، إلى درجة أن التكنولوجيا لن تكون قادرة على التأثير في تغير المناخ خلال السنوات العشر أو العشرين المقبلة. وقد عارض تحليلي كل من أرموند كوهين وكينيث لونغو وويد أليسون ومايكل غولاي وتيد نوردهاوس. وفي المقابل، لم يطعن أي منهم بشكل مباشر في ذلك الادعاء الرئيس.

وكذلك، شملت انتقاداتهم عدداً من المزاعم غير الصحيحة. إذ يرى غولاي أن أمام البشرية 60 عاماً "لإزالة الكربون من اقتصاد الطاقة العالمي"، في حين أن تقرير "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" الصادر في 2021، قد حدد هذه الفترة بـ30 عاماً على الأكثر. في المقابل، يلقي أليسون باللوم في فشل الطاقة المتجددة على انقطاع الكهرباء في ولاية تكساس في 2021. ولنتذكر أن خطوط أنابيب الغاز الطبيعي المجمدة تحملت المسؤولية إلى حد كبير. أخيراً، يدعي نوردهاوس خطأً أن "اللجنة التنظيمية النووية" قاومت تبسيط عملية إعطاء التراخيص. إنها لم تفعل ذلك. في الواقع، عملت "اللجنة التنظيمية النووية" على تبسيط عملية الترخيص المكونة من خطوتين، استجابة لشكاوى الصناعة [النووية]، وهي في مرحلة متقدمة من قاعدة الترخيص الخاصة بالمفاعلات المتطورة.

يمكن للطاقة النووية توفير الطاقة بأمان في الأوقات والأمكنة كلها

وفي سياق متصل، ألقى ثلاثة من المجيبين (غولاي وأليسون ونوردهاوس) اللوم على معارضي الطاقة النووية بشأن مشكلات تلك الطاقة. في المقابل، يتمثل المصدر الحقيقي للمشكلة في التكلفة، إذ إن الطاقة النووية تعيش على الاقتصاد أو تموت بسببه. وفي المقابل، يقر غولاي وكوهين ولونغو في الأقل، بالتكاليف الباهظة والجداول الزمنية الطويلة المطلوبة في تشغيل مصانع جديدة. لنأخذ مثلاً مصير المفاعلين من طراز "وستنغهاوس أي بي- 1000" في ولاية "ساوث كارولينا"، اللذين ألغي بناؤهما في 2017 بعد أن اكتمل ثلثاهما وخسر المرخصون لهما 4.7 مليار دولار. في تفسير القرار، أعلنت شركة ساوث كارولينا للكهرباء والغاز South Carolina Electric & Gas Company أن المشروع أصبح "مكلفاً للغاية". في سياق متصل، عمدت ولايات أميركية عدة (وحكومات البلدان الأخرى) إلى تحرير أسواق الكهرباء لديها من القيود الحكومية. وفي تلك الأماكن، كانت المحطات النووية الجديدة محكوماً عليها بالفشل، لأن التكاليف الرأسمالية للمحطات الجديدة يجب أن يتحملها القطاع الخاص، لا دافعو الضرائب. إذاً، لن تكون الطاقة النووية الجديدة ممكنة إلا حينما يجد دافعو الضرائب أن التكاليف معقولة.

في ما يتعلق بمساهمة الطاقة النووية في الحد من انبعاثات الكربون في المستقبل، لا يزال من غير المؤكد مدى قدرة التصاميم الجديدة على تحقيق المعايير المطلوبة من ناحية التكلفة. إذ يؤكد بعض المجيبين على مقالتي أن المفاعلات المعيارية الصغيرة ستكون قادرة على تحقيق وفورات الحجم اللازمة [في استيفاء المعايير المطلوبة]. في المقابل، لا تكون تلك المفاعلات الصغيرة على ذلك المقدار من الصغر في معظم الأحيان. ومثلاً، يرحب غالباً بمفاعل "ناتريوم" من شركة "تيراباور"، المقرر إنشاؤه في "وايومنغ"، باعتباره مفاعلاً معيارياً صغيراً Modular Nuclear Reactor [بمعنى أنه مؤلف من مجموعة وحدات صغيرة يجري توليفها مع بعضها بعضاً]. في المقابل، سيولد ذلك المفاعل 345 ميغاواط/ساعة، ما يجعله محطة متوسطة الحجم، وستعمل منشأة مخطط لها [ومتصلة به] لتخزين الطاقة على إضافة 155 ميغاواط/ساعة أخرى إلى طاقته، ما يوسع مداه. على غرار "تيراباور"، تعمد شركات كثيرة متخصصة في تصميم المفاعلات النووية الجديدة [= مفاعلات معيارية صغيرة]، إلى إضافة وحدة تخزين الطاقة إلى أنظمة تلك المفاعلات بهدف تلبية الاحتياجات الأساسية لشركات المرافق العامة المتمثلة بالاستمرارية في تدفق الطاقة، أو القدرة على زيادة الطاقة أو تقليصها في وقت قصير. وبالطبع ستؤدي مرافق التخزين هذه أيضاً إلى زيادة التكاليف.

