Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الطاقة "الجديدة"... "قديمة" و"المتجددة" لا تتجدد

خلاصة القول إنه علينا موازنة أمن الطاقة وأمن البيئة

السيارات الكهربائية أقدم من سيارات البنزين (أ ف ب)

ما دفعني إلى كتابة هذا الموضوع هو أن يوم الأحد الماضي كان الذكرى 49 لمغادرة سفينة أبولو 17 القمر، تاركة وراءها آخر "مركبة قمرية" على سطح القمر، وكانت السيارة الثالثة التي تُترك هناك بحيث إن أبولو 15 وأبولو 16 تركتا مركبتين هناك. هذا النوع من المركبات عبارة عن سيارة مكشوفة تمشي على أربع عجلات خاصة، صنعتها شركة "بوينغ" من معادن معينة، وصممتها بحيث يمكن طيّها كي لا تأخذ حيزاً في سفينة الفضاء.

نحن نتكلم عن أكثر من 50 عاماً مضت. والسؤال: ماذا كان وقود هذه المركبات؟ هذه المركبات كانت سيارات كهربائية استُخدمت فيها بطاريات هيدروكسيد البوتاسيوم مع الفضة والزنك! وما هو الوقود الذي استخدم لتوفير الكهرباء والماء في أبولو 17؟ الهيدروجين! وماذا كانت مصادر الطاقة المساعدة؟ الطاقة الشمسية.

الفكرة هنا أن ما يقال إنه "جديد"، مثل السيارات الكهربائية والهيدروجين والطاقة الشمسية "قديم"!

والحقيقة أن هذه التقنيات أقدم من ذلك بكثير. لكن، قبل الخوض في التفاصيل، لا بد من ذكر حقيقة مهمة، هي أن نسبة استخدام الطاقة المتجددة عالمياً في القرن السادس عشر، مثلاً، أضعاف النسبة الحالية! العالم تاريخياً كان يعتمد بشكل أساسي على مصادر الطاقة التي نسمّيها الآن بـ"المتجددة"، خصوصاً الشمسية والرياح. والواقع أنه على مدى آلاف السنين، كانت السفن التي استُخدمت في التجارة العالمية والحروب تسير كلها بطاقة الرياح!

السيارات الكهربائية

السيارات الكهربائية أقدم من سيارات البنزين. فقد نشرت منصة "الطاقة" تقريراً في منتصف عام 2020 رصدت فيه تطور السيارات الكهربائية منذ بدايتها منذ نحو 190 سنة حتى الآن. وذكرت أن السيارة الكهربائية الأولى ظهرت عام 1832، قبل السيارة الأولى التي تعمل بالوقود بـ56 عاماً. وذكرت أنه في القرن الـ19، كان عدد السيارات الكهربائية يفوق سيارات الوقود بنسبة 10 إلى 1! وروت أن بعض السيارات الكهربائية في مراحلها المبكرة كانت تسير لمسافة تصل إلى 180 ميلاً في الشحنة الواحدة، في وقت كانت الطرق سيئة إن وجدت، وأن السيارة الكهربائية كانت المفضلة لدى النساء لسهولة تشغيلها مقارنة بسيارة البنزين. وكانت شواحن هذه السيارات متوافرة في أماكن عدة، ونشرت صورة لامرأة تشحن سيارتها عام 1912.

مع تطور المحرك الانفجاري، تلاشت صناعة السيارات الكهربائية، وأسهم في ذلك انتشار محطات البنزين في كل مكان وتوافر البنية التحتية لدعمها، خصوصاً على الطرق الطويلة. إلا أن صناعة السيارات الكهربائية عادت للازدهار أثناء الحرب العالمية الثانية بعدما فقدت دول المحور إمداداتها النفطية، فلجأت إلى تطوير السيارات الكهربائية التي كانت تشحن بطارياتها من محطات الكهرباء العاملة بالفحم.

خلاصة الحديث أن السيارات الكهربائية ليست جديدة، وإنما أقدم من سيارات البنزين بعقود.