في منحى مقابل، يذكر كوهين ولونغو أن المفاعلات الجديدة "يمكن أن يجري إنتاجها بكميات كبيرة في المصانع"، ما يشكل ادعاءً ما زال مفتقراً إلى الإثبات. والجدير بالذكر أن محاولة شركة "وستنغهاوس" Westinghouse استخدام "تصميم المفاعلات المعيارية" في مصنعها الكائن في "بحيرة تشارلز"، بولاية لويزيانا، أسهمت بشكل كبير في إفلاس الشركة. ففي تلك الحالة، توجب أخذ الوحدات المعيارية الصغيرة التي أنتجها المصنع إلى موقع المفاعل وإعادة جمعها وتوليفها هناك. وبطريقة موازية، يفرض إنتاج المفاعلات في المصانع تحديات فريدة، لأن التصاميم النووية تتطلب مستويات من مراقبة الجودة غير موجودة في معظم الصناعات الأخرى، ولسبب وجيه، إذ يمكن أن يؤدي وقوع حادثة نووية إلى خسائر اقتصادية وبيئية فادحة، على غرار ما شهده العالم سنة 2011 في فوكوشيما اليابانية.

وفي سياق متصل، لا يزال غير مثبت ادعاء نوردهاوس بأن التصاميم الجديدة ستكون "أكثر أماناً بأشواط" من المفاعلات الحالية، إذ لم يجر بناء أي من تلك التصميمات الجديدة على نطاق واسع، والعديد منها لا يوجد إلا على الورق وكنماذج رقمية في الكمبيوتر. في الواقع، لا يمكن للمهندسين فهم جميع مشكلات السلامة التي تطرحها التصميمات الجديدة إلا حينما ينجز بناء نماذج أولية كاملة. واستطراداً، إن مثل هذه النماذج الأولية باهظة الثمن، بالنسبة إلى معظم المستثمرين.

وإضافة إلى الشكوك المستمرة بشأن تكاليف تصميمات المفاعلات الجديدة [المعيارية الصغيرة]، فإن الوقود الذي تتطلبه قد يكون مكلفاً أيضاً. ووفق ما أشار كوهين ولونغو بشكل صحيح، فإن "تخصيب اليورانيوم مكلف"، ومعظم تلك التصميمات يتطلب تخصيب اليورانيوم إلى مستويات أعلى من تلك المستخدمة في المفاعلات الحالية. في هذه المرحلة، لا يمكن لأي منشأة تملكها الولايات المتحدة تنفيذ هذا المستوى من التخصيب. وهكذا تبدأ مشكلة الدجاجة والبيضة، إذ لا أحد يريد دفع فاتورة بناء مثل ذلك المفاعل [المعياري] ما لم تكن هناك قاعدة عملاء مضمونة، ولا أحد يريد دفع فاتورة المفاعلات الجديدة التي تعتمد على اليورانيوم المخصب ما لم تكن هناك إمدادات وقود [نووي، أي اليورانيوم] موجودة فعلاً.

واستطراداً، يشير كوهين ولونغو أيضاً عن حق إلى أن المفاعلات المتقدمة "ستتطلب حوكمة نووية جديدة"، وأنه إذا انتهى الأمر بالولايات المتحدة إلى "خسارة السوق" لمصلحة الصين وروسيا، فلن يكون لها [الولايات المتحدة] نفوذ كبير. على الرغم من ذلك، فلا تزال الولايات المتحدة واحدة من القوى النووية الرئيسة، ومن الصعب تخيل أن واشنطن لن تحتفظ بصوتها وتأثيرها في الحوكمة النووية. تجدر الإشارة إلى أن نفوذ الولايات المتحدة يعتمد بشكل أكبر على قدرة الدولة في الاحتفاظ بوضعها كشريك موثوق به، وليس على خيارها بشأن دعم الإنتاج النشط في تكنولوجيا الطاقة النووية.

من المؤسف أنه في المناقشات حول الطاقة النووية، غالباً ما يتهم أي شخص ينتقد أحد جوانب القطاع بأنه مناهض للطاقة النووية، فيما يتهم أي شخص يدعم أي جزء من الطاقة النووية بأنه مروج لهذا القطاع. لا يستفيد أحد من إطلاق النعوت، بل يعيق ذلك حدوث مناقشة تستند إلى العلم. والنظر إلى الطاقة النووية باللونين الأبيض والأسود، كأنها شيء يجب أن يكون المرء إما معه وإما ضده، أمر خطير بالنسبة إلى مؤيدي الطاقة النووية، لأن ذلك لا يترك مجالاً للنقد المنطقي ويعيق النمو والتحسين. وفي هذا الإطار، تستحق ادعاءات المصممين والبائعين النوويين مزيداً من الدراسة. هل ستنتج هذه المحطات الكهرباء بطريقة نظيفة ورخيصة وآمنة وبأقل قدر من الهدر، وفق ما يزعم؟ مع وجود أشياء كثيرة على المحك، يجب على المسؤولين والمستثمرين معرفة مدى صحة تلك الادعاءات قبل أن يبدأ أي شخص في إنشاء مفاعلات جديدة. وفي الحقيقة، تؤدي الطاقة النووية اليوم دوراً مهماً في إمدادات الكهرباء، لأنها لا تصدر الكربون. وعلى الرغم من ذلك، سيعتمد الدور الذي تؤديه في المستقبل جزئياً على قدرتها على تحمل التدقيق المكثف.

* أليسون ماكفارلين أستاذة ومديرة في "كلية السياسة العامة والشؤون العالمية" في كلية الآداب بـ"جامعة كولومبيا البريطانية". عملت سابقاً رئيسة لـ"اللجنة التنظيمية النووية" الأميركية.

المزيد من بيئة