نظراً إلى الانتقادات الكثيرة الموجهة إلى السيارات الكهربائية الحديثة، في ما يتعلق بالوقت الطويل اللازم لشحن البطارية، جرّبت شركة "تيسلا" تغييراً سريعاً للبطاريات بدلاً من الشحن. فبدلاً من أن تذهب السيارة الكهربائية إلى محطات الشحن، والانتظار لفترة أقلها نصف ساعة لشحن السيارة، يمكنها الذهاب إلى محطة بنزين، حيث يتم فك البطارية ووضع أخرى مشحونة بالكامل مكانها في عملية تتم خلال دقائق، وهو الوقت المستخدم في تعبئة البنزين. إلا أنه لأسباب تقنية وقانونية، قررت "تيسلا" إلغاء المشروع.

هذا المشروع الذي فشلت فيه "تيسلا" أبدعت فيه شركة "نيو" الصينية التي بنت، وما زالت تبني، عدداً كبيراً من المحطات لتغيير البطارية. هذا التطور الذي يعتبره البعض تقدماً علمياً مذهلاً سيقضي على سيارات البنزين والديزل، ومن ثم على الطلب على النفط، كان شائعاً في دول المحور في بداية الأربعينيات، أي منذ نحو 80 عاماً! وكانت عملية التغيير تستغرق أقل من خمس دقائق!

حتى ما يعتبره البعض تقدماً علمياً حديثاً... هو قديم! ثم يتنبأ البعض ببلوغ الطلب على النفط ذورته!

طاقة الرياح

كانت الرياح مصدر طاقة منذ الأزل... وكما ذُكر سابقاً، فإن السفن جابت البحار والمحيطات لآلاف السنين بقوة الرياح عن طريق استخدام الأشرعة. والآن، بعد التطورات العلمية الهائلة، تعود السفن إلى استخدام الأشرعة في بعض الأماكن، وتوقف جزء من محركاتها التي تعمل بزيت الوقود، لتوفير الوقود من جهة، وتخفيض بصمتها الكربونية من جهة أخرى.

وتم اللجوء إلى عنفات الرياح العمودية منذ مئات السنين في طحن الحبوب، خصوصاً في مناطق وسط آسيا وشرق تركيا.

في دول الخليج، تم استخدام "البراجيل" منذ مئات السنين، وهي أبراج في البيوت لالتقاط الرياح وإدخالها إلى المنزل بهدف التبريد. واستُخدمت العنفات الهوائية حول العالم لاستخراج المياه من الآبار. وعلى الرغم من وجود بعضها اليوم، إلا أن المحرك الكهربائي حل محلها.

وفي هذا السياق، علينا أن لا ننسى طواحين الهواء التي اشتهرت بها هولندا. وهناك أدلة كثيرة على أن الأوروبيين الأوائل الذين هاجروا إلى أميركا استخدموا طاقة الرياح في عمليات الطحن واستخراج الماء وقطع الأخشاب.

وقد يقول قائل، ولكن لم يتم توليد الكهرباء منها، والجديد الآن هو توليد الكهرباء من عنفات الرياح. الحقيقة أن عنفات الرياح استُخدمت في توليد الكهرباء منذ أكثر من 120 عاماً. فقد تم تطوير العنفة الهوائية الأولى لتوليد الكهرباء عام 1887، في اسكتلندا، على يد البروفيسور جيمس بلايث الذي أصبح بيته الريفي في قرية ماري كيرك البيت الأول في العالم الذي يستخدم الكهرباء من طاقة الرياح. وهنا، حادثة طريفة ومهمة لا بد من ذكرها، وهي أنه تبرّع بالكهرباء الإضافية مجاناً لإضاءة الشارع الرئيس في القرية، إلا أن أهل القرية رفضوا لأنهم اعتبروا الإنارة من "عمل الشيطان"!

ثم بنى تشارلز برَش عنفة رياح معقدة لتوليد الكهرباء في بيته في مدينة توليدو، في ولاية أوهايو، في 1888. واستمرت في توليد الكهرباء لمدة 12 عاماً. وحتى عندما توقفت، لم تتوقف بسبب أعطال فيها، إنما بسبب توافر الكهرباء لعامة الناس وبأسعار معقولة.

وقد يقول قائل، ولكن الجديد هو القدرة على تخزين الكهرباء في بطاريات. ويُردّ على ذلك بأن العنفة التي بناها برَش كانت تستخدم للحصول على الكهرباء مباشرة من جهة، ولتخزينها في عدد من البطاريات من جهة أخرى!

الطاقة الشمسية

استخدم الإنسان الطاقة الشمسية منذ الأزل، وما زال يستخدمها بالطريقة ذاتها. واستُعملت الطاقة الشمسية تاريخياً في أمور كثيرة، منها تجفيف الحبوب وتجفيف اللِّبن والطوب والطين لبناء المنازل، وطبعاً في تجفيف الملابس. واستُخدمت في تجفيف الماء للحصول على الملح. والملاحظ أن الإنسان في أنحاء المعمورة بنى البيوت بطريقة تمكّنه من اللجوء إلى أشعة الشمس، ليس للإضاءة فحسب، ولكن للتدفئة أيضاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مرة أخرى، قد يقول قائل إن الجديد هو استخدام الألواح الشمسية لتوليد الكهرباء، كما نرى اليوم. حتى اكتشاف الألواح الشمسية يعود إلى 1883! ورواد صناعة الكهرباء، مثل إديسون وتيسلا، كانوا يحلمون بعالم تُولّد فيه الكهرباء من أشعة الشمس.

مرة أخرى، ما يعتقد أنه جديد ليس جديداً

ما قيل أعلاه عن السيارات الكهربائية والهيدروجين والطاقة الهوائية والطاقة الشمسية، ينطبق على الطاقة المائية والحرارية. فكلتاهما قديم. والتطورات التقنية الأساسية لتوليد الكهرباء كلها عمرها أكثر من 100 عام.

إذاً، "الطاقة الجديدة" ليست "جديدة"، وإنما هو تعبير يُستخدم للترويج لها.

ماذا عن تعابير أخرى مثل "متجددة" و"مستدامة"؟

في الواقع، لا توجد طاقة "متجددة" أو "مستدامة". مرة أخرى، هي عملية ترويجية لهذه الأنواع من التقنية. وتقود عملية الترويج وكالة الطاقة الدولية في حربها ضد الدول النفطية. وهنا لا بد من أن نذكّر القارئ بأن سبب تأسيس الوكالة الدولية للطاقة في أواخر عام 1974 هو مجابهة الدول النفطية.

استفادت الوكالة ومن تبعها من الخلط بين أشعة الشمس وهبوب الرياح المتجدد والمستدام، ومشاريع الطاقة الشمسية والهوائية غير المتجددة وغير المستدامة. هذه المشاريع، حتى وفقاً للعقود القانونية، لها عمر معين وتنتهي. بعدها عليّ أن أستثمر من جديد وأبني مشروعاً جديداً. وبهذا، فهي ليست متجددة وليست مستدامة.

هنا، قد يقول قائل إن الفحم والنفط والغاز غير مستدامة أيضاً. ومشاريعها غير مستدامة. والرد على ذلك هو: لم يقُل أحد إنها متجددة أو مستدامة أصلاً، ولا ينكر أحد أثرها البيئي السلبي. الفرق أن كثافة الطاقة في الوقود الأحفوري عالية جداً مقارنة بما يمكن للطاقة الشمسية وطاقة الرياح أن توفره. نعم، ليس هناك أي طاقة "متجددة" وليس هناك أي طاقة "مستدامة".

إن التركيز على كون الطاقة الشمسية وطاقة الرياح متجددة ومستدامة مضلل. وثمن هذا التضليل عالٍ جداً بسبب انخفاض الاستثمارات في مصادر الطاقة الأخرى، في وقت لن تفي الطاقة الشمسية والرياح بالطلب على الكهرباء، فترتفع التكاليف على الجميع. هذا الارتفاع يجبر الفقراء على اللجوء إلى مصادر طاقة رخيصة كاستخدام الفحم وروث الحيوانات وقطع الأشجار من الغابات. وهذا كله يتنافى مع الأهداف البيئية والمناخية الداعية إلى استخدام الطاقة الهوائية والشمسية.

خلاصة القول إنه علينا موازنة أمن الطاقة وأمن البيئة. وهذا التوزان يعني أننا بحاجة إلى مصادر الطاقة كلها، بما في ذلك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. ويعني أيضاً التركيز على الطاقة النووية والغاز الطبيعي. وعلى الجميع أن يدرك أن حصر قطاع الكهرباء في الطاقة الشمسية والرياح يتنافى مع أبسط قواعد سياسات أمن الطاقة والأمن القومي لأي بلد. وهذا مكتوب... ليس في الخطط والقوانين الأميركية والأوروبية فحسب، إنما في تعليمات الوكالة الدولية للطاقة أيضاً!

المزيد من آراء